ترجمة: يارا حلمي
نشرت صحيفة “هم ميهن” الإيرانية الإصلاحية، الخميس 14 مارس/آذار 2025، تقريرا يتناول ظاهرة “تشرد” الممرضين الذين ينتقلون من المدن الفقيرة إلى العاصمة طهران سعيا لحياة أفضل، وذلك بسبب تدني الرواتب التي يتقاضونها في مهنتهم.
وأشارت الصحيفة إلى أنه في أوائل شهر مارس/آذار 2025، أعلن الأمين العام لـ”بيت التمريض” عن اضطرار بعض الممرضين إلى النوم في سياراتهم نتيجة للصعوبات المعيشية التي يواجهونها، وعجزهم عن دفع إيجار المساكن. وقال: “بعض الممرضين الذين قدموا إلى طهران من مدن أخرى يواصلون العمل في وظائفهم بسبب ظروف الهجرة بين المحافظات، حيث يعمل البعض منهم في عدة ورديات متتالية لتجنب دفع الإيجار، ويقضون ساعات الراحة في النوم داخل سياراتهم الخاصة”.
نقص حاد في الممرضين
أضافت أن ثلاث جامعات طبية رئيسية في طهران- وهي جامعة طهران للعلوم الطبية، وجامعة الشهيد بهشتي، وجامعة إيران- تعاني من نقص حاد في أعداد الممرضين. وعلى الرغم من نشر إعلانات توظيف، فإن عدد المتقدمين لا يتجاوز 200 إلى 300 شخص فقط، في حين أن الحاجة قد تصل إلى ألف ممرض.
وأشارت إلى أن معظم المتقدمين ممرضون يعملون في مدن أخرى، حيث يُطلب منهم الانتظار لمدة خمس سنوات قبل الانتقال إلى جامعات مدنهم الأصلية. ويرجع ذلك إلى أن بعض الممرضين كانوا يأتون إلى طهران للحصول على وظيفة، ثم يطلبون النقل للعودة إلى مدنهم بعد التوظيف.
قانون التوظيف الجديد
وفقا للقانون الجديد، يتعين على الممرضين البقاء في طهران لمدة خمس سنوات، مع العمل في ورديتين أو ثلاث يوميا لتغطية نفقاتهم المعيشية. وأوضحت الصحيفة أن الممرضين الذين يستأجرون مساكن يضطرون إلى إنفاق جزء كبير من رواتبهم على الإيجار، مما يدفعهم إلى الإقامة في نُزُل أو النوم في سياراتهم، أو العمل في نوبات ليلية في مراكز الطوارئ والنوم هناك.
وهذا يعني أنهم يعملون في نوبات ليلية طوال أيام الأسبوع، وإذا لم تتوافر هذه النوبات، فإنهم يلجأون إلى النوم في سياراتهم أو في النُّزُل.
وبهذه الطريقة، يتمكن الممرضون من توفير جزء من رواتبهم أو إرسالها إلى عائلاتهم في مدنهم الأصلية. كما أن بعضهم يُجبرون على الانتقال للعيش في ضواحي طهران بسبب ارتفاع تكاليف المعيشة داخل المدينة.
أزمة التمريض
أفادت الصحيفة بأن البقاء في المنزل، وتغيير الوظيفة، والهجرة؛ تشكل ثلاث مشكلات رئيسية أدت إلى تفاقم أزمة التمريض. ونقلت عن شريفي مقدم، الأمين العام لدار التمريض في إيران، قوله: “لقد كنا ننادي بمعالجة هذه القضايا التي تؤثر على الممرضين والمجتمع لسنوات، لكن لا أحد يصغي، لأن المشكلة تكمن في هيكل النظام نفسه”.
وأضافت أن رواتب الممرضين تتراوح بين 14 و15 مليون تومان، وقد تصل إلى 20 مليون تومان للممرضين ذوي الخبرة. ومع ذلك، فإنهم ينفقون ما بين 5 و8 ملايين تومان شهريا على إيجار المساكن. وحتى لو عمل الممرض في نوبتين، فإن راتبه في أفضل الأحوال لا يتجاوز 30 مليون تومان.
مستوى الأجور
أكد الأمين العام لبيت التمريض أن المشكلة الرئيسية تكمن في مستوى الأجور، قائلا: “الممرض الذي يهاجر إلى أستراليا أو كندا يحصل على دخل يقارب ثلاثة آلاف يورو أو أربعة آلاف دولار، بينما دخله في إيران لا يتجاوز 200 دولار. وقد هاجر عدد كبير من الممرضين بالفعل أو هم في طور الهجرة”.
وأشارت الصحيفة إلى أن الممرضين لديهم خيار آخر، وهو تغيير وظائفهم. فبعضهم يعمل في توزيع البيض، أو نقل الركاب، أو تقديم خدمات تمريض منزلية، أو حتى في مجال التجميل. لكن النتيجة واحدة: المستشفيات تفرغ من الممرضين.
من ناحية أخرى، يوفر التمريض المنزلي دخلا مرتفعا نسبيا. ويتوقع الممرضون الحصول على راتب ثابت، وبدل خاص، بمعدل مناسب، وتنفيذ قانون تسعير الخدمات التمريضية بالكامل، وهو قانون مطروح منذ عام 2007 لكنه لم يُنفذ حتى الآن.
ارتفاع أسعار الخدمات الطبية
ذكرت الصحيفة أن تعرفة الخدمات الطبية ارتفعت بنسبة 46% للعام القادم، وفقا لشريفي مقدم. ومع ذلك، لم يتم تفسير سبب هذا الارتفاع الكبير، أو سبب تضاعف أجور العمل الإضافي للأطباء، بينما يُفرض على الممرضين العمل الإضافي الإجباري مقابل 25-30 ألف تومان فقط.
وأضافت أن الرواتب تبقى منخفضة، وعند كل احتجاج، يتم دفع جزء من المستحقات المتأخرة، لكن المشكلة لا تُحل بهذه الدفعات المؤقتة.
ونقلت الصحيفة عن أحد الناشطين في مجال التمريض، والذي فضل عدم ذكر اسمه، قوله: “فرص العمل في طهران أفضل بشكل عام، حيث يوجد عدد أكبر من المستشفيات الخاصة، وإمكانية العمل في أكثر من مكان”.
وأضاف: “لطالما كانت ظاهرة نوم الممرضين في السيارات موجودة منذ زمن، حيث يعملون في عدة مستشفيات ويذهبون إلى مراكز الإسعاف للراحة. لكن الآن، تلقينا العديد من التقارير حول هذه الظاهرة، والتي ازدادت بشكل ملحوظ خلال العامين الماضيين”.
إضراب الممرضين
ذكرت الصحيفة أن أول إضراب للممرضين في يزد حدث في مايو/أيار 2024. وفي ذلك الوقت، حضر محافظ يزد بين المتظاهرين ووعدهم بتحقيق مطالبهم، ومن ضمنها دفع المتأخرات المالية وتوفير سكن للممرضين. ومع ذلك، لم يتم تنفيذ هذه الوعود.
وأضافت أن الممرضين نفذوا ثلاثة إضرابات، مما دفع رئيس جامعة العلوم الطبية في يزد إلى رفع دعوى قضائية ضدهم، متهما محمدرضا دارا بقيادة الاحتجاجات.
وكانت المطالب الرئيسية للممرضين تتعلق بالرواتب المتدنية، حيث أعلن المسؤولون بعد الاحتجاجات أن تعرفة العمل الإضافي سترتفع من 15 إلى 60 ألف تومان، لكن هذا القرار لم يُنفذ.
استمرار الاحتجاجات
نقلت الصحيفة عن السيد “د”، وهو ممرض يعمل سائق تاكسي بعد انتهاء نوبته في المستشفى، قوله: “نعمل اليوم، لكننا نحصل على مستحقاتنا بعد 12 شهرا. العمل الإضافي إجباري بسبب نقص الكادر، بينما لا يتم دفع مستحقاتنا”. وأضاف أنهم تقدموا بجميع مطالبهم بشكل رسمي ومكتوب، لكن لم يحدث أي تغيير.
وذكرت الصحيفة أن السيد “د” تم نفيه من مدينة كرمانشاه إلى إسلام آباد غرب، بسبب مشاركته في احتجاجات الممرضين، لكنه عاد إلى مكان عمله في كرمانشاه منذ فبراير/شباط الماضي.
الهجرة إلى الخارج
أفادت الصحيفة بأن نحو 100 ممرض ينهون فترة خدمتهم الإلزامية أو يتركون العمل سنويا، بينما يتم توظيف 20 ممرضا فقط بالمقابل. ونتيجة لذلك، يختار معظم ممرضي جيلان الهجرة إلى طهران، حيث تتوافر فرص العمل في القطاع الخاص.
ونقلت عن حسين بور، رئيس بيت الممرضين في جيلان، قوله: “في السابق، كان الممرضون يهاجرون إلى الدول الأوروبية، أما الآن فوجهتهم هي دول الخليج، حيث يحصلون على رواتب تتراوح بين 400 و500 مليون تومان، إضافة إلى السكن”.
اختتمت الصحيفة تقريرها، بالإشارة إلى أن المشكلة ليست في القوانين والتعاميم، بل في عدم تنفيذ هذه القوانين على أرض الواقع. وأكدت أن كل ما سبق ذكره يُظهر أن أزمة التمريض في إيران تحتاج إلى حلول جذرية وعاجلة لتحسين أوضاع الممرضين وضمان استقرارهم المعيشي والمهني.