كتب – حسن قاسم
في ظل الوضع المثير للاضطراب النفسي، يسعى الاحتلال ومسؤولو البيت الأبيض إلى السيطرة على الحالة النفسية للمجتمع الإسرائيلي واليأس والقلق والإحباط الذي تفشى في صفوف جنود الاحتلال أكثر من أي شيء آخر، من خلال تسليط الضوء على وجود قائد القيادة المركزية في الأراضي المحتلة ونشر أخبار غير موثوقة وغير محتملة مثل تشكيل تحالف عسكري إقليمي للدفاع عن إسرائيل.
نرصد في هذا التقرير أهم التطورات في منطقة الشرق الأوسط وكذلك الاستعدادات العسكرية من كل الأطراف في إطار وضع اللمسة النهائية قبل اندلاع الحرب بين إيران وإسرائيل كما تزعم بعض وسائل الإعلام.
أفاد تقرير نشره موقع “الوقت” التحليلي – الإخباري بتاريخ السبت 10 أغسطس/ آب 2024، أنه قد زاد مستوى التوترات في المنطقة في ظل استمرار نظام الاحتلال في الأعمال الإجرامية في غزة واغتيال قادة المقاومة في لبنان وإيران، كما كثفت أمريكا هي الأخرى من أنشطتها العسكرية في المنطقة بالتزامن مع التحركات السياسية.
وفي هذا الصدد، كانت الزيارات المتكررة لمسؤولين عسكريين أميركيين رفيعي المستوى إلى المنطقة قد حظيت باهتمام كبير خلال الأيام الأخيرة، ومن بينها رحلتان للجنرال “مايكل كوريلا”، القائد العسكري الأمريكي الأعلى في الشرق الأوسط (CENTCOM) إلى الأراضي المحتلة واجتماعاته مع المسؤولين العسكريين في نظام الاحتلال. كما زار بعض الدول العربية التي تتمركز فيها قوات أمريكية.
في هذه الأثناء، وفقًا لتقارير إعلامية، وفي أعقاب اغتيال هنية، وضع البنتاغون المزيد من السفن الحربية والطائرات على جدول أعمالهم في المنطقة وعززوا وجودهم العسكري في البحر المتوسط والبحر الأحمر.
مهمة كوريلا؛ التهدئة من روع الاحتلال
غطت وسائل إعلام نظام الاحتلال على نطاق واسع تواجد رئيس القيادة المركزية في الأراضي المحتلة مع توقعات بنجاح هذا الجنرال الأمريكي – تماشيًا مع مساعي بلينكن الدبلوماسية في المنطقة – لتشكيل تحالف عسكري إقليمي وحشد القدرات الدفاعية من الدول العربية المتحالفة مع الولايات المتحدة للدفاع عن إسرائيل ضد أي هجوم محتمل من جبهة المقاومة.
وفي الوقت نفسه، غطى جيش الاحتلال كذلك التغطية الإعلامية لاجتماعات وبرامج قائد القيادة المركزية في الأراضي المحتلة، كما قال المتحدث باسم جيش نظام الاحتلال “أفيخاي أدرعي” في بيان مقتضب نُشر على منصة X: “زار الجنرال الأمريكي مقر قيادة القوة الجوية وقيّم الوضع مع قائدها اللواء تومر بار.”
من جانبه، أعلن البنتاغون أنه سيتم إرسال قوات إضافية إلى المنطقة، بما في ذلك حاملة طائرات إضافية “يو إس إس أبراهام لنكون” ومدمرات بحرية قادرة على إسقاط الصواريخ الباليستية وعدد غير محدد من الطائرات المقاتلة المتقدمة للغاية من طراز إف-22.
وقالت نائبة السكرتير الصحفي للبنتاغون “سابرينا سينغ” الخميس 7 أغسطس/ آب 2024 عن عمليات النشر الجديدة: “أعتقد أنها رسالة ردع قوية للغاية”.
هذا في حين أن مجموع هذه التحركات التي تسعى إلى إبراز وجود القائد العسكري الأميركي والعتاد العسكري الأميركي في إسرائيل والمنطقة قد وضعت ضبط الأوضاع النفسية داخل الأراضي المحتلة على جدول الأعمال أكثر من أي شيء آخر.
وفي الأيام الأخيرة، أظهرت تقارير عديدة من وسائل الإعلام التابعة للنظام أن الوضع الاجتماعي والأمني والنفسي في جميع مناطق الأراضي المحتلة أصبح فوضويًا بسبب الخوف والقلق الناجم عن توقع هجوم من قبل إيران وحزب الله، ولقد تم تعطيل روتين الحياة الطبيعي تمامًا؛ بما في ذلك مهاجمة الملاجئ وتخزين المواد الغذائية والطبية ومحاولة مغادرة إسرائيل وإلغاء الرحلات الجوية إلى الأراضي المحتلة وما إلى ذلك. وهذه القضية أكثر أهمية، خاصة في المناطق التي تتعرض لتهديد صواريخ المقاومة، وتضع اقتصاد إسرائيل تحت دائرة الضوء.
إحدى هذه المناطق هي مدينة حيفا الساحلية، حيث يتم حوالي 70٪ من الأنشطة الاقتصادية في الأراضي المحتلة من خلال نافذة هذه المدينة الساحلية. وذكرت صحيفة هآرتس الإسرائيلية مؤخرًا أن سكان حيفا، التي يبلغ عدد سكانها حوالي 280 ألف نسمة، يختبئون في 110 ملاجئ عامة ومئات الملاجئ الخاصة.
ويعترف محلل الصحيفة بأن التهديد الإيراني الوشيك لإسرائيل سيشكل تحديًا أكبر من هجومها السابق في أبريل/ نيسان 2023.
واعتراف كذلك بقدرات حزب الله مع ترسانة ضخمة من الأسلحة بما في ذلك صواريخ دقيقة للغاية وطائرات بدون طيار، وأشارت الصحيفة إلى أن إسرائيل قد تواجه هجمات محتملة من أي اتجاه.
وتضيف صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية أنه بالنظر إلى قرب الموقع الجغرافي لحزب الله من المراكز الحيوية للنظام، فإنها تعترف بأن نظام الدفاع الجوي الإسرائيلي سيواجه تحديًا غير مسبوق، أكبر بكثير من ذلك الذي واجهه في أبريل/ نيسان 2023.
في الوقت الراهن، ورغم المساعي التي يبذلها المسؤولون الحكوميون في النظام مثل رئيس الوزراء “بنيامين نتنياهو” الذين أعلنوا مرارًا وتكرارًا أن النظام جاهز لمواجهة أي هجوم؛ إلا أن سكان الأراضي المحتلة أعلنوا في حديث مع وسائل الإعلام أنهم يثقون بتهديدات “حسن نصر الله” أكثر من وعود مسؤوليهم.
ووصل الوضع إلى حد أن المتحدث باسم الجيش، أشار إلى أنه ليس من الممكن توفير الحماية الكاملة للمواطنين الإسرائيليين، حيث أعلن الأسبوع الماضي: “كل مواطن، أينما كان، ملزم بمعرفة التعليمات واليقظة.”
القيادة المركزية في إسرائيل
كانت إسرائيل لسنوات عديدة تابعة لمنطقة عمليات القيادة الأمريكية الأوروبية (EUCOM)، بينما كانت القيادة المركزية (CENTCOM) تغطي الدول العربية المتحالفة مع أمريكا في المنطقة.
لكن في الأيام الأخيرة لإدارة ترامب، قرر البنتاغون نقل إسرائيل إلى الفئة الفرعية للتغطية العملياتية للقيادة المركزية الأمريكية من أجل زيادة الدعم العسكري للنظام وكذلك تسريع عملية تشكيل تحالف إقليمي للدول العربية ونظام الاحتلال؛ من أجل توسيع ما يسمى باتفاقيات “إبراهيم” للتطبيع.
وفي الوقت الحالي، إن نوعية الوجود العسكري الأمريكي في الأراضي المحتلة ليست واضحة تمامًا، ويقال فقط إن الوجود الأمريكي يشمل قاعدة الموقع 512 السرية، التي تعمل على الرصد الراداري ضد تهديدات الصواريخ الباليستية. كما تدعم القوات الأمريكية نظام الدفاع الصاروخي “القبة الحديدية” في قاعدة نيفاتيم الجوية في صحراء النقب.
وفي الفترة التي أعقبت عملية طوفان الأقصى وبدء الحرب في غزة، صرح مسؤولو القيادة المركزية أن هذا النظام كان بجانب تل أبيب في مراحل مختلفة من الحرب، فضلًا عن تولي القيادة المركزية مسؤولية إنشاء درع دفاعي بحري في البحر الأحمر للكيان.
وفي 31 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، أكد المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي “دانيال هاغاري” خلال المراحل الأولى من الحرب على هذه التعاونات وقال: “نحن نعمل بالتنسيق مع الجيش الأمريكي والقيادة المركزية. لقد أثبت انتقال إسرائيل إلى القيادة المركزية قبل عامين نجاحه بشكل ملحوظ. لقد أنشأنا قاعدة بنية تحتية لنقل البيانات والاستخبارات والعمليات الجوية المشتركة مع القيادة المركزية والأسطول الخامس.”ومع ذلك، فإن قواعد القيادة المركزية الأمريكية في الأراضي المحتلة ليست سوى جزءٍ من دعم القيادة المركزية الأمريكية لنظام الاحتلال.
خصائص الوجود العسكري الأمريكي في المنطقة
تحتفظ أمريكا بوجود عسكري كبير في الشرق الأوسط بامتلاكها ما يقرب من 45 ألف جندي، والعديد من القواعد، والأساطيل الجوية والبحرية؛ مما يزيد من مخاوف نشوب صراع إقليمي محتمل.
ويعود الوجود العسكري لواشنطن في الشرق الأوسط إلى عقود من الزمن، وبلغ ذروته في عام 2007 بحضور حوالي 160 ألف جندي في العراق، وأكثر من 100 ألف جندي في أفغانستان في عام 2011.
ومع الانسحاب التدريجي من أفغانستان والعراق خلال العقد الماضي، أصبح لدى أمريكا الآن حوالي 3500 جندي في العراق وسوريا. كما خفضت أمريكا وجودها العسكري في العراق إلى 2500 فرد بحلول عام 2021، وتزعم أن دور هذه القوات تم تغييره من المهام العملياتية إلى الأدوار الاستشارية غير القتالية. وتعد قاعدة الأسد الجوية في محافظة الأنبار غرب العراق من أهم مراكز انتشار القوات الأمريكية في هذه البلاد.
كما تتواجد القوات الأمريكية في سوريا كذلك في قواعد صغيرة بشكل رئيسي في شمال شرق البلاد، مثل حقلي العمر والشدادي النفطيين، وقاعدة تسمى التنف بالقرب من الحدود السورية مع العراق والأردن.
بينما أكبر قاعدة جوية أمريكية في قطر هي قاعدة العديد التي أُنشئت عام 1996 وتعمل كمقر إقليمي للقيادة المركزية الأمريكية. ويتمركز هناك حوالي 8000 جندي، ويؤكد البنتاغون على أهميتها الاستراتيجية.
وتستضيف البحرين الأسطول الخامس الأمريكي اعتبارًا من عام 2022، والذي يضم حوالي 9000 جندي أمريكي، بينما تستضيف الكويت، التي كانت مركزًا لوجستيًا رئيسيًا خلال حرب العراق عام 2003، 13500 جندي.
وتستضيف دولة الإمارات العربية المتحدة كذلك حوالي 3500 جندي أمريكي في موانئها الحيوية.
كما يستضيف الأردن، الجار الشرقي للكيان، نحو 3000 جندي أميركي، والتي منحت مؤخرًا امتياز نشر المكتب الإقليمي لحلف شمال الأطلسي (الناتو) في الغرب.
كما أنه بحسب البيان الرسمي لوزارة الدفاع الأميركية، يتمركز أكثر من 2700 جندي أميركي في السعودية للقيام بمهام تدريبية واستشارية ولحماية المصالح الأميركية في المنطقة.
ظل تهديد المقاومة على القواعد الأميركية
تحاول وسائل الإعلام الغربية والإسرائيلية خلق ردع للكيان بالضغط على إيران وجبهة المقاومة لإعطاء رد عسكري محدود النطاق على نظام الاحتلال، وذلك من خلال تضخيم ونشر أخبار وصول السفن الحربية والطائرات الحربية الأمريكية إلى المنطقة.
في هذه الأثناء، أعلنت إيران وفصائل المقاومة الأخرى في المنطقة أنها مستعدة لجميع السيناريوهات بعد العقاب القاسي على النظام، وأن أي عملية عسكرية تقوم بها الولايات المتحدة لن تمر دون رد.
وفي هذا السياق تجدر الإشارة إلى أن القواعد الأمريكية في المنطقة تعرضت لهجمات مكثفة في الأسابيع الأخيرة، على سبيل المثال قاعدة الأسد الجوية في العراق التي تعرضت لقصف صاروخي وطائرات مُسيَّرة من قبل فصائل المقاومة العراقية بعد الهجوم الأمريكي الأسبوع الماضي على قوات الحشد الشعبي، وأكدت التقارير مقتل جنديين أميركيين على الأقل.
ووفقًا للبنتاغون، فمنذ الغزو الإسرائيلي لغزة في أكتوبر/تشرين الأول 2024، كان هناك إجمالي 180 هجومًا على قواتها المتمركزة في العراق وسوريا والأردن.
كما أن وجود السفن الحربية الأمريكية في المنطقة لأكثر من عشرة أشهر من الحرب لم يعالج مشاكل نظام الاحتلال فحسب؛ بل إن هجمات القوات اليمنية عرضت كذلك السفن الحربية الأمريكية والبريطانية للأذى. على سبيل المثال، في أوائل يوليو/تموز، بعد أن كشف الجيش الشعبي اليمني عن صاروخ تفوق سرعته سرعة الصوت واستهداف السفن والسفن الأمريكية عدة مرات، اضطرت حاملة الطائرات “أيزنهاور” إلى الفرار من البحر الأحمر للحفاظ على سلامتها.
وحتى الآن، وعلى الرغم من الدعاية الصاخبة للسلطات ووسائل الإعلام الغربية حول إرسال مقاتلات الشبح من طراز F-22 إلى المنطقة، فقد أعلنت هي نفسها أنها غير قادرة على تحديد وجهة هذه المقاتلات لأسباب أمنية.
بينما نجحت قوى المقاومة في إيران والعراق واليمن مرارًا وتكرارًا خلال السنوات والأشهر الأخيرة في مراوغة الطائرات المقاتلة الأمريكية، ليس فقط في تحديد الطائرات بدون طيار فائقة التطور، ولكن في إسقاطها كذلك، مثل إسقاط طائرة “غلوبال هوك” بدون طيار الأمريكية في الخليج الفارسي في عام 2019.
وفي 9 أغسطس/آب 2024، كشفت وزارة الدفاع في إيران النقاب عن أسلحة جديدة في المجال البحري لتحذير الأعداء مرة أخرى من القدرة الدفاعية للقوات المسلحة في إيران وتوعيتهم بخطورة عواقب أي تصرف غير مدروس، وجاء ذلك في إطار الرد على تهديدات نظام الاحتلال.