كتب: سید نیما موسوی
ترجمة: علي زين العابدين برهام
كانت عمان، نظراً لطبيعتها الجغرافية الفريدة، مركزاً للتواصل بين المجموعات العرقية المختلفة عبر التاريخ، وقد جعل الارتباط مع شعوب وسط الجزيرة العربية وأرض اليمن وكذلك الارتباط البحري مع شبه القارة الهندية والهضبة الإيرانية من هذه المنطقة إحدى أهم النقاط الثقافية والاستراتيجية.
كما أن طول الأرض التي تمتد من مضيق هرمز إلى اليمن، وتنوع البيئة الجغرافية ووجودها على طريق التواصل التاريخي والبحري جعل منها محلاً لثقافات متعددة.
ومن الأمثلة لهذا التنوع الثقافي انتشار اللهجات واللغات المختلفة بها، ولذلك فإننا نجد اللغات مثل العربية والفارسية والشحرية والمهرية والهرسوسية والبطحرية والجيبوتية واللواتية والسواحيلية والبلوشية مستخدمة في عمان.
وفي الوقت نفسه، هناك لغة غريبة في عمان، وهي اللغة الوحيدة غير السامية في شبه الجزيرة العربية. توجد قرية تسمى كمزار في محافظة مسندم شمال شرق عمان وعلى ساحل مضيق هرمز يبلغ عدد سكانها 4000 نسمة، يمتد جانب منها إلى الجبل والجانب الآخر إلى مضيق هرمز، ويتحدث أهلها اللغة الكمزارية.
هناك آراء مختلفة حول أصل اللغة الكمزارية، ويعتبر البعض أن أصلها مرتبط بلهجة خوزستان.
يعتقد هؤلاء أنه في زمن الشاه عباس الصفوي الذي هزم البرتغاليين في الخليج العربي، لعب أحد جنرالاته ويدعى جهانجير خان أستركي، وكان من اللور، دوراً مهماً في استعادة بندر عباس وجزيرة لارك في جنوب إيران. وفي الواقع فإن أهالي كمزار اليوم هم من كانوا مع أستركي، وقد استقروا في المنطقة بعد طرد البرتغاليين، حتى أن البعض ينسب بناء قلعة صحار إلى أستركي بعد طرد البرتغاليين.
ومثل قصة اللور الذين هاجروا إلى منطقة كمزار الصغيرة، هناك أيضاً لور هاجروا إلى أفغانستان، وبعد هجوم نادر شاه أفشار على أفغانستان، استقروا هناك بسبب وضعهم في جيشه. واللور الخليليون، وهم جزء من الهزارة في أفغانستان اليوم، كانوا من اللور الذين استقروا في أفغانستان بعد فتح قندهار على يد نادر شاه.
وبالطبع، إضافة إلى دور عشيرة أستركي في الحرب مع البرتغاليين في الخليج العربي، فإن الارتباط بين اللهجة الكمزارية واللغة اللورية له علاقة بالارتباط بين أهل كمزار ولارك، مع الفارق أن اللغة العمانية أكثر اختلاطاً بالهندية والعربية.
يعتبر الباحث السعودي أحمد المطلق أن أصل اللهجة الكمزارية فارسي، وفي الوقت نفسه قبلت الباحثة الإيرانية أزيتا أفراشي هذه الفرضية أيضاً، وبحثت في الروابط اللغوية بين اللورية الشوشترية، المستخدمة في محافظة خوزستان في إيران، واللهجة الكمزارية في جزيرة لارك.
يقول صموئيل باريت مايلز، القنصل البريطاني في مسقط بين عامي 1872 و 1887، في ملاحظاته، إن أهل كمزار يختلفون عن أهل الجزيرة العربية من الناحية الجسدية واللغوية، واعتبر أصل اللغة الكمزارية فارسياً.
وكذلك اعتبر العديد من المستشرقين والضباط العسكريين اللغة الكمزارية ضمن اللغة العربية، وقد اعتبر جون وايتلوك وهو أحد الضباط العسكريين البريطانيين في الخليج العربي في القرن التاسع عشر وكان يتمتع بعلاقات جيدة مع أمير مسقط، اللغة الكمزارية فرعاً من اللغة العربية.
وبالطبع فإن بعض المؤرخين الإيرانيين مثل سديد السلطانة كبابي يطلقون على الكمزاريين لقب “العرب”، والسبب الرئيسي لتسميتهم بالعرب هو اختلاطهم وقرابتهم بقبيلة الشحوح في منطقة مسندم.
مع أن اللغة الشحية العربية تعتبر من اللهجات الصعبة في اللغة العربية. وعلى الرغم من الخلاف حول أصل اللغة الكمزارية، فإن كثرة الكلمات الفارسية في اللهجة الكمزارية تُثبت افتراض تأثر هذه اللغة بالفارسية أيضاً. كلمات مثل بادم (اللوز)، ارما (التمر)، رو (وجه)، ظوان (لسان)، جوغر (كبد)، سابير (أبيض)، شاشمبر (الأربعاء)، ساشمبار (الثلاثاء) هي من بين الكلمات الفارسية في اللغة الكمزارية.
المثير في أهل كمزار أن بعض المؤرخين الإيرانيين يسمون أهل كمزار الذين عاشوا في لارك ومسندم بالعرب، وعلى عكس ما نفهمه من كلام الممثلين البريطانيين في الخليج العربي، فإن العرب لم يعتبروهم عرباً، ونسبوهم في الغالب إلى العرق الإيراني أو حتى البلوشي والحميري.
على أية حال، إذا قبلنا أياً من الروايات حول أصل اللغة الكمزارية، فلا يمكننا أن نتجاهل أن هذه الثقافة يمكن أن تكون إحدى قنوات الحوار الثقافي بين إيران والعالم العربي.