ترجمة دنيا ياسر نورالدين
أجرت وكالة أنباء “خبر أونلاين” الإيرانية المحافظة الجمعة 18 أبريل /نيسان 2025 حوارا مع المفكر الإصلاحي الإيراني سعيد حجاريان منظر التيار الإصلاحي ، وقد استعانت الوكالة بالذكاء الاصطناعي من أجل تزويدها ببعض الاسئلة التي ناقشت فيها المفكر الايراني.
ذكرت الوكالة أنه خلال إعداد الحوار، تم الاستعانة بالذكاء الاصطناعي لاستخلاص خمس أسئلة محورية، استنادا إلى تحليل الوضع الداخلي الإيراني ومراجعة منشورات حجاريان على منصة X (تويتر سابقا).
وأوضحت الوكالة أن الأسئلة التي اقترحها الذكاء الاصطناعي جاءت متقاربة إلى حد كبير مع الأسئلة التي كانت معدّة سلفا، ما دفعها إلى اعتبار هذا اللقاء حوارا مشتركا بين برنامج “الذكاء الاصطناعي غروك”(غروك هو نموذج ذكاء اصطناعي تم تصميمه ليكون أكثر مرونة وجرأة في الإجابة على الأسئلة) و”وكالة خبر أونلاين” مع سعيد حجاريان. وبذلك، فإن بعض الأسئلة التي طُرحت خلال اللقاء مصدرها الذكاء الاصطناعي، إلى جانب ما أعدته الوكالة.
وفي تصريحاته خلال الحوار، أكّد حجاريان أن الإصلاحيين، في ما يتعلق بالسياسة الخارجية، ينبغي أن يعملوا على إنتاج خطاب سياسي مسؤول، يسعى إلى التأثير في بنية السلطة القائمة، من أجل تفادي التوترات والمواجهات والحروب التي قد تهدد أمن البلاد.
كما لم يتوانَ حجاريان عن توجيه انتقادات واضحة لما وصفه بـ”دعاة الحرب” من الداخل، مؤكدا أن التعامل مع الولايات المتحدة وملف المفاوضات يجب أن يكون بمنطق فعّال وواقعي، مشددا على أنه لا يوجد ما يبرر رفض الدخول في مفاوضات شاملة ومباشرة.
وفيما يلي نص الحوار
بالنظر إلى التحولات السياسية الداخلية في إيران، ما هو في رأيكم التحدي الأهم الذي سيواجه الإصلاحيين في عام 2025 في سبيل التأثير على سياسة البلاد، وكيف يمكن التغلب عليه؟
في البداية أود أن أعبّر عن رأيي بخصوص الذكاء الاصطناعي. هذه الأداة، على الرغم من تعدد أنواعها وإصداراتها والتأثيرات التي أحدثتها والتي ستُحدثها لاحقًا، إلا أنها لا يمكن أن تُغنينا عن التفكير. سواء كنا في موقع السائل أو المُجيب، يجب علينا أن نُمرّر المعلومات عبر مصفاة “العقل”، ونحرص تحديدًا على ألا نُضحّي بالجودة والدقة لصالح السرعة.
إضافة إلى ذلك، أعتقد أن الذكاء الاصطناعي، بخلاف العقل البشري، لا يمتلك قدرة على الابتكار، وهذا قد يُخلّف تأثيرات سلبية. لذا، يجب حتى في صياغة الأسئلة أن نكون مبدعين. ومن تجربتي الشخصية، أتذكر أنني طرحت سؤالًا عن “جبهة المشاركة” على الذكاء الاصطناعي، وفوجئت بكمية المعلومات الخاطئة التي قدّمها.
وأن الإصلاحيين يجب أن يسعوا إلى منع الحرب من خلال إنتاج خطاب سياسي والتأثير على بنية السلطة، وأما بشأن السؤال الأساسي، فإن الإصلاحيين، في الوقت الراهن، وبسبب ظروف قهرية، مضطرون للتعامل مع القضايا بشكل سلبي أو دفاعي.
ففي ميدان السياسة الخارجية، يجب أن يكون تركيزهم منصبًّا على إنتاج خطاب سياسي والسعي بقدر الإمكان للتأثير على بنية السلطة، بهدف منع التوترات والمواجهات والحروب. كما قال الشاعر ملك الشعراء بهار: “ما الذي هو أدهى من بلاء الحرب / فلا أحد ينجو من شرّها!”
وبطبيعة الحال، إثارة التوتر والنزعة نحو الحرب لا تقتصر على القوى الخارجية. فالواقع أن هناك في أذهان بعض دعاة الحرب المحليين أفكارًا خطيرة، من بينها أن من يمتلك اليد العليا في الحرب، سيتمكن من التأثير على النظام الذي يتشكل بعدها، ومن خلال تراكم القوة والثروة، يستطيع دفع مشاريعه قُدمًا.
بمعنى آخر، إنهم يفضلون العيش في أجواء الحصار والحرب. إلا أنهم لا يدركون أن اندلاع الحرب لا يضمن بالضرورة سيطرة منطقهم، فقد تخرج من صندوق الحرب شخصيات على غرار الدبلوماسي الأمريكي “بول بريمر” أو مبعوثين خاصين. ولا ننسى تجربة الدبلوماسي الأمريكي “خليل زاد” في أفغانستان، حيث أهملت المنظومة الجديدة قضايا التنمية وحقوق الإنسان وحقوق المرأة
ومع ذلك، لا يقتصر دور الإصلاحيين على السياسة الخارجية، بل ينبغي أن يوجهوا اهتمامًا خاصًا إلى مسألة “العدالة الاجتماعية”. فالمعطيات والحقائق الحالية تشير إلى أن ثلاثة من الشرائح العشر للمجتمع ترزح تحت وطأة الفقر الشديد، في حين أن بقية الشرائح فقدت الأفق، وتعيش على وقع التقلّبات الدائمة.
ومن هنا، يتحمّل الإصلاحيون مسؤولية المساهمة في تقليل “الخوف” في المجتمع. وهذه المهمة تتم جزئيًا عبر إنتاج الفكر والخطاب السياسي، وجزئيا من خلال النقد الصريح للسياسات التي أوصلت المجتمع إلى هذا الحال.
وفي ما يخص السياسة الداخلية، فهناك قضايا يمكن مناقشتها، أهمّها وجود مجموعة من الإشكالات الهيكلية التي جعلت ممارسة السياسة الإصلاحية تواجه تحديات كبيرة. لقد بقي فقط غلافٌ شكلي من الفعل السياسي السويّ، وكل طرف يحاول إعطاءه شكله الخاص. هذا الوضع من اللايقين دفع الجميع إلى انتظار المفاجآت والغرائب، بينما الإصلاح في جوهره يقوم على التنمية المستدامة، التي تشمل السياسة والاقتصاد والمجتمع معا.
في ظل احتمال تصاعد التوترات الإقليمية في الشرق الأوسط، كيف يمكن لإيران أن تستخدم “الدبلوماسية” من أجل “الحفاظ على الاستقرار” الداخلي ومكانتها الدولية؟
أنا أجد مشكلة أساسية في هذا السؤال، وأعتقد أن الذكاء الاصطناعي قد بالغ في التقدير. أولا، “الدبلوماسية” في بلادنا لا تعمل كما ينبغي. جزء من هذه المعضلة يعود إلى الطبيعة الذاتية للجهاز الدبلوماسي، والسبب الرئيسي هو استقطاب كوادر ضعيفة وغير كفؤة ومؤدلجة.
أي أن فاعلية الدبلوماسية قد تراجعت بمرور الزمن، رغم أنه لا يزال بالإمكان التعويل على بعض الأفراد المميزين. والجزء الآخر من هذه المعضلة مفروض فرضا؛ فعندما تحاول وزارة الخارجية إنجاز أمر ما، تنهال عليها فجأة أصوات مزعجة وأعمال تخريبية.
فهذا يتحدث عن الحرب، وذاك يخطب عن القنبلة، وآخر يقول: “يجب إطلاق النار على ترامب!” إذا كان الهدف هو تفعيل الدبلوماسية، فيجب فورًا السيطرة على هذه العناصر المدمرة، حتى لا تُستنزف قدرات الجهاز الدبلوماسي في هذا الاتجاه. وطبعا يجب في الوقت نفسه الانتباه إلى أن السياسات الكبرى للدولة لا يجب أن تُستخدم كذريعة لإسكات النقّاد.
ثانيا، مقولة “الحفاظ على الاستقرار” غير دقيقة. فـ”الاستقرار” لا يعني فقط عدم اندلاع الحرب، بل إن عدم الحرب شرطٌ لازم، لكنه ليس كافيًا. الشرط الكافي هو السعي نحو تغيير توجه النظام السياسي باتجاه التنمية المستدامة.
لذلك لا ينبغي أن نتوقف عند شعار “عدم وقوع الحرب”، بل علينا أن نرى الخطوات التالية، التي للأسف لا تعكسها اللغة السياسية الغالبة في السلطة. بلدٌ يتمتع بموقع جيوسياسي كإيران، سواء من حيث تعدد الجيران أو من حيث موقعه على حزام الطرق والممرات، لا يجب أن يُعرّف نفسه على أساس كونه في حالة حرب أو سلم، لكن للأسف فإن قدرًا كبيرًا من طاقات إيران تُصرف في قضايا لا علاقة لها بها.
العالم اليوم هو عالم التحالفات والتعاون، فما الاستراتيجيات التي تقترحها لتعزيز الاكتفاء الذاتي الاقتصادي في إيران خلال هذا العام؟
ينبغي أن يجيب على هذا السؤال الاقتصاديون، لكن الاقتصاديين غير الوهميين! أي أولئك الذين يتحدثون استنادا إلى أفكار واقعية وإحصاءات دقيقة. أما أنا فأستطيع أن أبدي رأيي في موضوع “الاكتفاء الذاتي”.
والاكتفاء الذاتي ليس وصفة عقلانية ولا معقولة. العالم اليوم هو عالم التحالفات والتعاون. لكل دولة ميزة نسبية، ويجب أن تستخدمها بأفضل طريقة. من بين المزايا النسبية لبلدنا: الأرض، الموارد الطبيعية، الموقع الجغرافي، والنخب، التي لم يُحسن استخدامها حتى الآن.
وهنا لدينا مساران: إما الاندماج في التحالفات العالمية الفاعلة، والذي يتم عبر التطبيع والانضمام التدريجي إلى الشبكات المالية العالمية؛ أو الانخراط في تحالفات صغيرة، قد تكون مؤثرة، لكنها في وضعنا الحالي تعمل كمخدّر لا كعلاج.
ولا أدري إن كان ذلك السياسي البارز، صاحب السجل المميز في السياسة الخارجية والمجلس الأعلى للأمن القومي، تحدث عن تصدير المنتجات الزراعية والتعاون مع العالم عن وعي، أم من باب الجهل والدعاية. فإن كان قال ذلك عن وعي، فهذا يعني أن أجزاء مهمة من النظام السياسي اكتفت فقط بالتحالفات الصغيرة، وهذا سمٌّ قاتل.
ما هو دور الشباب وشبكات التواصل الاجتماعي في تشكيل الرأي العام في إيران عام 2025 وكيف يمكن الاستفادة من هذه الإمكانات لإحداث تغييرات إيجابية؟
ينبغي تصنيف العلاقة بين الشباب وشبكات التواصل الاجتماعي. فبعضهم يبحث عن لقمة العيش، بغض النظر عن مستواهم التعليمي. هؤلاء قد لا يكون لديهم حضور نشط أو رغبة في التغيير، مثل أصحاب الأعمال التجارية عبر الإنترنت وغيرهم.
وهناك فئة أخرى من الشباب ترى الفضاء الافتراضي كوسيلة للترفيه. انظر إلى تطور إنستغرام وكلوب هاوس. في إنستغرام طغى هاجس نمط الحياة والحياة اليومية، وازداد هذا الطغيان. أما كلوب هاوس، فقد بدأ بشكل مختلف وكان يمكن أن يبقى عميقا، لكنه انحرف عن مساره وفقد قيمته.
بمعنى أن المكان الذي كان يمكن أن يكون ساحة لتبادل الأفكار وتعلّم المهارات، انحرف. فقد فُرض نموذج إنستغرام على كلوب هاوس. وهناك فئة أخرى من الشباب تستخدم الفضاء الرقمي بشكل أكثر تخصصا، وهؤلاء ليس لهم حضور واسع في الساحة العامة، ويستخدمونه كأداة للعمل أو مكتبة إلكترونية.
أو ربما يكون هذا المسار قد فُرض من قبل السلطة على الفضاء الرقمي، وظن مهندسوها الاجتماعيون أن الفضاء الرقمي أصبح بلا فائدة. لكن الواقع يقول إن هذا الفضاء، رغم ما يوجَّه إليه من نقد، قد أخرج المجتمع من حالة الاعتماد على مصدر واحد في كل المجالات.
حيث كانت السلطة تهدف إلى تقييد الفضاء الرقمي وتشويهه لصيد الفرص، لكن الشباب تعاملوا معه بشكل مختلف، ورفضوا الجلوس على مائدة الأيديولوجيا التي يقدمها الإعلام الرسمي والمنصات المحلية. بمعنى أن لعبة السلطة مع الفضاء الرقمي انتهت بخسارة مزدوجة.
في ظل السياق التاريخي والواقع الحالي، ما النهج الذي يجب أن تتبعه إيران في عام 2025 تجاه القوى العالمية مثل الولايات المتحدة والصين لحماية مصالحها الوطنية بأفضل شكل؟
فيما يتعلق بالولايات المتحدة ، ينبغي التعامل مع قضية التفاوض بفاعلية. لا يوجد سبب لنفي إمكانية التفاوض الشامل والمباشر. فإذا تم التفاوض بفاعلية، أولا: تُهزم فكرة التفاوض المفروض والمُخطط له مسبقا، وثانيا يمكن لإيران أن تخرج من حالة السلبية والانفعال.
أما فيما يخص الصين، فهذه الدولة لديها فكرة مركزية، وهي أنها تذهب وتستقر حيث توجد آفاق واضحة للأمن ومسار تنموي محدد، وإلا فهي تتعامل بحذر. لذلك، إن أردنا الاستفادة من فرصة الصين، يجب أن نقدم صورة عن إيران آمنة وماضية في مسار التنمية.
والصين، لأسباب معينة، على استعداد لشراء النفط الإيراني، لكن السؤال الأهم هو: هل بيع النفط هدف أم وسيلة؟ إن كان هدفا، فلا نقاش، فليبيعوه حتى ينفد! أما إن كان وسيلة، فيجب أن يتم توجيهه بحيث يُصبح جزءا من أحجية التنمية الوطنية.