انعقدت يوم الثلاثاء 30 يوليو/ تموز 2024، مراسم حلف اليمين الدستورية لرئيس الجمهورية المنتخب مسعود بزشكيان وينتظر الشعب إزاحة الستار عن حكومته التي من المقرر أنها ستخلق عهدًا مختلفًا للشعب الإيراني، وستكون مستندة إلى كلمات مفتاحية كالتخصص، والجدارة، والتخلص من التوترات، والتفاعل مع العالم، والتحول، والتطوير.
ولكن بقدر ما تحدث الخبراء، والنشطاء السياسيون، وأساتذة الجامعة، وعلماء الاجتماع، عن مطالبهم من التشكيل الوزاري والحكومة المنتخبة لقِي صوت الناس وفئات الشعب الإيراني المختلفة انعكاسًا أقل في المحافل الإعلامية، وذلك وفق تقرير نشرته صحيفة “اعتماد” الإيرانية.
الشعب هو الفاعل الرئيس في مجال الانتخابات وبقية المحافل السياسية، والاجتماعية، والثقافية للأراضي الإيرانية، ومشاركته وتواجده يجعلان عجلة التنمية والتطور تدور. وبأخذ أهمية مطالب الفئات المتوسطة والمحرومة في المجتمع في عين الاعتبار، وكانعكاس لصوت من لا صوت لهم تحاول “اعتماد” من خلال التقارير الميدانية والحوارات مع المواطنين وجهًا لوجه أن تكون على دراية بمطالبهم، وتوقعاتهم واقتراحاتهم على أقل تقدير، وتضعها تحت تصرف رئيس الجمهورية المنتخب وأعضاء الحكومة القادمة.
وما يحدث خلال هذه الأيام التهاني والتعريف بالرئيس المنتخب، وحتى المعارضون والمنتقدون للرئيس بالأمس أصبحوا يعظمونه ويقومون بتعريفه لإظهار أنفسهم وحتى لا يتخلفوا عن القافلة. ولكن “اعتماد” تسعى لتذكير الرئيس بهذه الحقيقة غير القابلة للإنكار، وهي أن عصر الرئاسة على الشعب الإيراني يمر بسرعة البرق، وموسم حصاد الإنجازات سيحل سريعًا. وبناءً عليه يجب اتخاذ استراتيجيات مناسبة منذ البداية واختيار الكفاءات للعمل؛ كي يستطيعوا حل مشكلات الدولة من خلال تصرفات حكيمة.
تم فتح باب الحوارات الودية خلال هذا التقرير مع طوائف الشعب الإيراني في المناطق والمحافظات؛ كي يستطيع الشعب أن يعرض جزءًا من مطالبه على رئيس الجمهورية المنتخب وأعضاء حكومته. ومن هنا تحاورت “اعتماد” مع مواطنين من محافظات طهران، والبرز حتى المواطنين المقيمين في أذربيجان الشرقية، وأذربيجان الغربية، وكرمانشاه، وجيلان، وسيستان وبلوشستان.
خلاصة هذه الحوارات أن بعضها سُجّل خلال رحلة “مراسل اعتماد” برفقة الرئيس في مختلف المحافظات، والبعض الآخر جُمع خلال حوارات ميدانية مع شعب طهران والكرج. تفتح “اعتماد” هذا الملف كي يظل التواصل بين الحكومة وفئات الشعب المختلفة بشكل مستمر في الأعداد القادمة.
المشهد الأول: راكب دراجة بخارية من أجل لقمة العيش في الصيف الحار
شاب في شهر يوليو الحار خلال فصل الصيف وفي الأيام التي يذكر فيها المسؤولون أنه لا يجب الوقوف تحت أشعة الشمس المباشرة من أجل السلامة. ولقد أحرقت الشمس جلده تمامًا، يستقل دراجته البخارية تحت أشعة الشمس الحارقة من أجل لقمة العيش، يسير في جميع أرجاء طهران.
قدّم نفسه بأنه رضا حكيمي يبلغ من العمر ٣٥ عامًا. على هامش أحداث أنظمة الدوائر المغلقة يقدم الخدمات لمكاتب متنوعة. عندما توجهت ناحيته وجدته متعبًا لدرجة أنه لا يقوى على الحديث. لقد جفت شفتاه تحت الشمس ويبدو أنه عطشان للغاية. سألته: لو كان بإمكانك أن تتحدث مع رئيس الجمهورية، ماذا ستطلب منه؟ لمعت عيناه وقال: “المسكن يا أستاذ، كنت سأتحدث معه عن المسكن.” فسألته هل هو مستأجر؟ متزوج أم أعزب؟ فتابع: “أعزب يا أستاذ، كل ما أتحصل عليه أدفعه في إيجار المنزل مضطرًا. لو كنت رأيت رئيس الجمهورية كنت سأطلب منه أن يفكر في وضع الغلاء الذي قسم ظهر الشعب.” سألت رضا عن مطالبه الاجتماعية، والثقافية، فقال: “الحقيقة أني أعلم أن حل المشاكل الاجتماعية والثقافية ليست تحت تصرف الرئيس بشكل تام. والموضوع الذي يجب أن يركز رئيس الجمهورية عليه هو الاقتصاد. هناك حاجة لحل الشؤون الاقتصادية، وإصلاح العلاقات الخارجية للبلاد. بدون علاقات خارجية منظمة لا يمكن حل المشاكل الاقتصادية. مشاكل مثل الحظر، والحجاب وغيرها ليست تحت تصرف الرئيس بشكل تام. يجب أن يتخذ مجلس الأمن القومي القرارات في هذا الصدد. صحيح أن رئيس الجمهورية هو رئيس المجلس الأعلى للأمن القومي لكن القرارات الكبرى لا بد أن تُصوب من قبل المؤسسات الأعلى. وبناءً عليه ليس لدى الرئيس إمكانية حل جميع المشاكل. والشعب يدرك هذه الأمور”. رد الشاب البالغ من العمر ٣٥ عامًا على سؤال” اعتماد” لماذا لا تتزوج؟ قال: “كلما أجمع بعض الأموال كل عام ترتفع الأسعار إلى قيم فلكية، ونتراجع عشر خطوات للخلف. أعيش وحدي، أدبر شؤوني بنفسي، فلماذا أقوم بتعاسة شخص آخر؟ لقد ذهبت لاستئجار وحدة تتراوح بين ٤٠ إلى ٥٠ مترًا في ضواحي طهران، لا تكفي نقودي. فقال لي مستشار العقارات حاول أن تجد شخصين أو ثلاثة لتستأجروا معًا! يريدون ٥٠٠ و٦٠٠ مليون تومان. فمن أين أتحصل عليهم؟ ارتفعت أسعار المنازل المشتركة، إيجار أسطح المنازل، والكراكونات، والمخازن، يا ليت الرئيس يفكر في حال الشباب ومسكنهم. وإن لم يتحسن الوضع، فعلى الأقل لا يسوء أكثر”.
المشهد الثاني
موضوع التوظيف إحدى المطالب الجادة التي يعاني منها المواطنون الإيرانيون. الراوي الأول لهذا المشهد فتاة من كَرج تكبّدت العناء لسنوات للكسب والعمل عبر الإنترنت في مجال الملابس الحريمية، لكن ذهب عملها أدراج الرياح بسبب الحظر.
مِيترا بالغة من العمر ٢٧ عامًا لم تمِل للحوار كثيرًا، فقالت: “ما فائدة أن نتحدث؟ يقوم المسؤولون بعملهم. ولن يختلف الجدد عن القدامى. لم أقم بالتصويت من الأساس كي يكون لديّ مطالب منهم. اتركني”. أردت من ميترا أن تعرض مطالبها على الحكومة. لقد ألقت نظرها بعيدًا وقالت: “لن أسامح الشخص الذي قام بحظر الإنستجرام. كرهته. تُوفي والدي عام ٢٠١٨/٢٠١٧م، لم يكن لديه معاش، ولم يترك لنا ميراثًا، أعيش مع والدتي العجوز. كنت أبحث عن عمل، كان لكل شخص توقعات، كان أحدهم يقول اعملي سكرتيرة، لكن كان لديه متطلبات أخرى، وأحدهم يريد أن أعمل لأجله ١٦ ساعة، من أجل ٣ ملايين تومان! لقد تكبّدت المشقة لأربع سنوات كي أستطيع العمل عبر الإنترنت. كانوا عشرة آلاف متابع جمعتهم بشق الأنفس؛ ثم رويدًا رويدًا ذهب عملي هباءً وحظروا الإنستجرام والتلغرام. جمع العملاء صعب، ويحتاج وقتًا طويلًا، لكن يحدث تشتت للعملاء أسبوعًا وشهرًا”.
عندما وصلت مِيترا إلى هذا الجزء من الحكاية عَبَسَت ومن الواضح أن الذكريات المريرة تؤذيها. ولهذا إمكانية الحوار لم تكن يسيرة.
الراوي الثاني، سيدة متعلمة لم تستطع إيجاد وظيفة مناسبة مع دراستها على الرغم من حصولها على درجة الدكتوراه. أم تعيش برفقة ابنتيها الشابتين في كَرج.
فاطمة البالغة من العمر ٤٠ عامًا أجابت على سؤال لو كان بإمكانها الحديث مع رئيس الجمهورية ماذا ستعرض عليه من مطالب خلال حوارها مع “اعتماد” قائلة: “مسألة التوظيف مهمة للغاية بالنسبة لي، باعتباري حاصلة على تعليم عالٍ في التربية البدنية والعلوم الرياضية، لديّ بعض المخاوف بشأن شروط توظيف أعضاء هيئة التدريس في الجامعات، وحتى اختبارات التعيين والاختيار التي تحدث في التربية والتعليم. طريقة حساب درجة اختبار التوظيف في التربية والتعليم تتم وفقًا لأن ٦٠٪ من الدرجة المكتوبة للدروس التخصصية، و٤٠٪ منها لدروس التخصص العامة. بالإضافة إلى أن الاختبار ينقسم إلى مرحلتين؛ كتابي ومقابلة. تُحسب النتيجة النهائية للمتقدم ٤٠٪ على الكتابة و٦٠٪ على المقابلة. والمثير هنا أن الجزء الأكبر ٦٠٪ يتم تخصيصه للمقابلة التي تتم على دروس عامة واختيار غامض للغاية. أشعر أن هذا النهج يحتاج إلى إعادة نظر وإصلاح”.
وتابعت: “يجب أن تقع بعض الأحداث كي يتغير هذا النهج. أنا معلمة تربية بدنية، مدرسة، أستاذة، أو فنانة في تعليم التربية البدنية، ليس لدي حاجة لهذا الحجم من الدروس. هناك أوضاع غير مناسبة في مجال اختيار الموظفين؛ لأنه يُعطى أهمية لمسائل ليس لها علاقة بأمور التخصص والخبرة. على سبيل المثال، هل يذهب الشخص إلى صلاة الجمعة أم لا؟ كيف يرتدي في حياته الأسرية، أو يتبع أي تيار سياسي وفكري؟ ليس لديه علاقة بمجال تخصص التدريس. سأكون شاكرة إذا عُرضت هذه الأمور على رئيس الجمهورية أو المسؤولين ذوي الصلة”.
المشهد الثالث: حان الوقت لانتهاء العنصرية
تجولنا آلاف الكيلومترات بعيدًا عن كَرج في الأجزاء الجنوبية للبرز نحو محافظة سيستان وبلوشستان ومدينة زاهدان، وتحدثنا مع المواطنين في هذه المنطقة بشأن مطالبهم من رئيس الجمهورية المنتخب. عبد الحكيم سالارزهي أحد سكان هذه المنطقة الذي تحدث مع مراسل اعتماد.
أجاب على سؤال لو كان لديه إمكانية لقاء رئيس الجمهورية وجهًا لوجه، إلى أي الأمور سيشير؟ حيث قال: “مطالبنا مطالب قومية، ومرتبطة بجميع فئات الشعب الإيراني. فعلى سبيل المثال يجب إصلاح السياسة الخارجية حتى تزدهر معيشة الشعب. المشاكل الاقتصادية العديدة تسببت في سرعة هروب النخب والقوة البشرية. نحن في محافظة سيستان وبلوشستان المحرومة نواجه تمييزًا عنصريًا على الدوام. تُعطى المناصب الإدارية في هذه المنطقة إلى غير الأصليين. حتى الآن ليس لدينا محافظ بلوشي. ليس لدينا مدير للتربية والتعليم بلوشي. حتى نيابة المحافظة تُخصص لغير البلوش. وأغلب الموظفين غير بلوش”.
تابع عبد الحكيم حديثه قائلًا: “أطلب من رئيس الجمهورية أن أي قرار يتخذ بشأن مرفأ تشابهار يتم باستشارة المولوية، بحضور الفئات المختلفة، أهل السنة، وغيرهم. مشكلة ومسألة معادن تفتان كذلك مهمة للغاية. بعض القرارات الخاطئة تسببت في ضرر جسيم للمياه الجوفية الواقعة تحت الأرض في هذه المنطقة”. تحدث هذا المواطن البلوشي أيضًا عن ضرورة الصلح القومي وذكر: “رغبتنا هي حدوث صلح بين أهل السنة والشعب البلوشي وفي زاهدان وبين الحكومة الجديدة. مشكلة ٣٠ سبتمبر (جمعة زاهدان الدامية عام ٢٠٢٢م) لا تزال موجودة في فكر الرأي العام لا بد أن تُحلّ. الأسواق الحدودية كذلك لا بد أن تُطور حتى يتمكن الناس من استخدامها. السيدات في هذه المنطقة أيضًا لديهنّ مشاكلهم الخاصة. وبسبب هذه المشاكل لم يستطعن أن يجدن وظائف مناسبة. وبلا شك هناك أيضًا مشاكل ثقافية. لا بد من تأسيس وحدات تعليمية في المدن والقرى لمحو الأمية في هذه المنطقة. لا تسمح العديد من العائلات بسبب المشاكل التقليدية للفتيات بالدراسة أكثر من المرحلة المتوسطة، حلّ هذه الأمور يحتاج إلى بناء ثقافة واستثمار آمل أن تقوم به الحكومة الجديدة”.
المشهد الرابع: رئيس الفقراء، وساكني المدن المتدنية
لدى آخر راوي في هذا التقرير الحكاية الأكثر اختلافًا رجل يحصل على قوت يومه من صناديق القمامة وجمع المخلفات. مواطنون لا تظهر آثار أقدامهم هذه الأيام في المدن الكبرى، ولديهم الكثير من الآلام مع المسؤولين. أقترب من أحد هؤلاء الأفراد وأفتح معه الحوار.
وبعد المقدمة سألته لو أن رئيس الجمهورية يقف بجوارك الآن وكان بإمكانك التحدث معه، ماذا ستطلب منه؟ قال: “لو كان بزشكيان يستمع إلى حديثي، لكنت طلبت منه ألا يسمح للعربات غير الجيدة بالتجول في الشوارع”. وأضاف: “أريد من رئيس الجمهورية أن يحول دون الفساد والرشوة. رئيس الجمهورية ليس رئيس المتعلمين والأثرياء والسَّاكنين في المدن الراقية فقط، رئيس جمهوريتنا نحن المساكين، والمتاعيس، والفقراء”.
حكايات المواطنين الإيرانيين ومطالبهم من رئيس الجمهورية يبدو أنها لا تنتهي. أي من المواطنين الإيرانيين في المناطق المختلفة له حكايات ومطالب مختلفة من رئيس الجمهورية وبهدف التطوير، والتخلص من التوترات، ومواجهة الفقر، وتحسين التواصل مع العالم، وزيادة دخل الفرد الإيراني.