تواجه إيران تحديات بيئية متزايدة تهدد سلامة سكانها وتراثها التاريخي، حيث يقدر أن حوالي 39 مليون شخص يعيشون في مناطق معرضة للزلازل القوية، في حين أن الهبوط الأرضي يطال مساحات واسعة من البلاد، يعزى جزء كبير من هذه الظواهر إلى الأنشطة البشرية مثل استخراج المياه الجوفية بشكل مفرط، مما يزيد من خطورة الوضع.
خطر الزلازل يهدد 39 مليون شخص في إيران
قال مهدي زارع، عالم الزلازل والأستاذ في معهد أبحاث الزلازل، إن التقييمات الأخيرة تشير إلى أن حوالي 39 مليون شخص في إيران يعيشون في مناطق معرضة لهذه الظاهرة.
وأوضح مهدي زارع أن البلاد تواجه حاليًا أزمة هبوط أرضي، وهناك إحصائيات مقلقة بشأن هذا الموضوع.
وأضاف أن الهبوط الأرضي يعد قضية بيئية حيوية في إيران، تحدث لأسباب مختلفة، من بينها الإفراط في استخراج المياه الجوفية والأنشطة البشرية الأخرى.
وأشار إلى أن حوالي 30% من إجمالي مساحة إيران تتألف من سهول، وهي مناطق خصبة ومناسبة للزراعة وكذلك للتنمية الحضرية، وأضاف أن معظم المدن والمناطق التي تعاني من هبوط أرضي ملحوظ بُنيت على سهول رسوبية.
بحسب قوله، يُقدّر أن حوالي 25% من المناطق الحضرية في إيران تعاني من درجات متفاوتة من هبوط أرضي.
وأضاف أن التقارير تشير إلى أن حوالي 5% من إجمالي مساحة إيران معرضة لهبوط أرضي شديد، وأن حوالي 18.5 مليون هكتار، أو ما يقرب من 11% من إجمالي مساحة البلاد، تتأثر بدرجات مختلفة من هذه الظاهرة، وتختلف شدة المشكلة بين المحافظات، حيث يصل معدل الهبوط في بعض مناطق محافظتي طهران وفارس إلى أكثر من 40 سم سنويًا.
وأشار إلى أن عواقب الهبوط الأرضي خطيرة للغاية، حيث إنها لا تهدد فقط البنية التحتية، بل تمتد آثارها إلى تهديد سبل معيشة وسلامة ملايين البشر، وأكد ضرورة اتخاذ إجراءات من خلال إدارة فعالة واستراتيجيات تدخلية لمواجهة هذا التحدي البيئي، وذلك حسبما ذكر الموقع الإيراني “دنياى اقتصاد“.
ظاهرة الهبوط الأرضي
كتب مهدي زراع: بحلول عام 2024، تأثرت حوالي 3.5% من مساحة إيران ظاهرة هبوط الأرض، وإذا افترضنا أن السهول تشكل نحو 15% من إجمالي مساحة البلاد، فإن حوالي 23% من هذه السهول، أي ما يعادل ربعها تقريبًا، تعاني من الهبوط.
تجدر الإشارة إلى أن حوالي 10% من السهول التي أُبلغ عن الهبوط فيها تشهد معدلات هبوط تتجاوز 10 سنتيمترات سنويًا، نحو 45 سهلًا من بين 400 سهل في إيران تم تسجيل حالات هبوط أرضي فيها.
تعد محافظات طهران، أصفهان، فارس، خراسان رضوي، وكرمان من أكثر المناطق تضررًا، حيث تم تسجيل أعلى معدلات من الهبوط فيها، أول تقرير عن الهبوط الأرضي يعود إلى سهل رفسنجان، حيث تم تسجيل هذه الظاهرة والإبلاغ عنها في عام 1977، وفي أجزاء من هذا السهل، تم تسجيل هبوط أرضي بمعدل 37 سنتيمترًا سنويًا في عام 2023. وذلك حسبما ذكرت الصحيفة الإيرانية “هم ميهن“.
أسباب هذه الظاهرة
تشهد محافظة البرز ومدينتي ساوجبلاغ ونظر آباد على التوالي هبوطًا أرضيًا بمعدل 29 و 27 سنتيمترًا سنويًا، السبب الرئيسي لحدوث الهبوط الأرضي في إيران هو الاستغلال المفرط للمياه الجوفية في الري الزراعي والاستخدامات الصناعية والحضرية، وقد أدى ذلك إلى استنزاف طبقات المياه الجوفية وتقليص الوصول إلى المياه للاستخدامات المنزلية والزراعية.
لقد أثر الهبوط الأرضي على المعالم التاريخية في إيران، مثل ميدان نقش جهان في أصفهان، والمساجد القديمة، وقلعة تخت جمشيد، ومجموعة نقش رستم، كما أن الهبوط الأرضي قد أثر على البنية التحتية في إيران، بما في ذلك المطارات والطرق والسكك الحديدية، وذلك حسبما ذكرت الصحيفة الإيرانية “هم ميهن“.
تعرض التراث التاريخي الإيراني للخطر
أهم إجراء يمكن أن يساعد في التخفيف من سرعة الهبوط الأرضي أو تقليصه هو تقليل استخراج المياه الجوفية، ولتحقيق ذلك، أصبح تحسين التخطيط لاستخدام الأراضي أمرًا بالغ الأهمية، كما أن الهبوط الأرضي في المناطق التي تحتوي على تراث تاريخي غني أصبح مصدر قلق كبير، العديد من المباني التاريخية في إيران، مثل تخت جمشيد، نقش رستم، قصر جولستان، والمساجد والأسواق المختلفة، تم بناؤها باستخدام مواد قد لا تكون قادرة على تحمل هبوط الأرض الكبير.
العديد من المواقع لها قيمة تاريخية كبيرة بالنسبة للمدن والمحافظات التي تحتضنها، وهي جزء أساسي من الهوية الوطنية لتلك المناطق، يجب أن تأخذ مشاريع الترميم بعين الاعتبار ، إلى جانب الحفاظ على الأصالة التاريخية، تعزيز البنية الهيكلية ضد الهبوط الأرضي في المستقبل، مما يتطلب معرفة متخصصة من عدة مجالات، مثل الهندسة والآثار وعلوم ترميم وحفاظ الإرث الثقافي.
وفقًا للملاحظات الأخيرة، في عام 2024 م، يحدث الهبوط الأرضي على بعد 300 متر من تخت جمشيد، وعلى بعد 10 إلى 15 مترًا من نقش رستم، بالإضافة إلى ذلك، في نفس العام، تعرض نقش رستم، وخاصة نصب زرتشت، للهبوط الأرضي وتسوية التربة، هذه الملاحظات تثير القلق بشأن استدامة هذه المواقع الأثرية المهمة في إيران.
يمكن أن يؤدي الهبوط الأرضي إلى ظهور شقوق وتصدعات تهدد تماسك هذه المباني، الأضرار الظاهرة في نقش رستم تشمل شقوقًا بعمق مختلف يصل أحيانًا إلى 50 سنتيمترًا، على الرغم من المحاولات لملء هذه الشقوق بالرمل والحصى، تمت ملاحظة أن هذه الشقوق تتوسع، واستمرار هذه الشقوق يشير إلى أن الظروف الأساسية تتدهور، مما قد يؤدي في النهاية إلى أضرار أكبر لنصب زرتشت، وإن أهمية تخت جمشيد ونقش رستم الثقافية لا يمكن المبالغة فيها، حيث يمثلان مكونات حيوية من الهوية التاريخية لإيران.
الهبوط الأرضي لا يهدد الهياكل المادية فقط، بل يهدد أيضًا النقوش الحجرية والمقابر القيمة التي تعود إلى ملوك الفرس مثل داريوش الكبير وخشایارشا على المدى الطويل، وبما أن هذه المواقع تواجه مخاطر متزايدة بسبب العوامل البيئية مثل الأمطار وانخفاض مستويات المياه الجوفية، فإن الحفاظ عليها أصبح أمرًا بالغ الأهمية.
نقص الموارد المالية والمشاكل الإدارية في الحفاظ على هذه المواقع في حالتها الحرجة قد أعاق محاولات تنفيذ أعمال الترميم أو الإجراءات الوقائية ضد المزيد من الهبوط الأرضي، قامت الفرق المتخصصة بزيارة هذه المواقع لمراقبتها والقيام بمحاولات الترميم، زنظرًا لمقياس الهبوط الأرضي الذي يؤثر على مناطق واسعة في إيران، بما في ذلك المناطق المحيطة بمحافظة فارس التي تضم تخت جمشيد ونقش رستم، فإن هناك حاجة إلى خطة شاملة ومتماسكة للسيطرة على الوضع. وذلك حسبما ذكرت الصحيفة الإيرانية “هم ميهن“.
كيفية التصدي لهذه الظاهرة
أساليب إدارة المياه المستدامة: تشمل وقف استخراج المياه من الآبار العميقة وطرق التحكم في استخراج المياه الجوفية، مثل مراقبة مستوى المياه ووضع قيود على كمية المياه القابلة للاستخراج، يمكن أن يساعد الترويج لتقنيات جمع مياه الأمطار في تقليل الاعتماد على الموارد المائية الجوفية، واستعادة الغابات وحماية التربة من خلال زراعة النباتات في محيط هذه المواقع التاريخية يمكن أن يساعد في تثبيت هيكل التربة، وتقليل التعرية، وتحسين الاحتفاظ بالمياه في التربة. وذلك حسبما ذكرت الصحيفة الإيرانية “هم ميهن“.