كتب: محمد بركات
تعتبر الأزمة السورية واحدة من أكثر الصراعات تعقيدا في العصر الحديث، حيث تشابكت فيها المصالح الإقليمية والدولية. ومع تصاعد الأحداث، بات المشهد السوري ساحة لتنافس الأطراف الأخرى.
هذا التداخل جعل من سوريا مسرحا لصراعات أوسع تتجاوز حدودها، إذ تسعى كل جهة لتحقيق أهدافها الاستراتيجية. حالة زادها تعقيدا دخول قوات سوريا الديمقراطية (قسد) على خط الاشتباك ضد فصائل المعارضة السورية المسلحة، مما يرسم نهاية غير واضحة لوضع يزداد تأزما، وذلك وفق وسائل الإعلام المختلفة والتي تناولت ما يحدث في سوريا بالتفصيل.
ففي الأيام الأخيرة، شهدت سوريا تصاعدا كبيرا في حدة الاشتباكات، حيث تمكنت الفصائل المسلحة بقيادة هيئة تحرير الشام من السيطرة على مناطق استراتيجية في شمال غربي البلاد، وضمن ذلك الأحياء الغربية لمدينة حلب. وقد امتدت هذه الاشتباكات إلى مناطق إدلب وحلب، حيث استخدمت فصائل المعارضة السورية المسلحة الطائرات المسيّرة والأسلحة الثقيلة بشكل واسع، ما أتاح لها تحقيق تقدم في مواجهة الجيش السوري. من جهة أخرى، يحاول الجيش السوري، بدعم من روسيا وإيران، استعادة السيطرة على المناطق التي فقدها. وفي تطور لافت، بدأت “قسد” في الانخراط بشكل مباشر في الاشتباكات ضد فصائل المعارضة السورية المسلحة، التي تحظى بدعم تركي (وفق ما تقول الحكومة الإيرانية) ، مما أدى إلى تصعيد الموقف بشكل كبير في المنطقة، وذلك وفقا لما نشره موقع همشهري أونلاين الإخباري بتاريخ 28 نوفمبر/تشرين الثاني 2024.
لماذا دخلت قوات سوريا الديمقراطية إلى ميدان المعركة؟
تشير التقارير الاعلامية إلى أن الهجمات المتكررة من جانب تركيا والفصائل المدعومة منها على مواقع “قسد” في شمال سوريا، خاصة في مناطق مثل تل رفعت ومنبج، دفعت قوات “قسد” إلى اتخاذ خطوات هجومية أو تصعيدية ردا على تلك العمليات، كذلك تسعى “قسد” إلى تأكيد سيطرتها على المناطق الحدودية ومنع توسع الفصائل المدعومة من تركيا في مناطق الشمال السوري، التي تعتبرها “قسد” جزءا من نطاق سيطرتها الاستراتيجية، وذلك وفق تقرير نشره موقع شبكة العالم.
أيضا فإنَّ تدخل “قسد” ضد المعارضة السورية المسلحة قد يكون وسيلة للضغط على تركيا وتحالفاتها، خاصة في ظل العلاقات المتوترة بين أنقرة وواشنطن، التي تدعم “قسد” بشكل مباشر، وذلك حسبما جاء في تقرير موقع شبكة العالم بتاريخ 2 ديسمبر/كانون الأول 2024.
المشهد المعقد للساحة السورية
يكتنف المشهد السوري الحالي العديد من التعقيدات؛ ذلك أن هناك عدة جهات تحرك المشهد في الداخل، وتلك الجهات نفسها تحركها قوى إقليمية ودولية، ففي الجانب الأول توجد الحكومة السورية والجيش تحت قيادة بشار الأسد، ويمثل الجيش السوري الطرف الحكومي في الصراع، والذي يعمل على استعادة السيطرة على الأراضي السورية بالكامل، مدعوما من حلفائه الإقليميين والدوليين، كروسيا التي توفر الدعم العسكري المباشر عبر قواعدها الجوية في حميميم وطرطوس، إلى جانب الغارات الجوية والدعم اللوجستي، وإيران التي تدعم الحكومة السورية من خلال قوات الحرس الثوري وحزب الله اللبناني، وذلك حسبما جاء في تقرير موقع فراروا الإخباري بتاريخ 30 نوفمبر/تشرين الثاني 2024.
كذلك توجد فصائل المعارضة المسلحة التي تشتمل على مجموعات متباينة في أيديولوجياتها وأهدافها، وتوجد بشكل رئيسي في شمال سوريا، تدعمها تركيا عسكريا ولوجستيا، حيث تعتبر الأخيرة هذه الفصائل أداة للحد من نفوذ القوات الكردية على حدودها.
وهناك قوات سوريا الديمقراطية (قسد) بقيادة وحدات حماية الشعب الكردية (YPG)، والتي تسيطر على مناطق واسعة في شمال وشرق سوريا، وتركز على بسط نفوذها على الأراضي السورية مدعومة من الولايات المتحدة، حيث تقدم واشنطن دعما عسكريا لـ”قسد”، وكذلك الدول الأوروبية.
الأبعاد السياسية للصراع
إن الصراع العسكري في سوريا ما هو إلا صدى لصراع سياسي يدور في المنطقة، فإنَّ تصاعد الاشتباكات العسكرية في سوريا بالتزامن مع تهديدات إسرائيلية متزايدة ضد الحكومة السورية، يعكس مساعي إسرائيل لإضعاف الدولة السورية، وذلك وفق ما نشره موقع فرارو الإخباري بتاريخ 12 ديسمبر/كانون الأول 2024.
كما أن الهجمات الجوية المتكررة التي تشنها إسرائيل على الأراضي السورية، تشير إلى وجود خطة تهدف إلى منع دمشق من استعادة قوتها، بينما تسعى أنقرة، من خلال دعمها لعمليات الجماعات المسلحة، إلى زيادة الضغط على دمشق، خصوصا بعد رفض بشار الأسد الشروط التركية لتطبيع العلاقات. كما تعمل تركيا على الحفاظ على نفوذها في المناطق الشمالية من سوريا؛ لضمان أمن حدودها ومنع قيام كيان كردي مستقل، وذلك وفق ما نشره موقع فرارو الإخباري بتاريخ 12 ديسمبر/كانون الأول 2024.
ومن جهة أخرى تعتبر إيران هذه التوترات جزءا من “مخطط أمريكي-إسرائيلي” يهدف إلى إضعاف محور المقاومة. في حين تؤكد روسيا، باعتبارها شريكا استراتيجيا لدمشق، ضرورة الحفاظ على سيادة سوريا، وتواصل دعمها العسكري للحكومة السورية، وذلك وفق ما نشره موقع فرارو الإخباري بتاريخ 12 ديسمبر/كانون الأول 2024.
وفي إطار تنفيذ تلك السياسات والأجندات، يعاني المواطن السوري من حالة معيشية صعبة، فقد أدى تصاعد الاشتباكات إلى نزوح آلاف الأشخاص، أغلبهم من النساء والأطفال، مما فاقم الأوضاع الإنسانية في مخيمات اللاجئين، كذلك فقد أسفر استهداف المناطق السكنية والمؤسسات التعليمية، وضمن ذلك قصف جامعة حلب، عن سقوط قتلى وجرحى بين المدنيين.
وبين سيناريوهات متعددة تحملها الأيام القادمة، كاستمرار النزاع المسلح بين الفصائل أو جلوس الأطراف الدولية على طاولة المفاوضات، فإن الوضع الحالي في سوريا يعكس مرحلة جديدة من الصراعات الإقليمية والدولية، حيث تلقي مصالح الأطراف المتعددة بظلالها على مصير الشعوب.