كتب: محمد بركات
اتهمت الحكومة السويدية، الاثنين 3 فبراير/ شباط 2025، إيران بأنها تستخدم مسجدًا تابعًا لها في ستوكهولم للتجسس على السويد والمهاجرين الإيرانيين المقيمين في البلاد. وقد كتب ياكوب فورشميد، وزير الشؤون الاجتماعية السويدي، عبر حسابه على منصة “إكس” في 31 يناير/ كانون الثاني 2025، أن تقييم جهاز الأمن السويدي يشير إلى أن مركز الإمام علي الإسلامي الشيعي في ستوكهولم يُستخدم من قبل إيران كمنصة للتجسس وتنفيذ أنشطة تهديدية ضد مواطني السويد والإيرانيين المقيمين فيها.
وأضاف فورشميد: “هذا أمر بالغ الخطورة، والسويد قد أوقفت جميع المساعدات المالية الحكومية لهذا المركز، كذلك هناك إجراءات إضافية ستتخذ، فلا ينبغي استخدام الأموال الحكومية في أنشطة تتعارض مع القيم الديمقراطية الأساسية”، دون الإشارة إلى طبيعة تلك الإجراءات.
من جانبه، أصدر مركز الإمام علي الإسلامي بيانًا على موقعه الإلكتروني نفى فيه هذه الاتهامات، مؤكدًا أنه منظمة مستقلة ولا تربطها أي صلة بالأحزاب أو الحكومات السياسية. كما رفضت إدارة المسجد الادعاءات بشأن تلقي أموال من دول أجنبية، مشددة على أن “مركز الإمام علي الإسلامي يفرض رقابة صارمة لضمان عدم استخدام مقره لأي أنشطة إجرامية”.
تأتي تلك الاتهامات من جانب الحكومة السويدية في الوقت الذي أبلغت فيه وزارة الخارجية الإيرانية، الأحد 2 فبراير/ شباط 2025، سفير السويد في طهران احتجاجها الرسمي على اعتقال محسن حكيم إلهي، رئيس المركز الإسلامي في ستوكهولم.
وفي هذا السياق، صرح المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية، إسماعيل بقائي، الإثنين 3 فبراير/ شباط 2025، بأن الاتهامات الموجهة إلى إيران لا أساس لها من الصحة، مضيفًا أن التحركات والإجراءات التي شهدتها الأسابيع الأخيرة من قبل السويد غير بنّاءة على الإطلاق. ويبدو أن بعض القرارات قد تأثرت بجهات خارجية لا تريد الخير لإيران والسويد.
وأكد بقائي أن وزارة الخارجية الإيرانية تتابع هذا الاعتقال في إطار مسؤولياتها تجاه رعاية حقوق المواطنين الإيرانيين، مضيفًا: “وفقًا للتحقيقات التي أجريناها، لم تثبت أي تهمة أو جريمة بحق السيد حكيم إلهي، ونحن نعتبر هذا الاعتقال إجراءً تعسفيًا يثير الدهشة، حيث إنه لا يتماشى مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان”.
كما أشار بقائي إلى أن إيران أبلغت السلطات السويدية باعتراضها الرسمي، حيث تم استدعاء السفير السويدي إلى وزارة الخارجية الأحد 2 فبراير/ شباط، وتم إخطاره بشكل واضح بمخاوف إيران. مشددًا: “الحقيقة أن القواعد القنصلية لم تُراعَ في هذه القضية، ولم يُسمح لعائلته أو لدبلوماسيينا بزيارته، وهذا أمر يثير التساؤلات ويواجه اعتراضًا شديدًا من جانبنا”.
جدير بالذكر أنه في يناير/ كانون الثاني 2025، كانت السلطات السويدية قد ألقت القبض على محسن حکیم إلهی، رجل دين يبلغ من العمر 63 عامًا وإمام جماعة المركز الإسلامي الإمام علي في السويد، ليلاً بتهمة التجسس، لتعلن مصلحة الهجرة السويدية بعدها قرار ترحيله في 30 يناير/ كانون الثاني 2025.
السويد كانت دائمًا ملاذًا للمنافقين
وبهذا الشأن، صرح شهريار حيدري، نائب رئيس لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية السابق في البرلمان الإيراني، خلال لقاء صحفي الثلاثاء 4 فبراير/ شباط 2025، أن المركز الإسلامي في ستوكهولم كان يعمل في إطار القوانين والأنظمة السويدية، وأن اتهام التجسس ليس إلا ذريعة جديدة لإحداث توتر سياسي مع إيران.
كما أدان حيدري إقدام السويد على اعتقال مدير المركز الإسلامي الإمام علي بتهمة التجسس، مشيرًا إلى أن السويد تعد من الدول التي تدّعي الدفاع عن حقوق الإنسان، وبالتالي يجب أن تكون الأنشطة الدينية مفتوحة لجميع المجموعات، سواء كانت مسلمة أو غير مسلمة. مضيفًا: “أنشأت إيران هذا المركز الإسلامي في السويد في إطار القوانين واللوائح المحلية، بهدف أن يكون مركزًا دينيًا يخدم المجتمع الأوروبي ويوفر لهم مرجعًا دينيًا”.
كذلك، فقد نفى حيدري وجود أي أنشطة تجسسية في المركز، معتبرا أن تحركات السويد الأخيرة جاءت تحت تأثير اللوبيات الصهيونية والأمريكية، التي تسعى لإيجاد ذريعة لخلق توتر سياسي مع إيران بعد أن لم تجد سببًا آخر لذلك. مضيفًا: “أن اتهام التجسس ضد مدير المركز الإسلامي لا يستند إلى أي مبرر عقلاني أو سياسي أو قانوني، هذا الإجراء السويدي محكوم عليه بالفشل ولن يؤدي إلى نتيجة تُذكر”.
وفي سياق آخر، شدد حيدري على أن المجموعات المنافقة تنشط بشكل مكثف في الدول الأوروبية، حيث تقدم معلومات كاذبة ومضللة للحكومات هناك. مشيرًا إلى أن السويد لطالما كانت قاعدة لهذه الجماعات، ومعتبرًا أيضًا أن الحكومة السويدية اتخذت قرارًا خاطئًا تحت تأثير هذه الجماعات.
وفي الشأن نفسه، صرح محمود عباس زاده مشکینی، البرلماني السابق، الثلاثاء 4 فبراير/ شباط 2025، تعليقًا على ذلك الأمر: “من وجهة نظري، فإن السويد من خلال توجيه اتهام التجسس ضد مركز الإمام علي تحاول التهرب من الدور الذي تلعبه في دعم الإرهابيين والمنافقين”.
وأكمل مشكيني: “لقد أثبتت السويد على مدار السنوات الماضية أنها تلعب دور الحليف الغربي، ومن خلال ذلك أخذت على عاتقها مجموعة من المسؤوليات. ومن بينها، أن السويد تحولت إلى قاعدة ومخبأ للجماعات الإرهابية، خاصة تلك التي يديها ملطخة بدماء الشعب الإيراني ولها ملفات ثقيلة”.
وأضاف: “اليوم السويد تحاول أن تأخذ خطوة استباقية حتى لا تكون في موقف ضعيف. وللأسف، فإن السويد هي واحدة من البلدان الأوروبية القليلة التي تتأثر بشدة باللوبي الصهيوني، فالاتهامات التي وُجهت لمركز الإمام علي هي بلا دليل أو وثيقة، وربما تقوم بعمل موجه. فالسويد بذلك تحاول التهرب من الدور الذي تلعبه في دعم الإرهابيين”.
إيران والسويد.. تاريخ من الاتهامات
لم تكن تلك المرة الأولى التي تتهم فيها السويد الجانب الإيراني بالتجسس، فخلال مؤتمر صحفي في 30 مايو/ أيار 2024، أعلن دانييل استينلينغ، رئيس وحدة مكافحة التجسس في جهاز الأمن الداخلي السويدي، أن لديه أدلة تشير إلى أن إيران تستخدم عصابات إجرامية سويدية لارتكاب أعمال عنف ضد إسرائيل في السويد. كما ادعى أيضًا أن طهران تستخدم مجموعات بالوكالة لتنفيذ أعمال عنف ضد الجماعات والأفراد المعارضين للحكومة الإيرانية في السويد.
وخلال هذا المؤتمر، ادعى استينلينغ، دون تقديم تفاصيل، أن جهاز المخابرات السويدي يمكنه تأكيد أن إيران تستخدم شبكات إجرامية في السويد كوكيل لها. في حين لم يشر استينلينغ وغونار سترومر، وزير العدل السويدي، وهامبوس نوغاردس، نائب رئيس قسم العمليات الوطنية في الشرطة السويدية، إلى الحوادث المتعلقة بسفارة إسرائيل في تلك الفترة أو ذكروا أسماء العصابات الإجرامية أو المشتبه بهم.
جدير بالذكر أنه في أواخر يناير/ كانون الثاني 2024، كان قد تم إغلاق سفارة إسرائيل في السويد بعد العثور على ما وصفته السلطات بجسم خطر في محيط السفارة في حي شرق ستوكهولم. وذكرت وسائل الإعلام السويدية أن هذا الجسم كان قنبلة يدوية. كذلك ففي 17 مايو/ أيار من العام نفسه، سُمع إطلاق نار بالقرب من سفارة إسرائيل في ستوكهولم، وتمت محاصرة المنطقة، لكن لم يتم اعتقال أي شخص.
المراكز الإسلامية لإيران… تاريخ من الجدل
في السنوات الأخيرة، تصاعدت الاتهامات ضد المراكز الإسلامية المرتبطة بإيران في أوروبا، حيث اعتبرت العديد من الحكومات الأوروبية أن هذه المراكز تعمل كأدوات لنشر النفوذ الإيراني خارج حدودها، وأحيانًا كمنصات لأنشطة يُزعم أنها تتعارض مع القوانين والقيم الأوروبية. وقد أدى هذا التوتر إلى فرض قيود صارمة على بعض هذه المؤسسات، وصولًا إلى إغلاق بعضها بالكامل.
فمن أبرز الإجراءات التي اتُخذت ضد المراكز الإسلامية التابعة لإيران كان حظر الحكومة الألمانية للمركز الإسلامي في هامبورغ في أغسطس/ آب 2024، إلى جانب المؤسسات التابعة له. وبررت السلطات الألمانية هذا القرار بأن المركز يتبع أهدافًا إسلامية متطرفة، ويتلقى توجيهاته مباشرة من طهران. كما أن رئيس المركز، محمد هادي مفتح، الذي كان يشغل منصب ممثل المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي في ألمانيا، تم طرده من البلاد في نوفمبر/ تشرين الثاني 2022.
ولم تكن ألمانيا الدولة الوحيدة التي اتخذت إجراءات ضد هذه المراكز، فقد شهدت بريطانيا والنرويج تحركات مماثلة. ففي بريطانيا، أعلن المركز الإسلامي في لندن، والذي يُعرف بأنه تابع لمكتب خامنئي، عن تعليق أنشطته حتى إشعار آخر خلال صيف 2023، في خطوة وُصفت بأنها جاءت استجابة لضغوط حكومية متزايدة.
أما في النرويج، فقد وضعت السلطات الأمنية بعض المراكز الإسلامية تحت المراقبة المشددة، متهمة إياها بالترويج لأجندات سياسية تخدم المصالح الإيرانية، إلى جانب تقديم دعم غير مباشر لجماعات موالية لطهران.
هذا وتتمحور الاتهامات الموجهة لهذه المراكز حول عدة نقاط رئيسية، أولها نشر الدعاية الإيرانية، حيث تتهم الحكومات الأوروبية هذه المراكز بالعمل على نشر الفكر السياسي والديني للنظام الإيراني، والترويج لسياسات تتعارض مع القيم الديمقراطية الأوروبية.
كذلك دعم الجماعات الموالية لطهران، فتشير بعض التقارير الاستخباراتية إلى أن هذه المراكز قد تكون متورطة في تقديم دعم مالي أو لوجستي لجماعات مرتبطة بإيران، سواء داخل أوروبا أو في الشرق الأوسط.
أيضًا التأثير على الجاليات المسلمة، حيث يُقال إن هذه المراكز تسعى إلى استقطاب الجاليات المسلمة في أوروبا، لا سيما الشيعية منها، من أجل تعزيز نفوذ إيران الإقليمي.
على أن المخاوف الأمنية تظل السبب الرئيس في تلك التحركات، حيث أعربت بعض الحكومات عن قلقها من إمكانية استغلال هذه المراكز لأغراض التجسس أو التخطيط لأنشطة تهدد الأمن القومي.
من جهتها، نفت إيران جميع هذه الاتهامات، واعتبرت أن الإجراءات الأوروبية ذات دوافع سياسية، وتأتي في إطار حملة تهدف إلى الضغط على طهران بسبب خلافاتها مع الغرب حول عدة ملفات، مثل الملف النووي والعلاقات مع دول الشرق الأوسط. كما أكدت المراكز الإسلامية المستهدفة أنها مؤسسات مستقلة تعمل فقط على خدمة الجاليات المسلمة في أوروبا، ولا علاقة لها بالحكومة الإيرانية.