لمياء شرف
حتى الساعات الأولى من صباح يوم الأربعاء 11 ديسمبر/كانون الأول 2024، تستمر قوات الجيش الإسرائيلي من التوغل داخل الأراضي السورية، أثناء حملتها في السيطرة على الجولان السوري مرة أخرى، مستغلة الأوضاع السورية الحالية.
وحسب شهود عيان، فإن إسرائيل توغلت داخل القرى في الخط العازل بين إسرائيل وسوريا وفي جبل الشيخ، وأكد أهالي القنيطرة أن القوات توغلت حتى مدينة البعث في القنيطرة وتمركزت فيها، وأمروا الأهالي بالالتزام بالبيوت وقاموا بتمشيط المنطقة.
ويذكر أن إسرائيل احتلت الثلاثاء 10 ديسمبر/كانون الأول 2024، عدة قرى وبلدات في الريف الجنوبي لدمشق والتي شملت قرى وبلدات عرنة وبقعسم والريمة وحينة وقلعة جندل والحسينية وجباتا الخشب.
ومن جهته، قال الجيش الإسرائيلي في بيان له الأحد 8 ديسمبر/كانون الأول 2024، إن قواته انتشرت في المنطقة العازلة الفاصلة بين سوريا وهضبة الجولان المحتلة، وذلك على إثر دخول مسلحين إلى المنطقة العازلة، حيث سيطرت القوات الإسرائيلية على موقع عسكري في جبل الشيخ في سوريا بعد انسحاب قوات الجيش السوري من المنطقة.
وأكدت إذاعة الجيش الإسرائيلي أنه تم الانتهاء من الجزء الأساسي من العملية في سوريا، حيث تم تدمير من 70% إلى 80% من القدرات العسكرية لسوريا، وأنها هاجمت مواقع من دمشق إلى طرطوس بـ 350 مقاتلة، وتم تدمير عشرات الطائرات وأنظمة الدفاع الجوي السوري، ومستودعات الأسلحة.
يأتي ذلك عقب تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، الذي علّق فيها على سقوط نظام الأسد في سوريا، وأعلن خلالها أن اتفاق فض الاشتباك الموقع عليه عام 1974 قد انهار، وأنه أمر بـ الاستيلاء على المنطقة العازلة.
وبدأ الجيش الإسرائيلي نشر قواته في الجولان تمهيداً لفرض منطقة عازلة، حيث وصف نتنياهو سقوط نظام بشار الأسد بأنه يوم تاريخي في الشرق الأوسط، مُرحّباً بانفراط الحلقة المركزية في محور الشر بقيادة إيران، العدو اللدود لإسرائيل، على حد تعبيره.
وقال نتنياهو في زيارة لمرتفعات الجولان: “هذه نتيجة مباشرة للضربات التي وجهناها إلى إيران وحزب الله، الداعمين الرئيسيين للرئيس السوري”.
ووفق نتنياهو، فـ”إن إطاحة الرئيس السوري تقدم فرصاً جديدة مهمة لإسرائيل لكنها ليست خالية من المخاطر”.
المنطقة العازلة
تمتد المنطقة العازلة، أو كما تطلق عليها إسرائيل مشروع ممر داوود، من البوكمال جنوب دير الزور على الحدود السورية العراقية وحتى الجولان بعمق حوالي ١٥٠ كيلومتراً من الحدود الأردنية عبر محافظتي السويداء ودرعا، لتتوقف المنطقة العازلة عند محور دير الزور – تدمر – دمشق.
ويذكر أن قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة المعروفة باسم “يوندوف”، تقوم بمراقبة وقف إطلاق النار في هذه المنطقة العازلة بين الطرفين الإسرائيلي والسوري منذ 50 عاماً.
وتتألف تلك القوة من 1200 فرد، من 13 دولة – وفق قرار مجلس الأمن رقم 350 سنة 1974 في أعقاب توقيع اتفاقية فض الاشتباك، ومنذ ذلك الحين، يتم تمديد تفويض القوة كل ستة أشهر من قبل المجلس، وفي نهاية يونيو/حزيران 2024، جدد مجلس الأمن تفويضها حتى نهاية 2024.
اتفاقية فض الاشتباك بالجولان
احتلت إسرائيل غالبية هضبة الجولان في حرب عام 1967، بما في ذلك مدينة القنيطرة، إلى جانب سفوح جبل الشيخ “جبل حرمون” إلى الشمال من الجولان.
وفي حرب عام 1973، هاجمت القوات السورية هضبة الجولان، واستطاعت التقدم في بعض المناطق، خاصة في الأجزاء الجنوبية من الهضبة، لكن القوات الإسرائيلية شنت هجوماً مضاداً واستعادت السيطرة على هضبة الجولان.
وتوسعت إسرائيل شرق الخط البنفسجي في الجزء الشمالي من هضبة الجولان، واحتلت مناطق إضافية في العمق السوري لم تكن تحتلها قبل العام 1973، بما في ذلك مناطق على طول الطريق بين هضبة الجولان والعاصمة دمشق، وقمة جبل الشيخ.
اتفقت سوريا وإسرائيل على هدنة عام 1974، عُرفت باسم “اتفاقية فض الاشتباك”، وعلى أثرها انسحبت إسرائيل من كافة المناطق التي احتلتها في حرب 1973، إضافة إلى مناطق محدودة احتلتها في عام 1967 تشمل مدينة القنيطرة.
واتفق الطرفان على إنشاء منطقة عازلة عرفت بـ”منطقة فصل” بين الجزء الذي تحتله إسرائيل من هضبة الجولان وبين سوريا، وتكون هذه المنطقة داخل الأراضي التي تخضع لسيطرة سوريا شرق الخط البنفسجي، وعلى طول امتداد الخط من جبل الشيخ شمالاً وصولاً إلى الحدود بين سوريا والأردن جنوباً، وتولت سوريا الإدارة المدنية داخل منطقة الفصل، مع بقاء الجيش السوري خارج حدودها.
ونصت الاتفاقية على منطقة تمتد بالتساوي على جانبي الحدود، حيث تمتد منطقة الفصل على طول 75 كيلومتراً من الشمال إلى الجنوب، وبعرض يتراوح بين 200 متر و10 كيلومترات، على أن يكون حجم الوجود العسكري فيها محدوداً للطرفين.
وفي سياق متصل، نددت حركة الجهاد الإسلامي الفلسطينية بخطوات الجيش الإسرائيلي التوسعية في الأراضي السورية والغارات الهمجية التي يشنها على العاصمة دمشق ومناطق أخرى في سوريا.
وقالت الحركة في بيان لها: “هذا العدوان المجرم هو اعتداء صريح على الشعب السوري وإرادته، واستغلال للأوضاع في سوريا لأهداف توسعية، ويثبت أن هذا الكيان هو العدو الحقيقي والوحيد لكل شعوب أمتنا ومنطقتنا”.
الموقف الدولي
أدانت كل من دولة قطر وتركيا ومصر، حركة إسرائيل التوسعية واستيلاءها على مواقع في الشريط الحدودي داخل الأراضي السورية.
وعلى النقيض، رحبت كل من المملكة المتحدة البريطانية والولايات المتحدة الأمريكية بخطوات إسرائيل، مقدمة الدعم على نطاق واسع لإسرائيل.
ومن جانبه، صرح المتحدث باسم وزارة الخارجية القطرية ماجد الأنصاري، في مؤتمر صحفي، بأن الدوحة تعتبر أنه من غير المقبول أن تستغل إسرائيل الوضع الحالي في سوريا تنتهك سيادتها.
كما نددت وزارة الخارجية التركية بهذه الخطوة، مؤكدة دعمها لوحدة الأراضي السورية، وقالت في بيان لها: “في هذه الفترة الحساسة، عندما ظهرت إمكانية تحقيق السلام والاستقرار الذي ينشده الشعب السوري منذ سنوات طويلة، تعرض إسرائيل مرة أخرى عقليتها الاحتلالية”.
وفي سياق متصل، قالت وزارة الخارجية المصرية إنها تدين استمرار احتلال إسرائيل للأراضي السورية، ومعتبرة تحرك الجيش الإسرائيلي إلى المنطقة العازلة محاولة لفرض واقع جديد على الأرض.
وانضمت هذه التصريحات إلى سلسلة من الإدانات المماثلة من دول أخرى في الشرق الأوسط، بما في ذلك المملكة العربية السعودية، التي قالت إن هذه الخطوة من شأنها أن تدمر فرصة سوريا في استعادة أمنها، ووصفت إيران ذلك بأنه انتهاك لميثاق الأمم المتحدة.
كما دعا المبعوث الخاص للأمم المتحدة في سوريا، إسرائيل إلى وقف تحركاتها العسكرية وقصفها داخل سوريا.
وعلى الجانب الآخر، دافع وزير الخارجية البريطاني ديفيد لامي عن الضربات التي شنتها إسرائيل على سوريا، قائلاً إن “هناك مخاوف أمنية مشروعة بالنسبة لإسرائيل، وخاصة في سياق دولة تؤوي داعش والقاعدة “تنظيم الدولة”، على حد تعبيره.
ودافعت الولايات المتحدة أيضاً عن سيطرة إسرائيل على المنطقة العازلة، مشيرة إلى تصريحات إسرائيل بأن هذا الإجراء كان مؤقتاً.
وأوضح المتحدث باسم الخارجية الأمريكية ماثيو ميلر، خلال مؤتمر صحفي، أن الجيش السوري تخلى عن مواقعه في الجولان، مشيراً إلى أن هذا خلق فراغاً محتملاً كان من الممكن أن تملأه المنظمات “الإرهابية” التي تهدد إسرائيل، على حد وصفه.
وأكد ميلر أن إسرائيل اتخذت هذه الإجراءات بشكل مؤقت للدفاع عن حدودها، وأن هذه الإجراءات ليست دائمة، وبالتالي فإن ما نريده في نهاية المطاف هو الاستقرار الدائم بين إسرائيل وسوريا، وهذا يعني أننا ندعم جميع الأطراف في الحفاظ على اتفاق 1974.