كتب: محمد بركات
عاصفة من التصريحات وردود الفعل في الداخل الإيراني أثارتها التصريحات الأخيرة التي ألقاها الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، الثلاثاء 4 فبراير/شباط 2025، بخصوص إيران وملفها النووي وعودة سياسة الضغط الأقصى عليها. ردود فعل جاءت متباينة بين الإيجابي والذي يرى أن ترامب قد تغيرت رؤيته في ما يخص إيران، وآخر سلبي يقول بلزوم عدم خوض المفاوضات.
ردود فعل المسؤولين
فردّا على تصريحات دونالد ترامب، رئيس الولايات المتحدة، صرح الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، الأربعاء 5 فبراير/شباط 2025، قائلا: “لقد ظنوا أن كل شيء لدينا يعتمد على النفط ويريدون منع ذلك، لكن لدينا ولشعبنا العديد من الطرق لحل مشاكلنا ومشاكل الشعب، وخلق مسار يسمح لنا ولجيراننا المسلمين أن نعيش بكرامة. إذا تقدمنا برؤية بعيدة، سنحل المشاكل العام المقبل بمساعدة الجميع وبحكمة قائد الثورة”، مضيفا: “إن الولايات المتحدة تقول إنها ستفرض عقوبات، لكننا يجب أن ندير مواردنا بشكل صحيح ونعمل مع جيراننا ونتفاعل معهم. هل يمكن فرض عقوبات بسهولة على دولة لديها 15 صديقا وجارا؟”.
ومن جانبه، قال محمد رضا عارف، النائب الأول لرئيس الجمهورية، على هامش اجتماع مجلس الوزراء، الأربعاء 5 فبراير/شباط 2025 تعليقا على تصريح ترامب بشأن لقاء بزشكيان: “لا يمكن القول إن لقاء شخصين مستحيل، ولكن مقابلة الرئيس ترامب والتفاوض معه ليستا على جدول أعمال الرئيس الإيراني”.
وأضاف عارف: “إن استراتيجية إيران في جميع القطاعات، خاصةً القطاعات الدفاعية، كانت استراتيجية واضحة، ويمكن القول إن هذه الاستراتيجيات مستقرة ودائمة. لدينا فتوى بشأن الأسلحة النووية، والفتوى هي الكلمة الأخيرة للمسلمين وخاصة الشيعة، التي تحظر استخدام الأنشطة النووية غير السلمية. استراتيجيتنا في هذا الصدد واضحة ورئيس الولايات المتحدة يمكنه أن يطمئن لأن لدينا فتوى في هذا الشأن وليس لدينا خلاف في هذه الاستراتيجية”.
وبهذا الشأن، فقد صرح عباس عراقجي، وزير الخارجية الإيراني، الأربعاء 5 فبراير/شباط 2025، قائلا: “إن الضغط الأقصى هو تجربة فاشلة، وإعادة تجربتها ستؤدي إلى فشل آخر، فإذا كان الهدف الرئيسي هو منع إيران من السعي للحصول على أسلحة نووية، فهذا يمكن تحقيقه وليس صعبا، فمواقف إيران واضحة وهي عضو في معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية (NPT)، ولدينا فتوى من المرشد الأعلى التي حددت المهمة لنا”.
كذلك، فقد قال محمد إسلامي، رئيس منظمة الطاقة الذرية، خلال تصريحات في اليوم نفسه: “لقد قال ترامب إن إيران لا يجب أن تمتلك أسلحة نووية، وأنا أرد بأن إيران لم تكن ولن تكون لديها نية للوصول إلى أسلحة نووية. نهجنا واضح، برنامج إيران للطاقة السلمية ضمن إطار معاهدة عدم الانتشار”.
كما ذكر محسن باك نجاد، وزير النفط الإيراني، سياسة الضغط الأقصى خلال تصريحات له وقال: “في أي ظرف، نحن مستعدون لاتخاذ إجراءات مناسبة لتحقيق أهدافنا، فإذا استمرت العقوبات والقيود، سيتم اتخاذ استراتيجيات مناسبة”، مؤكدا: “إذا تم رفع العقوبات، فسيتم اتخاذ استراتيجيات وفقا للظروف الجديدة. نحن مستعدون لأي ظرف، لقد تم اتخاذ إجراءات للضغط الأقصى وبالتأكيد لن نجلس مكتوفي الأيدي. الضغط الأقصى نظرية فاشلة. إذا أرادوا اختبارها مرة أخرى، فسيخفقون مرة أخرى”.
ومن جانبها، فقد صرحت فاطمة مهاجراني، المتحدثة باسم الحكومة، في تصريحات لها في فناء مبنى الحكومة، الأربعاء 5 فبراير/شباط 2025، وقالت: “إن سياستنا الخارجية كانت دائما قائمة على مجموعة من المبادئ الثابتة، وهي كرامة البلاد والشعب، والحكمة، والنظر إلى ما وراء القضايا، والمصلحة، وباتباع هذه المبادئ الثلاثة، يتم متابعة جميع قضايا البلاد، حتى تلك التي تربطنا مع الولايات المتحدة”.
كذلك، فقد تحدث محمد جواد ظريف، نائب رئيس الجمهورية الإيراني للشؤون الاستراتيجية، عن نموذج المفاوضات المحتملة في المستقبل وقال: “لا توجد مفاوضات بعد، المهم هو أن نرى كيف يمكن المضي قدما وما هي السبل المتاحة للتقدم. بالتأكيد، إذا كان على إيران أن تظهر أنها لا تسعى للحصول على أسلحة نووية، فهذا تحصيل حاصل، وعلى الولايات المتحدة أن تظهر كيف تريد إزالة العقبات التي وضعتها أمام الشعب الإيراني”.
ردود فعل الخبراء
أما عن ردود الفعل على مستوى الخبراء، فقد صرح حمید أبو طالبي، مساعد الشؤون السياسية في مكتب روحاني والدبلوماسي السابق، الخميس 6 فبراير/شباط، موضحا مسألة التفاوض مع أمريكا، قال: “إن العقلانية السياسية تقتضي أن تقوم إيران بالإعلان عن استعدادها للتفاوض الشامل من خلال الاتصال الهاتفي بين بزشكيان وترامب، لتوفير تفاهم أولي يساهم في منع تصعيد التوترات والقضاء على المخاطر المستقبلية، وإذا استمر عراقجي في التصعيد ضد التفاوض، فسيُسجل اسمه بجانب اسم جليلي في التاريخ كعاملين في وضع إيران تحت الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة”.
كذلك، فقد صرح علي مطهري، النائب السابق لرئيس البرلمان، بهذا الشأن قائلا: “إن القرائن والإشارات تشير إلى أن الحكومة الأمريكية الجديدة ترغب في التفاوض مع إيران والتوصل إلى اتفاق جديد، ويبدو أن قرار الحكومة الحالية هو وضع التفاوض مع إيران في أولوياتها إذا أمكن. يمكن ملاحظة هذا التغيير من خلال التعيينات الأخيرة في الحكومة الأمريكية. فقد كان الرئيس ترامب في فترته الرئاسية قد عيّن أشخاصا مثل مايك بومبيو (وزير الخارجية)، وجون بولتون (مستشار الأمن القومي)، ورايان هوك (مسؤول ملف إيران) الذين كانوا جميعا أصحاب مواقف متشددة ومعادية لإيران وكانوا يدعمون حتى الحرب مع إيران، ولكن الحكومة الجديدة استبدلت هؤلاء الأشخاص بتعيين أفراد أكثر اعتدالا”.
أيضا فقد قيم صادق زيبا كلام، أستاذ العلوم السياسية في جامعة طهران، تصريحات ترامب وتغير مواقفه في ولايته الثانية مقارنة بفترته الأولى خلال تصريحات له الخميس 6 فبراير/شباط، حيث أكد أنه لم يحدث تغيير جذري في الموقف الأمريكي، وترامب ما زال ينتمي للجناح اليميني المتشدد في الحزب الجمهوري وقريب من التيار المتشدد في إسرائيل، كما كان الحال سابقا. وأضاف زيبا كلام أن إيران كانت ترفض التفاوض مع ترامب في الماضي، لكن الوضع الآن قد يختلف، وإذا استمرت إيران في رفض التفاوض، فقد يتبع ترامب ردود فعل أكثر حدة.
وأشار إلى أن ترامب قد لا يلجأ إلى الهجوم العسكري ضد إيران مباشرة، ولكنه قد يوسع هامش تحرك إسرائيل، ففي عهد أوباما وبايدن، تم منع إسرائيل من اتخاذ إجراءات عسكرية ضد المنشآت النووية الإيرانية، لكن إذا استمرت إيران في سياسة العداء مع أمريكا، قد يسمح ترامب لإسرائيل بالتحرك ضد إيران.
وفي ما يتعلق بالمفاوضات، شدد زيبا كلام على أن عدم التفاوض مع أمريكا لا يعتبر فخرا، بل يجب التركيز على تحقيق مصالح إيران الوطنية من خلال التفاوض. وأكد أنه رغم اعتراضات المتشددين، يجب أن تكون المفاوضات مع أمريكا جزءا من استراتيجية إيران لحماية مصالحها، كما حدث في الاتفاق النووي، حيث تم التوصل إلى مكاسب رغم التنازلات.
ردود فعل الصحف الإيرانية
رد ترامب الوقح على الإصلاحيين
وفي معرض حديثه عن قرارات ترامب الأخيرة، ذكرت صحيفة كيهان الأصولية في عددها الخميس 6 فبراير/شباط، أنه “بعد إرسال إشارات متعددة من قبل الغربيين الداخليين ورافعي شعار الإصلاح في الحكومة الحالية، أصدر ترامب مذكرة تنفيذية تتضمن تعليمات جديدة لزيادة الضغط على الاقتصاد الإيراني، وذلك استمرارا لسياسته السابقة المتمثلة في الضغط الأقصى. كانت صحيفة كيهان قد حذّرت مرارا خلال الأشهر الخمسة الماضية من خطر إرسال إشارات إيجابية في ظل غياب أي ردود بنّاءة من الغرب، داعية صناع القرار في الحكومة إلى تجنب تكرار أخطاء الاتفاق النووي التي أضعفت موقف البلاد بشكل يرتقي إلى مستوى الخيانة”.
ويكمل التقرير: “إن تحليل مذكرة الأمن القومي لترامب إلى جانب تصريحاته خلال لقائه بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلي، يُظهر أن الجهات الداخلية المتحالفة مع الغرب، والتي دأبت على إرسال إشارات ضعف للخصم، تتسبب في إضعاف الأمن والمصالح الوطنية، وعلى رأس هؤلاء محمد جواد ظريف، الذي لا يملك حاليا أي منصب رسمي في السياسة الخارجية، لكنه رغم ذلك أطلق تصريحات مثيرة للجدل في اجتماعات مثل منتدى دافوس في 20 يناير/كانون الثاني 2025، مما أضرّ بمسار الدبلوماسية الإيرانية، إن محاولات بعض الشخصيات ووسائل الإعلام المرتبطة بالإصلاحيين لتبرئة ترامب قوبلت برد فعل قاس منه، حيث لم يبدِ أي بادرة إيجابية تجاه إيران”.
ويضيف: “لقد فشل الإصلاحيون، الذي فشلوا مسبقا أيضا، في تحقيق أي إنجاز سواء في مفاوضات سعد آباد أو بروكسل أو حتى الاتفاق النووي، وعادوا مجددا لتقديم خيار التفاوض، رغم أن تجربتهم السابقة في هذا المجال أثبتت عدم جدواه، ناهيك عن أداء الحكومة الاقتصادي خلال الأشهر الماضية، حيث شهدت البلاد ارتفاعا غير مسبوق في أسعار الذهب والدولار في غضون خمسة أشهر، وقد ساهم استمرار وجود شخصيات من حكومة روحاني السابقة، التي لم تقدم سجلا جيدا، في تفاقم الأوضاع”.
ويختتم: “إن المذكرة التي أصدرها ترامب أوضحت سياسته الفعلية تجاه إيران في فترة رئاسته الجديدة، وكما حذرت صحيفة كيهان سابقا، فإن الإصرار على التفاوض في ظل استمرار العدو في ممارسة الضغوط لن يسفر عن أي نتائج إيجابية، بل سيضعف موقف إيران عندما يكون التفاوض ضروريًا في المستقبل. إن السياسة التفاوضية التي اعتمدت في الاتفاق النووي، والتي أسفرت عن تخفيض صادرات النفط الإيرانية إلى أدنى مستوياتها، تركت الاقتصاد في حالة سيئة جدا، وتكرار نفس النهج سيكون بمثابة فخ خطير للحكومة الحالية ورئيسها”.
دبلوماسية ترامب الخاصة
وقد ألقت صحيفة جوان، المقربة من الحرس الثوري الإيراني، الضوء على سياسة ترامب الحالية مع إيران، حيث ذكرت في عددها الخميس 6 نوفمبر/شباط 2025، أنه “في ولايته الثانية، يعمل دونالد ترامب على وضع معيار جديد في السياسة الخارجية الأمريكية، والذي يصعب وصفه بالمصطلحات التقليدية. فقد وقع ترامب أمرا تنفيذيا بفرض ضغط أقصى لتصفير صادرات النفط الإيرانية، مهددا بمحو إيران في حال اغتياله، لكنه أشار في الوقت نفسه إلى أن العديد من دول المنطقة، بما في ذلك إيران، تسعى للسلام، وبعد ساعات، التقى مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، حيث نفى ترامب الرواية الإسرائيلية بأن إيران ضعفت”، مؤكدا أنها لا تزال قوية، وأن مشكلته الوحيدة مع إيران هي منعها من امتلاك سلاح نووي.
وتكمل: “كان ترامب قد حدد موقف السياسة الأمريكية تجاه إيران في مناسبتين، الأولى أثناء توقيع مذكرة تنفيذية لفرض أقصى الضغوط على إيران، والثانية خلال لقائه مع نتنياهو، فقد أوضح أن المذكرة تهدف إلى منع إيران من امتلاك سلاح نووي وتقليل صادراتها النفطية، لكنه أبدى ترددا في توقيعها، مؤكدا أنه يفضل عدم استخدامها إذا أمكن التوصل إلى اتفاق مع إيران، كما أكد في لقائه مع نتنياهو أن الولايات المتحدة ستستمر في فرض أقوى العقوبات على إيران وتصفير صادراتها النفطية، مع تقليص قدرتها على تمويل الإرهاب”.
وتضيف: “إن طريقة تعامل ترامب مع الملف الإيراني، حيث وقع مذكرة الضغط الأقصى على مضض وأبدى استعداده للحوار، تعكس نهج العصا والجزرة، فبعد لقائه مع نتنياهو، كتب في منشور على منصة تروث سوشيال أن التقارير حول نية الولايات المتحدة وإسرائيل مهاجمة المنشآت النووية الإيرانية مبالغ فيها، مؤكدا: “أريد لإيران أن تكون دولة عظيمة وناجحة، لكن لا يمكنها امتلاك سلاح نووي”، ومضيفا: “إن التقارير التي تدعي أن الولايات المتحدة وإسرائيل تخططان لتدمير إيران مبالغ فيها، أفضل التوصل إلى اتفاق شامل للسلام النووي، يسمح لإيران بالنمو في سلام. يجب أن نبدأ العمل فورا، وعندما نوقع الاتفاق، سنقيم احتفالا كبيرا في الشرق الأوسط”.
ما أفسدته السياسة يصلحه الاقتصاد
هذا وقد نقلت صحيفة سازندجي في عددها الخميس 6 فبراير/شباط 2025، تصريحات حسين مرعشي، الأمين العام لحزب كوادر البناء الإيراني، حول تصريحات ترامب الأخيرة، حيث قال إن ما ذكره ترامب حول ضرورة منع إيران من الحصول على السلاح النووي هو موقف كانت إيران قد أكدته مسبقا بناءً على فتوى المرشد الأعلى التي تحرم امتلاك القنبلة النووية، مضيفا أن ترامب استخدم هذا الموضوع في محادثاته مع نتنياهو، مما يبرز تحولا في نظرته تجاه إيران، التي لم تعد سلبية، بل إيجابية”.
ويكمل التقرير: “كذلك فقد أشار مرعشي إلى أن الخط الأحمر بالنسبة لإيران يتعلق بالصواريخ، حيث إن إيران لم تكن تطور صواريخ تفوق مداه 1800 كم، كما شدد مرعشي على دعم إيران للمجموعات المقاومة، مؤكدا أن دعم إيران للمقاومة لا يجب أن يُساء فهمه، بل يجب أن يتم تسليط الضوء على الدعم الأمريكي الكبير لإسرائيل، طارحا فكرة أن إيران بحاجة لموازنة الدعم الأمريكي لإسرائيل من خلال تعزيز الحق الفلسطيني”.
ويضيف: “وفي ما يخص العلاقات الإيرانية الأمريكية، أشار مرعشي إلى أن إيران يمكنها تحسين التعاون الاقتصادي مع الولايات المتحدة في مجالات التقنية والموارد، دون الدخول في مفاوضات سياسية مباشرة”. وذكر أن “الشعب الإيراني يتابع بعناية العلاقات بين إيران والغرب، خاصةً المواقف الأمريكية تجاه إيران، والتي تؤثر على استقرار المنطقة، واما فيما يخص القضية الفلسطينية، فقد أشار مرعشي إلى أن خطة ترامب الخاصة بنقل الفلسطينيين من غزة قوبلت بمعارضة كبيرة من دول عربية وفلسطينية، وأن الحل الوحيد يجب أن يكون من خلال الاعتراف بحقوق الشعب الفلسطيني”.