كتب: محمد بركات
ما زالت العاصمة الإيرانية طهران تعاني من أزمات ومشاكل عديدة، مثل الازدحام الخانق، والهواء الملوث، والمستوى المتردي من النظافة.. أزمات ظلت في أروقة الحكومة وعلى الصفحات الأولى للصحف منذ عقود، آخرها غزو الجرذان لشوارع العاصمة.
ورغم محاولات الحكومات الإيرانية السابقة حل أزمات العاصمة، فإن جميع محاولاتها باءت بالفشل.
حتى أتت الحكومة الحالية، برئاسة مسعود بزشكيان، لتقدم حلاً ليس بالجديد، وتحاول العمل من أجل الإسراع في تنفيذه، وتقدمه للشعب الإيراني كحل وحيد أمام أزمات طهران التي لا تنتهي.
الجرذان تحتل العاصمة
مؤخراً، أضيفت أزمة جديدة لسجل أزمات طهران الذي لا ينتهي، حيث صرح ناصر أماني، عضو مجلس بلدية طهران، بأنه وخلال جولاته لتفقد الأوضاع في المدينة، فقد وجد أن أكبر نسبة من شكاوى المواطنين تتعلق بزيادة أعداد الجرذان في المدينة، حيث قال: “في آخر تقرير قدمته عن حي دولاب، إحدى مناطق طهران، أشرت إلى أننا رأينا فئراناً كبيرة هناك في يوم ممطر، وهذا في حين أنه عادة لا تظهر هذه الحيوانات على سطح الشوارع في الأيام الممطرة!”، مضيفاً: “إن الطريقة التقليدية التي تعتمدها بلدية طهران عبر المتعهدين لا تكفي لمكافحة الحيوانات الضارة والفئران في المدينة. بالطبع، هذه مشكلة لا يمكن حلها بشكل كامل، ولكن يجب أن يتم التحكم بها”، حسب ما جاء في تقرير موقع خبر أونلاين الإخباري بتاريخ 4 ديسمبر/كانون الأول 2024.
وبهذا الشأن، فقد نشر مركز الأبحاث التابع للبرلمان الإيراني نتائج دراسات تشير إلى أن نتائج قياس الرأي العام بشأن رضا المواطنين عن إدارة أزمة القوارض في البلاد تُظهر عدم رضا لدى 67% من المشاركين في الاستطلاع، ويعود السبب إلى أن 89% من المشاركين في الاستطلاع قد واجهوا الفئران في أماكن متكررة مثل قنوات المياه والصرف الصحي، بما في ذلك المجاري حديثة البناء، خزانات جمع النفايات، والحدائق والمناطق الخضراء الحضرية، وقد نوهت هذه الدراسة بأن انتشار القوارض في طهران من شأنه أن يؤدي إلى نتائج كارثية منها انتشار الأمراض المعدية التي تنقلها الفئران، ليس على مستوى طهران فحسب، بل على مستوى البلاد كلها، نظراً إلى أن طهران هي مركز تجاري كبير لكل إيران.
بالطبع، لم تكن تلك هي الأزمة الوحيدة التي تواجه العاصمة القديمة، بل إن هناك عدة مشاكل على رأسها التلوث البيئي، حيث يُعد تلوث الهواء من أبرز المشاكل البيئية في طهران، فتعاني المدينة من مستويات مرتفعة من الجسيمات الدقيقة وثاني أكسيد النيتروجين، نتيجة للتكدس المروري والمدن الصناعية المحيطة بالعاصمة، كذلك فتشير الإحصائيات إلى أن تلوث الهواء يتسبب في آلاف الوفيات المبكرة سنويا، خاصة بين الأطفال وكبار السن، كما يُعاني سكان المدينة من قلة المساحات الخضراء التي تساعد في تحسين جودة الهواء، وفق لتقرير صحيفة انتخاب بتاريخ 31 يوليو/تموز 2024.
هذا وقد سجل متوسط مؤشر جودة الهواء في طهران خلال الأيام الأولى من شهر ديسمبر/كانون الأول 2024، 122 نقطة، مما يعني أن الوضع يعتبر غير صحي بالنسبة للمجموعات الحساسة مثل المرضى القلبيين أو التنفسيين، وكبار السن، والأطفال، كذلك فوفقاً لبيانات محطات قياس تلوث الهواء، فهناك 14 منطقة في طهران تعاني من تلوث شديد. من بين هذه المناطق، يُعد حي شهر ري في المنطقة 20 هو الأكثر تلوثاً، حيث سجلت محطة قياس الهواء هناك مؤشرا بلغ 170، وفق تقرير وكالة أنباء مهر الإخبارية بتاريخ 4 ديسمبر/كانون الأول 2022.
كذلك فيشكل نقص الموارد المائية أحد التحديات الحيوية لطهران، حيث يعتمد سكان المدينة على مصادر مياه محدودة تتعرض لاستنزاف كبير بسبب التغير المناخي والطلب المتزايد بسبب بناء الوحدات التي تتطلب مياهاً صالحة للشرب، هذا بالإضافة إلى مشكلة تبخر المياه التي تعاني منها إيران جمعاء، هذا الاستنزاف أدى إلى هبوط الأرض في بعض مناطق المدينة بمعدلات خطيرة، تصل إلى 36 سنتيمتراً سنوياً، ما يهدد البنية التحتية والمباني، وفق تقرير موقع عصر إيران الإخباري بتاريخ 3 يوليو/تموز 2024.
نقل العاصمة
تلك الأزمات جعلت الحكومة الإيرانية تحاول حلها عن طريق نقل العاصمة، هذه الفكرة التي طالما ترددت على مسامع الإيرانيين، فبعد انتصار الثورة في إيران بقيادة الخميني، طُرحت فكرة نقل العاصمة لأول مرة عام 1985، لكنها كانت مجرد مقترح دون تقديم أية دراسات، خصوصاً أن إيران كانت في حالة حرب مع العراق، مما لم يتح الفرصة أمام مشروع تنموي بهذا الحجم من الدخول إلى حيز التنفيذ، وفي العام 1989 أُجريت دراسات بإشراف من وزارة الإسكان ومركز الدراسات العمرانية والمعمارية الإيراني حول نقل العاصمة السياسية، وتوصلت تلك الدراسات إلى أنه إذا تم تنفيذ خطة النقل في ذلك العام، فمن المتوقع أن يصل عدد سكان العاصمة الجديدة إلى مليون نسمة بحلول عام 2021 م، لكن الخطة لم تُنفذ حينها أيضاً، وفق ما جاء في تقرير وكالة إيسنا الإخبارية بتاريخ 25 نوفمبر/تشرين الثاني 2024.
وفي العام 2009، وبعد زلزال بلغت قوته 4 درجات على مقياس ريختر ضرب العاصمة طهران وخلّف خسائر كبيرة في الأرواح والبنية التحتية، أقر مجمع تشخيص مصلحة النظام خطة لنقل المراكز السياسية، مثل الوزارات والمكاتب الرئيسية للسلطات الثلاث، إلى موقع مناسب قبل انتهاء الخطة العشرينية في العام 2025م.
أما في العام 2012، فقدم 151 نائباً مشروع قانون لنقل العاصمة إلى البرلمان، مما أدى في النهاية إلى إقرار قانون تحت اسم إمكانية نقل المركز السياسي والإداري للبلاد وإعادة تنظيم التمركز في طهران عام 2015 من قبل البرلمان ومجلس صيانة الدستور. وعلى الرغم من مرور حوالي عقد على هذا القانون، فإن مساءلة هذا القانون لم تتخطّ أدراج الحكومة.
أما في عهد مسعود بزشكيان، الرئيس الحالي لإيران والذي تولى السلطة في سبتمبر/أيلول 2024، فقد كان نقل العاصمة أحد الموضوعات التي طرحها منذ الأيام الأولى لرئاسته للحكومة، حيث يرى بزشكيان أن مشكلات طهران غير قابلة للحل، وصرّح بهذا الخصوص قائلاً: “إن طهران، كعاصمة للبلاد، تواجه مشكلات مثل نقص المياه، هبوط الأرض، وتلوث الهواء، وهي مشكلات تفاقمت مع استمرار السياسات والإجراءات التي تم اتباعها حتى الآن، إن الحل الأساسي والوحيد يكمن في نقل المركزية السياسية والاقتصادية للبلاد”، حسبما جاء في تقريرموقع فرارو الإخباري بتاريخ 23 نوفمبر/تشرين الثاني 2024.
وخلال لقاءات منفصلة مع أعضاء مجمع نواب محافظتي هرمزغان وسيستان وبلوشستان، والتي عقدت في 20 نوفمبر/تشرين الثاني، أشار بزشكيان إلى بدء الدراسات المتعلقة بخطة نقل العاصمة، قائلاً: “إن الدكتور عارف، نائب رئيس الجمهورية، مكلف بمهمة دراسة هذا المشروع لما له من أهمية، إن تجاهل هذا الموضوع قد يؤدي إلى مواجهة البلاد أزمات بيئية ومشكلات متعددة أخرى في المستقبل”، في إشارة إلى عزم الحكومة الحالية لإتمام الأمر في أسرع وقت، وفقاً لما جاء في تقرير موقع عصر إيران بتاريخ 20 نوفمبر/تشرين الثاني 2024.