كتبت: ميرنا محمود
تُعتبر مذكرة التفاهُم المُوقَّعَة في 15 أغسطس/آب 2024، الاتفاقية الأولى من نوعها على صعيد العلاقات بين العراق وتركيا، بخلاف الاتفاقيات الدورية. علاوة على ذلك، يمكننا القول إن هذه هي المرة الأولى في تاريخ البلدين التي يتوصَّلان فيها إلى مثل هذا الاتفاق الشامل.
ووفقاً لتقرير نشرته جريدة “الأناضول” التركية يوم السبت، 17 أغسطس/آب 2024، اكتسبت العلاقات بين تركيا والعراق زخماً كبيراً خلال العامين الماضيين.
وعند النظر إلى مسار العلاقات بين البلدين، يمكننا ملاحظة الاختلافات الدورية، ومع ذلك، يمكننا القول إن التطورات الأخيرة ليست مجرد زخم دوري، ففي الفترة بين عامي 2003 و2005، وعلى الرغم من عدم تمكن تركيا والعراق من إقامة حوار، فإنه يبدو أن تركيا لعبت دوراً مهماً في إدماج السُّنة في العملية السياسية، مما أدى إلى تطوير علاقات وثيقة مع الحكومة المركزية في الفترة بين عامي 2005 و2009. فعلى سبيل المثال افتتاح تركيا المتزامن لقنصلياتها العامة في “أربيل” و”البصرة” و”الموصل” في هذه الفترة، يعكس مدى التقدم الذي أحرزته العلاقات الدبلوماسية بين تركيا والعراق.
إضافة إلى ذلك، كانت زيارة الرئيس رجب طيب أردوغان، الذي شغل منصب رئيس الوزراء عام 2008، للعراق وتوقيع 48 مذكرة تفاهم، تعتبر غاية في الأهمية بالنسبة لتطور العلاقات بين تركيا والعراق في تلك الفترة.
لكن جاءت التغييرات في السياسة الداخلية العراقية، إضافة إلى التطورات في المنطقة، خاصة في ما يتعلق بالقضية السورية، لتؤدي إلى اتخاذ كلا البلدين مواقف مختلفة، مما أثار مشاكل جدية في العلاقات بين تركيا والعراق.
وبذلك يمكن القول إن الفترة بين عامي 2010 و2014 ربما كانت الأكثر إشكالية في العلاقات بين البلدين، وبينما كان العراق يمر بفترة هادئة في السياسة الخارجية، محاولاً تحقيق الاستقرار الداخلي وحماية سيادته، قدَّمَت تركيا الدعم المباشر لحرب العراق ضد “داعش” ضمن نطاق التحالُف الدولي.
وبعد هذه الفترة، وعلى الرغم من محاولة تركيا التقرُّب من الحكومة المركزية من خلال استفتاء استقلال إقليم “كردستان” عام 2017، فإن الفشل في تحقيق الاستقرار الداخلي في العراق أثرعلى تحقيق تأثير في السياسة الخارجية.
ثم بعد الانتخابات التي أُجريَت في العراق عام 2021، اتجَهَت الحكومة التي تشكَّلَت برئاسة محمد شياع السوداني إلى اتخاذ خطوات مهمة في السياسة الخارجية، وحاول العراق إقامة علاقات متوازنة مع جيرانه، وبذل جهوداً لاكتساب مكانة مرموقة في السياسة الإقليمية والعالمية، وكانت محاولة الوساطة لتحسين العلاقات بين إيران والسعودية أحد أبرز الأمثلة على ذلك.
ومع ذلك، لا يمكننا القول إلا أن العراق اتخذ خطوات مهمة وملموسة مع تركيا مُؤخراً، وتجسَّدَت الحركة الدبلوماسية خاصة بعد زيارة رئيس الوزراء العراقي لتركيا والزيارات المتبادلة التي تلتها، ووصول الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى العراق في 22 أبريل/نيسان الماضي، وبلغَت ذروتها بتوقيع 27 مذكرة تفاهم واتفاقية بين البلدين.
وأظهرت الخطوات الملموسة التي اتخذتها تركيا والعراق في ما يتعلَّق بقضايا الأمن والاقتصاد والمياه أهمية بارزة، وفي هذه المرحلة، أصبح التناغُم والتعاون الذي تحقَّقَ في المجال الأمني حجر زاوية مهماً للعلاقات التي سيعمل البلدان على تطويرها في مجالات أخرى.
مُذكِّرَة تفاهم حول التعاون العسكري والأمني ومكافحة الإرهاب
وبحسب تقرير الأناضول، قام وفد عراقي بزيارة تركيا في 15 أغسطس/آب من العام الجاري، وضم كلاً من نائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية العراقي فؤاد حسين، ووزير الدفاع ثابت عباسي، ورئيس هيئة الحشد الشعبي فالح فياض، ونائب رئيس جهاز المخابرات الوطني فقاص محمد حسين الحديثي، ورئيس إدارة الدول المجاورة في وزارة الخارجية محمد رضا الحسيني، ووزير الداخلية في إقليم كردستان ريبار أحمد.
وفي هذه الزيارة، انعقد الاجتماع الرابع لآلية التنسيق الأمني رفيعة المستوى، وأُعلِنَ عن توقيع “اتفاقية المبادرة المشتركة للتعاون العسكري والأمني ومكافحة الإرهاب” في نهاية الاجتماع.
وتعتبر هذه الاتفاقية هي الأولى من نوعها بين البلدين، بخلاف الاتفاقيات الدورية، وبذلك يمكننا القول إن هذه هي المرة الأولى في تاريخ البلدين التي يتوصلان فيها إلى مثل هذا الاتفاق الشامل.
وبموجب مذكرة التفاهم، تم الاتفاق على نقل قاعدة “بعشيقة”، حيث يتمركَّز الجنود الأتراك، والتي تُسَبِب أحياناً مشاكل بين البلدين وتُستَهدَف بشكل خاص من قِبَل الميليشيات الشيعيَّة المُقرَّبَة من إيران، إلى القوات المسلحة العراقية، وسيتم إنشاء مركز تدريب وتعاون مشترك بين تركيا والعراق هناك. إضافة إلى ذلك، يُخطط لإنشاء “مراكز تنسيق وتدريب مشتركة” في مناطق أخرى، بحسب البيان المشترك الذي أصدره وزيرا خارجية البلدين.
ومن المتوقع أن تُسهِم هذه الخطوة في تعزيز التعاون العسكري بين الدولتين وتوفير فرصة لتحديد التهديدات المشتركة، وعلى وجه الخصوص، فإن الخطوات المُتَّخَذَة والمُزمَع اتخاذها في ما يتعلَّق بتنظيم “حزب العمال الكردستاني” الإرهابي، ستكون من أهم أجزاء هذا التعاون.
وعندما أعلن العراق مُؤخَّراً تصنيف حزب العمال الكردستاني كمنظمة إرهابية محظورة، علَّقَت المحكمة الاتحادية العليا في العراق أنشطة ثلاثة أحزاب بذريعة صلتها بتنظيم حزب العمال الكردستاني. وقد يكون من الممكن توسيع وتنويع هذه العقوبات في المرحلة المُقبِلَة من خلال مراكز التنسيق المشتركة. وكما هو معروف، فإن تنظيم “حزب العمال الكردستاني” لا يواصل أنشطته في العراق من خلال التنظيمات العسكرية والسياسية فحسب، بل أيضاً من خلال المنظمات غير الحكومية والشركات وغيرها. لذلك، لا بُدَّ من اتخاذ خطوات بشأن قضايا مختلفة لوقف أنشطة تنظيم “حزب العمال الكردستاني” في العراق. ومن ناحية أخرى، لا يمكن تجاهل إمكانية تنفيذ عمليات عسكرية مشتركة بين تركيا والعراق ضد تنظيم “حزب العمال الكردستاني” ضمن نطاق الهيكل الأمني الجديد للحدود العراقية.
ووفق تقرير “الأناضول”، فإن حزب العمال الكردستاني يمثل تهديداً كبيراً لسيادة العراق وسلطته، وحقيقة أن الوفد الذي زارَ تركيا ضَمَّ مُمثِّلاً عن كل مؤسسات البيروقراطية الأمنية في العراق تقريباً، وحتى ضَمَّ وزير الداخلية في حكومة إقليم كردستان، تُعَد أمراً غاية في الأهمية للحرب الشاملة ضد الإرهاب، ومن هنا يمكن القول إن التعاون والشراكة في مجال الأمن ومكافحة الإرهاب، من خلال اتخاذ خطوات ملموسة وإيجابية، سيسهلان الخطوات التي يتعيَّن اتخاذها في مجالات أخرى.