إنّ الانتخابات الرئاسية الأخيرة في إيران، والتي اتسمت بانخفاضٍ تاريخي في نسبة المشاركة في التصويت والرفض الشعبي الشامل، تُسلط الضوء على “خيبة الأمل والإحباط العميقين اللذين ينتشران في المجتمع”، وذلك وفق ما قالت الدكتورة راميش سيبهراد المؤلفة الأمريكية من أصل إيراني في مقال لها يوم الأحد 14 يوليو/ تموز 2024، في موقع “ذا هيل”.
إن مسعود بزشكيان، الذي يصفه البعض بأنه إصلاحيٌ، يجسد المفارقة التي تسود السياسة في طهران، حيث تُخفي واجهة التغيير أزمة بقاء عميقة الجذور. وتتضح قبضة المرشد الأعلى علي خامنئي الهشة على السلطة بشكل متزايد وهو يتنقل بين نظام مليء بالصراعات الداخلية والتحديات الاقتصادية والمجتمع الذي رفض نظامه بالكامل. وهذه الانتخابات، بعيدًا عن أن تبشّر بالاستقرار، تُنذر بفترة مضطربة في المستقبل لزعامته.
إن صعود بزيشكيان إلى الرئاسة، والذي تم تأمينه بهامش ضئيل على المحافظ سعيد جليلي، هو نتيجة لمناورات استراتيجية داخل نظام سياسي خاضع لسيطرة مشددة وأزمة متنامية للنظام. إن اعترافه بأن “خامنئي هو الذي يضع كل الخطط والسياسات، والانحراف عنها هو خطيء الأحمر” يُثبت أنه لن يكون هناك أي تغيير تحت إدارته.
يُسلط هذا الاعتراف الضوء على قضية نظامية أوسع نطاقًا في إيران: فالسلطة النهائية تقع في يد المرشد الأعلى، مما يجعل دور الرئيس رمزيًا إلى حدٍ كبير فيما يتعلق بأي تحولات في السياسة.
إن ظهور بزيشكيان هو نتيجة للخطوات الاستراتيجية الخاطئة التي اتخذها خامنئي، والتي أصبحت واضحة بشكل متزايد. لقد أدى مقتل إبراهيم رئيسي في حادث تحطم مروحية إلى تعطيل خطط المرشد الأعلى لتعزيز سلطته بشكل أكبر. لم يحرُم موت رئيسي خامنئي من منفذ مخلص فحسب، بل كشف أيضًا عن نقاط الضعف داخل هيكل قيادة النظام.
إن انتخاب بزيشكيان يزيد من تعقيد موقف خامنئي، لأنه يشير إلى وجود صدع في الواجهة المتشددة التي حافظ عليها بعناية. ويمكن للمرء أن يزعم أن رئاسة بزيشكيان كانت نتيجة مباشرة للصراع الداخلي بين المتشددين، وهو ما يكشف عن تراجع نفوذ خامنئي، حتى بين دوائره الداخلية.
وسواء كان حساب خامنئي يعتمد على إدارة الصراعات الداخلية بين المتشددين أو القدرة على السيطرة على بزشكيان أكثر من جليلي، فإن هذا يُشير إلى أنه لم يعد قادرًا على إدارة شؤون نظامه بالكامل كما فعل في عهد رئيسي.
وهنأ علي خامنئي بزشكيان، وحثه على “الاستمرار على طريق الشهيد رئيسي”. ومع ذلك، فإن هذا التأييد لا يفعل الكثير للتخفيف من التحديات الأساسية. كما اتهم خامنئي “أعداء الأمة الإيرانية” بتدبير مخطَط لمقاطعة الانتخابات، وهو ادعاء يوضح جنون العظمة لدى النظام وانفصاله عن الرفض الحقيقي من قبل الشعب الإيراني.
إن مقاطعة الانتخابات من قِبَل 60% على الأقل (الرقم الرسمي) أو ما يصل إلى 91% من الإيرانيين (وفقًا لجماعة معارضة) تشكل إدانة صارخة لشرعية النظام. ويعكس هذا الامتناع الجماعي عن التصويت خيبة الأمل الواسعة النطاق ويُشير إلى إمكانية اندلاع انتفاضة وطنية تذكرنا بالمرحلة الأخيرة من نظام الشاه التي أدت إلى ثورة 1979. إن أسس الجمهورية الإسلامية الإيرانية تضعف، والفصائل الداخلية تتزايد في التنافر، الأمر الذي يخلق سيناريو حيث يصبح استقرار النظام على قمة متداعية.
إن فوز بزيشكيان محفوف بالتناقضات. فتحالفه مع وزير الخارجية السابق محمد جواد ظريف ودعوته إلى تحسين العلاقات مع الغرب والعودة إلى الاتفاق النووي وتطبيق أقل صرامة لقانون الحجاب، كلها أدوات دعائية مهمة تهدف إلى خلق مساحة للتنفس للنظام في وسائل الإعلام الغربية والمجتمع الدولي.
في أول خطاب عام له، أقر بزشكيان: ” يتعين علينا أولًا أن نشكر المرشد الأعلى. وبالتأكيد، لولا المرشد الأعلى، لا أعتقد أن أسماءنا كانت لتخرج من صناديق الاقتراع بهذه السهولة. وهذا هو التوجيه الذي قدمه المرشد الأعلى”.
لقد كان رد الفعل في طهران بعد الإعلان عن النتائج واضحًا. فلم تكن هناك احتفالات واضحة، وهو ما يُشير إلى شعور عميق بالانفصال والرفض. ويؤكد هذا الافتقار إلى الحماس الشعبي على الحالة الهشة التي وصلت إليها شرعية النظام والتحديات الهائلة التي تنتظر بزشكيان وخامنئي.
إن الندوب العميقة التي خلفتها حملة القمع الوحشية المستمرة، وخاصة منذ احتجاجات عام 2022، لا تزال غير قابلة للتسوية بين النظام والناس من جميع مناحي الحياة. وتعكس العقوبات المتزايدة التي يفرضها النظام على النساء اللاتي يخالفن قواعد اللباس والحُكم على المتظاهرين بالإعدام محاولة يائسة للحفاظ على السيطرة من خلال الخوف والقمع. إن الفساد الهائل والحوكمة الاقتصادية على غرار المافيا من قبل الحرس الثوري الإسلامي لا يتركان أي مجال للتقدم الاقتصادي للعمال والمتقاعدين والمنظمات غير الحكومية والنقابات.
إن موقف بزيشكيان بشأن هذه القضايا، على الرغم من اختلاف لهجته، يتوافق تمامًا مع التدابير الصارمة التي يطبقها النظام.
إن الوعود الجوفاء التي أطلقها بزيشكيان بالإصلاح، أو قدرته على تنفيذ أي تغيير، سوف تؤدي إلى فترة مضطربة تتسم بالصراع الداخلي، وردود الفعل العنيفة من جانب الحرس الثوري الإسلامي، وعدم اليقين بشأن خلافة المرشد الأعلى. والآن أصبح ضعف قبضة خامنئي على السلطة موضع اختبار غير مسبوق، وأصبحت الشقوق داخل النظام واضحة بشكل متزايد.
وبينما يحاول النظام عبور هذه المرحلة الحرجة، فإن احتمالات حدوث اضطرابات كبيرة تلوح في الأفق، ومن المرجح أن يتقرر المستقبل في الشوارع من خلال المقاومة المتنامية التي تدعو إلى جمهورية علمانية غير نووية في إيران.