ترجمة: دنيا ياسر نور الدين
نشرت الصحيفة الإيرانية الإصلاحية “ديدهبان إيران“، يوم الثلاثاء 11 مارس/آذار 2025، تقريرا تناولت فيه قضايا الفساد المالي التي اجتاحت المؤسسات الحكومية في إيران على مدى العقود الثلاثة الماضية، وسلطت الضوء على كبرى قضايا الاختلاس في البلاد، والتي تجاوزت مليارات الدولارات.
وأشارت الصحيفة إلى أن قضايا الفساد المالي ألقت بظلالها الثقيلة على الهياكل الحكومية والمديرين في إيران على مدى العقود الثلاثة الماضية، حيث تم الكشف عن العديد من حالات الاختلاس التي أثارت جدلا واسعا داخل البلاد.
اختلاس يعادل اقتصاد كوريا الجنوبية
أكدت الصحيفة أن إجمالي السرقات في قضايا الاختلاس الكبرى في إيران يقدر بأكثر من 57 مليار دولار، وهو مبلغ يعادل إجمالي القرض الذي حصلت عليه كوريا الجنوبية من صندوق النقد الدولي لإنقاذ اقتصادها المتعثر، مما مكنها من الانضمام إلى قائمة أكبر عشرة اقتصادات في العالم.
وأضافت أن حشمت الله فلاحت بيشه، العضو السابق في البرلمان الإيراني ورئيس لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية الأسبق، أكد أن هذا الرقم ليس مستبعدا، خاصة في ظل تصنيف إيران المتدني في مؤشر الفساد العالمي.
ولفتت إلى أن إيران تحتل المرتبة الـ151 من أصل 180 دولة في مؤشر الفساد السنوي، وهو ما يعكس مدى انتشار الفساد داخل المؤسسات الحكومية والاقتصادية في البلاد.
قضايا الفساد المالي
تابعت الصحيفة أن العديد من قضايا الفساد وصلت إلى القضاء وأدت إلى إدانات، إلا أن الفساد المالي لا يزال مستشريا في مختلف الحكومات المتعاقبة منذ الثورة. وأشارت إلى أنه بالتزامن مع إصدار الحكم في قضية “شاي دبش”، تجددت النقاشات حول قضايا الفساد المالي التي شهدتها إيران خلال العقود الماضية.
وأوضحت أن قائمة المتورطين في قضايا الفساد المالي تضم أسماء بارزة في المشهد السياسي والاقتصادي الإيراني. فمن غلام حسين كرباسجي عمدة طهران الأسبق، وفاضل خداداد رجل الأعمال الذي كان أول من أدين في قضية اختلاس ضخمة، إلى سيد رضا فاطمي أمين، وزير الصناعة السابق، وسيد جواد ساداتي نجاد وزير الزراعة السابق، ظهرت شخصيات بارزة على مدار العقود الثلاثة الماضية في ملفات فساد ضخمة.
وأكدت أن القاسم المشترك بين جميع هذه القضايا هو الاختلاس والفساد المالي، لكن الاختلاف يكمن في العقوبات المفروضة على المدانين. فبينما حُكم على بعضهم بالسجن لسنوات طويلة، حصل آخرون على أحكام مخففة أو حتى الإفراج عنهم بعد فترات قصيرة.
أول قضية اختلاس كبرى في إيران
تناولت الصحيفة أولى قضايا الفساد المالي الكبرى في إيران، مشيرةً إلى أن فاضل خداداد يعد أول شخصية بارزة متورطة في الاختلاس المالي الحكومي، حيث نفّذ عملية اختلاس بقيمة 123 مليار تومان عام 1995، ليحمل لقب أكبر مختلس في البلاد لقرابة عقدين.
وأضافت أن خداداد تمكن من اختلاس هذا المبلغ بعد عودته إلى إيران وفتح حساب في بنك صادرات، مستفيدا من علاقته بمرتضى رفيق دوست، شقيق محسن رفيق دوست، وزير الحرس الثوري الإيراني الأسبق. وأشارت الصحيفة إلى أن خداداد غادر إيران بعد الجريمة، لكنه عاد لاحقا بوعد بالعفو، إلا أن هذا الوعد لم يُنفذ، حيث أصدرت المحكمة حكما بإعدامه في ديسمبر/كانون الأول 1995.
وأكدت الصحيفة أن القضية كانت تحت إشراف غلام حسين محسني إجئي، الذي أصدر حكم الإعدام بعد محاكمة أثارت صدمة كبيرة داخل الأوساط الاقتصادية والقضائية الإيرانية؛ نظرا إلى ضخامة المبلغ المختلس، والذي كان غير مسبوق في ذلك الوقت.
قضية غلام حسين كرباسجي
تابعت الصحيفة قائلةً إن قضية الفساد الكبرى التالية التي شغلت الرأي العام الإيراني كانت قضية غلام حسين كرباسجي، عمدة طهران الأسبق. وأوضحت الصحيفة أن كرباسجي، في عام 1998، وُجهت إليه اتهامات بالاختلاس المالي، شملت مبلغ مليار وأربعمائة وثلاثة وخمسين مليون تومان، وتسعين ألف دولار أمريكي، وعددا من العملات الذهبية، إضافة إلى تلقي رشاوى، والتورط في المعاملات الحكومية، والاستيلاء غير القانوني على الأموال العامة.
وأشارت إلى أن الاتهامات الموجهة لكرباسجي لم تقتصر على الفساد المالي، بل تضمنت أيضا التدخل في انتخابات الدورة الخامسة لمجلس الشورى الإسلامي، حيث دفع 25 مليون تومان لدعم مرشحين اثنين.
وأكدت أن القضية كانت مثار جدل، حيث اعتبرها كثيرون ذات أبعاد سياسية أكثر من كونها قضية مالية بحتة؛ نظرا إلى انتماء كرباسجي للتيار الإصلاحي.
وأضافت أن محاكمة كرباسجي جرت أيضا تحت إشراف حجة الإسلام والمسلمين غلام حسين محسني إجئي، القاضي نفسه الذي ترأس محاكمة فاضل خداداد. وبعد سبع جلسات محاكمة، صدر الحكم النهائي في عام 1999، حيث حُكم على كرباسجي بالسجن خمس سنوات، خُففت لاحقا إلى ثلاث سنوات، مع حرمانه من تولي أي منصب حكومي لمدة عشر سنوات، وتغريمه مليار تومان، و60 جلدة مع وقف التنفيذ.
ثمانينيات القرن العشرين: بداية الفساد الحكومي
أكدت الصحيفة أنه في ثمانينيات القرن الماضي توسّع نطاق الاختلاس، وشهد هذا العقد تقديم حتى نواب الرئيس للعدالة.
وأشارت إلى أنه في أوائل الثمانينيات، كُشف النقاب عن واحدة من أكثر قضايا الاختلاس إثارةً للجدل، وهي قضية شهرام جزايري، الذي حُكم عليه بالسجن 11 عاما، ومصادرة مبلغ 48 مليونا و600 ألف و185 دولارا أمريكيا لصالح البنك الوطني الإيراني وصندوق ضمان الصادرات، إضافة إلى دفع غرامة تعادل ضعف المبلغ المذكور (97 مليونا و200 ألف و370 دولارا أمريكيا) لصندوق الدولة للجمهورية الإسلامية الإيرانية.
قضايا الفساد الحكومي
أشارت الصحيفة إلى أن محمد رضا رحيمي، النائب الأول لرئيس الجمهورية في حكومة محمود أحمدي نجاد، كان أحد كبار المسؤولين الحكوميين الذين واجهوا المحاكمة والإدانة في قضايا فساد.
وأضافت أن رحيمي اتُّهم بالتورط في قضايا فساد اقتصادي، لا سيما في ما يتعلق بالمخالفات المالية خلال فترة توليه منصب رئيس الوزراء في حكومة أحمدي نجاد.
قضية حميد بقائي
تابعت الصحيفة أن حميد بقائي، الذي شغل منصب نائب الرئيس التنفيذي في حكومة أحمدي نجاد، كان ممن أدين في قضايا فساد كبيرة في إيران.
وأوضحت أن بقائي حُكم عليه بالسجن لمدة 15 عاما، إضافة إلى دفع غرامة مالية، ومصادرة ممتلكات حصل عليها بطرق غير مشروعة، والتي شملت 703 قطع نقدية ذهبية، و1842 قطعة من العملات المعدنية، ومبلغ 433 مليارا و212 مليون ريال، فضلا عن اختلافات مالية أخرى تتعلق بـ3.766.500 يورو و590.000 دولار.
وأفادت الصحيفة بأنه في 12 مارس/آذار 2017، قامت السلطات المختصة، بتنفيذ الحكم الصادر بحق حميد بقائي، حيث تم اعتقاله وإيداعه السجن لقضاء العقوبة، التي تضمنت السجن لمدة 15 عاما، والغرامة المالية، والمنع الدائم من تولي أي مناصب حكومية، إضافة إلى إلزامه بإعادة الأموال التي حصل عليها بطرق غير قانونية.
قضية اختلاس ثلاثة تريليونات تومان
أكدت الصحيفة أن قضية اختلاس ثلاثة تريليونات تومان تُعد واحدة من أكثر القضايا إثارةً للجدل في تاريخ الفساد المالي بإيران، خاصةً أن المتهم الرئيسي فيها، محمود رضا خوري، الرئيس التنفيذي للبنك الوطني الإيراني آنذاك، لم يُعتقل بعد.
باباك زنجاني وقضايا الفساد المالي في إيران
أشارت الصحيفة إلى أن باباك زنجاني، رجل الأعمال الإيراني الشهير، كان متورطا في واحدة من كبرى قضايا الفساد بإيران. ففي تسعينيات القرن الماضي، خضع زنجاني لتحقيقات واسعة بسبب ديونه الضخمة للبنوك، مما أدى إلى محاكمته بتهم الثراء غير المشروع والاختلاس.
وحكمت المحكمة عليه بالإعدام، إلا أن رئيس السلطة القضائية أعلن لاحقا أن تنفيذ الحكم سيُلغى في حال سداده الديون المستحقة. وبعد تنفيذ هذا الشرط، يبقى مصير إطلاق سراحه موضع انتظار.
وأكدت الصحيفة أن سعيد مرتضوي، المدعي العام السابق في طهران، لعب دورا أساسيا في قضايا الفساد المرتبطة بباباك زنجاني.
فبعد فصله من السلطة القضائية، عينه الرئيس الإيراني الأسبق محمود أحمدي نجاد رئيسا للهيئة المركزية لمكافحة تهريب السلع والعملات، ثم رئيسا لمنظمة الضمان الاجتماعي. لاحقا، وُجهت إليه عدة اتهامات، أبرزها دوره في قمع المتظاهرين خلال احتجاجات الانتخابات الرئاسية الإيرانية عام 2009. ورغم تبرئته من تهمة التواطؤ في القتل، صدر بحقه حكم بالسجن.
فضيحة الفساد المصرفي الأكبر في تاريخ إيران
أشارت الصحيفة إلى أن بنك سارماه كان محور واحدة من كبرى قضايا الفساد المصرفي في إيران خلال تسعينيات القرن الماضي.
وتورط البنك في تقديم قروض ضخمة غير خاضعة للرقابة، مما أدى إلى انتشار انتهاكات مالية واسعة النطاق. وشملت هذه الانتهاكات منح قروض غير مضمونة، وتضخيم قيم الممتلكات، والتواطؤ مع شخصيات مؤثرة في القطاع المالي.
وأكدت أن خَيْر الله بيرانوند، الرئيس التنفيذي السابق لبنك سارماه، حُكم عليه بالسجن خمس سنوات، و74 جلدة، والفصل النهائي من أي منصب حكومي، بعد إدانته بتهمة تعطيل النظام الاقتصادي وخيانة الأمانة المالية.
قضايا الفساد الكبرى في إيران.. من أكبر طبري إلى أبناء محمد مصدق
أشارت الصحيفة إلى أن أكبر طبري، المسؤول السابق في السلطة القضائية الإيرانية، كان المتهم الأبرز في قضايا الفساد المالي والرشوة.
وذكرت أن التحقيقات كشفت حصوله على رشى تقدر بمئات المليارات من الريالات، شملت تلقيه أراضي وعقارات في مواقع متميزة، إضافة إلى مبالغ مالية ضخمة من رجال أعمال بارزين مثل رسول دانيال زاده ومصطفى نياز آذري.
وأكدت أن محكمة خاصة حكمت على طبري بالسجن 31 عاما بتهمة قيادة شبكة رشوة، إضافة إلى 12 عاما ونصف بتهمة غسل الأموال، كما تم الحكم عليه بالفصل الدائم من الخدمة الحكومية، ومصادرة الأموال المكتسبة بطرق غير مشروعة، وفرض غرامة مالية بقيمة 120 مليار تومان.
فيما أردفت الصحيفة أن أبناء محمد مصدق، أمير حسين ومحمد صادق، واجهوا اتهامات تتعلق بقضية فساد ضخمة بلغت 20 تريليون تومان. وقد تورط في القضية أيضا رجل الأعمال محمد رستمي صفا، مالك مجموعة رستمي صفا الصناعية، مما أسفر عن صدور حكم بالسجن لمدة 25 عاما وتسعة أشهر ضد المتهمين.