كتب: محمد بركات
فارون من ظروف معيشية صعبة، محاولين عيش حياة أفضل، هذا أحد أبرز الأسباب التي دفعت الأفغان إلى الهجرة من بلدهم إلى إيران، ولكن المصاعب لا تنتهي هنا، فالمجتمعات الأفغانية في إيران تواجه العديد من المشكلات، كالتمييز العرقي والعمل بأجور زهيدة ومطاردة الشرطة، واخيرا انتشار وسم إخراج الأفغان مطلب قومي، تلك الظروف وغيرها خلقت وضعا معيشيا صعب لتلك الفئة.
فقد حذرت منظمة هنجاو لحقوق الإنسان مؤخرا بشأن زيادة العنصرية الحكومية والاجتماعية تجاه المهاجرين الأفغان في إيران، حيث ذكرت في تقريرها المنشور على موقعها في 4 أغسطس/آب أن “منظمة هنجاو تعتبر أنَّ وضع تعامل الحكومة مع المهاجرين الأفغان أو حتى الإيرانيين ذوي الأصول الأفغانية مأساوي، وتُحذر من زيادة العنصرية الحكومية والاجتماعية تجاه هؤلاء المهاجرين، ففي الأشهر الماضية، لوحظت موجة من زيادة العنصرية ضد الأفغان، سواء على المستوى الحكومي أو الاجتماعي، في إيران. يشمل ذلك ظهور خطاب يتحدث عن طرد المهاجرين الأفغان في النقاشات المتعلقة بالانتخابات داخل إيران، وصولا إلى تصاعد المطالب بطردهم في وسائل التواصل الاجتماعي، وكمثال محدد، فإن قضية كبری غلامي، الباحثة الاجتماعية، وطالبة الماجستير، والمهاجرة الأفغانية بإيران، التي كانت في طريقها إلى الترحيل إلى أفغانستان تحت حكم طالبان بسبب عدم ارتدائها الحجاب، تمثل مستوى فظيعا من هذه الظلم”.
ويكمل التقرير: “يواجه المهاجرون الأفغان في كثير من الحالات، على الرغم من حياتهم وعملهم لعقود في إيران، صعوبات في الحصول على بطاقات إقامة صالحة. ففي 16 محافظة بإيران، لا يُسمح لهم بالإقامة، وفي باقي المحافظات، يُسمح لهم بالإقامة فقط في بعض المدن. هذا لا يخلق فقط ظروفا مشابهة لنظام الفصل العنصري تجاههم في إيران، بل يتضمن أيضا عملية حكومية تهدف إلى تجريد المجتمع الأفغاني المهاجر من المواطنة بشكل دائم. في الوقت نفسه، تشير إحصاءات المنظمة إلى أن هناك ما لا يقل عن 25 سجينا أفغانيا قد أُعدموا في سجون إيران خلال الأشهر السبعة الماضية، هذا ومع الأخذ في الاعتبار الوضع المأساوي لحقوق الإنسان للأفغان في بلادهم بعد احتلال طالبان، فإن الدعوات الواسعة لطرد الأفغان والأدبيات السياسية السامة المحيطة بهم، إذا لم تتوقف، فقد تؤدي إلى كارثة إنسانية”.
متى بدأ خطاب الكراهية تجاه الأفغان في إيران؟
إن خطاب الكراهية ضد اللاجئين الأفغان في إيران موضوع قديم نسيبا، إلا أن وسائل الإعلام الرسمية الإيرانية تلعب دورا محوريا في الزيادة الحالية في العنصرية ورهاب الأفغان وتنظيم الحملات المعادية للأفغان.
فبعد سيطرة طالبان في أغسطس/آب 2021، ارتفع عدد المهاجرين الأفغان في إيران إلى نحو مليون شخص. تقريبا على الفور، بدأت النقاشات المعادية للمهاجرين الأفغان في الصحافة الإيرانية. وكان من أوائل الوسائل الإعلامية التي أثارت هذه النقاشات المناهضة للأفغان صحيفة “الجمهورية الإسلامية”، ففي أبريل/نيسان 2022، زعمت الصحيفة أن 50 إلى 70 بالمئة من النساء اللواتي يلدن في مستشفيات طهران من النساء اللاجئات الأفغانيات، وهو ادعاء غير صحيح تم دحضه من قبل مصادر تحقق من الحقائق، حيث كانت النسبة الحقيقية أقل من خمسة بالمئة. إضافة إلى ذلك، تناولت وسائل إعلام إيرانية أخرى هذا الموضوع، ونشرت مواد تحذيرية حول مخاطر التغييرات الديموغرافية في إيران، بل أشارت إلى احتمال دخول طالبان الأفغانية إلى البرلمان الإيراني. وبلغت صحيفة الجمهورية الإسلامية الحدّ عندما نشرت مقالا بعنوان “جنوب طهران تحت سيطرة الأفغان”، حيث صورت التغطية الإعلامية الشاملة اللاجئين الأفغان كخطر وتهديد أمني على المجتمع، وذلك وفقا لتقرير موقع زن تايمز المنشور بتاريخ 24 يوليو/ تموز.
ووفقا للتقرير، فإن هذه الهجمات الإعلامية تحدث في سياق سياسات تمييزية ممنهجة تُفرض على اللاجئين الأفغان بإيران، حيث يُمنعون من العمل في العديد من القطاعات، ويُجبرون على العيش في مناطق معينة، كما يُحرم أطفالهم غالبا من التعليم. هذا يشبه إلى حد كبير، ظروف الفصل العنصري في جنوب إفريقيا. الأفغان يُمنعون حتى من دخول بعض الحدائق العامة. ينطبق هذا الوضع حتى على الأفغان المولودين في إيران، الذين يعانون أيضا من القيود الصارمة، والحرمان من الحقوق، والتهديد بالترحيل. وتشير التقارير إلى أن النساء الأفغانيات اللاجئات يتعرضن للأذى الأكبر من هذه السياسات.
وبحسب التقرير، فإن خطاب الكراهية ضد المهاجرين الأفغان يتم تداوله على نطاق واسع في وسائل التواصل الاجتماعي، حيث يتم لوم اللاجئين الأفغان على قضايا اجتماعية واقتصادية تشمل الفقر والبطالة والتضخم وارتفاع إيجارات السكن، بل وحتى الجريمة وتهديد أمن إيران. وقد تصاعدت هذه المشاعر المناهضة للأفغان خلال المناظرات الانتخابية، حيث وعد المرشحون بحل “المشكلة” وإغلاق الحدود.
معاناة الأفغان في إيران على لسان أصحابها:
تعددت أشكال التمييز ضد الأفغان في إيران، ومنها ما يذكره الأفغان أنفسهم هناك، فيقول شيرالله مخلص، أحد آلاف المهاجرين الأفغان في إيران، إنه غادر أفغانستان متوجها إلى إيران قبل عام بسبب المشاكل الاقتصادية وندرة فرص العمل، وهو يبلغ من العمر 25 عاما ويعيل أسرة مكونة من ثمانية أفراد، ويعمل في طهران بشركة بناء مقابل عشرة ملايين تومان شهريا (ما يعادل 192 دولارا)، وهي بالكاد تكفي لتغطية نفقات حياته وعائلته في أفغانستان، وذلك وفقا لتقرير موقع آزادي المنشور في 8 يوليو/تموز.
وقد قال في شهادته: “نعمل شهريا مقابل مبلغ تسعة أو عشرة ملايين تومان، أي نحو عشرة آلاف أفغاني، لكن هنا لا يكفينا بأي حال. نحن محتارون بين إنفاقه هنا أو إرساله إلى عائلتنا في أفغانستان، ليس لدينا تأمين، ونتعرض للمضايقات، ولا يمكننا أبدا التجول بحرية. نذهب إلى العمل ثم نعود إلى غرفتنا”.
ووفقا للتقرير السابق، يحكي شاداب إسلاميار، الذي يبلغ من العمر 15 عاما، وهو مهاجر أفغاني آخر يعمل بأعمال شاقة في إيران، عن التحديات التي يواجهها هناك فيقول: “أعمل بين 12 و13 ساعة، وأحصل على راتبٍ قدره ثمانية ملايين تومان (153 ما يعادل دولارا)، أي نحو ثمانية آلاف أفغاني، لكن قيمة المال منخفضة جدا. إذا كان صاحب العمل صالحا فهو يدفع الأجر، وإذا لم يكن كذلك، لا يدفع، ولا أحد يستمع لنا لأننا بلا وثائق. إذا قدّمنا شكوى، فسيتم ترحيلنا. نواجه هنا العديد من المشاكل، يقومون بإجبارنا على الأعمال الشاقة، بل يجعلوننا ننظف القمامة”.
وحسب تقرير أخر للموقع نفسه، يقول أحد المهاجرين الأفغان في مدينة كرمان، لم يرغب في ذكر اسمه؛ لأسباب حساسة: “مشكلة الخبز مشكلة دائمة، فبعض المخابز تحصل على حصص وفقا للمنطقة وعدد السكان، وتوزع الحكومة الطحين على هذه المخابز وفقا لذلك. ولا يبيع كل مخبز أكثر من رغيفين أو ثلاثة”، وذلك وفقا لتقرير موقع آزادي المنشور في 14 أغسطس/آب.
ووفقا للتقرير السابق، يصرح مهاجر أفغاني آخر من زاهدان في إيران، عن القيود المتزايدة على المهاجرين الأفغان في إيران، حيث أصبح شراء الخبز يمثل مشكلة بالنسبة لهم فيقول: “عندما ذهبت إلى المخبز، كان هناك صف منفصل للأفغان وآخر للإيرانيين. يحصل الإيرانيون على الخبز أولا، ثم يأتي دور الأفغان. سعر الخبز ألفا تومان (0.1 دولار)، لكن علينا دفع ألفين وخمسمئة لكل رغيف. الوضع سيئ جدا. الليلة الماضية، عندما كنا عائدين من العمل، أوقفنا عناصر الباسيج وأخذونا إلى الحسينية، وعندما أظهرنا بطاقة الإقامة، أطلقوا سراحنا”.
عالمة اجتماع إيرانية: الإعلام هو السبب في شيطنة الأفغان
صرحت سيمين كاظمي، عالمة الاجتماع، في لقاء لها مع موقع خبر أونلاين، موضحةً أسباب ظاهرة رهاب الأفغان في إيران: “تقوم بعض وسائل الإعلام، أو جزء منها، بتصوير الأفغان كجماعة اجتماعية ذات وجه شيطاني، فتقوم بشيطنتهم. على سبيل المثال، عندما يحدث اعتداء أو جريمة قتل، وقبل أن تتدخل الشرطة أو يتم عقد محكمة أو التعرف على الجاني، تكون وسائل الإعلام قد أصدرت حكمها، ويتبعها الناس العاديون قائلين إن هذا العمل الإجرامي ارتكبه شخص أفغاني”، وذلك وفقا لتقرير الموقع المنشور في 18 أغسطس/آب.
وتتابع كاظمي: “في الواقع، يُنظر إلى هذه المجموعة كأنها شيطان في المجتمع، وتُنسب إليها المشكلات الاجتماعية، ويطالب الجميع بمعاقبتهم والتعامل معهم بصرامة”، مضيفة: “في السنوات الأخيرة، ازدادت هذه الظاهرة بشكل كبير، حيث يتم مهاجمة أماكن سكن الأفغان، ويُعتبرون مسؤولين عن الجرائم والمشكلات الاجتماعية، ويطالب الناس باتخاذ إجراءات ضدهم. يحدث هذا كله للأفغان رغم عدم وجود أي أدلة تشير إلى أنهم مسؤولون عن هذه الحوادث”.