لمياء شرف
مع اقتراب تسلّم الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب مقاليد السلطة، تتسارع الخطوات الأمريكية لفرض واقع جديد على الساحة الدولية، تتسم باللعب بالأوراق وتقلب المعادلات.
إدارة الرئيس جو بايدن، التي أصبحت على أعتاب نهاية ولايتها، أضافت مزيداً من الفوضى إلى مشهد الشرق الأوسط المليء بالتوترات، حيث بدا وكأنها تسابق الزمن لإعادة رسم التوازنات.
ثلاثة مشاهد رئيسية اتخذتها الولايات المتحدة في هذه الفترة الحرجة، تلخّص السياسة الأمريكية الراهنة: وقف فوري للقتال بين حزب الله وإسرائيل بترتيب هدنة تمتد لـ60 يوماً، عودة سريعة لقوات جبهة تحرير الشام إلى السيطرة على مدن سورية كانت تحت قبضة بشار الأسد، دون مقاومة تُذكر، وأخيراً التصعيد الأوروبي المتزايد تجاه إيران بدفع أمريكي، والذي شمل إصدار مجلس الطاقة الذرية لإدانة واضحة ضد طهران بشأن الملف النووي.
عودة جبهة تحرير الشام
قبل ثلاثة أيام شهدت سوريا تطوراً مفاجئاً، بعد أن توسعت جبهة تحرير الشام وفصائل حليفة لها، في هجومها على مواقع لقوات جيش النظام السوري شمال غرب البلاد.
وقطعت الطريق الدولي المؤدي للعاصمة السورية دمشق، بعد سيطرتها الكاملة على مدينة حلب ثاني أكبر المدن السورية، وما يقرب من 70 بلدة حولها، والمباني الحكومية والسجون والقصر الرئاسي ووحدات عسكرية ومطار حلب الدولي.
يتناقض المشهد الآن مع مشهد المعارك الضارية التي دارت في شوارعها حلب قبل 12 عاماً للسيطرة على كل حي من أحيائها.
سيطر النظام السوري بمساعدة القوة الجوية الروسية والقوات الإيرانية على المدينة عام 2016، وذلك بعد تحول الثورة الشعبية التي انطلقت مع ثورات الربيع العربي 2011 المطالبة بإسقاط نظام الأسد إلى حرب أهلية دامية، وكانت معركة السيطرة على حلب وغيرها من المدن في صميم هذا الصراع.
تحول المشهد في ساعات محدودة إلى انتصار مفاجئ لجبهة تحرير الشام نفسها، وتزامن ذلك بعد يوم من وقف إطلاق النار بين حزب الله وإسرائيل في جنوب لبنان، وخاصة أن القوات الإيرانية ونظام الأسد، كان يعتقد منذ فترة طويلة أنهم سيطروا على المعارضة، وأن الأوضاع الداخلية في سوريا تبدو مستقرة بما يكفي.
وتقول قوات المعارضة السورية إن الهجوم جاء رداً على الضربات المتزايدة التي شنتها القوات الجوية الروسية والسورية في الأسابيع القليلة الماضية ضد المدنيين في مناطق بإدلب وأيضاً لاستباق أي هجمات من الجيش السوري.
واعتبر الائتلاف الوطني السوري -ائتلاف قوى معارضة- أن الشعب السوري له الحق في استعادة بلاده وأرضه بعد أن سلبها منه نظام الأسد والقوات الإيرانية “الميليشيات الإيرانية” التي تسانده.
وأضاف الائتلاف الوطني السوري، في بيان أصدره الأحد 1 ديسمبر/كانون الأول 2024، أن عملية فجر الحرية هي استجابة للسوريين الذين يناشدون منذ سنوات من أجل تحريرهم ورفع القيود عنهم وتخليصهم من الاستبداد والظلم، وأنها ضد اعتداءات نظام الأسد المستمرة الذي أصر على الخيار العسكري وعرقل الجهود السياسية.
ويرى مراقبون أن توقيت الهجوم مناسب؛ نظراً للظروف الإقليمية والدولية المضطربة، حيث إن حلفاء النظام السوري منشغلون بمشاكلهم الداخلية، فروسيا الحليف الأقوى لنظام الأسد منشغلة بحرب أوكرانيا، وكذلك حزب الله اللبناني وإيران لديهما تصعيداتهما العسكرية مع إسرائيل ويصعُب عليهم مساندة قوات بشار الأسد.
وذكرت وسائل إعلام إيرانية رسمية أن وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي وصف هجمات المعارضة السورية على قوات الأسد وحلفائه بأنها ما هي إلا خطة أمريكية صهيونية، وخاصة بعد هزيمة إسرائيل في لبنان وفلسطين.
بينما دعت الولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة إلى وقف التصعيد في سوريا، مشددة في بيان مشترك على ضرورة حماية المدنيين والبنية التحتية الأساسية.
وأكد البيان ضرورة الحل السياسي للنزاع بقيادة سوريا، بما يتماشى مع قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254، الذي أقر عام 2015 لدعم عملية السلام في سوريا.
الهدنة بين حزب الله وإسرائيل
سعي رئيس الولايات المتحدة جو بايدن بمساعدة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في الوصول إلى هدنة ووقف الحرب لمدة 60 يوماً بين إسرائيل وحزب الله في جنوب لبنان، وذلك قبل شهر واحد من مغادرة بايدن للبيت الأبيض.
وصرح بايدن بأنه تحدث إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ورئيس حكومة تصريف الأعمال اللبنانية نجيب ميقاتي، مؤكداً أن هذا الاتفاق تم ليكون وقفاً دائماً للأعمال القتالية، وأنه لن يسمح لحزب الله بتهديد أمن إسرائيل مجدداً.
وأضاف أن إسرائيل ستسحب قواتها تدريجياً على مدى 60 يوماً مع سيطرة الجيش اللبناني على الأراضي القريبة من الحدود مع إسرائيل لضمان عدم بناء حزب الله بنيته التحتية هناك مجدداً، مشيراً إلى أن المدنيين من كلا الطرفين يمكنهم العودة لمناطقهم في القريب العاجل.
ويذكر أن مجلس الوزراء الأمني الإسرائيلي وافق على الاتفاق بأغلبية 10 أصوات موافقة مقابل صوت واحد رافض، على الرغم من أن إسرائيل لم تنتهِ من خططها ومشروعها الحدودي في جنوب لبنان، وفي ذلك دلالة على أن إسرائيل تعرضت لضغط من الولايات المتحدة الأمريكية لقبول هذه الهدنة.
وقد سبق ذلك دعوات من قِبل عدد من أعضاء مجلس النواب الأمريكي، بوقف الدعم العسكري لإسرائيل.
ملف الطاقة النووية
قدمت بريطانيا وفرنسا وألمانيا، بدعم من الولايات المتحدة الأمريكية، الثلاثاء 19 نوفمبر/تشرين الثاني، إلى مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية مشروع قرار يتهم إيران بعدم تعاونها في المشروع النووي.
وقرر مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية، الخميس 21 نوفمبر/تشرين الثاني 2024، قراراً رسمياً، ينتقد إيران بدعوى عدم تعاونها بشكل كافٍ في الملف النووي، وأنه على طهران العمل على تحسين التعاون مع المنظمة على وجه السرعة، وطالبت الوكالة بإصدار تقرير شامل يهدف إلى الضغط على إيران للدخول في محادثات نووية جديدة.
وتمت الموافقة على القرار بأغلبية 19 صوتاً وامتناع 12 عضواً عن التصويت و3 أصوات معارضة، ويطلب من طهران اتخاذ الإجراءات الضرورية والعاجلة لحل قضايا الحماية المزعومة.
وفي هذه الوثيقة، يُطلب من إيران تقديم تفسيرات موثوقة وإبلاغ الوكالة بالموقع الحالي للمواد النووية والمعدات الملوثة في ما يتعلق “بجزيئات اليورانيوم الاصطناعية في موقعين غير معلنين بإيران” دون تأخير.
وبناء على ذلك الضغط الأمريكي والأوروبي على طهران، اتخذت إيران موقفاً تصعيدياً وعملت على رفع مستوى تخصيب اليورانيوم إلى 60%، مقتربة من نسبة 90% اللازمة لصنع قنبلة نووية، مقارنة بالسقف المحدد في الاتفاق عند 3.67%، إلى أن دخلت الدول الأوروبية الثلاث في محادثات جنيف مع إيران، في حين أن الولايات المتحدة الأمريكية امتنعت عن المشاركة.