كتبت: شيماء جلهوم
يحتفل الإيرانيون، كغيرهم من المسلمين في العالم، بعيدَي الفطر والأضحى، في مواقيت الأهلَّة التي تثبت بحسب الرؤية السليمة، لكن كدولة قديمة ذات حضارة مختلفة، بقي منها تراث مختلف في الأعياد والمناسبات، لا يزال يحتل من ذاكرة أهلها حيزا، لم يتمكن أحد من طمسه على مر السنوات، بقي تراث كسرى والدولة الفارسية في ذهن كل إيراني، ينتظر مناسباته الخاصة التي تميزه عن غيره من حضارات العالم؛ ليتذكر أنه كان يمتلك ذات يوم حضارة لا تعرف الغياب.
عيد المهرجان والنيروز وأربعاء النار وليلة يلدا.. هي ما تبقَّى من تراث الفرس القديم في حياة الإيرانيين اليوم، ويعتبر عيد المهرجان أبرز تلك المناسبات التي يحتفي بها مواطنو الجنوب الغربي الإيراني؛ لذا فإنه يعد عيدا مقتصرا على بعض المحافظات فقط.
عيد المهرجان.. حين انتصر الخريف على الربيع
المهرجان كلمة معربة دخلت على اللغة الفارسية، وهو الاحتفال ببداية الخريف، ورغم أن الخريف نهاية السنة الإيرانية، فإن العام قديما كان يبدأ لدى الإيرانيين عند بدء الخريف وليس الربيع، وهي العادة التي تأثروا فيها باليهود، حتى أن الشهور الأرمينية تحمل شهرا يسمى مهركان.
ورغم أن بعض الأقاويل تقول إن عيد المهرجان كان في الأساس عيدا لتقدير الزرادشتي يزاتا ميثرا، كما ذكر عنه البيروني في كتابه “التفخيم في علم التنجيم”، فإن يوم المهرجان في التراث الفارسي كان يعود لأسطورة شعبية إيرانية، ففي هذا اليوم هزم فريدون، وهو البطل الفارسي القديم، الشرير الضحاك، وقيَّده على جبل دماوند. وتذكر الأسطورة أن الضحاك هو مؤسس النيروز، وحين هزم فريدون الضحاك عادت الأمور إلى نصابها، وعادت السنة الإيرانية لتبدأ في الخريف.
وبحسب موقع Briaannica، فإن الاحتفال بيوم المهرجان يعتمد على تقاليد ثابتة حتى اليوم، وفيه يرتدي المحتفلون ملابس جديدة، ويضعون منضدة مزخرفة وملونة، وعليها بردقوش ملون، بالإضافة لنسخة من خوردة آفاستا، وهي صلوات زرادشتية قديمة، ومرآة وكحل فارسي، ونباتات وفاكهة ومكسرات، بالإضافة لقطع من الفضة المعدنية، كما أن المبخرة المضاءة بالنار جزء لا يتجزأ من المنضدة، وترمى بذور البردقوش في ألسنة اللهب، وعندما يأتي موعد الغداء، يتبادل الحضور أكواب الشربات، ونثر البردقوش المنثور على رؤوس بعضهم البعض كفألٍ حسن لاستقبال العام الجديد.
النيروز.. عيد فارسي يحتفي به العالم
في الحادي والعشرين من شهر آذار/مارس، يحتفل جميع الإيرانيين بعيد النيروز، وهو يوم عطلة رسمية في إيران، وقد اعتبرت الأمم المتحدة عيد النيروز واحدا من الأيام الأممية، وضمته اليونسكو للتراث اللامادي للإنسانية، وفيه يحتفل أبناء الجمهورية الإسلامية الإيرانية ببداية العام الجديد، ويمتد الاحتفال به في بعض الطوائف القديمة إلى أسبوعين، ويحتفي به الإيرانيون احتفاء مميزا؛ حيث يرتدون الملابس الجديدة ويزينون المنازل، يعدون الأطباق الشهية، وتزدان الشوارع بالأزهار والنباتات التي تنبئ بقدوم الربيع من جديد، بعد الشتاء القارس.
ومن أهم التقاليد المرتبطة بيوم النوروز كما يطلق عليه البعض، هي مائدة السبع سين، أي مائدة تحمل سبعة أصناف مختلفة، تبدأ جميعها بحرف السين؛ خضراوات، خل، سماق، حلوى، العناب، الثوم، التفاح.
كما تحمل المائدة أحيانا بيضاً ملوناً وفاكهة وطبق ماء معطر، وفي هذا الطبق يسبح سمك صغير أحمر، وتحمل مائدة السبع سين أيضاً القرآن، ومرآة وشموعاً، وتوزع العيديات، وينتهز البعض فرصته للسفر والتنزه.
اعتاد الإيرانيون أن يستقبلوا النيروز برش بعضهم البعض بالماء المعطر، كدلالة على أيام جميلة قادمة، ويفضل الإيرانيون ارتداء الملابس البيضاء في ذلك اليوم، وأكل البيض والجبن الأبيض وشرب الحليب الأبيض، وإطلاق الصقور البيضاء في السماء، رمز القوة، والأبيض رمز الصفاء.
أربعاء النار.. جرة تذهب الشر
هو اليوم الأحمر في حياة أبناء النار القدامى، يحيونه الشباب اليوم، في طقوس اختلفت اختلافا طفيفا عن مثيلتها القديمة، أربعاء النار هو الأربعاء الذي يسبق النيروز، وفيه تنطلق النيران على مداخل الطرقات في شعلات كبيرة؛ لتعلن استقبال النيروز والسنة الفارسية الجديدة.
وبحسب وكالة مهر الإيرانية، فإن أهم طقوس الاحتفال بأربعاء النار، هي جرة النار، وهي إناء كبير من الفخار، تمتلئ بالفحم الأسود الذي يدل على البلاء والحظ السيئ، يوضع معه قطع نقدية وقليل من الملح لذرّ عين الحاسد، ويقوم كل فرد من أفراد المنزل الدوران لمرة واحدة حول الجرة، ثم يحملها شخص آخر ويرميها من فوق سطح المنزل قائلا: “أيها الألم والبلاء اذهب عن أصحاب هذا البيت”، ويعتبر الإيرانيون أن إلقاء الجرة بعيدا يُذهب الحسد والأذى بعيدا عن أهل الدار.
جدير بالذكر أن الاحتفال بأربعاء النار، برغم اقترانه بالعادات الفارسية القديمة وعبادة النار، فإن دخول الإسلام إلى إيران لم يجنح إلى نزع عاداتهم الثقافية، وهو ما جاء ذكره في رسالة علي بن أبي طالب إلى مالك بن الأشتر، محذرا إياه من العبث بتقاليد الناس.
ليلة يلدا.. أطول ليالي السنة
بحسب وكالة مهر الإيرانية، فإن ليلة يلدا هي أطول ليالي السنة، وتوافق 22 ديسمبر/كانون الأول من كل عام، وتوافق مع التقويم الإيراني أنها بداية التقويم الشتوي.
كلمة يلدا في الثقافة السريانية تعني الولادة والإنتاج، وبحسب الأساطير الفارسية القديمة، فإن الظلام كان قويا وممثلا للشيطان، وفي هذه الليلة يزداد الظلام ويمتد بسبب طول الليلة عن الليالي الأخرى، واعتاد الإيرانيون على إشعال النار في هذه الليلة لإبعاد الشيطان وإنهاء الظلام.
ترتبط المناسبات الإيرانية بالطعام، ولكل مناسبة طعامها ومائدتها الخاصة، كذلك في ليلة يلدا توجد مائدة مخصصة لتلك الليلة، يطلق عليها مائدة ميزد، وتزينها الفواكه الطازجة والمجففة المتاحة في كل إقليم .
يعتبر البطيخ الأحمر من أكثر الفواكه التي تقدم في تلك الليلة.
ومن العادات المرتبطة بليلة يلدا قراءة القصائد الإيرانية القديمة، التي تنتمي لكتاب الشاهنامة للفردوسي، وقصائد حافظ، وأشعار السعدي، بالإضافة لسرد القصص والحكم الشعبية القديمة.