كتب- محمد علي
أدى ارتفاع درجات الحرارة، وانخفاض معدلات الهطول الجوي، وانتشار الجفاف في السنوات الأخيرة إلى زيادة حدوث ظاهرة الغبار في مدينة طهران، وهي ظاهرة باتت منتشرة في العديد من مدن البلاد، خاصة في النواحي الجنوبية.
وبحسب تقرير أعدته وكالة إيرنا الإخبارية يوم الأربعاء 21 أغسطس/آب 2024، فإن الموقع الجغرافي لمدينة طهران ووقوعها بين الجبال الشمالية والشرقية أدى إلى تلوث هواء طهران لسنوات طويلة. ولكن في هذه الأيام، ازدادت شدة التلوث لهذه المدينة الكبرى نتيجة ارتفاع ظاهرة الغبار وتلوث الأوزون لدرجة أن إجراءات كغلق المصالح والمحال لعدة أيام بالعاصمة لم تساعد على خفض نسبة التلوث.
أظهرت الدراسات المختلفة أن الغبار يُعتبر من العوامل التي تشكل خطورة على صحة الإنسان، إذ يسبب هذا التلوث الناتج عن الغبار مشكلات مثل أمراض القلب، ومشاكل التنفس، وعدم انتظام ضربات القلب، والحساسية الجلدية، وغيرها. فاستنشاق كميات كبيرة من الغبار يسبب العطس والسعال المستمرين على المدى الطويل، حيث إن الدراسات تشير إلى أن التعرض المستمر لحبيبات الغبار الدقيقة يعد عاملاً هاماً في الإصابة بسرطان الرئة وأمراض القلب.
وفي ظل هذه الظروف، يظهر أن هناك حاجة ماسة للتفكير في حلول للحد من تلوث هواء العاصمة الناجم عن ظاهرة الغبار، وحتى ملوثات مثل الأوزون. ويُعد الحصول على معلومات دقيقة وشاملة عن الوضع الحالي شرطاً أساسياً لهذه الحلول. وفي هذا السياق، اتخذت شركة مراقبة جودة الجو في طهران إجراءات تستند إلى الرصد اللحظي للملوثات الجوية.
كيف كانت حالة هواء العاصمة في أواخر يوليو وأغسطس؟
أدى تكرار ظاهرة الغبار في العديد من أيام شهري يوليو وأغسطس لهذا العام خلال ساعات الليل المتأخرة والساعات الأولى من الصباح الباكر في العاصمة إلى تدهور جودة الجو وارتفاع مفاجئ في جزيئات PM10 وPM2.5، خاصة في المناطق الجنوبية من المدينة، من جهة أخرى، تزامنت هذه الظاهرة مع موجة حر غير مسبوقة أدت إلى زيادة التفاعلات الكيميائية الضوئية في الجو، مما أسهم في زيادة إنتاج ملوثات مثل الأوزون (O3) والجزيئات الثانوية خلال ساعات منتصف اليوم.
فهذا الوضع الذي شهده ثاني أشهر الصيف جعل الجسيمات العالقة خلال الليل وملوث الأوزون الحاد تعرض صحة المواطنين لمخاطر أكبر خلال ساعات النهار.
إحصائيات تقارن بين جودة الجو في أواخر يوليو وأغسطس ونفس الفترة من الأعوام السابقة.
وفقاً لإحصائيات شركة مراقبة جودة الجو بطهران، فقد كان مؤشر جودة الجو في أواخر يوليو وأغسطس (حتى 20 أغسطس) يشمل أربعة أيام بجودة هواء معتدلة، و25 يوماً بجودة غير صحية للفئات الحساسة من المواطنين، ويومًا واحدًا بجودة غير صحية لكل أفراد المجتمع.
العام | جودة الجو | مارس/إبريل | إبريل/مايو | مايو/ يونيو | يونيو/يوليو | يوليو(حتى يوم 20) | المجموع |
من 21 مارس 2023 وحتى 20 مارس 2024 | جيد | 6 | 2 | 0 | 0 | 0 | 8 |
معتدل | 24 | 27 | 25 | 12 | 19 | 107 | |
غير صحي للمجموعات الحساسة | 1 | 2 | 6 | 18 | 8 | 35 | |
غير صحي | 0 | 0 | 0 | 1 | 3 | 4 | |
غير صحي للغاية | 0 | 0 | 0 | 0 | 0 | 0 | |
خطير | 0 | 0 | 0 | 0 | 0 | 0 | |
من 21 مارس 2024 وحتى 20 يوليو من نفس العام | جيد | 5 | 0 | 0 | 0 | 0 | 5 |
معتدل | 26 | 31 | 20 | 4 | 4 | 98 | |
غير صحي للمجموعات الحساسة | 0 | 0 | 10 | 14 | 25 | 49 | |
غير صحي | 0 | 0 | 1 | 0 | 1 | 2 | |
غير صحي للغاية | 0 | 0 | 0 | 0 | 0 | 0 | |
خطير | 0 | 0 | 0 | 0 | 0 | 0 |
فملوثات PM2.5، وPM10، وO3 قد تجاوزت حدود الأمان في 25، و10، و13 يوماً على التوالي خلال هذه الفترة، وفي بعض الأيام كانت نوعين أو أكثر من هذه الملوثات ضمن النطاق غير الآمن. هذا التراكم والتأثير المشترك لهذه الملوثات يزيد من تأثيراتها السلبية على الصحة.
الجدير بالذكر أنه في شهري يونيو ويوليو كانت جودة الجو من حيث الجسيمات العالقة أفضل بكثير مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، وكان إجمالي عدد الأيام التي تجاوزت حدود الأمان أقل من العام السابق.
وبشكل عام، فإن نسبة التلوث في هذا العام خلال الـ 154 يوماً الماضية (من بداية العام حتى 20 يوليو) قد بلغت 33% من عدد الأيام (تشمل 49 يوماً غير صحية للمجموعات الحساسة ويومين غير صحيين بالنسبة لكل أفراد المجتمع) بنسبة أكبر من نفس الفترة في العام الماضي، والتي بلغت فيها نسبة الأيام 25% (تشمل 35 يوماً غير صحية للمجموعات الحساسة و4 أيام غير صحية لجميع أفراد المجتمع)، مع الأخذ بعين الاعتبار أن عدد الأيام غير الصحية لجميع أفراد المجتمع هذا العام أقل من نظيره في العام الماضي.
ففي الأشهر الأربعة الأولى من العام، كان عدد الأيام شديدة التلوث في شهر يونيو (في الغالب بسبب ملوث الأوزون) فقط أعلى من العام 2023، وكانت جودة الجو في شهور مارس، وأبريل، ومايو من هذا العام أفضل من الفترة المماثلة لها في العام الماضي. ومع ذلك، تغير الوضع تماماً في شهر يوليو، حيث ارتفع عدد الأيام الملوثة في هذا الشهر إلى 26 يوماً مقابل 11 يوماً في العام الماضي، مما يمثل زيادة كبيرة.
يُظهر الرسم البياني أدناه مثالًا على حدوث ظاهرة الغبار في ثلاث فترات متتالية خلال شهر يوليو من هذا العام. في هذه الفترة، حدثت ثلاث زيادات ملحوظة ومؤقتة في ملوثي PM10 وPM2.5، حيث كانت كل زيادة في تركيز الجسيمات العالقة مصحوبة بانخفاض في مدى الرؤية وزيادة مفاجئة في سرعة الرياح خلال أواخر الليل وبداية النهار.
تم التحقق من بيانات تركيز PM10 من متوسط التركيز في المحطات المتأثرة بهذا الحدث، والتي تقع جميعها في الأجزاء الجنوبية، الجنوبية الغربية، والمركزية من مدينة طهران. تحت تأثير الظروف السائدة، حدث انبعاث للغبار من مصادر داخلية في البلاد وحول المدينة، خاصة في الأجزاء الجنوبية، حيث كان تأثير هذه الزيادة في الغبار أقل تأثرًا بالمصادر الخارجية. خلال فترة حدوث هذه الظاهرة في الفترة موضع الدراسة، تم تسجيل اتجاه الرياح السائد في برج الأرصاد الجوية في مهرآباد كجنوب غربي – غربي.
رسم بياني: حدوث ظاهرة الغبار على مدار ثلاثة أيام متتالية في الساعات الأخيرة من الليل والساعات الأولى من الصباح الباكر (من 27 إلى 30 يوليو) (الصورة من موقع إيرنا)
خريطة جوية: رصد حدوث ظاهرة الغبار والأتربة باستخدام بيانات نمذجة علمية وصورًا للأقمار الصناعية من مناطق في مركز البلاد وجنوب طهران (الصورة من موقع إيرنا)
تحليل أسباب الظروف الجوية الحالية
وعلى الرغم من أن نشاط هذه المصادر خلال الساعات المذكورة قد أدى إلى وصول تلوث الجو في بعض المناطق إلى مستويات غير صحية للغاية، إلا أن هذه العواصف كانت عادةً قصيرة الأمد، إذ تبدأ في الانخفاض بعد حوالي الساعة الرابعة صباحاً. بالطبع، فإن تركيز الجسيمات الكبيرة ينخفض بشكل أسرع، ولكن تأثير الجسيمات الدقيقة PM2.5 الناتجة عن الغبار الليلي يستمر في التأثير على جودة الجو ومدى الرؤية خلال ساعات النهار.
كما أثرت زيادة التفاعلات الكيميائية الضوئية في الجو وإنتاج المزيد من الملوثات الثانوية على جودة هواء مدينة طهران من خلال إنتاج الأوزون كملوث ثانوي وزيادة الجسيمات الثانوية.
ما هو الأوزون؟
الأوزون هو ملوث غازي لا يُطلق مباشرة من مصادر التلوث على سطح الأرض. هذا الغاز عديم اللون والرائحة، ولكن في بعض الحالات، تم وصف رائحته بأنها تشبه رائحة الهواء النقي، ولكن هذه الرائحة عادة لا تكون قوية كفاية لتعتبر علامة واضحة لانتشار الأوزون يمكن أن يدركها عامة الناس.
يتم إنتاج هذا الملوث بشكل أكبر في فصل الصيف، عندما ترتفع درجات الحرارة وتزداد شدة أشعة الشمس. فالغازات المنبعثة من عوادم السيارات أو مصادر التلوث الثابتة الأخرى التي تطلق ملوثات كأكاسيد النيتروجين وثاني أكسيد الكبريت نتيجة احتراق الوقود الأحفوري، تتعرض لتفاعل كيميائي تحت تأثير الحرارة المرتفعة وضوء الشمس، مما يؤدي إلى فقدان ذرة أكسجينها.
ما العوامل التي تؤدي إلى تكوين غاز الأوزون؟
يعد غاز الأوزون ملوثًا ثانويًا في طبقة التروبوسفير من الغلاف الجوي، ولا يتم إنتاجه مباشرة من مصادر مثل عوادم السيارات، بل يتكون من التفاعلات الكيميائية بين أكاسيد النيتروجين والمركبات العضوية المتطايرة في وجود الأشعة فوق البنفسجية (UV) الصادرة من الشمس. يؤدي ارتفاع درجات الحرارة وساعات سطوع الشمس دون وجود غيوم إلى تسريع هذه التفاعلات الكيميائية، مما يزيد من إنتاج غاز الأوزون.
من ناحية أخرى، عندما ترتفع نسبة إنتاج الجسيمات العالقة الأولية في مدينة طهران، فإن زيادة التفاعلات الكيميائية الضوئية نتيجة زيادة ضوء الشمس تؤدي إلى إنتاج المزيد من الجسيمات الثانوية في الغلاف الجوي. هذه الجسيمات، إلى جانب الجسيمات الأولية الناتجة عن المصادر الصناعية، تكون أكثر خطورة بسبب أصولها الناتجة عن الاحتراق، مقارنة بالجسيمات التي تتكون نتيجة نشاط مصادر الغبار الطبيعية.
بالإضافة إلى ذلك، تؤدي زيادة التفاعلات الكيميائية الضوئية إلى تكوين ملوثات أخرى مثل ثاني أكسيد النيتروجين، والمركبات العضوية المتطايرة، وثاني أكسيد الكبريت، مما ينتج عنه تكوين جسيمات ثانوية مثل الكبريتات والنيترات والجسيمات العضوية في الغلاف الجوي، والتي تكون أكثر ضررًا لصحة الإنسان مقارنة بالجسيمات ذات المصدر الطبيعي.