كتب: محمد بركات
في خطوة تعكس استمرار سياسة الضغط الأقصى التي تنتهجها واشنطن تجاه طهران منذ عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض في 20 يناير/ كانون الثاني 2025، تواصل الإدارة الأمريكية فرض المزيد من العقوبات الاقتصادية، مستهدفة أحد أكثر القطاعات حيوية بالنسبة لإيران، ضغط تطمح واشنطن من خلاله فرض قوتها وجر طهران إلى طاولة المفاوضات، في الوقت الذي تصر فيه طهران أن وقت المفاوضات لم يحن بعد.
فقد أعلنت الخارجية الأمريكية السبت 8 مارس/ آذار 2025 أن الولايات المتحدة لن تمدد الإعفاء الذي كان يسمح للعراق بشراء الكهرباء من إيران، والذي انتهي اليوم نفسه، معتبرة أن هذا القرار يأتي في إطار سياسة الضغط الأقصى التي تهدف إلى حرمان طهران من أي موارد اقتصادية أو مالية، خصوصا في قطاع النفط.
وقالت المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية، تامي بروس، خلال لقاء صحفي 8 مارس/ آذار 2025 بإن هذا القرار جاء بعد انتهاء صلاحية الإعفاء السابق، مشيرا إلى أن واشنطن تريد أن يرى العالم أن إيران لن تحصل على أي نوع من التسهيلات الاقتصادية أو المالية طالما أنها تستمر في أنشطتها النووية ودعمها لحلفائها في المنطقة.
كما أوضحت بروس أن العراق كان يعتمد على الكهرباء الإيرانية بشكل أساسي في السابق، لكن هذه النسبة تقلصت إلى 4% فقط من إجمالي استهلاك الكهرباء في العراق عام 2023، في محاولة للتقليل من تأثير القرار الجديد.
جدير بالذكر بأن العفو الأمريكي للعراق من العقوبات لشراء الكهرباء من إيران قد بدء منذ عام 2018 خلال الولاية الأولى لدونالد ترامب، وتم تمديده في عهد جو بايدن، حتى آتى دونالد ترامب مرة أخرى ليوقف العفو.
بقائي: القرار الأمريكي جريمة ضد الإنسانية
من جانبها، نددت إيران بشدة بقرار واشنطن، معتبرة أنه انتهاك للقانون الدولي، حيث وصف إسماعيل بقائي، المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية، في تصريحات له الإثنين 10 مارس/ آذار 2025 هذا القرار بأنه اعتراف صريح من واشنطن بانتهاك القوانين الدولية وارتكاب جريمة ضد الإنسانية.
وأضاف بقائي أن العقوبات الأمريكية على إيران غير شرعية ولا تستند إلى أي إطار قانوني أو حقوقي دولي، مشددًا على أن إيران لن تتفاوض تحت الضغط أو التهديد، في إشارة إلى استمرار رفض طهران الحوار مع واشنطن ما دامت سياسة “الضغط الأقصى” قائمة.
كما أكدت طهران أن دول المنطقة يجب ألا ترضخ للضغوط الأمريكية، داعية العراق إلى التصرف وفقًا لمصالحه الوطنية وعدم السماح لواشنطن بفرض سياسات تعسفية تؤثر على اقتصاده.
العراق لم نتلق إخطارا رسميا
في المقابل، صرح أحمد موسى، المتحدث باسم وزارة الكهرباء العراقية، الأحد 9 مارس/ آذار بأن الحكومة العراقية لديها قنوات اتصال رسمية مع واشنطن، ولم يتم إبلاغها رسميا حتى الآن بوقف الإعفاءات.
وأشار موسى إلى أن العراق يعمل على خطط بديلة لمواجهة أي أزمة طاقة محتملة إذا توقفت واردات الغاز الإيراني بالكامل، وهو ما يعكس مخاوف بغداد من التداعيات المحتملة لهذا القرار.
إضافة إلى ذلك، حذر عطوان العطواني، رئيس اللجنة المالية في البرلمان العراقي، الإثنين 10 مارس/ آذار 2025، وذلك خلال لقاءه مع نيل روبنستين، القائم بأعمال سفارة الولايات المتحدة في بغداد، من أن إيقاف واردات الغاز الإيراني قد يؤدي إلى كارثة في العراق، خاصة خلال فصل الصيف، حيث يعتمد العراق على الغاز الإيراني لتشغيل العديد من محطات الكهرباء.
وقد أكد العطواني أن الحكومة العراقية جادة في تحقيق الاكتفاء الذاتي من الطاقة، لكن المشاريع الاستثمارية في قطاع الغاز ستستغرق سنوات قبل أن تصبح بديلا حقيقيا.
تصعيد جديد في سياسة الضغط الأقصى
يأتي القرار الأمريكي في سياق أوسع من الضغوط المستمرة على طهران، حيث تسعى واشنطن إلى تقليص نفوذ إيران الاقتصادي في المنطقة من خلال منعها من تحقيق أي مكاسب مالية من صادراتها من الغاز والكهرباء.
على الجانب الأخر، فأن العراق يجد نفسه في موقف صعب، فوفقا لتقرير نشرته جريدة ابتكار الإثنين 10 مارس/ آذار 2025، فلازالت بغداد تعتمد على الطاقة الإيرانية رغم الجهود المبذولة لتنويع مصادر الطاقة، وفي الوقت نفسه، أن الولايات المتحدة لم تقدم بدائل كافية للعراق، وهو ما يعرض بغداد لضغوط إضافية ويجعلها تبحث عن خيارات أخرى، ربما تشمل التعاون مع تركيا أو دول الخليج.
جديرا بالذكر أن الرئيس الأمريكي ترامب كان قد أعتمد عودة سياسة الضغط الأقصى للتأثير على إيران للحد من نشاطاتها النووية، ففي الساعات الأولى من يوم الأربعاء 5 فبراير/ شباط 2025، وقبل لقائه برئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهوـ في واشنطن، وقع مرسوما يلزم المؤسسات الأمريكية المختلفة بتشديد العقوبات على طهران. ورغم تأكيده على أمله في التوصل إلى اتفاق، إلا أن سياسته استمرت في تصعيد الضغوط الاقتصادية.
وفي أوائل مارس/ آذار 2025، صرح ترامب بأنه أرسل رسالة إلى قائد الثورة الإيراني، علي خامنئي، يدعوه فيها للجلوس على طاولة المفاوضات، الأمر الذي رد عليه المرشد الإيراني خلال لقاءه الرمضاني مع رؤساء السلطات السبت 8 مارس/ آذار 2025، حيث قال إن إيران لن تخضع للدول المتسلطة.
ليأتي البيت الأبيض ويصرح الأحد 9 مارس/ آذار 2025 بأن أمام إيران خياران إما التفاوض أو الخيار العسكري.
العلاقات الإيرانية العراقية… شراكة اقتصادية معقدة في ظل تحديات إقليمية
تمتد العلاقات الإيرانية العراقية لعقود طويلة، متأرجحة بين فترات من التوتر والتحالف، وفقا للمتغيرات السياسية والإقليمية. ورغم الخلافات التاريخية، فإن المصالح الاقتصادية والاستراتيجية المشتركة جعلت من العلاقات بين البلدين عنصرا رئيسيا في المشهد الإقليمي.
تبادل تجاري متنام رغم العقوبات
تعد إيران أحد الشركاء التجاريين الرئيسيين للعراق، حيث يعتمد الأخير بشكل كبير على واردات السلع الإيرانية، لا سيما في مجالات الطاقة والمواد الغذائية والمنتجات الصناعية، فوفقا لإحصاءات رسمية، فإن حجم التبادل التجاري بين البلدين يتجاوز 10 مليارات دولار سنويا، وهو رقم مرشح للزيادة رغم التحديات المرتبطة بالعقوبات الأمريكية المفروضة على طهران.
هذا ويعتبر قطاع الطاقة أحد أهم مجالات التعاون بين البلدين، حيث يعتمد العراق على الغاز والكهرباء المستوردين من إيران لتلبية احتياجاته. وتزود إيران العراق بنحو 40 % إجمالي احتياجاته من الكهرباء، من خلال تصدير الغاز اللازم لتشغيل محطات الطاقة العراقية، بالإضافة إلى تصدير الكهرباء مباشرة. ورغم الضغوط الأمريكية المتكررة لخفض اعتماد العراق على الطاقة الإيرانية، فإن بغداد لا تزال تواجه صعوبة في إيجاد بدائل فورية تلبي احتياجاتها المتزايدة.
زيارة بزشكيان إلى بغداد وتعزيز العلاقات الاقتصادية
مع توليه منصب رئاسة الجمهورية في إيران، كانت زيارة مسعود بزشكيان في سبتمبر/ أيلول 2024 إلى العراق من أولى زياراته الخارجية، مما يعكس أهمية العلاقة الاستراتيجية بين البلدين، وقد ركزت المحادثات بين بزشكيان والمسؤولين العراقيين على تعزيز التعاون الاقتصادي، لا سيما في مجالات التجارة والطاقة والبنية التحتية.
كما ناقش الجانبان سبل تعزيز التعاون المالي والمصرفي، وهو ملف حساس بسبب القيود المفروضة على المعاملات المالية مع إيران نتيجة العقوبات الأمريكية. وقد تطرقت المباحثات كذلك إلى إيجاد آليات لتسهيل المدفوعات المالية، بما يضمن استمرار تدفق الصادرات الإيرانية إلى العراق دون تعقيدات قانونية تؤثر على العمليات التجارية.
التحديات التي تواجه التعاون الاقتصادي
رغم التقارب الاقتصادي، إلا أن هناك تحديات تواجه العلاقات التجارية بين البلدين، من أبرزها العقوبات الأمريكية، حيث تضغط واشنطن باستمرار على العراق لتقليل اعتماده على إيران في مجال الطاقة والتبادل التجاري، مما يضع بغداد في موقف معقد بين شريكيها الرئيسيين.
كذلك يأتي عدم استقرار الوضع الأمني كأحد هذه العوامل، فتؤثر الأوضاع الأمنية في العراق، خاصة في المناطق الحدودية، على تدفق السلع والاستثمارات، مما يعيق خطط التنمية الاقتصادية المشتركة.
كذلك فهناك مشكلات البنية التحتية التي تواجه البلدين، حيث لا تزال شبكات الكهرباء والطرق بين البلدين بحاجة إلى تطوير لزيادة كفاءة التبادل التجاري، وهو ما يتطلب استثمارات إضافية.
كما يأتي عنصر التنافس الإقليمي معوقا اخر في هذا المجال، فتلعب بعض القوى الإقليمية دورا في التأثير على طبيعة العلاقات العراقي الإيرانية، خصوصا فيما يتعلق بمصادر الطاقة والاستثمارات.