ترجمة: علي زين العابدين برهام
نشرت صحيفة “آرمان ملي” مساء الثلاثاء 11 مارس/آذار 2025 حوارا مع محمد علي بورمختار، النائب السابق في البرلمان الإيراني، حول أبرز التحديات التي تواجه خطاب “التوافق الوطني” وحكومة بزشكيان، وفي ما يلي نص الحوار:
إلى أي مدى تحققت تطلعات بزشكيان بشأن “التوافق الوطني”؟ وهل أسهم نهج حكومته في تعزيز قوتها؟
يعتبر “التوافق الوطني” بالنسبة للرئيس بزشكيان شعارا استراتيجيا، حيث سعى إلى تقليص الخلافات غير المبررة بين المؤسسات والتيارات السياسية، انطلاقا من القناعة المشتركة بضرورة الحفاظ على مصالح الدولة، وتعزيز التنمية والتقدم في المجالات الاقتصادية، والاجتماعية، والسياسية. فهذه القضايا تمثل أسسا جوهرية متفقًا عليها، رغم وجود تباينات في بعض التفاصيل الثانوية، والتي يمكن تجاوزها عبر نهج التوافق والتركيز على الأولويات الوطنية.
إلا أن المشهد السياسي اليوم يشهد تداخلا بين القضايا السياسية وسائر الملفات، مما جعل الخلافات السياسية تُلقي بظلالها على القرارات والتوجهات الأخرى. في الوقت الذي تمتلك فيه إيران رؤية مستقبلية واضحة، وسياسات عامة صاغها المرشد الأعلى علي خامنئي، وبرامج خمسية للتنمية، فإن تنفيذ هذه الاستراتيجيات لن يكون ممكنا دون تحقيق الانسجام والتعاون بين مختلف الجهات الفاعلة.
وفي ظل هذه الظروف الحساسة، لا ينبغي للبعض استغلال شعار “التوافق الوطني” لإعاقة عمل الحكومة أو توجيهها نحو مسارات أخرى تخدم أجندات خاصة. فالوضع الراهن يتطلب أعلى درجات الوحدة والتنسيق بين القوى السياسية والسلطات الثلاث، لضمان تجاوز التحديات التي تواجه البلاد. ومع ذلك، يبدو أن بعض التيارات السياسية والأفراد قد أفرغوا مفهوم “التوافق الوطني” من مضمونه الحقيقي، مما أدى إلى انحرافه عن أهدافه الأساسية.
من هم هؤلاء الأشخاص، وكيف حدث ذلك؟
نشأ هذا الوضع عندما أساء بعض الأفراد فهم “التوافق الوطني”، فبدلا من رؤيته كنهج يعزز الوحدة والتعاون، اعتبروه وسيلة للوصول إلى المناصب السياسية والاقتصادية. ولهذا، سعى بعضهم للحصول على مواقع داخل الحكومة التي تأسست تحت هذا الشعار، بينما أبدى آخرون، ممن لم يحصلوا على نصيب من المناصب، استياءهم من الذين نالوا تلك الفرص. وهذا يكشف إما عن سوء فهم جوهري لهذا المفهوم، أو تجاهل متعمد لحقيقته.
تقليديا، اعتادت الحكومات السابقة على إجراء تغييرات واسعة في المناصب فور تسلمها السلطة، لكن الرئيس مسعود بزشكيان انتهج نهجا مختلفا، حيث رفض سياسة الإقالات الجماعية، كما امتنع عن تحميل الحكومة السابقة مسؤولية المشكلات الراهنة. ونظرا لأن هذا النهج يُعد جديدا على المشهد السياسي الإيراني، فقد واجه مقاومة منذ البداية، ومن المتوقع أن يستمر هذا التحدي مستقبلا. ومع ذلك، إذا استمر العمل بهذا المسار، فسيؤدي تدريجيا إلى ترسيخ التوافق وتعزيز الوحدة الوطنية.
لكن أكبر تهديد يواجه “التوافق الوطني” هو تسييسه وتحويله إلى أداة لخدمة المصالح الحزبية، مما يُفقده جوهره الحقيقي. لذلك، من الضروري تجاوز الخلافات السياسية ومعالجتها بأساليب مدروسة، خاصة وأن معظم هذه الخلافات تتعلق بالأساليب والتكتيكات، لا بالمبادئ الأساسية. ويمكن تحقيق ذلك عبر عقد لقاءات وحوارات متخصصة تهدف إلى تقريب وجهات النظر.
وكما هو الحال دائما، هناك أفراد وجماعات يسعون إلى احتكار السلطة والسيطرة على مفاصل الحكم، وهؤلاء هم الذين يعارضون “التوافق الوطني”، لأنه يتعارض مع مصالحهم الضيقة، إذ يقوم على التوزيع العادل للمسؤوليات واتخاذ قرارات جماعية تصب في مصلحة الوطن ككل.
ما هي أبرز الانتقادات الموجهة لحكومة بزشكيان خلال الأشهر الستة الماضية؟
منذ فترة الانتخابات الرئاسية وحتى بعد تشكيل الحكومة، أكّد الرئيس بزشكيان مرارا على ضرورة إسناد المسؤوليات إلى الخبراء والمتخصصين، باعتبارهم الأقدر على تشخيص المشكلات وإيجاد الحلول المناسبة لها. ورغم أن هذه التصريحات كانت محورا أساسيا في حملته الانتخابية، فإن الوقت الآن ليس للوعود، بل للتنفيذ، وعلى الرئيس الوفاء بشعاراته دون تسييس الأمور.
لكن الواقع يشير إلى أن جزءا كبيرا من تلك الشعارات لم يتحقق بعد، فإما أن لم يتم تنفيذها على الإطلاق، أو أن ما نُفّذ كان ضعيفا وبعيدا عن التوقعات. هذا القصور أدى إلى عدم الاستفادة الكاملة من الطاقات البشرية والكفاءات الوطنية، مما انعكس بشكل مباشر على الاقتصاد، حيث شهدت البلاد ارتفاعا في معدلات التضخم وتدهورا في سعر الصرف، وهي مشكلات ازدادت حدتها خلال الأشهر الأخيرة.
إذا كان بزشكيان جادا بشأن رؤيته، فمن الضروري أن يمنح هذا الملف اهتماما أكبر، ويتابعه بشكل عملي وجاد. ومن الحلول الممكنة إنشاء منصة إلكترونية تتيح للنخب والمتخصصين عرض قدراتهم وتقديم اقتراحاتهم للحكومة، مما يسهم في إشراك الخبرات الوطنية في عملية صنع القرار ويضع البلاد على طريق النجاح.
لكن المشكلة الحالية تكمن في أن الشعارات التي أطلقها بزشكيان خلال الانتخابات بدأت تتكرر مرة أخرى، دون أن تتحول إلى خطوات عملية ملموسة. وهذا الأمر قد يُضعف ثقة المواطنين بالحكومة، إذ إنهم لا يريدون سماع وعود مكررة، بل يرغبون في رؤية نتائج حقيقية. استمرار هذا النهج قد يؤدي إلى خيبة أمل بين الناخبين، ويؤثر سلبا على شعبية الرئيس وقاعدته الاجتماعية.
هل أصبح الاستجواب سلاحا جديدا بيد المتشددين ضد حكومة بزشكيان؟
من الضروري التمييز بوضوح بين استجواب وزير الاقتصاد عبد الناصر همتي والبطاقة الصفراء التي منحها البرلمان لوزير العمل أحمد ميدري، إذ يمثل كل منهما قضية مختلفة تماما.
استجواب همتي كان ملفا اقتصاديا بحتا، حيث تبنّى خلال فترة توليه وزارة الاقتصاد سياسات أدت إلى ارتفاع حاد في أسعار الدولار والذهب، فضلا عن فشله في السيطرة على التضخم، الذي لم ينخفض، بل تصاعد بشكل ملحوظ بفعل قراراته. وعندما مثل أمام البرلمان، لم يتمكن من تقديم إجابات مقنعة تدافع عن سياساته، مما أدى إلى سحب الثقة منه عبر الاستجواب.
أما في حالة ميدري، فالمسألة ليست اقتصادية بقدر ما هي إدارية وسياسية، إذ يُتهم باتخاذ قرارات داخل وزارة العمل والرفاه الاجتماعي تتعارض مع مبدأ “التوافق الوطني” الذي تتبناه حكومة بزشكيان. وقد أثارت بعض التعيينات التي أجراها حساسية البرلمان، حيث رأى النواب أن بعض المسؤولين الذين اختارهم لا ينسجمون مع توجهات الحكومة، بل يسيرون بعكسها. ومع ذلك، لا يستوجب هذا الأمر استجوابا برلمانيا بقدر ما يتطلب إجراء إصلاحات وتصحيحات داخل الوزارة.
إذا أقدم ميدري على معالجة هذه الإشكاليات وإعادة النظر في قراراته، فمن غير المرجح أن يواجه مزيدا من الضغوط البرلمانية. فالمهم هو ألا يتم اختزال مفهوم “التوافق الوطني” في مجرد تعيينات إدارية، لأن ذلك قد يُحوّل القضية من مشروع وطني جامع إلى خلافات حول المناصب.
في النهاية، إذا تمت إدارة هذه الملفات بعيدا عن الاستقطاب السياسي، فمن المستبعد أن يؤدي ذلك إلى تصعيد مستمر بين البرلمان والوزراء، مما يضمن قدرا أكبر من الاستقرار في عمل الحكومة.