ترجمة: شروق السيد
سلطت الصحف الإيرانية الضوء على زيارة الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، للقاهرة، محاولةً تحليل أبعادها السياسية، ونتائجها المتوقعة، وأثرها على مستقبل العلاقات بين مصر وإيران.
تحت عنوان: “زيارة بزشكيان للقاهرة: هل نتوقف عن إهدار الفرص؟”، تناول الموقع الإيراني “عصر إيران“، في تقرير له الجمعة 20 ديسمبر/كانون الأول 2024، زيارة الرئيس الإيراني للقاهرة يوم الخميس 19 ديسمبر/كانون الأول 2024، وهي الزيارة التي وصفها بأنها “زيارة سريعة إلى بلد لم تقم معه إيران علاقات سياسية لأكثر من 40 عاما”.
واستهل الموقع حديثه عن الزيارة وأبعادها مسترجعا التاريخ قبل 85 عاما، عندما سافر ولي عهد إيران، محمد رضا شاه، للزواج بالأميرة فوزية، شقيقة الملك فاروق.
وأضاف: التقى الرئيس الإيراني، في القاهرة وعلى هامش قمة مجموعة الدول الثماني الإسلامية النامية (D8)، أيضا الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الأخير يُعتبر في الرؤية الرسمية الإيرانية الداعم الأساسي للمتمردين السوريين الذين أطاحوا ببشار الأسد، أهم حلفاء إيران في المنطقة وأحد أركان محور المقاومة”.
وأردف: أما السياسة، مع ذلك، فهي البحث عن المصالح والتركيز على القواسم المشتركة بعيدا عن الخلافات، ولو كان المعيار هو القطيعة، لما كان أردوغان نفسه ليذهب إلى مصر، حيث إن الرئيس عبد الفتاح السيسي قد أطاح بمحمد مرسي، حليف تركيا، وتولى السلطة”.
وتابع: ومع ذلك، إذا أسفرت زيارة الرئيس بزشكيان لمصر عن فتح السفارات بين طهران والقاهرة وتنشيط السياحة بين البلدين، فستكون ذات مكاسب كبيرة.
واستدرك الموقع: لكن التحديات ليست قليلة، إذ إن قبر آخر شاه لإيران -محمد رضا بهلوي- يقع في مسجد الرفاعي بالقاهرة، حيث يُعرف بأن الملكيين (مؤيدي رضا شاه) الإيرانيين ينشطون هناك.
من جهة أخرى، يعتقد بعض الشيعة أن رأس الحسين- عليه السلام- مدفون بالقاهرة ، ومع الأخذ في الاعتبار التاريخ الفاطمي لمصر، هناك مخاوف من نشر المعتقدات الشيعية خلال زيارات السياح.
وتابع: وفي طهران، تغير اسم شارع السفارة المصرية، المعروف بشارع الوزراء، إلى “شارع خالد الإسلامبولي”.
وخالد الإسلامبولي هو الملازم في الجيش المصري الذي اغتال الرئيس المصري محمد أنور السادات في أكتوبر/تشرين الأول 1981 بتهمة الخيانة (بسبب توقيع اتفاقية كامب ديفيد للسلام مع إسرائيل بوساطة الرئيس الأمريكي جيمي كارتر)، محققا بذلك جزءا من شعار مظاهرات عام 1979 في طهران: “الموت للمفسدين الثلاثة: كارتر، والسادات، وبيغن”، بحسب نص تقرير الموقع.
وأضاف الموقع: على الرغم من أن الأصوليين في عهد الرئيس الإيراني الأسبق محمد خاتمي لم يسمحوا بتغيير اسم الشارع، باعتباره العقبة الرئيسية أمام استئناف العلاقات مع مصر، كما فعلوا مع العديد من المبادرات الإصلاحية الأخرى، فإنه في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، عندما سيطروا على مجلس المدينة، قرروا بهدوءٍ تغيير اسم الشارع من “خالد الإسلامبولي” إلى “انتفاضة”، لتمهيد الطريق أمام حكومة الرئيس الإيراني الأسبق، أحمدي نجاد لإقامة علاقات مع مصر.
ولكن في أثناء محاولتهم إقناع أنصارهم وتثبيت الاسم الجديد، اندلعت ثورات الربيع العربي، وشملت مصر أيضا، فتوقفت المحاولات، وبقي اسم “خالد الإسلامبولي” حتى الآن.
وتابع قائلا: نظرا إلى أن بعض الدول العربية الأخرى لديها علاقات مع إسرائيل، وبعد السابع من أكتوبر/تشرين الأول تغيّر المناخ السياسي، فإن اتفاقية كامب ديفيد لم تعد عقبة جدية.
إضافة إلى ذلك، فإن السيسي يعتبر نفسه جزءا من عصر جديد ولا يُصر على إعلان استمرار نهج السادات ومبارك، مما يقلل من حساسية إيران تجاه الموضوع.
وتابع قائلا: إلى جانب ذلك، عندما استأنفت إيران علاقاتها مع المملكة العربية السعودية، أصبحت مصر خيارا منطقيا لاستئناف العلاقات، ومع ذلك، هناك 10 نقاط أخرى جديرة بالملاحظة بشأن زيارة بزشكيان للقاهرة:
1- جاءت هذه الزيارة للمشاركة في قمة مجموعة الدول الثماني الإسلامية النامية (D8) ولكن، بما أن إيران ومصر لا تربطهما علاقات سياسية، ومع افتراض أن إيران كانت غاضبة من تركيا بسبب دورها في سقوط الأسد، فقد عكست لقاءات بزشكيان مع قادة مصر وتركيا اهتماما خاصا.
2- المقصود من الدول الإسلامية الثماني النامية، إلى جانب إيران، هو هذه الدول السبع: تركيا، وباكستان، وبنغلاديش، وإندونيسيا، وماليزيا، ومصر، ونيجيريا، باستثناء مصر، فإن هذه الدول إسلامية غير عربية، وحتى مصر نفسها تمتلك تاريخا حضاريا قديما وانضمت لاحقا إلى العرب.
ومن المقولات الشهيرة أن كلا من إيران ومصر اعتنقتا الإسلام مع خلفية حضارية قبل اعتناق الإسلام، ولكن مصر أصبحت عربية، في حين لم تصبح إيران كذلك؛ لأنها كانت تمتلك فردوسي (الشاعر الإيراني الكبير) ومصر لم يكن لديها مثله، لذا أصبحت لغة المصريين عربية. (العرب الإيرانيون أنفسهم يعتبرون أنفسهم إيرانيين أولا وعربا ثانيا).
3- توسيع العلاقات بين إيران وهذه الدول يمكن أن يُبرز ويُفعّل الإمكانات غير المستغلة في مجال العبور والنقل عبر إيران.
مسعود بزشكيان ليس أول رئيس إيراني يلتقي رئيسا مصريا؛ أول رئيس إيراني فعل ذلك كان محمد خاتمي في عام 2003، عندما التقى الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك، ولكن ليس في القاهرة، بل في جنيف.
بعد أربع سنوات، زار خاتمي القاهرة، ولكن لم يكن رئيسا حينها، بل حضر مؤتمر “العالم الإسلامي والعولمة”، حيث تألق بشكل لافت. (من الخسائر الكبرى لأحداث عام 2009 واحتجاجات الإيرانيين على نتيجة الانتخابات آنذاك، هو أن السفر الخارجي أصبح شبه ممنوع على خاتمي في السنوات الـ15 الأخيرة).
5- أول زيارة رسمية لرئيس إيراني إلى مصر كانت زيارة محمود أحمدي نجاد للقاهرة في عام 2013، وقبل ذلك، وفي أثناء زيارته أبوظبي عام 2007، قال إنه يمكن إعادة فتح السفارتين في طهران والقاهرة قبل انتهاء ساعات العمل في اليوم نفسه.
ورغم مرور سنوات عديدة، لم تتحقق هذه الوعود، ربما لأن أحمدي نجاد فقد دعم الأصوليين الذين أوصلوه إلى السلطة منذ عام 2011، ومع ذلك، فإن مكاتب حماية المصالح بين البلدين تعمل كالسفارات فعليا، وتختلف عن مكاتب حماية المصالح بين إيران والولايات المتحدة الموجودة في سفارتي باكستان وسويسرا في واشنطن وطهران.
6- في عهد حكومة حسن روحاني، زار محمد جواد ظريف، وزير الخارجية آنذاك، مصر في عام 2014. أما في حكومة إبراهيم رئيسي، فقد زار نائب وزير الخارجية ورئيس منظمة البيئة مصر لحضور مؤتمر مناخي.
وقبل فترة قصيرة، زار وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي القاهرة، وهي زيارة تجاوزت العلاقات الثنائية بين البلدين، حيث لاحظ البعض حضوره لتناول العشاء في مطعم محلي بالقاهرة، على الرغم من أن تكرار هذه اللقاءات في سوريا لم يكن دائما فألا حسنا!
7- من تقلبات عالم السياسة أنه في زمن من الأزمان كانت مصر على النقيض تماما من إيران، لكن الآن، مع صعود الإخوان المسلمين إلى السلطة في سوريا، يبدو أن إيران ومصر قد وجدا نقطة مشتركة في هذا الشأن (معارضة الجانبين للإخوان).
ومن المتوقع أن يتجاوز عراقجي حالة التردد بين أسلوب وزير الخارجية الراحل أمير عبد اللهيان ونائب الرئيس الإيراني للشؤون الاستراتيجية، جواد ظريف، وأن يتبنى نهجا عمليا يشبه استغلال تركيا للفرص، متخليا عن المواقف المطلقة والشعارات المتقادمة، خاصةً أنه وزير في حكومة بزشكيان.
8- وبعد قولي هذا، إذا تم تغيير لوحة شارع “خالد الإسلامبولي” وتمت الإشارة إلى مصر كحليف جديد لإيران في المنطقة، فلا داعي للدهشة، خاصةً أن السيسي لا يبدو منشغلا كثيرا مثل مبارك بمسألة اسم شارع “خالد الإسلامبولي”، كما أن إيران ليست لديها ذكريات جيدة عن فترة محمد مرسي، على الرغم من أنه كان إسلاميا، خصوصا بسبب أقواله وأفعاله في سبتمبر/أيلول 2012 عندما زار طهران لحضور قمة دول عدم الانحياز.
9- لمعرفة مدى تأثير القطيعة الطويلة بين مصر وإيران، يكفي أن نعلم أن معظم أعضاء مجموعات تدريس اللغة الفارسية الـ13 في الجامعات المصرية هم أساتذة أفغان، متى سيدرك مسؤولو إيران أن عليهم التخلي عن الأيديولوجيا والتركيز على الثقافة والأدب والسياسة، والبحث عن المصالح المشتركة في أماكن أخرى؟ هذا ما يزال غير واضح!
10- حتى الآن، تعتبر زيارة بزشكيان لمصر ناجحة، على الرغم من أن البعض انتقد وقوفه أمام الرئيس التركي بوضع يديه على صدره (صورة يبدو أن الموقع الرسمي للرئاسة قد حذفها)، كأنهم يتوقعون من رجل يبلغ من العمر 70 عاما، فقط لأنه أصبح رئيسا منذ بضعة أشهر، أن يتخلى عن عادات وتقاليد التواضع التي اعتاد عليها طوال حياته.
وتابع الموقع مشيرا إلى الكلمة التي قالها أحد الشباب مخاطبا بزشكيان في أثناء مسيرة لدعم هيئة الأمر بالمعروف في 16 ديسمبر/كانون الأول 2024، قائلا: “كما يجب أن نرى ما إذا كان الشاب الذي هدد سابقا بمعاقبة بزشكيان إذا منع تسوية تل أبيب وحيفا بالأرض، قائلا إنه سيواجه مصير بني صدر (للتوضيح، بني صدر كان أول رئيس إيراني، وتم عزله من منصبه في يونيو/حزيران 1981 من قبل البرلمان، ثم فر إلى باريس)، سيقوم فعلا بجمع رفاقه في الشوارع للاحتجاج على زيارة رئيس إيران للقاهرة أم لا”.
وتابع الموقع: يبدو أن هذه الجماعة غاضبة هذه الأيام حتى من أردوغان، ويتمنون إضافة اسم البلد الجار إلى قائمتهم الطويلة من “الموت لهذا” و”الموت لذاك”، والشتائم التي يوجهونها لكل من ليس من دائرتهم الضيقة والمتشددة والمليئة بالادعاءات.