كتب: ربيع السعدني
بعد انتهاء الجولة الثانية من المحادثات غير المباشرة التي عقدت بوساطة سلطنة عمان في سفارتها بروما بين الوفد الإيراني برئاسة وزير الخارجية، عباس عراقجي، والوفد الأمريكي الذي ترأسه مبعوث ترامب، ستيف ويتكوف.
أعلن قائد وفد التفاوض الإيراني أن فريقا من الخبراء سيجتمع في الأيام المقبلة في سلطنة عُمان وتحديدا يوم الأربعاء (23 أبريل/ نيسان 2025)، قبل انطلاق جولة ثالثة من المفاوضات، السبت المقبل وذلك لمناقشة التفاصيل الفنية، بما في ذلك تحديد المستويات القصوى التي يمكن لبلاده تخصيب اليورانيوم عندها، وحجم المخزونات النووية التي يمكنها الاحتفاظ بها، وكيفية مراقبة الامتثال لأي اتفاق والتحقق منه (الضمانات).
وأشار عراقجي إلى أن الجولة الثانية من المفاوضات استمرت نحو أربع ساعات، وقال: “هذه المرة كان اجتماعا جيدا وأستطيع القول إن عملية المفاوضات تتقدم إلى الأمام، هذه المرة، تمكنا من التوصل إلى توافق أفضل بشأن سلسلة من المبادئ والأهداف، وفي نهاية المطاف تم الاتفاق على استمرار المفاوضات والانتقال إلى المرحلة التالية”.
ونتيجة لهذا التقدم بحسب عراقجي ستبدأ اجتماعات الخبراء بين وفدي الجانبين، مضيفا: “اعتبارا من الأربعاء 23 أبريل/ نيسان 2025 ستبدأ المفاوضات الفنية على مستوى الخبراء، ومن الطبيعي أن يكون لدى الخبراء المزيد من الوقت للخوض في التفاصيل وتصميم إطار للاتفاق”.
ولم ترفع الجولة الثانية من المحادثات النووية مستوى التوقعات فحسب، بل رفعت أيضا عتبة تحقيقها، ولكن الجزء الأصعب والأكثر تعقيدا من المفاوضات أصبح الآن في انتظار الإيرانيين.
إيران تستجيب
في محادثات خاصة سبقت جلسة السبت 19 أبريل/ نيسان 2025 أبلغ الجانب الإيراني المسؤولين الأمريكيين أنهم على استعداد لخفض مستويات التخصيب إلى تلك المحددة في اتفاق 2015 أي 3.67%، وهو المستوى اللازم لإنتاج الوقود لمحطات الطاقة النووية، وفق ما نقلت صحيفة “نيويورك تايمز”.
في حين أوضحت عمان التي تتوسط في تلك المفاوضات في بيان صادر عن وزارة الخارجية أن الجانبين مستعدان للانتقال إلى مرحلة جديدة من مناقشاتهما تهدف إلى التوصل لاتفاق دائم وملزم يضمن تخلي إيران التام عن الأسلحة النووية، والرفع الكامل للعقوبات، مع ضمان حقها في تطوير الطاقة النووية للأغراض السلمية”.
فيما كشف مسؤول إيراني كبير أن إيران مستعدة لنقل مخزونها من اليورانيوم المخصب إلى روسيا أو دولة أخرى، على غرار ما فعلته في أوائل عام 2016 عندما بدأ تنفيذ الاتفاق النووي الذي تم في عهد باراك أوباما ومنذ ذلك الحين، زادت إيران بشكل كبير من حجم هذه الاحتياطيات.
وهي الآن تمتلك ما يكفي من اليورانيوم المخصب بنسبة 60% لإنتاج أكثر من 6 قنابل نووية إذا قررت صنع سلاح نووي.
مقترح الاتفاق المؤقت
وتدرس إيران اقتراحا خلال المحادثات مع الولايات المتحدة بأن تعمل الدولتان على التوصل إلى اتفاق نووي مؤقت قبل مواصلة المفاوضات بشأن اتفاق شامل، بحسب ما قاله دبلوماسي أوروبي ومصدر مطلع لموقع “أكسيوس” الإخباري الأمريكي في 10 أبريل/ نيسان 2025.
إن الاتفاق المؤقت بين الولايات المتحدة وإيران قد يتضمن تعليق بعض أنشطة تخصيب اليورانيوم الإيرانية، وتخفيف مخزونها من اليورانيوم المخصب بنسبة 60%، والسماح لمفتشي الأمم المتحدة بمزيد من الوصول إلى المنشآت النووية الإيرانية، وقال خبراء لموقع أكسيوس إن هذه الخطوات لن تزيد إلا قليلا من الجدول الزمني لإيران لتطوير قنبلة نووية، لكنها قد تساعد في بناء الثقة لإجراء مفاوضات بشأن اتفاق شامل.
الضمانات الكافية
بينما كشفت مصادر مطلعة أن الجانب الإيراني كان يخطط قبل محادثات روما إلى عرض سلسلة من المقترحات لاتفاق نووي جديد، بما في ذلك مطالبة إدارة ترامب بضمانات بأن الولايات المتحدة لن تنسحب من أي اتفاق مستقبلي، كما حدث عام 2018، حسب ما نقلت صحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكية.
ولطالما أصرت طهران على أن المحادثات مع الجانب الأمريكي تقتصر على ملفها النووي ورفع العقوبات، معتبرة أن قدراتها الصاروخية ووقف نشاطاتها النووية بما يشمل الأغراض المدنية “خطوطا حمراء”.
تفاصيل اجتماع الخبراء
ورد المتحدث باسم وزارة الخارجية إسماعيل بقائي على سؤال أحد الصحفيين خلال المؤتمر الأسبوعي يوم الإثنين (21 أبريل/ نيسان 2025) بشأن الاجتماع الفني والخبراء بين إيران والولايات المتحدة هذا الأسبوع وما إذا كانت الأطراف ستدخل في تفاصيل رفع العقوبات والقضايا النووية في هذا الاجتماع الفني.
وقال: “كما ذكرت سابقا فإن قضية رفع العقوبات مطلب أساسي بالنسبة لنا، وهذه العقوبات القاسية التي فرضت على إيران تحت ذرائع مثل القضية النووية ليس لها أساس قانوني”.
وأضاف بقائي: “إن كل جهودنا ستنصب على تهيئة الأرضية لرفع العقوبات، وفي هذا الإطار أعلنا استعدادنا لتبديد أي شكوك حول الأنشطة النووية السلمية الإيرانية من خلال الإجراءات الطوعية والشفافية، وفي اجتماع الخبراء المقبل، سنناقش تفاصيل إطار المحادثات، كما ناقشنا في الاجتماعين السابقين على مستوى كبار المسؤولين، وإذا تطلبت الظروف، فسندخل في تفاصيل أخرى.
تحذيرات إيرانية
وقد حذر وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي علنا يوم الجمعة الماضي (18 أبريل/ نيسان 2025) من “تقديم مطالب غير معقولة وغير واقعية”.
بعدما دعا ستيف ويتكوف الممثل الأمريكي الخاص لشؤون الشرق الأوسط في رسالة عبر منصة إكس يوم الثلاثاء 16 أبريل/نيسان 2025: “أي اتفاق نهائي مع إيران يجب أن يوفر إطارا للسلام والاستقرار والازدهار في الشرق الأوسط، وهذا يعني أن طهران يجب أن توقف، وتفكك بشكل كامل برنامجها لتخصيب اليورانيوم وإنتاج الأسلحة النووية”.
ويشكل هذا الموقف تحولا جوهريا عن السياسة التي حددها رئيس فريق التفاوض الأمريكي عبر قناة “فوكس نيوز” قبل 12 ساعة فقط؛ وقال لشبكة التلفزيون الأمريكية إن “المحادثات مع الإيرانيين ستتناول تخصيب اليورانيوم إلى مستوى 3.67% للاستخدامات النووية السلمية”.
يشار إلى أن ترامب كان انسحب عام 2018 من الاتفاق النووي، معيدا فرض عقوبات كبيرة على إيران، فيما فشل خلفه جو بايدن بعد جولات عديدة من المفاوضات في التوصل لتوافق مع الجانب الإيراني، حيث أكدت إدارته حينها أنه من المستحيل تقديم ضمانات بعدم الانسحاب من أي اتفاق مقبل، لأنه لا يمكن إلزام أي رئيس أمريكي مستقبلي بهذا المطلب.