كتب: محمد بركات
بينما تنشغل إيران في حرب خارجية متعددة الجبهات لحماية الداخل، يعاني الداخل الإيراني من أزمات صعبة يمكن أن يكون لها التأثير المدمر نفسه للحروب الخارجية أو أشد، فبينما تعاني إيران من معدلات إنجاب متدنية ونسبة طلاق عالية، تأتي ظاهرة كالزواج الأبيض لتضرب مسمارا آخر في نعش الاستقرار الأسري بالمجتمع، وعلى الرغم من أن أسبابه تختلف ما بين اجتماعية ودينية واقتصادية، فإنه يعكس مؤشرات خطرة داخل نواة المجتمع.
ما هو الزواج الأبيض ومتى ظهر في إيران؟
الزواج الأبيض هو ارتباط يقوم بين رجل وامرأة دون أن يكون له وجاهة قانونية أو شرعية، كما أنه لا يكون محدد المدة كزواج المتعة وهو المحلل في المذهب الشيعي.
في هذا النوع من الزواج، لا يتم عقد النكاح، مما يجعله يفتقر إلى الشرعية اللازمة، فبموجب المادة 1062 من القانون المدني الإيراني، فإن الزواج الصحيح هو الذي يتكوّن من إيجاب وقبول يدلان صراحةً على نية الطرفين الزواج. وبما أن الزواج الأبيض لا يتضمن هذه النية، فإنه لا يتمتع بالوجاهة القانونية المطلوبة.
وفي الواقع، يقوم الرجل والمرأة في الزواج الأبيض ببدء حياتهما معا في بيت واحد دون تسجيل رسمي أو قانوني للزواج، ودون اتباع العادات والتقاليد المتعارف عليها في الزواج الرسمي، كما لا يأخذان في الاعتبار الأحكام الشرعية، ومن الطبيعي أنه في مثل هذه العلاقة، لا يكون هناك التزام قانوني أو شرعي بين الطرفين، ومن ثم لا يمكن لأي منهما المطالبة بحقوق معينة تجاه الآخر.
هذا وقد ظهر الزواج الأبيض، أو ما يعرف في المجتمعات العربية بالمساكنة، في إيران خلال سبعينيات القرن الماضي، وكانت آنذاك ظاهرة جديدة ومستهجنة اجتماعيا، وجاء انتشارها في إيران متزامنا مع التوسع السريع لهذه الظاهرة في الولايات المتحدة وأوروبا.
ووفقا للتقارير الصحفية الإيرانية آنذاك، فقد كان يشار إليها بمصطلحات مثل الانحلال الأخلاقي الجديد، والعيش معا دون عقد زواج، في حين لم يكن هناك أي ذكر لمصطلح الزواج الأبيض، الذي يعد تسمية حديثة لهذه الظاهرة.
انتشار الظاهرة في المدن الكبرى
وحول انتشار هذه الظاهرة في الوقت الحالي، أكد شريفي يزدي، باحث في علم النفس والاجتماع، خلال تصريحات له في 19 فبراير/شباط 2025، أن هذه الظاهرة شهدت تصاعدا ملحوظا منذ العام 2018، خاصة في المدن الكبرى مثل طهران، وأرجع أسباب هذا الانتشار إلى الأوضاع الاقتصادية الصعبة، وارتفاع تكاليف الزواج، إلى جانب المسؤوليات الاجتماعية والقانونية المترتبة على الزواج التقليدي.
كما أوضح يزدي أن الفتيات غالبا ما يدخلن في هذه العلاقات على أمل أن تتحول إلى زواج رسمي، لكن في معظم الحالات لا يحدث ذلك، أما الرجال، فيختارون هذا النوع من العلاقات؛ لتجنب الالتزامات القانونية والاجتماعية، مع الاحتفاظ باستقرار حياتهم الشخصية.
وأشار الباحث إلى أن الزواج الأبيض في الدول الغربية يحظى باعتراف قانوني، مما يمنح الطرفين حقوقا متساوية في حال الانفصال، في حين أنه في إيران، لا يتمتع هذا النوع من العلاقات بأي حماية قانونية، مما يجعل النساء عرضة لخسائر نفسية واجتماعية واقتصادية كبيرة.
أسباب انتشار الزواج الأبيض في إيران
اختلفت الأسباب التي دفعت إلى انتشار هذه الظاهرة بين الشباب الإيراني، ولكن تأتي على قمة تلك الأسباب المشكلات الاقتصادية، حيث دفع ارتفاع تكاليف المعيشة، وضمن ذلك السكن، والأثاث، ومصاريف الزواج، إلى جانب البطالة، عديدا من الشباب إلى تجنب الزواج الرسمي واللجوء إلى الزواج الأبيض كحل بديل لتلبية احتياجاتهم العاطفية والجسدية.
كذلك، ارتفاع سن الزواج، فتأخر الزواج يؤدي إلى زيادة صعوبة إيجاد الشريك المناسب، مما يجعل البعض يلجأ إلى الزواج الأبيض كوسيلة للتعايش دون التزامات رسمية، كما أن ارتفاع سن الزواج مرتبط بمشكلات اجتماعية وثقافية واقتصادية يصعب حلها بسهولة.
أيضا فزيادة معدلات الطلاق كانت أحد الأسباب الرئيسية لانتشار هذه الظاهرة، ففي السنوات الأخيرة، ارتفعت نسبة الطلاق بشكل ملحوظ، مما خلق حالة من الخوف والتردد تجاه الزواج الرسمي، وبالتالي لجأ بعض الأفراد إلى الزواج الأبيض كبديل مؤقت.
أضرار الزواج الأبيض على الطرفين والمجتمع
لا تقتصر أضرار الزواج الأبيض على الطرفين فقط، بل تمتد لتشمل المجتمع، حيث تُلحق به آثارا سلبية تؤثر على بنيانه الاجتماعي واستقراره، من أبرز هذه الأضرار التأثيرات النفسية السلبية التي تلي الانفصال، إذ إن هذه العلاقات غالبا ما تُبنى على أسس هشة وغير واضحة، مما يجعلها غير مستقرة وغير قائمة على أي التزام حقيقي، الأمر الذي يزيد من حدة الصدمات العاطفية عند انتهاء العلاقة.
إحدى المشكلات الأخرى التي تترتب على الزواج الأبيض هي الخيانة بين الطرفين، وذلك بسبب غياب الالتزام القانوني أو الأخلاقي، مما يجعل كل طرفٍ أكثر عرضة للخيانة دون أي قيود تردعه، كما أن هذا النوع من العلاقات يؤدي في كثير من الأحيان إلى نبذ الطرفين من قِبَل العائلة؛ نظرا إلى عدم قبول المجتمع مثل هذه العلاقات، مما قد يتسبب في عزلة اجتماعية للمنخرطين فيها.
وعلى مستوى المجتمع، يسهم الزواج الأبيض في انتشار الفساد وضعف قيمة الأسرة، حيث يؤدي إلى تراجع أهمية مؤسسة الزواج التقليدي ويضعف من بنيانها، الأمر الذي قد يُفضي إلى تداعيات اجتماعية خطيرة. إضافة إلى ذلك، فإن عدم تسجيل الزواج قانونيا يحرم أحد الطرفين، خاصةً المرأة، من أي حقوق قانونية، مما يعقد الأمور في حالة الانفصال أو وجود أبناء مشتركين.
علاوة على ذلك، يسهم الزواج الأبيض في انخفاض قيمة الزواج الرسمي، إذ يصبح الشباب أكثر ترددا في الالتزام بالزواج الشرعي، كما يؤدي إلى تراجع الرغبة في الزواج التقليدي، حيث يراه البعض أقل تكلفة وأقل التزاما، كما يؤثر بشكل كبير على حياة الأطفال الناتجين عن هذا الزواج.
وحول هذا الأمر، كان محمد مهدي تند جويان، نائب رئيس هيئة تنظيم شؤون الشباب، قد صرح في يوليو/تموز 2024، وذلك في معرض حديثه عن وضع الأطفال الناتجين من هذا النوع من العلاقات، قائلا: “إن أحد المخاطر القائمة هو المصير المجهول لهؤلاء الأطفال، الذين قد يأتون إلى الحياة دون تخطيط مسبق، ما الذي سيحلّ بهؤلاء الأطفال في المستقبل؟ فهم بحاجة إلى التسجيل في المدارس والحصول على وثائق رسمية، في حين أن ولادتهم لم تُسجَّل قانونيا. وإذا استمرت هذه المشكلة، فقد نواجه كارثة اجتماعية في المستقبل”.
وتابع: “لذا، إذا لجأ الشباب إلى مكاتب الاستشارات وتعرّفوا على العواقب القانونية والاجتماعية لـ(الزواج الأبيض)، فقد يدركون أنهم ربما لم يتخذوا القرار الصحيح كما يعتقدون”.
عقوبات الزواج الأبيض في إيران
وفقا للقانون الإيراني، يعاقب الطرفان في العلاقات غير المشروعة كالزواج الأبيض، فتصل العقوبة القانونية لمثل هذه العلاقات إلى 99 جلدة في حال ثبت وقوع الزنا، أما إذا كان أحد الطرفين متزوجا، فإن الفعل يُصنَّف على أنه زنا محصن، مما يستوجب عقوبة أشد يحددها القانون وفقا لما يراه القاضي، حيث هناك عدة عقوبات أمام القاضي وفقا للقانون، منها: إذا ارتكب رجل أعزب الزنا مع امرأة متزوجة، فإن عقوبة المرأة هي الرجم، بينما يُجلد الرجل، لأن الزنا في حقه يُعتبر غير محصن، وإذا زنت فتاة غير متزوجة مع رجل متزوج، فإن الرجل يُرجم، في حين تُجلد المرأة، أما في الحالات التي يكون فيها الزوج أو الزوجة بعيدين عن محل إقامة شريكهم الشرعي ويرتكبون فعل الزنا، فإن الحد المطبق هو الرجم على كليهما.
ولم يتوقف القانون الإيراني عند هذا الحد، بل طالت عقوباته كل الأطراف المشاركة في هذا الأمر، ففي حين أن تأجير المنازل للأفراد لا يُعد جريمة بحد ذاته، لكن إذا قام شخص بتأجير عقار بغرض تسهيل العلاقات غير المشروعة بشكل منظم ومخطط له، فإنه يُعتبر متواطئا أو مسهّلا لمثل هذه العلاقات، مما يجعله خاضعا للعقوبات القانونية التي قد تصل للسجن.