حوار -سارة محمد علي
حول مستقبل العلاقات الإيرانية العربية عقب انطلاق طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، وتأثير ذلك على خارطة المنطقة يحاور زاد إيران الكاتب الصحفي والمحلل السياسي المصري عبد الله السناوي.
- عقب انطلاق طوفان الأقصى بدأت تتجلى ملامح صورة جديدة لإيران في العالم العربي، بعد سنوات ظلت تلحق بها تهم عدة مثل التدخل في الشؤون الداخلية لبعض البلدان العربية ودعم تنظيمات إرهابية، كيف ترى الصورة الجديدة لطهران في المنطقة؟
هناك تحسن ملحوظ بالتأكيد للصورة الإيرانية في عيون الجماهير العربية المتعاطفة تقليديًا مع القضية الفلسطينية والمتعاطفة في هذه الآونة مع طوفان الأقصى ومع المقاومة الفلسطينية، لكن المشاكل العالقة تظل كامنة تحت السطح وتحتاج إلى مقاربات أخرى متبادلة بين العرب والإيرانيين، تلك حقيقة، والحقيقة الثانية التي لا نعترف بها في العالم العربي أن إيران في هذه المعركة وبسياستها الاستقلالية في الفترة الأخيرة اكتسبت وضعًا استثنائيًا في العالم العربي فهي تقريبًا أو يقينًا هي الدولة الوحيدة في المنطقة التي تمتلك قرارها في منطقة الشرق الأوسط، وتلك ميزة لم تتوفر لأحد في المنطقة من قبل إلا لمصر في عهد الرئيس جمال عبد الناصر.
والقائد الأعلى للثورة الإيرانية السيد علي خامنئي أشار إلى ذلك في خطاب علني حين قال إن مصر هي أول دولة تنال استقلالها الحقيقي بعد الحرب العالمية الثانية، وبشكل أو بآخر اكتسبت إيران نفس الميزة التي تتمثل في استقلال القرار الوطني دون مؤثرات خارجية كبيرة عليه، وفق مصالحها ووفق ما تراه، سواء اختلفنا أو اتفقنا عليه، لكنها في النهاية تظل قرارات لأسباب إيرانية صرفة، وهذه ميزة نوعية كبيرة جدًا.
ومن المفارقات أنه في عام 1979 حدث أهم تحول في تاريخ المنطقة، ففي ذلك العام الحاسم مصر اعترفت رسميًا بدولة إسرائيل وعقدت معاهدة سلام مصرية إسرائيلية، وفي نفس العام قامت الثورة الإيرانية، وخرجت قوى إقليمية كبيرة من الصراع العربي الإسرائيلي وهي مصر عبر اتفاقية السلام، وقوة إقليمية كبيرة أخرى دخلت إلى ميدان المواجهة وهي إيران.
وتلك حقائق يجب أن نعترف بها سواء كانت ترضينا أم لا، لكنها أصبحت وقائع على الأرض، فمنذ حرب أكتوبر ثم معاهدة السلام وبدأت إيران تكتسب ثقلاً في معادلات الإقليم.
وفي عام 2003 حدث تطور آخر في تاريخ المنطقة مع الحرب على العراق واحتلال بغداد في ذلك العام، حدث تغير استراتيجي في مشرق العالم العربي منذ ذلك الوقت، فقد كانت مصر منزوية وضعيفة ومؤسساتها الخارجية وحركتها الدبلوماسية مكبلة بعلاقات خاصة بالولايات المتحدة الأمريكية واتفاقية السلام مع إسرائيل، بينما كان مركز الحيوية بالمشرق العربي في العراق وسوريا، ثم جرى ضرب العراق وحصار سوريا، فحدث فراغ استراتيجي كبير، ومن ثم تقدمت لملء الفراغ قوتان إقليميتان كبيرتان هما تركيا وإيران، لأن التاريخ لا يعرف الفراغ، حيث انسحبت مصر وبدى العالم العربي أغلبه متورطًا في الحرب على العراق أو التحريض عليها، فتقدمت إيران ولها إرث من الكراهية مع العراق وحرب طالت لأكثر من ثمان سنوات، لكنها تقدمت لملء الفراغ واستندت على ما يمكن أن نسميه الشيعية السياسية، وتركيا تقدمت أيضًا لملء الفراغ معتمدة على تجربة أردوغان في بدايتها وكانت مبشرة بميلاد قوة إقليمية كبرى، ومشروع بدى أنه نهضوي ويهدف لتحسن اقتصادي ويعتمد على القوى الناعمة، وذاع حينها في الفضاء السياسي التركي أن القرن الواحد والعشرين سوف يكون قرنًا تركيًا.
على الجانب الآخر اعتمدت إيران إبراز وجهين لسياستها، وجه مناهضة الولايات المتحدة وإسرائيل، ووجه تقديم الدعم المباشر للقضية الفلسطينية، وهنا يجب تذكر أن في السبعينات كان هناك سفارة لإسرائيل بطهران وتم إخلاؤها واستبدالها بسفارة دولة فلسطين، ومن هنا اكتسبت إيران أرضية شعبية في المنطقة.
وتجدر الإشارة إلى أن كلا المشروعين لكل منهما أهدافه الخاصة التي تخدم مصالح قوته الإقليمية وليست أعمال تطوعية لجمعيات خيرية، ومن الطبيعي أن تحدث بينهما صراعات واحتكاكات وهو ما كان بالفعل .
لكن بمرور الوقت مع تفاقم أحداث كبرى في لبنان وغياب مركز ثقل في المنطقة العربية، وبروز مراكز ثقل نشأت بقوة المال لكنها تابعة للولايات المتحدة في قرارها مما أدى إلى تفاقم الأزمات في المنطقة، ومع اعتماد إيران على المشروع السياسي الشيعي، أصبح لطهران حضور أكبر في المنطقة.
ثم كان التحول الأكبر في الصورة الإيرانية في المنطقة العربية وبروز دور أكبر لها وحضور شعبي عقب طوفان الأقصى ودعمها للمقاومة الفلسطينية.
- كيف تنظر إلى مستقبل العلاقات المصرية الإيرانية بعد طوفان الأقصى، وصولاً إلى صدور تصريحات رسمية من وزارتي الخارجية بالبلدين تفيد بعودة السفراء عقب انتهاء الحرب الإسرائيلية على الشعب الفلسطيني؟
= من العجيب أنه على مدار أكثر من أربع عقود وحتى الآن لم تنشأ علاقات دبلوماسية بين مصر وإيران، بينما هناك علاقات دبلوماسية لطهران مع الولايات المتحدة والدول الأوروبية وكافة دول الخليج، ربما تتوتر أحيانًا وتتقدم أو تتراجع لكنها تظل موجودة، ما عدا مصر التي واصلت طيلة تلك العقود قطع العلاقات وانعدام الحديث بين القاهرة وطهران.
وذلك يرجع إلى استهداف قوى إقليمية تكبيل مصر وإضعافها وعزلها ومنعها من إقامة علاقات طبيعية مع المراكز الإقليمية الكبرى الأخرى.
وشخصيًا كنت أنادي منذ عام 2014 بعودة الحديث مع إيران وتخفيض التوتر مع تركيا، لأن مصر وتركيا وإيران هي المراكز الثلاثة الرئيسية الكبرى في الإقليم، وسواء شئنا أم أبينا، لا يمكن استبعاد الأطراف الأخرى في معادلات الإقليم، ولا يعني ذلك نسيان الخلافات، ولكن البحث عن وسائل لتذليلها، فمن مصلحة مصر البحث عن نقاط حوار واتفاق مع طهران واسطنبول.
وهنا أذكر أنه في عام 2015 جمعني حوار لم يكن للنشر مع شخصية سعودية كبيرة ونافذة، سألت فيه لماذا تُكبلون الدور المصري بينما مصر يمكنها أن تكون محاميًا أمينًا عن الخليج في الحوار مع إيران، وطهران تريد الحوار مع مصر وتلك حقيقة كانت تعلمها كل الأوساط السياسية في ذلك الوقت، ولكنكم تُكبلونها وتعترضون على الحوار المصري الإيراني؟
فأجابني إجابة مثيرة للغاية، حيث قال لماذا مصر؟ فنحن نستطيع محاورة إيران بصورة مباشرة، ثم ذكر لي أنه كان هناك توجه لإجراء حوار وإعادة العلاقات الدبلوماسية بين السعودية وطهران، لكن أوقفها حادث اغتيال الداعية الشيعي السعودي نمر نمر، وقيام مظاهرات واحتجاجات ضد المراكز الدبلوماسية السعودية في إيران ولولا ذلك كان تم الاتفاق.
نقلت هذه المعلومة إلى وزير الخارجية المصري حينها سامح شكري وسألته ماذا يمكن أن تقول وهناك تعمد لحجب أي دور إقليمي عن مصر وكيف تستسلم مصر لهذا الحد وهو الوضع الذي يبدو غريبًا.
وعلى كل حال، هل هناك بين مصر وإيران مشاكل حقيقية وغير مصطنعة؟
نعم
هل يمكن حلها بالوسائل السياسية والدبلوماسية؟
نعم
هل هناك نقاط مصالح مشتركة بين البلدين؟
نعم ونعم ونعم وتستحق بذل مجهود
فكلا البلدين لا يستغني أحدهما عن الآخر، وأريد أن أذكر هنا معلومة بدت غريبة في وقتها، حيث كانت هناك مباحثات بشأن سوريا في عواصم أوروبية خلال عام 2014 واستُبعدت مصر منها، مما أدى لتقديم احتجاج رسمي للدولة، وخرج وزير الخارجية المصري وأبدى غضبه، ثم ضمت مصر لذلك الحوار، وحينها لم يكن ضمها لمقترح أمريكي أو أوروبي أو خليجي وإنما مقترح وإصرار إيراني، وتلك معلومة نقلها لي وزير الخارجية حينها نبيل فهمي.
وفي السنوات الأخيرة لفترة حكم الرئيس الإيراني السابق إبراهيم رئيسي، شهدت العلاقات المصرية الإيرانية نقلة نوعية، حيث جرت اتصالات على المستوى الرئاسي والوزاري، بعد أن ظلت عشر سنوات تقتصر الاتصالات الإيرانية المصرية على المستوى الأمني، وهي الاتصالات التي كانت تثير حفيظة الخليج العربي كلما تم تسريب أنباء عنها، وهناك أزمة كبيرة حدثت حين تسربت أنباء حضور المجلس العسكري الحوثي بكامل تشكيله إلى مصر لعقد اجتماع أمني، لذا يعتبر الانتقال إلى مرحلة اتصالات دبلوماسية وسياسية نقلة نوعية فارقة في تاريخ العلاقات بين البلدين.
وأعتقد أنه آن الأوان أن تعود العلاقات بين القاهرة وطهران بشكل طبيعي، لأن بعودتها تصبح هناك فرصة أمام العربي لتذليل أي مشكلات قائمة أو قد تواجهه في المستقبل.
منذ عام 2021 وحدوث دفعة واضحة أو كما تسميها نقلة نوعية في العلاقات المصرية الإيرانية، عبرت الكثير من الصحف الإسرائيلية عن قلق لدى إسرائيل من هذا التقارب، وما يؤرق إسرائيل بالتبعية تعارضه الولايات المتحدة الأمريكية، وما ذكرته من عقبات سابقة أمام إقامة علاقات مصرية إيرانية، ما زالت قائمة بالفعل، فكيف يمكن أن يتم التطبيع بين القاهرة وطهران؟
هناك أزمة صعبة في اللحظة الحالية تتمثل في الأزمة الاقتصادية بمصر، ودور الولايات المتحدة وصندوق النقد الدولي والمؤسسات الدولية المالية بشكل عام حاسم في أن لا تقع مصر عملياً في حافة الإفلاس، وذلك يعتبر قيدًا كبيرًا على صناعة القرار المصري، إضافة إلى أزمات إقليمية أخرى، مع آثار اتفاقية كامب ديفيد وتهميش دور مصر وإضعاف الاقتصاد المصري المتعمد في كثير من الحالات، فنصبح في وضع لا يسمح بحرية حقيقية للقرار الوطني.
لذا أرى صعوبة في ظل الظروف الحالية لـ اتخاذ خطوات راديكالية أكبر، إذ يجب أولاً أن تمتلك مصر قرارها حتى يمكنها التصرف باستقلالية تامة دون تأثير لقوى خارجية، وذلك يحتاج إلى وقت طويل وبالتالي لن يكون الاتفاق المصري الإيراني قريباً مثلما يتردد من تصريحات، وإن كنت آمل أن يحدث ذلك التقارب وأراه ضرورة للبلدين، لكن لا أراه ممكنًا قريباً قبل أن تمتلك مصر السيادة الكاملة على قراراتها، خاصة مع كون ذلك القرار يمثل صفعة لإسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية، لكن لا يمكن ذلك في ظل ما تعانيه مصر الآن من أزمات اقتصادية تتحكم في قرارها.
- كيف ترى مستقبل العلاقات الإيرانية الخليجية خاصة بعد الاتفاق الإيراني السعودي في بكين؟
= بالتأكيد ذلك الاتفاق يمثل خطوة راديكالية كبيرة إلى الأمام، فـ السعودية يقلقها الضربات التي تتلقاها على حدودها الجنوبية من الحوثيين، وتورطها في حرب لا نهاية لها في اليمن، ويتبعها استنزاف اقتصادي وعسكري لمقدرات الدولة وهي بحاجة لوضع حد لذلك وفتح صفحة جديدة ومحاولة الصلح مع إيران، لذلك اتخذت هذه الخطوة، وهي بمثابة خطوة شديدة الشجاعة بالنظر لقوة العلاقات السعودية الأمريكية.
لكنها أيضاً يمكن اعتبارها نصف خطوة في مسار التطبيع الإيراني السعودي وليست خطوة كاملة، لأن الملفات المعلقة بين البلدين لم يتم حلحلتها حتى الآن مثل الملف اليمني واللبناني والعراقي، وهي ملفات بها تداخلات وتعقيدات كثيرة ولم تشهد أي تقدم لحل أيٍّ منها حتى الآن.
ثم عندما جاءت الحرب على غزة وجرى الضغط على السعودية للقبول بالتطبيع السعودي الإسرائيلي مقابل اعتراف إسرائيل بدولة فلسطينية، أو على الأقل البدء في ذلك المسار، حدث توقف في مسارات التطبيع بين الرياض وطهران، ثم انقلب الحديث إلى تشكيل حلف إقليمي اقتصادي أمني ضد إيران لإحكام الحصار عليها، وهو عكس ما كنت أتمناه لتسوية الخلافات والصراعات بين إيران والخليج العربي والوصول إلى درجة عالية من الاستقرار والتركيز على التعاون الاقتصادي المشترك، وربما تشهد المنطقة أدوارًا أمنية وعسكرية ضد الدول المتهمة بكونها حليفة لإيران وهنا يتجلى بوضوح حال النظم العربية القائمة المكبلة التي لا تمتلك حرية قرارها.
هل يمكن لمعركة طوفان الأقصى والدور الإيراني فيها أن تحدث عودة للحراك شعبي في المنطقة العربية؟
أنا لا أظن أن هناك نظاماً عربياً واحداً يتمنى أن تنتصر المقاومة في حربها على إسرائيل، لأنهم يستشعرون وطأة التبعات التي قد تحدث بعد ذلك، وأظنهم لن يمانعوا بالمقابل في شن حملات على إيران وحصارها باعتبارها داعمة للمقاومة، خاصة مع وجود شروخ كبيرة في شرعية الأنظمة العربية، سوف تتحول مع الزمن إلى فوارق ضخمة، والسابع من أكتوبر زلزال كبير لا بد أن تكون له تبعاته وتأثيراته.
وهنا تجدر الإشارة إلى نكبة عام 1948 التي كانت أيضاً بمثابة زلزال كبير للمنطقة، وجرى بعدها مراجعة عربية لأسبابها، فكانت أحد تبعاتها، ثورة يوليو 1952 ثم تأميم قناة السويس ثم الوحدة العربية بين مصر وسوريا، وخلال عشر سنوات حدثت مجموعة من التحولات الاستراتيجية في العالم العربي ومصر بالأخص، وبالتأكيد سوف نشهد تبعات أخرى كبرى فيما بعد السابع من أكتوبر.
- هل يجبر طوفان الأقصى الأنظمة العربية على تغيير آليات تعاملها مع تنظيمات الدين السياسي المدعومة من إيران، مثل حماس وحزب الله والإخوان المسلمين باعتبارها التنظيم الأم لحركة حماس التي تتصدر حالياً مشهد المقاومة الفلسطينية المسلحة؟
هذه مشكلة كبيرة جداً، وأظن أن أكبر عقبة في اليوم التالي الفلسطيني بعد انتهاء الحرب، هي النزعة الأيديولوجية عند حماس، وأحذر تيار الدين السياسي والإخوان المسلمين على وجه الخصوص من تصور أن التضامن الدولي الواسع مع القضية الفلسطينية في العالم هو تضامن مع حركة حماس.
لم ترفع أي أعلام لحماس في حملات ومسيرات التضامن العالمية، بل رفع العلم الفلسطيني، والتعاطف العالمي يأتي للإيمان غير المسبوق حالياً بعدالة القضية الفلسطينية، وتلخيص المقاومة وتضحياتها في حماس أو أي جماعة أيديولوجية هو أمر شديد الخطورة وسوف يؤدي إلى تعقيد موقف حماس نفسها في المستقبل.
وللأسف هناك بعض المنتمين لتيار الإسلام السياسي والإخوان المسلمين على وجه التحديد يتصورون أنهم وحدهم من وفروا الغطاء للمقاومة الفلسطينية، وذلك غير صحيح بالمرة، بل إن المقاومة اكتسبت شرعيتها في العالم العربي بوجود التيار الإسلامي وبوجود أكبر منه للتيار القومي العروبي، فالتفافه وراء المقاومة أعطى لها غطاء الإجماع العربي.
وإذا ما تمت الإساءة – وهذا يحدث كثيراً – إلى رمز العروبة جمال عبد الناصر والحديث بتعالي وتصور أنهم نجحوا حيث فشل ناصر، فسوف يكون مدعاة لإلحاق خسائر استراتيجية كبيرة للمقاومة، ويجب التذكير أن عبد الناصر رفض الهزيمة وأعاد بناء الجيش ودخل في حرب الاستنزاف التي كانت مقدمة لانتصار أكتوبر الذي جرى سحب مكاسبه عبر اتفاقية كامب ديفيد، والاستخفاف بدوره والاستعلاء على التيار القومي العروبي سيؤدي إلى انشقاق كبير في الصف الفلسطيني يؤدي لإجهاض المقاومة لسنوات طويلة وهذه جريمة كبرى بحق المقاومة، ويجب التذكير أن التيار القومي العروبي يدعم المقاومة بشكل كامل لكن لديه خلافات كثيرة وعميقة مع الإخوان المسلمين.
صحيح أن حماس تستحق بعد السابع من أكتوبر أن تتصدر قيادة المشهد الفلسطيني، لكن ذلك لن يحدث دون تحررها من الغطاء الأيديولوجي، لتصبح أقرب لتمثيل الهوية الفلسطينية بكل مكوناتها، لكن حال تصادمت الحركة مع الهوية الفلسطينية بمختلف جوانبها وتصورت أنها هوية مكتملة بذاتها، فسيُمثل ذلك المنزلق الأخطر والأسهل والذي سيمكن من الانقضاض على حماس وحصارها وصولاً لإنهائها بالحصار فيما إسرائيل فشلت أن تنهيها بالسلاح.
ولقد حاورت بعض قيادات حماس في وفود التفاوض، وهم على علم بذلك المنزلق الخطير، لكن للأسف هناك من يتعمد سحب الحركة إليه ومحاولة تصويرها باعتبارها كل المقاومة، وتحديداً تيار الإخوان المسلمين، والتغطية العامة لقناة الجزيرة لأحداث السابع من أكتوبر والتي لم تنتبه إلا مؤخراً لوجود حركات أخرى في مشهد مقاومة المحتل الإسرائيلي، وبعض وسائل الإعلام التابعة لدول أو جهات أو تنظيمات معينة ما زالت تُصر على تقديم حماس باعتبارها المقاوم الأوحد، وعبر وسائل التواصل الاجتماعي يحاول تنظيم الإخوان التأكيد على نفس التصور الاستعلائي، وإذا لم يُردع هذا الخطاب وتلك النزعة الاستعلائية، وإعلاء أولوية عدالة القضية الفلسطينية على ما سواها، فسوف يجري سحق كل ما تحقق من منجزات منذ السابع من أكتوبر، وسحق الحركة نفسها.
فالدول العربية وإسرائيل وأمريكا جاهزة للانقضاض في اليوم التالي لانتهاء الحرب، وعنصر الحماية الموجود هو الرأي العام العربي الملتف حول المقاومة وفي قلبه التيار القومي العربي.
وتلك النزعة الاستعلائية كانت من قبل سبب في سقوط حكم الإخوان المسلمين في مصر، لذا يجب النزول عنها، وقبل تصدير بطولات حماس باعتبارها المقاوم الأكبر يجب التأكيد على أن البطل الأكبر والمضحي الأكبر هو الشعب الفلسطيني الذي قُتل وسُحل وتدميره وإذلاله لكنه لم يتنكر للمقاومة وصمد، ولو تنكر لكانت الهزيمة سريعة، ذلك الشعب لم يصمد إعجاباً بحماس أو إيماناً مطلقاً بأفكارها، بل لأن المقاومين في صفوفها هم أبناؤه، وليسوا في صفوف حماس وحدها بل في كل الحركات المقاومة المشاركة في المعركة بمختلف توجهاتها من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار.
ويجب التنبه أن الإعلام الغربي يحاول تلخيص المقاومة في حماس وحدها حتى يسهل حصارها واجتثاثها، وتصدير السنوار باعتباره المخطط والمنفذ الوحيد للسابع من أكتوبر حتى إذا تم اغتياله يمثل ذلك انتصاراً لإسرائيل.
- وهل تنظيم الإخوان المسلمين أو حتى بعض وسائل الإعلام العربية والغربية والقوة الإعلامية لحماس وحركات الدين السياسي المدعومين إيرانياً هم السبب وحدهم في تصدير صورة حماس باعتبارها ممثل أوحد أو أكبر للمقاومة، أم قصرت الحركات الأخرى في إثبات حضورها إعلامياً، وكذلك قصر التيار العروبي القومي في إثبات دوره كفاعل في المشهد الفلسطيني؟
= لا تملك أي من الحركات ما تملكه حماس من دعم إعلامي ممول من قبل إيران التي تمول إضافة لامتلاك حماس لقناة الجزيرة التي تُحركها قطر التي تحكمها حسابات سياسية مع الإخوان المسلمين ومع الولايات المتحدة الأمريكية.
وعلى الجانب الآخر تراجعت شعبية فتح ومنظمة التحرير الفلسطينية، بعد توقيع ياسر عرفات على اتفاقية أوسلو التي أصرت إسرائيل أن يوقع عليها عرفات بصفته ممثل لمنظمة التحرير الفلسطينية ليكون الاعتراف بإسرائيل من كافة أطياف فلسطين، وتبع ذلك تحلل فتح وكوادرها وضعف حضور منظمة التحرير الفلسطينية شعبياً وإعلامياً.