كتبت: نورة ناجي
شهدت ملابس النساء الإيرانيات تطورا كبيرا على مر الزمن، فالملابس تعد سجلا يحفظ بين طياته تاريخ الشعوب، التقرير التالي يستعرض الملابس الإيرانية عبر العصور المختلفة وحتى الآن.
كانت ملابس النساء الإيرانيات قبل ظهور الإسلام تشبه كثيرا ملابس الرجال حينذاك، ولا يمكن التفريق بين الرجل والمرأة إلا من خلال الشعر، حيث كانت النساء يجدلن شعرهن خلف ظهورهن، وكان لا يوجد غطاء على رؤوسهن، وكانت ملابسهن عبارة عن قميص طويل حتى الركبة، ومعطف قصير مصنوع من جلد الأغنام، وحذاء طويل (البوت)، ولقد كانت النساء يربطن شعر الرأس بشريط أعلى الجبين، وفي العهد الأشكاني والعهد الساساني كانت النساء يرتدين القميص الطويل متعدد الطيات والفضفاض، وفي بعض الأحيان؛ يضعن الحزام على خصرهن، وكان الحذاء بسيطا جدا دون أي زخارف.
ومن الواضح أن القمصان والتنانير كانت من الطراز المنقوش والمضلع طبقا لما كان مرسوما على الجدران أو الاوانى أو التماثيل المنحوتة التى تعود إلى ذلك العهد القديم.
وكانوا يقومون بحياكة قطعة إضافية من القماش وذات طيات عديدة وفاخرة في نهاية وطرف التنورة، حتى تضفي بريقا ولمعانا. وكان لهذا القميص المضلع والطويل؛ أكمام طويلة أيضا.
ولم تتحدث الكتب والمصادر عن السروال أو البنطال في تلك الفترة.
بعد الإسلام
بعد دخول الإسلام إلى إيران، ظهرت تغييرات مهمة وأساسية في ملابسهن، فلقد اتسمت ملابسهن بالتغطية التامة، وتميزت أيضا بِسمة البساطة، وتغيرت ملابس المسلمين حديثي عهد الإسلام، وأبعدتهم إلى حد ما عن الملابس الفاخرة والمزخرفة.
العصر السلجوقى (1037-1157)م
خلال العصر السلجوقي، كانت ملابس النساء تتكون من الأزياء المحلية التقليدية. تشمل العناصر الرئيسية التونيك، وغطاء الرأس (المقنعة)، والعباءة النسائية (الجادر). وكانت النساء يرتدين السراويل الواسعة، والقمصان ذات الأكمام الطويلة التي تصل إلى الركبتين، والثياب المفتوحة من الأمام والمزودة بالأزرة. وكانت الأحزمة والأوشحة تستخدم للزينة، وكان الحجاب يغطي الجسد بأكمله.
العصر التيموري (1370-1506)م
كان رداء النساء بالشارع في بعض المدن عبارة عن قماشة بيضاء تواريهن من الرأس حتى القدم، ونقاب من شعر الجواد يسدلهن على وجوههن؛ حتى لا يعرفهن أي شخص مطلقا.
والزي العام في العصر التيموري للنساء كان يشتمل على غطاء الرأس، حيث تعددت أغطية الرأس لدى النساء في ذلك العصر، فكانت عبارة عن (المقنعة) والخمار والطرحة والايشارب والمنديل، والنقاب (البرقع).
وكانت زوجات السلطان يرتدين التاج المرصع بالذهب واللؤلؤ والزمرد فوق رؤوسهن، وكان هناك الوشاح أو القبعة (اللاجك) أيضا.
أما عن الثوب الخارجي في ذلك العصر فكان عبارة عن (القبا)، والعباءة النسائية (الجادر). وكانت هذه الأزياء تثير إعجاب الزوار الأجانب الذين يزورون إيران في ذلك الوقت، وقد استخدموا فيها رسومات الطيور كالطاووس وأيضا أشكال الأزهار والنباتات كزهرة اللوتس.
وبالنسبة للحذاء، فكان عبارة عن نوعين: نوع طويل كالبوت ومزخرف وملون بألوان مبهجة، ونوع آخر بسيط وسادة مريح للقدم، وكان مصنوعا من القماش السميك أو الجوخ، كما وجدت الجوارب أيضا في ذلك العصر.
العصر الصفوي (1501-1722)م
شهد العصر الصفوي تغييرات كبيرة في ملابس النساء بسبب التغيرات في العادات والدين الإيراني.
كانت ملابس النساء عادة تتكون من فساتين حريرية ملونة مزخرفة بالنقوش الزهرية وعباءات طويلة مفتوحة من الأمام تصل إلى الكاحلين ومربوطة بحزام عند الخصر. وكانت الملابس الشتوية تشمل قبعة صغيرة وسراويل مبطنة وجوارب قصيرة ووشاح.
وكانت النساء أيضا يرتدين الشادر الأبيض أو البنفسجي اللون، وكانت النساء في ذلك العصر لا يغطين وجوههن.
العصر القاجاري (1779-1925)م
خلال العصر القاجاري، لم تختلف ملابس النساء كثيرا عن العصر السابق. كانت الفساتين ذات الأكمام الطويلة والمفتوحة من الأمام والتنانير الواسعة المزينة بالدانتيل، وكانت الأحزمة الذهبية أو الفضية شائعة حينذاك.
بدأت التغييرات الكبيرة في عهد ناصر الدين شاه. بعد رحلته إلى روسيا، حيث لاحظ لباس الراقصات (السراويل الضيقة المنسوجة)، فقرر تغيير الزي لدى النساء. وانتشرت هذه التغييرات في الطبقة العليا.
لكن الزي التقليدي الخارجي الذي كان عبارة عن الشادر والنقاب استمر حتى الثورة الدستورية.
العصر البهلوي (1925)
جلب العصر البهلوي تغييرات جذرية بتأثير من الخياطين والمصممين الفرنسيين. تشمل التغييرات البارزة تقليص حجم الشادر، والتخلي عن شكله القديم، واستبدال السراويل التقليدية بالجوارب الطويلة.
أصبحت الفساتين قطعة واحدة.
وفرض رضا شاه قواعد لباس موحدة، تتطلب ارتداء ملابس بأسلوب قاجاري، كما ظهرت البذلات، والقبعة البهلوية، تحت حكم محمد رضا شاه، وكانت هناك جهود للقضاء على الحجاب من خلال الحملات الثقافية والتوعوية.
الثورة الإيرانية (1978_1979)م
جلبت الثورة الإسلامية تغييرات كبيرة في ملابس النساء، تعكس تحولا في دور ومكانة النساء. استمر الشادر كعنصر أساسي في الملابس، بينما أصبح المانتو أي المعطف الطويل، خيارا رسميا للعديد من النساء، خاصة خلال فترة الثمانينيات. خلال هذا العقد، ركز المجتمع على حل القضايا الاجتماعية والاقتصادية بدلا من الموضة.
العصر الحديث
في الوقت الحالي اختلفت الملابس بشكلها الجديد عنها في القديم، حيث يميل الإيرانيون كأي شعب في العالم إلى الاتجاه لخطوط الموضة العالمية، ورغم أن كثيرا من السيدات يرتدين العباءات السوداء الواسعة، أو العباءات الملونة القصيرة وتحتها بنطال، فإن الشباب والشابات بشكل خاص يهربن من وطأة هذه الملابس الشائعة، وهو ما يجعلهن يملن لارتداء الملابس على النمط الغربي، وإن كان هناك اتجاه لإعادة إحياء الملابس التراثية بشكل حداثي، يتناسب في الوقت نفسه مع التقاليد الإسلامية في المنطقة، إذ أقيمت مؤخرا عروض أزياء ومعارض أيضا للأزياء التراثية، وهو ما لفت أنظار العديد إلى هذه الملابس من جديد.
وحتى الآن، داخل مدينة أصفهان، لا يزال بعض سكان القرى والريف يرتدون الملابس المحلية، خاصة داخل المناطق السياحية مثل قرية أبيانه التي يعود تاريخها إلى 1500م، إذ يتميز السكان بلباسهم الأصلي الملون، إذ لا يرتدوا اللون الأسود حتى في العزاء، أما في المحافظات الغربية فتختلف ملابس الأقوام والعشائر، ورغم ارتدائهم للملابس العصرية، فإنهم ما زالوا يفخرون بملابسهم التراثية.
المصادر
-آقا حسين شيرازي، پوشاك زنان ايران از اغاز تا امروز، نشر: اوستا فراهاني، تهران- 1381هـ.ش.
– هبه أحمد بس – الازياء التقليدية للنساء في إيران دراسة تحليلية ، مجلة العلوم والفنون، جامعة حلوان ، القاهره ، 2008.
– وليد شعبان مصطفي، التراث التقليدي الزخرفي في العصر الصفوى بإيران ، كلية الاقتصاد المنزلى، جامعة حلوان ، 2003.