کتبه: مهدي سجادي
جمعة النصر و إشارة تاریخیة
في الجمعة الماضیة، شهدت شوارع طهران حول مصلی الإمام الخمیني الکبیر مراسیماً استقطبت عیون العالم إلیها و مع ذلک کان أکبر تجمع من نوعه في إیران و حتی في العالم الإسلامي کله. حسب بعض التقریرات، حضرت أکثر من ملیوني مسلم في صلاة الجمعة التي صارت موسومة بـ«صلاة النصر» أو «جمعة النصر» في الوسط الإیراني بإمامة قائد الثورة الإسلامیة في إیران آیة الله السید علي خامنئي.
آخر خطبة صلاة الجمعة التي ألقاها السید الخامنئي کان بعد بضعة أیام من إستشهاد الفریق قاسم سلیماني إثر قصف أمریکي في العاصمة العراقیة بغداد و بعد إطلاق الصواریخ الإیراني لإول مرة و بشکل علني إلی قاعدة عین الأسد الأمریکي کرد أولي علی إغتیال الشهید سلیماني و هذا کان قبل خمس سنوات.
هذه المرة و في خطبتها الثانیة التي کانت باللغة العربیة الفصحی، خاطب السید الخامنئي الشعبَ اللبناني بشکل خاص و هذا بسبب استشهاد العدید من کوادر و قادة حرکة حزب الله و علی رأسهم الشهید السید حسن نصرالله و هو الأمین العام للمقاومة الإسلامیة في لبنان جراء قصف صهیوني عنیف في الضاحیة الجنوبية في بیروت.
في فقرة من کلامه، أشار قائد الثورة إلی فترة خاصة من التأریخ الإیراني المعاصر و هي عامین بعد انتصار الثورة الإسلامیة في إیران في 1979:
«في إيرانَ الإسلاميّة، خلالَ ثلاثةِ أشهرٍ من صَيف 1981، جرى اغتيالُ العشراتِ من شخصيّاتِنا البارزةِ والمميّزةِ، ومِنهُم شخصيّةٌ عَظيمَةٌ مثلُ السيّد محمد بهشتي، ورَئيسُ جُمهوريّةٍ مثلُ رجائي، ورئيسُ وزراءٍ مثلُ باهنر، واغتيلَ علماءٌ مثلُ آية الله مدني وقدوسي وهاشمي نجاد وأمثالهم، وكان كلُّ واحدٍ منهم من أعمدَة الثورة على المُستَوى المحلّي أو الوطنيّ، ولم يَكُن فقدانُهُم هيّنًا، لكنَّ مسيرةَ الثّورة لم تتوقف ولم تتراجع، بل تسارَعَت.»
في هذا الموجز، ننظر عابرة إلی أحداث التي أشار إلیها في إیران المعاصرة:
عزل رئیس الجمهورية
في أواخر الیونیو 1981 البرلمان الإیراني سحب الثقة من الرئیس الجمهوري و هو کان السید أبوالحسن بني صدر. تولي بني صدر رئاسة الجمهوریة الإیرانیة قبل عامین و متزامناً معه کان رئیس قوات الأرکان المسلحة من جانب الإمام الخمیني. في هذه الفترة بدأ الحرب العراقي-الإیراني التي تسمی بالحرب المفروضة و لکن بسبب بعض أعماله و إنتمائاته إلی مجاهدي الخلق الذین صار لقبهم في إیران بالمنافقین، و بعد مماشاة التامة من قبل قوات الثورة، تم عزله من جانب الإمام الخمیني من مسؤولیته في القوات المسلحة و بعد حوالي عشرة أیام حکم المجلس الشوری الإسلامي الإیراني بـ«عدم کفائته السیاسیة لرئاسة الجمهوریة» و تم عزله.
إستشهاد قائد عسکري و رمز ثوري
متزاماً مع هذا الوضع السیاسي في البلد، أستشهد أحد رموز الثورة الذي کانت شخصیة مشهورة عند الجمیع و هو بالإضافة إلی خبرته العلمیة في الفیزیاء التي حصل علیها في الولایات المتحدة کان عضواً في مجلس الدفاع القومي و مجلس الأعلی للثورة و أیضاً کان قائداً لقوات الحرب غیرالنظامیة. شهید مصطفی شمران(چمران) الذي کان منذ مدة طویلة في لبنان و بجانب الإمام موسی الصدر و عاد إلی إیران لمساعدة الثورة. هذا کان فی 21 من یونیو 1981.
إغتیال السید الخامنئي
بعد أقل من أسبوع و في 27 من یونیو، تم إغتیال السید علي الخامنئي الذي کان آنذاک إمام جمعة طهران و ممثل الإمام الخمیني في مجلس الدفاع القومي و من أعضاء مجلس الأعلی للثورة و هو الذي کان له شعبیة کبیرة خاصة عند الشباب. أعلن فرقة فرقان تحمل مسؤولیة هذه الإغتیال. کان للخامنئي دور بارز فيما جری في البرلمان المؤدي إلی عزل بني صدر. تم هذا الإغتیال أثناء کلمته في مسجد أبوذر في طهران و عقیب تفجیر قنبلة بقربه. لکن العملیة لم یکن ناجحة و أصیب بالسید الخامنئي جراحات شدیدة.
إستشهاد 73 نفر من کبار المسؤولین
بعد یوم من ذلک الإغتیال، حان وقت أخطر حادثة في هذه الفترة بل لامثیل لها في تأریخ إیران الحدیثة. في 28 من یونیو تم تفجیر مقر حزب الجمهوري الإسلامي في طهران؛ الحزب الذي کان یرأسه السید محمد حسیني بهشتي کالأمین العام والذي کان في تلک الفترة رئیس مجلس سلطة القضائیة في البلد. جراء هذا الإنفجار، أستشهد في هذه الکارثة التي سمیت بکارثة «هفت تیر» (الیوم السابع من شهر تیر الشمسي) 73 من کبار المسؤولین الإیرانیین. إضافة إلی رئیس السلطة القضائیة، أستشهد 27 نائب في البرلمان، 4 من الوزراء و 12 من مساعدي الوزراء و جرح 28 شخصاً في هذا المستوی.
من المفارقات أنه کان یجب أن یحضر السید الخامنئي و الشیخ رفسنجاني و الشیخ الدکتور باهنر في هذه الجلسة. لکن السید الخامنئي کان علی سریر المستشفي و الشیخ رفسنجاني کان له لقاء من طبیب السید و باهنر منعه حارس مقر الحزب من الدخول بسبب کثرة تعبه و طلب منه العودة و کان قریب بمکان الإنفجار.
إلی هنا فقد إیران رئیسا قواها الثلاث و العدید من کبار مقاماته و قامت بإجراء عملیة إنتخابات الرئاسیة لتعیین رئیس الجمهوریة.
إعلان الحرب المسلحة الداخلیة
بالتزامن مع هذا الأحداث و قریب بیوم عزل بني صدر، منظمة مجاهدي الخلق التي کانت من المنظمات الإسلامیة في الکفاح مع الشاه و تغیر إیدئولوجیها من الإسلامیة إلی المارکسیة، صدرت بیاناً و أعلنت دخولها إلی مرحلة النضال بالأسلحة تجاه الجمهوري الإسلامي. إنهم کانوا یغتالون و یقتلون الأشخاص العادیین في مختلف أنحاء البلد بمجرد إنتسابهم إلی الحکومة واقعاً أو وهماً. علی سبیل المثال کانوا یقتلون الأشخاص الذین لهم لحیة مدعیاً أنه من المتدینین و المنتمین إلی الحکومة مع أنه کان له شغل عادي في السوق. هذه الأزمة سیطرت علی کافة المحافظات إیرانیة.
تفجیر مقر رئاسة الوزراء
أما بعد شهرین، و بعد إختیار محمدعلي رجائي الذي کان رئیس الوزراء في عهد بني صدر کرئیس الجمهوریة، و بعد نصب الشیخ الدکتور محمدجواد باهنر کرئیس الوزراء الجدید، واجهت إیران مع إغتیال آخر. تفجیر آخر في مقر رئاسة الوزراء و إستشهاد رئیس الجمهوریة و رئیس الوزارء معاً. یوم 30 من أغسطس.
وبعد ذلک… إنتخابات أخری و رئیس جدید! صار السید علي الخامنئي رئیساً جدیداً لإیران، مع أنه في الوقت نفسه کان یده مجصصاً و لم یشفِ بعد.
إستشهاد المدعي العام و القادة العسکریین
في أقل من أسبوع، تم إغتیال المدعي العام الإیراني، الشهید الشیخ علي قدّوسي الذي کان یرتب الأمور و ینتظم أمر المحاکم القضائیة بعد انتصار الثورة.
بعد أقل من شهر و حین عودة القادة العسکریین لعرض تقریر عملیة ثامن الأئمة للقائد العام للقوات المسلحة، إثر حادثة تحطیم الطائرة سي-130، أستشهد عدد کبیر من القادة و کان من بینهم ولي الله فلاحي، رئیس المقر المشترک للجیش، یوسف کلاهدوز، قائم مقام للحرس الثوري، السید موسی نامجو، وزیر الدفاع و جواد فکوري وزیر الدفاع السابق.
هناک العدید من الإغتیالات في تلک السنة (سنة 1360 الشمسیة) لرموز الثورة و أعمدة البلد الدینیة أو الثوریة و ما أشیر إلیه کان في المستوي السیاسي و من بین کبار المسؤولین.
خاتمة
شهدت إیران کهذه الحوادث العظیمة و الألیمة و کل ذلک کان من جانب أیادي نظام السلطة مباشرة أو مع واسطة و لم یرکع أمام هذه التحدیات و فاق علیها و وصل إلی الیوم. قائد الثورة الإسلامیة السید علي خامنئي یطلب من الشعب اللبناني المقاوم و خاصة من الذین لهم إنتماء إلی حزب الله، النظر إلی ما جری في إیران و قیاسه مع ما یجری الیوم علیهم لإستلهام الأمل و الرجاء للقضاء علی کل التحدیات علی العدو الصهیوني الغاصب و أخیراً:
«واليوم، فإنّ المقاومةَ في المنطقة لن تتراجعَ بشهادة رجالِها، والنّصرُ سيكونُ حليفَ المقاومة. المقاومةُ في غزّةَ حيّرتِ العالم، وأعزّت الإسلام.»