كتب: محمد بركات
في إطار المفاوضات الجارية بين إيران والوكالة الدولية للطاقة الذرية، وصل رافائيل غروسي، المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية، إلى طهران مساء الأربعاء 13 نوفمبر/تشرين الثاني 2024، على رأس وفد يضم عددا من الخبراء الدوليين في مجال الطاقة الذرية، وذلك لعقد لقاءات ومحادثات مع كبار المسؤولين الإيرانيين. وكان في استقباله بمطار مهر آباد بالعاصمة طهران، بهروز كمالوندي، المتحدث الرسمي ونائب الشؤون الدولية والقانونية والبرلمانية لمنظمة الطاقة الذرية، وذلك وفقا لتقرير وكالة ايسنا الإخبارية بتاريخ 13 نوفمبر/تشرين الثاني.
لقاء وزير الخارجية:
بعدها التقى غروسي، صباح الخميس 14 نوفمبر/تشرين الثاني، عباس عراقجي وزير الخارجية الإيراني؛ وذلك للتشاور والتباحث في ما يتعلق بالشأن النووي، وعقب انتهاء الاجتماع، صرح عراقجي قائلا: “لقد أجرينا محادثات جيدة وبناءة، وحددنا مسار التعاون بين إيران والوكالة للعام المقبل، والذي سيكون عاما حاسما في ملف إيران النووي”، وذلك وفقا لتقرير وكالة روز نو الإخبارية بتاريخ الخميس 14 نوفمبر/تشرين الثاني.
ووفقا للتقرير، فقد أضاف عراقجي: “لقد أبلغت السيد غروسي أن إيران مستعدة لإجراء مفاوضات نووية والتعاون في إطار الاتفاقيات السابقة مع الوكالة، ومع ذلك، فإن هذا التعاون يعتمد على جدية الأطراف المقابلة في هذا الشأن”، مؤكدا أن “إيران التزمت، بحسن نية بتعهداتها في الاتفاق النووي، ولكن الطرف الآخر انسحب من الاتفاق (يقصد انسحاب أمريكا من الاتفاق النووي)، ولأننا واثقون بالطبيعة السلمية لبرنامجنا النووي، فليست لدينا مشكلة في التعاون مع الوكالة، ونحن مستعدون لمواصلة تعاوننا، بشرط التزام الطرف الآخر بتعهداته”.
وشدد عراقجي على أنه لا توجد مشكلة لدى إيران في التعاون مع الوكالة، قائلا: “كانت المفاوضات مفيدة لتصميم مسار جديد يخفف التوترات بيننا وبين الوكالة وأطراف أخرى. نأمل أن تسهم المفاوضات الأخيرة في تخفيف التوترات وأن نتمكن من استئناف المفاوضات وإيجاد حل منطقي للمشكلات قبل أن تتفاقم الأوضاع”.
وعند سؤاله عن الاتفاقية المبرمة في فبراير/شباط 2023 وما إذا كانت لا تزال الأساس أم أن هناك اتفاقيات جديدة، أجاب عراقجي: “إن أساس تعاوننا مع الوكالة يعتمد على اتفاقيات التفاهم التي جرى التوصل إليها خلال هذه الزيارة، مع مراعاة الاتفاقيات السابقة، لكن المسار الرئيسي للتعاون سيتم تحديده من قبل الوكالة الدولية للطاقة الذرية ومنظمة الطاقة الذرية الإيرانية، وسيتم الاتفاق على الخطوات الفنية هناك، كما اتفقنا سياسيا على بدء مسار جديد”.
وفي ما يتعلق بآفاق المفاوضات حول رفع العقوبات، خاصة في ظل الظروف الإقليمية والدولية وانتخابات الرئاسة الأمريكية وفوز ترامب، قال وزير الخارجية الإيراني: “لا يوجد حل منطقي سوى طريق المفاوضات لحل المشاكل، لقد جربت حلول الضغط، ويمكنهم تجربة ذلك مرة أخرى، لكنها لن تسفر عن نتائج إيجابية، إن ذلك المسار لم يساعد في حل المشكلة، بل زاد الأمور تعقيدا وأثار مخاوف أكبر لمن تبنوه”.
واختتم حديثه بالتشديد على أن المواجهة لا تفيد أي طرف، قائلا: “يجب اتخاذ مسار التعاون، ونحن مستعدون للتعاون، ونأمل أن يتخذ الأطراف المقابلون سياسة عقلانية”.
اللقاء مع مدير منظمة الطاقة الذرية الإيرانية:
بعدها التقى غروسي مع محمد إسلامي، مدير منظمة الطاقة الذرية الإيرانية؛ وذلك لإجراء جولة مباحثات تخص فنيات الملف النووي الإيراني، وعقب انتهاء المباحثات، عقد غروسي وإسلامي لقاء صحفيا مع وسائل الإعلام؛ للوقوف على آخر مستجدات التفاوض بين الوكالة وإيران، وذلك وفقا لتقرير وكالة أنباء تسنيم الصادر بتاريخ 14 نوفمبر/تشرين الثاني.
ووفقا للتقرير، ففي مستهل المؤتمر، قال إسلامي: “إن التعاون بين إيران والوكالة الدولية للطاقة الذرية قائم ومستمر، في إطار الضمانات واتفاقية عدم انتشار الأسلحة النووية (NPT)، وسنقوم بتنفيذ هذا الالتزام بعناية خاصة. لقد كانت اللقاءات دائما بناءة ومثمرة، وشهدنا مفاوضات بناءة خلال هذه الزيارة”.
وأضاف إسلامي: “يكتسب لقاؤنا اليوم أهمية خاصة؛ في ظل الجرائم والعدوان المتزايد من قبل النظام الصهيوني، المدعوم من قوى الاستكبار. كما أن السلوك الإعلامي الداعم لإسرائيل يسيء إلى سمعة وموثوقية المنظمات الدولية، التي ينبغي أن تلعب دورها في مواجهة هذا الوضع. لدينا تفاهم على أن الجماعات المتطرفة تحاول إصدار قرارات ضد المصالح والبرنامج السلمي الإيراني، بهدف التأثير على علاقات إيران مع الوكالة”، وأكد أنه “في حال صدور أي قرار تدخلي في ما يخص الشأن النووي الإيراني، فسنردّ فورا، ولن نسمح للآخرين بالضغط علينا بهذه الطريقة. إصدار مثل هذه القرارات يمنح إيران حق الرد بشكل مباشر”.
وأشار إسلامي إلى أن إيران بدأت برنامجا شاملا للتطوير الصناعي النووي منذ عامين، ويهدف هذا البرنامج إلى خدمة الشعب الإيراني، خاصة في مجالات الصحة والأمن الغذائي، حيث أصبحت هذه الصناعات خدمة صناعية متكاملة يستفيد منها المواطنون. وأوضح أن الوكالة بإمكانها أن توجه اهتمامها نحو هذه المجالات أيضا.
بشأن الأسئلة حول تولي ترامب للسلطة وتأثيره على المفاوضات النووية، قال إسلامي: “إذا ما استُخدم مسار التدخل للتأثير على البرنامج النووي الإيراني، فسوف نرد بشكل فوري. لقد سلكت إيران دوما طريق التعاون بحسن نية، وقد أوفت بجميع التزاماتها لمدة عام ونصف العام بعد توقيع الاتفاق النووي، إلا أن الطرف الآخر انسحب من الاتفاق وفرض عقوبات شديدة، الأمر الذي لا لبس فيه بالنسبة لإيران. إذا استمر التعاون فنحن مستعدون، وإذا سلك الآخرون مسارا مختلفا، فسنسلك نحن طريقا يحقق مصالحنا”.
وفي ما يتعلق بالتعاون مع الدول الأخرى، أشار إسلامي إلى أن “ما يميز إيران عن غيرها هو خضوعها المستمر للعقوبات، ولكن رغم هذا، تمكنت إيران من الوصول إلى هذا المستوى من القدرة بفضل البحث المحلي، ولكن الأعداء لا يقبلون بهذا الإنجاز الذاتي، لذا يحاولون تشويه صورة إيران. ولمواجهة ذلك، شهدت إيران ضغوطا من الوكالة وعمليات اغتيال للعلماء وأعمال تخريب على مدى الأعوام العشرين الماضية. ومع ذلك، تمكنت إيران من الوصول إلى هذه المكانة بمشيئة الله. اليوم، هذا الإنجاز بات واضحا للجميع وللوكالة، حيث إن إيران تمتلك التكنولوجيا والمعرفة، وإن أنشطتها تجري تحت إشراف الوكالة”.
من جانبه، صرح غروسي: “يسعدني العودة إلى طهران واستئناف المفاوضات، إن رحلتي تلك مهمة وتأتي في ظروف معقدة، فنحن ندرك الأوضاع الجادة في المنطقة، وقبلت هذه المهمة بإحساس كامل بالمسؤولية؛ لضمان نجاح الزيارة. إن الوكالة وإيران تعملان منذ مدة طويلة، على إجراء محادثات جيدة ومتواصلة، وقد حان الوقت للوصول إلى نتائج ملموسة تظهر أن جهودنا ستؤتي ثمارها”.
وأضاف غروسي حول زيارته السابقة لأصفهان: “لقد تعرفت على خطوات هامة تتخذها إيران في التقدم النووي لصالح شعبها، وقد يكون لهذا مردود إيجابي على المنطقة. من المهم تأكيد الإمكانيات التي توفرها إيران لشعبها وللعالم”.
وعن الالتزامات الإيرانية، أشار غروسي إلى أنه “في عمليات التحقق، من المهم أن تكون المواد النووية متاحة، وأن تكون الأمور واضحة. هذا ليس مقتصرا على إيران، بل ينطبق على جميع الدول. يجب أن تتاح للوكالة الفرصة للقيام بعمليات التحقق، خصوصا أن إيران تسعى للوصول إلى اتفاق مستدام في المستقبل”.
وفي ما يتعلق بالتهديدات الإسرائيلية بمهاجمة المنشآت النووية الإيرانية، أكد غروسي أن “الهجوم على المنشآت النووية أمر لا يمكن تحمله، وله آثار بيئية كبيرة. وقد سبق أن أعلن أعضاء الوكالة موقفهم بوضوح. أنا لست سياسيا، وواجبي هو الحيلولة دون وقوع مثل هذا الهجوم”، مشيرا إلى أن المحادثات مع إيران لطالما كانت مهنية، وقال: “إن إيران تتمتع بحقها في إنهاء تعيين المفتشين، لكنني أعتقد أن ذلك ليس في صالح عملنا، وآمل أن نجد حلا قريبا”.
وبخصوص عمليات التفتيش المشددة، قال غروسي: “عندما تنضم دولة إلى الوكالة الدولية وتعمل على نشاطات نووية مهمة، يجب أن تخضع للتفتيش لضمان الأمان، وهذا جزء من معاهدة حظر الانتشار. الهدف ليس تقديم امتيازات، بل تحقيق الشفافية اللازمة”.
اللقاء مع الرئيس بزشكيان:
عقبها التقى غروسي مع الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، وتحدث الأخير عن الأنشطة النووية السلمية لإيران، مؤكدا موقف إيران الثابت بشأن حظر تصنيع الأسلحة النووية، حيث صرح: “كما أعلنا مرارا وتكرارا، وبناء على الفتوى الصريحة لقائد الثورة، لم نسعَ ولن نسعى مطلقا إلى تصنيع أسلحة نووية، ولن يُسمح لأي شخص بأن يتجاوز هذه السياسة”، وذلك وفقا لتقرير صحيفة همشهري أونلاين الصادر بتاريخ 14 نوفمبر/تشرين الثاني.
ووفقا للتقرير، فقد أضاف بزشكيان: “إن ما تسعى إليه إيران في مجال التكنولوجيا النووية هو ضمن الإطار القانوني ورخص الوكالة الدولية للطاقة الذرية وحقوقها الممنوحة لدول أخرى، وبناء على هذا، وكما أثبتنا حسن نيتنا سابقا بشكل متكرر، نعلن استعدادنا للتعاون والتفاهم مع الهيئة الدولية لرفع الشكوك والادعاءات بشأن أنشطتنا النووية السلمية، رغم أن العالم اليوم قد أدرك أن إيران تسعى إلى السلام والأمن”.
وخلال حديثه أشار بزشكيان إلى الاتفاق النووي وخروج الولايات المتحدة وأوروبا منه، وقال: “وفقا لتقارير الوكالة الدولية للطاقة الذرية، نفذنا جميع التزاماتنا في هذا الاتفاق، لكن الولايات المتحدة هي التي انسحبت بشكل أحادي، مما جعل استمرار هذا المسار غير ممكن”.
من جهته، صرح غروسي خلال هذا الاجتماع، قائلا: “إننا نثمن توجه الدكتور بزشكيان السلمي وحرصه على الوحدة، كما نشكر جهود مسؤولي منظمة الطاقة الذرية ووزارة الخارجية الإيرانية في تعاونهم المتواصل مع الوكالة”. وخلال حديثه أشاد غروسي بالعلاقات الجيدة والتعاون بين إيران والوكالة، معربا عن إيمانه بأن فترة رئاسة الدكتور بزشكيان ستفتح فصلا جديدا من العلاقات الطيبة والإيجابية بين إيران والوكالة، كما أكد أن التعاون والتفاعل الجيد بين إيران والوكالة سيقضيان بالتأكيد على التحركات السلبية ضد أنشطة إيران النووية.
واليوم الجمعة زار غروسي المنشآت النووية في فردو ونطنز؛ للوقوف على آخر مستجدات العمل بتلك المنشآت، وذلك وفقا لتقرير وكالة آنا الإخبارية بتاريخ 14 نوفمبر/تشرين الثاني.