كتب: محمد بركات
صراع متجدد وأزمة مستمرة، هذه الحالة التي وصلت لها الأمور بين البرلمان والحكومة بسبب قانون الحجاب، في حين باتت المظاهرات أمام البرلمان إحدى أدوات الضغط المستخدمة للتأثير على القرارات الرسمية، وفي ظل الجدل المستمر، يعكس موقف الأطراف المختلفة مدى تعقيد الأزمة، إذ تواجه الحكومة انتقادات من التيار الأصولي بسبب عدم تنفيذ القانون، بينما تتصاعد المخاوف من أن تؤدي هذه التظاهرات إلى مزيد من الاستقطاب السياسي والمجتمعي.
فقد شارك النائب البرلماني عن مدينة طهران والمستشار البارز لسعيد جليلي، أمير حسين ثابتي، في تجمع احتجاجي أمام البرلمان، الجمعة 14 مارس/آذار 2025، وأدلى بتصريحات أدان فيها بشدةٍ ازدواجية المعايير في تطبيق القانون، فخلال تفاعله مع المحتجين، أشار ثابتي إلى أن التجمعات العامة تتطلب تصريحا قانونيا، لكنه على الجانب الآخر اعتبر أنه لا يحق للسلطات منع أربعة أشخاص من الاحتجاج أمام البرلمان بينما يتم تجاوز القانون في المستويات العليا، مستشهدا بتعيين محمد جواد ظريف نائبا لرئيس الجمهورية بطريقة وصفها بغير القانونية لمدة تزيد على الستة أشهر.
كما شدد ثابتي، في كلمته، على ضرورة التزام السلطة بالقانون قبل فرضه على المواطنين، معتبرا أن التحايل على القانون في المناصب العليا يسلب المسؤولين شرعية منع التجمعات العامة.
هذا وقد لقي تصريح ثابتي تفاعلا من المحتجين، حيث وجهت إحدى النساء انتقادات للنواب فقالت: “إذا كان النواب الخونة يخافون من شغب بعض العراة وعديمي الشرف، فعليهم أن يخافوا منا”، في إشارة منها إلى تصريح الرئيس الإيراني، مسعود بزشكيان، بأن تطبيق قانون الحجاب يمكن أن يسبب شغبا وقلقا في صفوف النساء.
كذلك، فقد خاطبت امرأة أخرى ثابتي، فقالت: “ما معنى أنه ليس من الصالح؟ ومن الذي قرر أنه ليس من الصالح؟”، ليرد ثابتي “يصدرون أحكاما خاطئة ثم يقولون إنه ليس من الصالح”.
تجدر الإشارة إلى أن تلك لم تكن المرة الأولى التي يواجَه فيها بزشكيان بتصريحات شديدة من قبل الأصوليين بشأن قانون الحجاب، فقد وجّه الناشط السياسي الأصولي والمقرّب من جبهة الصمود، صادق كوشكي، خلال تظاهرة أمام البرلمان الإيراني 11 مارس/آذار 2025، انتقادات حادة إلى بزشكيان، حيث صرح بأن “رئيس الجمهورية، الذي يعتبر نفسه حاميا للقرآن، يعلن أنه لن يطبق قانون الحجاب، بينما ممثلة الزرادشتيين في إيران، وهي من أقدم الطوائف الدينية في إيران، وهي امرأة محتشمة، وقّعت على عريضة العفة والحجاب”.
وأضاف كوشكي: “إن بزشكيان يدّعي أن الشعب يعارض قانون الحجاب، افتح عينيك! ممثلة الزرادشتيين نفسها تؤيد هذا القانون، وأنت الذي تقرأ القرآن ونهج البلاغة، هذه ليست المرة الأولى التي يُرفع فيها القرآن على الرماح، فحتى مجاهدي خلق كانوا يحفظون نهج البلاغة، لا أحد سينخدع باستخدامك للقرآن ونهج البلاغة، فإذا كنت تؤمن بهما حقا، فلا تقف في وجه الحكم”.
المتحدثة باسم الحكومة: قانون الحجاب لم يعد صالحا في هذا العقد
في الوقت نفسه، صرحت فاطمة مهاجراني، المتحدثة باسم الحكومة الإيرانية، خلال مقابلة مع صحيفة آرمان ملي، السبت 15 مارس/ آذار 2025، معلقة على قانون الحجاب، قائلة “إن الحجاب قضية ثقافية وتربوية قبل أن يصبح مسألة معيارية، ولا يمكن التعامل مع القضايا الثقافية والتربوية بأساليب قمعية بحتة. لقد رأينا نتائج ذلك، وجربنا هذه المقاربة لسنوات طويلة، ومن الواضح أنها أحد مكاسب التوافق الوطني”
وأكملت” في الواقع، إن هذا التوافق هو ما جعل تطبيق القانون المصحوب بقيود معينة غير ممكن، ولا يعني ذلك أن القانون كان مليئا بالأخطاء، فليس هناك قانون مثالي بالكامل أو قانون خالٍ من العيوب. لكن الواقع أظهر أن المجتمع لم يكن مستعدا لهذا النوع من القوانين. ربما كان هذا القانون فعالا في الثمانينيات، لكنه، وبالنظر لطبيعة العصر الذي نعيش فيه، لم يعد مناسبا، بل إن إيقاف تطبيقه كان بحد ذاته إنجازا للتوافق الوطني.”
وأضافت أن “هناك زوايا متعددة يمكن من خلالها مناقشة هذه القضية، منها البعد الشرعي والفقهي، والاجتماعي، والقانوني، والتنفيذي. فمن الناحية الشرعية، إذا كان من الضروري وضع تعريف واضح، فإن الفقهاء هم من يجب أن يحددوه. كما أن مركز أبحاث البرلمان أجرى دراسة حول الحجاب الشرعي والحجاب العرفي، وكانت دراسة واسعة شملت جوانب متعددة. ومن الناحية القانونية، يجب بحث مدى توافق هذا القانون مع الحقوق المدنية والدستور وأين يمكن أن يتعارض معهما. أما من الناحية الاجتماعية، فمن المهم معرفة تداعياته وتأثيراته على المجتمع، في حين أن الجانب الأهم يتعلق بالتنفيذ، إذ يجب أن نحدد كيف يمكن تطبيقه عمليا.”
وتابعت: “في الوقت الحالي، تعمل كل من إدارة شؤون المرأة وإدارة الشؤون القانونية على مشروع قانون جديد، لكنني بحاجة إلى متابعة مدى التقدم في هذا الملف، أو يمكنكم الاستفسار مباشرة من الجهات المختصة. الأمر المؤكد هو أننا ملتزمون بالحفاظ على كرامة الإنسان، قبل سن قوانين يمكنها التأثير على مناخ السلم العام”.
حكومة تحت الضغط
منذ تولي مسعود بزشكيان السلطة في يوليو/ أيلول 2024، مثلت التظاهرات الميدانية، وخصوصا أمام البرلمان، إحدى أدوات الضغط القوية للتعبير عن السياسيات العامة من قبل الأحزاب المختلفة، حيث قامت هذه التظاهرات عدة مرات أحدها ضد محمد جواد ظريف، نائب الرئيس الإيراني السابق للشئون الاستراتيجية، وذلك اعتراضا على توليه منصبه وبحوزة أحد أبناءه الجنسية الأمريكية، والأخرى بسبب تصريحاته في مؤتمر دافوس في يناير/ كانون الثاني 2025.
كذلك، فقد استخدمت هذه الأداة بعد تصريح بزشكيان بأنه لن يطبق قانون الحجاب، الأمر الذي وصفته صحيفة فرهيختجان الأصولية، في عددها ليوم الأربعاء 12 مارس/ آذار 2025، بأنه مقود لسلطة الحكومة، حيث عرضت” تواجه مجموعة تدّعي الدفاع عن الحجاب انتقادات متزايدة بسبب تصرفاتها المثيرة للجدل، من التجمعات الاحتجاجية أمام البرلمان إلى توجيه الإهانات للمسؤولين، آخر تصرفاتهم كانت التظاهر أمام منزل آية الله جوادي آملي، متهمين العلماء بالصمت عن قضايا الشريعة، وذلك بعد أن أشاد به المرشد الأعلى. كما هاجموا نوابا يعارضون الاستقطاب بين مؤيدي ومعارضي الحجاب. رغم أن تعليق قانون الحجاب كان قرارا حكوميا، استمرت هذه الاحتجاجات دون أن تتبناها أي جهة رسمية”.
وتكمل” تشير هذه التحركات إلى تصاعد الراديكالية بين الأصوليين، وهو أمر سبق أن شهدته تيارات إصلاحية في الماضي، مما أدى إلى أزمات سياسية، والآن، يُعاد إنتاج هذا السيناريو، ولكن من قبل جماعات تدّعي التمسك بالقانون لكنها تتجاوزه بتجمعات غير مرخصة وشعارات متطرفة”.
وتخلص الصحيفة إلى أنه ” إن تحركات هذه المجموعات تغذي الانقسامات الاجتماعية وتمنح المعارضين ذريعة للاحتجاج، مما يزيد من خطر الاستقطاب المجتمعي. إضافة إلى ذلك، فإنها تضرب مصداقية القانون والمؤسسات الرسمية عبر اتهامها بالتقاعس عن تنفيذ الشريعة. هذه الممارسات، التي تأتي من داخل النظام، تُعد أكثر ضررا من الاحتجاجات الخارجية، إذ تشكك في شرعية قرارات الدولة وتوسع فجوة الثقة بين السلطات والجمهور، مما يهدد الاستقرار السياسي والاجتماعي”.
وبالشأن نفسه، صرح محمود نبويان، البرلماني الأصولي وأحد واضعي مسودة قانون الحجاب، خلال تصريحات له السبت 15 مارس/ آذار 2025، قائلا ” إذا كان إقرار لائحة العفاف والحجاب يؤدي إلى خلق استقطاب وإضعاف النظام والإضرار به، فيجب تأجيلها مؤقتا”.
وأضاف نبويان” حين صادقنا على لائحة الحجاب، كان ذلك قبل سقوط سوريا ومقتل حسن نصر الله، ولكن نظرا إلى احتمال سعي الأعداء لتحويل إيران إلى سوريا، قامت أمانة المجلس الأعلى للأمن القومي بمنع أيّ شيء قد يؤدّي إلى خلق انقسام في المجتمع”.
وحول من يقف خلف تلك التظاهرات، قال نبويان “من هم الذين ينظّمون هذه التحرّكات؟ هؤلاء هم نفس الأشخاص الذين قالوا أشياء غريبة عن عملية الوعد الصادق 2، العمليات العسكرية التي قامت بها إيران في أكتوبر/ تشرين الأول 2024 ضد إسرائيل، ففي البداية قالوا إن الحكومة برئاسة بزشكيان هي من منعها، ثم قالوا إن قاليباف هو من يعرقلها، وقبل ذلك قالوا إن القادة العسكريّين أصبحوا مترفعين عن المواجهة”.
ويختتم تصريحاته بقول” إذا كنتم لا تثقون بالحكومة، ولا بالبرلمان، ولا بالقضاء، ولا بالقادة العسكريين، فهل من الجيد أن تنشروا هذا الشعور بين الناس؟ هذه الأعمال متشددة، ولا ينبغي القيام بها”.