كتب: محمد بركات
لم تمضِ عدة أيام على سحب الثقة من وزير الاقتصاد الإيراني، عبد الناصر همتي، والتي جاءت الأحد 2 مارس/آذار 2025، حتى تقدم عدد من نواب البرلمان بمطالب جديدة تعكس استمرار التوتر بين السلطتين التنفيذية والتشريعية في إيران، فقد تصاعدت الضغوط السياسية داخل البرلمان، مترافقة مع تحركات شعبية وإعلامية، وسط تجاذبات حول قضايا تشريعية حساسة.
في المقابل، أظهرت الحكومة موقفا متمايزا، ما زاد من حدة الجدل حول أولوية تنفيذ بعض القوانين ومدى تأثيرها على الاستقرار السياسي والاجتماعي، في مشهد يعكس انقسامات أعمق داخل النظام الإيراني.
النواب يطالبون بتطبيق قانون الحجاب
فخلال جلسة البرلمان العلنية التي عُقدت يوم الثلاثاء 4 مارس/آذار 2025، أعلن أمير حسين بانكي بور، نائب رئيس اللجنة الثقافية الثانية في البرلمان الإيراني، أن 209 من النواب قد وقعوا رسالة موجهة إلى رئيس البرلمان، محمد باقر قاليباف، يطالبونه فيها بإبلاغ قانون دعم الأسرة عبر تعزيز ثقافة العفاف والحجاب، استجابة لمطالب شعبية متكررة.
وجاء في نص الرسالة، التي تلاها بانكي بور خلال الجلسة، أن هناك حربا إعلامية وثقافية تستهدف نمط الحياة الإيراني، وتُدار بأموال ضخمة من جهات خارجية، مما يستدعي تحركا عاجلا لمواجهة محاولات نشر الفساد والانحلال، كما أكدت الرسالة أن تصاعد ظاهرة التبرير في المجتمع هو نتيجة مباشرة للتساهل الداخلي مع هذه الممارسات، مشيرة إلى دور حملات إعلامية وأعمال سينمائية مدعومة خارجيا في تقويض القيم الإسلامية.
وأوضحت الرسالة أن النواب الموقعين يعتبرون إبلاغ القانون وتنفيذه بشكل عاجل خطوة ضرورية لحماية الأسرة والمجتمع من مخاطر ما وصفوه بالحرب الناعمة، كما أن التأخير في تنفيذ القانون لم يعد مبررا، لا سيما بعد تصريحات المرشد الأعلى في 8 يناير/كانون الثاني 2025، والتي شدد فيها على ضرورة عدم مراعاة مواقف الولايات المتحدة وإسرائيل عند اتخاذ قرارات تتعلق بالحجاب والقيم الاجتماعية.
كما قال بانكي بور إن الرسالة قد استندت أيضا إلى مطالبات شعبية واسعة، شملت التماسات مقدمة من حقوقيين، وعلماء دين، ومنتجي ملابس الحجاب، داعيةً رئيس البرلمان إلى استخدام صلاحياته داخل مجلس قادة السلطات الثلاث ومجلس الأمن القومي لضمان تنفيذ القانون، وحذرت من أن استمرار الوضع الراهن قد يؤدي إلى اضطرابات اجتماعية، مما يتطلب تحركا فوريا لفرض القانون وحماية القيم المجتمعية.
بزشكيان: لن أطبق قانون الحجاب
على أثر ذلك، كتب جعفر قائم بناه، نائب الرئيس الإيراني التنفيذي، على حسابه على منصة إكس، الأربعاء 5 مارس/ آذار 2025، قائلا: “لقد أكد السيد بزشكيان أنه لا يستطيع تنفيذ قانون الحجاب؛ لأنه سيتسبب في مشكلات للناس، وأنه لن يقف في مواجهة الشعب”.
وأشار قائم بناه في منشوره إلى البند التاسع من السياسات العامة للنظام المتعلقة بمبادئ التشريع وصياغة القوانين، والذي ينص على أن القانون يجب أن يكون موجها نحو الاحتياجات الواقعية، وقابلا للتنفيذ، وقابلا للقياس من حيث التطبيق، لافتا إلى أن قانون العفاف والحجاب لا يتمتع بهذه الخصائص، وبالتالي فهو غير قابل للتنفيذ.
بزشكيان وقانون الحجاب.. جدل متجدد وصراع قوى
منذ تولي الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان منصبه في يوليو/تموز 2024، شهدت إيران جدلا واسعا حول قانون العفة والحجاب الذي أقره البرلمان في سبتمبر/أيلول من العام نفسه، حيث يهدف هذا القانون إلى تشديد الالتزام بارتداء الحجاب الإلزامي وفرض عقوبات صارمة على المخالفات، فيتضمن القانون غرامات مالية تتراوح بين 200 و2000 دولار، ومعاقبة المتكررات بالحبس، كما يفرض مراقبة مشددة على النساء في الأماكن العامة.
وفي ديسمبر/كانون الأول 2024، نشر النص الكامل للقانون، والذي جرى تعديله بشكل موسع في البرلمان، والذي تحول من 15 مادة إلى 70 مادة، الأمر الذي أثار نقاشا مستمرا حول مدى ضرورته في ظل التطورات الاجتماعية الأخيرة التي تشهدها إيران، وعلى رأسها الاحتجاجات.
وفي يناير/كانون الثاني 2025، أعلنت المتحدثة باسم الحكومة الإيرانية، فاطمة مهاجراني، عن تأجيل تنفيذ القانون، هذا التأجيل جاء بعد ضغوط داخلية وخارجية، وتأكيدات من الرئيس بزشكيان بضرورة إعادة النظر في بعض بنوده، حينها أعرب عن قلقه من التأثيرات الاجتماعية والاقتصادية المحتملة لتطبيق القانون، مؤكدا أنه لا يرغب في فرض قوانين تخلق انقساما في المجتمع.
ومؤخرا وبعد إعلان موقف بزشكيان من القانون على لسان نائبه، شهدت خطب صلاة الجمعة في عدة مدن هجوما حادا على الحكومة بسبب عدم تنفيذها القانون، فقد صرح إمام جمعة أصفهان، مجتبی میردامادی، بأن هناك 260 نائبا وقعوا على عريضة تطالب بتنفيذ القانون، في حين شدد إمام جمعة البرز، محمد مهدي حسيني، على أن “الحجاب ليس قضية إجبار، بل مسألة اجتماعية يجب احترام قوانينها”. أما إمام جمعة طهران، أحمد خاتمي، فقد صعد من لهجته، متهما الحكومة بمحاولة طمس الهوية الإسلامية، وحذر قائلا: “طالما ما زلنا على قيد الحياة، فلن نسمح بحدوث ذلك”.
ظ
كما خرجت احتجاجات محدودة في مدن مثل قم ومشهد، حيث توجهت مجموعة صغيرة إلى منزل المرجع الديني عبد الله جوادي آملي، مطالبةً العلماء بموقف واضح من القرار. وفي طهران، شهدت مناطق مختلفة احتجاجات مشابهة، من أمام البرلمان إلى بعض الشوارع الرئيسية، وحتى تجمعات بالسيارات، لكن رغم الحملات الدعائية، لم تحظَ هذه التحركات بدعم شعبي واسع.
تأتي مسألة إجراء هذا القانون من عدمه في ضوء صراع داخلي تشهده إيران بين الحكومة والبرلمان، آخرها قرار البرلمان الإيراني سحب الثقة من وزير الاقتصاد في الحكومة، عبد الناصر همتي، في الثانی من مارس/آذار 2025، بعد مرور ما لا يزيد على سبعة أشهر في منصبه، واستقالة محمد جواد ظريف، نائب الرئيس الإيراني للشؤون الاستراتيجية، في 3 مارس/آذار؛ وذلك على خلفية امتلاك أحد أبنائه الجنسية الأمريكية، الأمر الذي أشعل نقاشا برلمانيا منذ اليوم الأول من تولي بزشكيان.
إلى أي مدى يستطيع بزشكيان تأخير القانون؟
حول قدرة بزشكيان على رفض القانون من عدمها، صرح مسلم آقايي طوق، أستاذ القانون في جامعة العلوم القضائية والخدمات الإدارية، خلال حوار مع صحيفة “هم ميهن” الأحد 9 مارس/ أذار 2025، قائلا: “في البداية، يجب أن نعود إلى المادة 123 من الدستور الإيراني، والتي تنص على أن مصوّبات البرلمان ونتائج الاستفتاءات توقع من قِبَل رئيس الجمهورية بعد استيفاء المراحل القانونية، ثم تبلغ للتنفيذ، لكن هذه المادة لا تحدد بوضوحٍ ما الذي يحدث إذا امتنع الرئيس عن التوقيع”.
ويتابع: “هنا يأتي دور القانون المدني، الذي يعالج هذه المسألة بوضوح، فبمجرد أن يُرسل البرلمان قانونا إلى الرئيس، يكون لديه خمسة أيام للتوقيع عليه وإبلاغه للجهات المعنية بالتنفيذ، وإذا لم يفعل، يصبح رئيس البرلمان مسؤولا عن إرساله إلى الجريدة الرسمية، والتي بدورها ملزمة بنشره خلال 72 ساعة”.
ويضيف: “أما في ما يخص قانون الحجاب والعفاف، فهناك تساؤلات قانونية حول ما إذا كانت كل المراحل قد اكتملت بالفعل، فإذا كان البرلمان قد أقرّ القانون، وصادق عليه مجلس صيانة الدستور، وأرسله رئيس البرلمان إلى الرئيس، فإن بزشكيان قد يمتنع عن التوقيع، لكن لا توجد عقوبات قانونية واضحة لهذا الامتناع، ومع ذلك، فإذا لم يبلغ الرئيس القانون خلال المهلة المحددة، يكون رئيس البرلمان ملزما بإرساله للنشر، لكن حتى الآن، لم يحدث ذلك رسميا”.
وعند سؤاله حول ما إذا تم إبلاغ القانون بشكل رسمي، فهل يحق للحكومة مقاومة تنفيذه أم لا، صرح آقايي طوق بأن “هذا لا يمكن، فبمجرد أن يتم إبلاغ القانون رسميا، سواء من خلال توقيع الرئيس أو عبر نشره في الجريدة الرسمية، يصبح نافذا وملزما، ولا يحق لأي رئيس أو مسؤول حكوميٍّ الامتناع عن تنفيذ قانون بحجة التداعيات، لأن القوانين البرلمانية ملزمة وفق الدستور. لكن كل هذا مشروط بأن يكون القانون قد أكمل مراحله التشريعية، وهو أمر لم يحسم حتى الآن”.