كتب: محمد بركات
تصدر مرة أخرى قانون شغل المناصب الحساسة في إيران المشهد على الساحة السياسية، ولكن تلك المرة لم يكن بسبب الحكومة أو هجوم البرلمانيين، بل كان بسبب التوجيه المباشر من مكتب المرشد لحل الأمر، تلك القضية التي أقلقت الرئيس الإيراني، مسعود بزشكيان ونائبه للشؤون الاستراتيجية محمد جواد ظريف منذ نحو ستة أشهر، خصوصا بعد الاحتجاجات والدعوات البرلمانية والهجوم على رئيس السلطة القضائية لتنحية ظريف بعد تصريحاته في دافوس في 20 يناير/كانون الثاني 2025، وجعلتهم محل انتقادات من التيار الأصولي، اليوم يأمر على خامنئي بسرعة حلها، مما يعطي دفعة أخرى للحكومة وفرصة من ذهب لعدم طرح الموضوع مرة أخرى.
حيث صرح على بابايي كارنامي، رئيس لجنة الشؤون الاجتماعية في البرلمان الإيراني، الثلاثاء 4 فبراير/شباط 2025، بأن كمال خرازي، رئيس المجلس الاستراتيجي للعلاقات الخارجية، قام بتوجيه رسالة إلى قائد الثورة علي خامنئي، طرح فيها بعض المخاوف والعواقب القانونية المتعلقة بالنظرة إلى مفهوم الجنسية القهرية وغير القهرية في القانون.
وأكمل كارنامي أنه بعد تلقي تلك الرسالة، صدرت توجيهات من مكتب قائد الثورة إلى رئيس البرلمان، محمد باقر قاليباف، بضرورة اتخاذ التدابير اللازمة في هذا الشأن.
كذلك فقد أكد أن هذا الموضوع يخضع حاليا للدراسة في اللجنة الإدارية والتوظيفية التابعة للجنة الشؤون الاجتماعية، ومن المقرر أن يُعلن القرار النهائي للجنة بحلول يوم الأحد بعد أسبوعين.
وفي الشأن نفسه، فقد صرح أحمد فاطمي، عضو لجنة الشؤون الاجتماعية في البرلمان، الأربعاء 5فبراير/شباط 2025، قائلا: “دعا السيد خرازي في رسالته التي أرسلها إلى المرشد، إلى استثناء شرط جنسية الأبناء عند توظيف الأفراد في هذه الوظائف، وقد جاءت بالفعل توجيهات من المكتب الخاص بها وبناءً عليها تقرر أن تتم دراسة هذا الموضوع داخل لجنة الشؤون الاجتماعية في البرلمان”.
أيضا، فقد صرحت فاطمة مهاجراني، المتحدث الرسمية باسم الحكومة الإيرانية، الأربعاء 5 فبراير/شباط 2025، بشأن تلك الرسالة، وقالت: “ليس لدي معلومات عن هذه الرسالة، ولكن من الواضح أن الحكومة قد قدمت سابقا أيضا مشروع قانون يتعلق بالوظائف الحساسة والجنسية القهرية. أي إن مسألة الجنسية القهرية للأشخاص الذين يُولد أبناؤهم خارج البلاد ويحصلون تلقائيا على جنسية الدولة التي وُلدوا فيها، وفقا لقوانين تلك الدولة، كانت قد طُرحت سابقا في مشروع قانون حكومي. نأمل أن يتم حل هذا الأمر حتى نتمكن من الاستفادة القصوى من جميع الطاقات الداخلية للبلاد، حيث إن رأس المال البشري هو الثروة الأساسية لأي دولة”.
قانون شغل المناصب الحساسة
أثارت قضية الجنسية، بشقيها القهرية وغير القهرية، بالإضافة إلى قانون منع توظيف مزدوجي الجنسية في وظائف محددة، أثارت جدلا واسعا منذ فترة طويلة، وقد ازداد الجدل بعدما طرح اسم محمد جواد ظريف، نائب رئيس الجمهورية للشؤون الاستراتيجية، على الساحة السياسية، والذي أعقبه هجوم شديد، خاصة من التيار الأصولي ونوابه في البرلمان.
فوفقا للدستور الإيراني، وبموجب قانون الوظائف الحساسة، لا يجوز لأي شخص يتولى منصبا سياسيا هو أو أبناؤه أن يحملوا جنسية دولة أخرى، ومع ذلك، فينص القانون بشكل عام على أن الجنسية تنقسم إلى فئتين: الجنسية القهرية والجنسية غير القهرية، وينطبق مفهوم الجنسية القهرية على الأطفال الذين يولدون في أثناء وجود والديهم في مهمة رسمية أو دراسية في دولة أخرى، ويحصلون تلقائيا على جنسية تلك الدولة بموجب مبدأ أرض الولادة.
ومع تعيين محمد جواد ظريف مستشارا استراتيجيا لبزشكيان في يوليو/تموز 2024، بدأ بعض نواب البرلمان بانتقاد الحكومة، مستندين إلى قانون منع توظيف مزدوجي الجنسية في وظائف خاصة، والذي تم إقراره عام 2022 خلال رئاسة إبراهيم رئيسي، حيث وجهوا انتقادات بسبب ولادة نجل ظريف في الولايات المتحدة، حيث حصل تلقائيا على بطاقة الجنسية الأمريكية، لكونه وُلد هناك خلال مهمة والده الدبلوماسية.
وقد سعت الحكومة لتغيير هذا القانون، حيث قدم مجيد أنصاري، نائب الرئيس للشؤون القانونية في حكومة بزشكيان، طلبا للبرلمان في 17 نوفمبر/تشرين الثاني، للنظر العاجل في مشروع تعديل قانون تعيين الأشخاص في المناصب الحساسة، الأمر الذي قوبل بالرفض من البرلمان بتصويت 207 نواب من نوابه، ليحال قانون المشروع للنظر فيه بعد ذلك.
ليأتي بعدها أنصاري ويصرح خلال كلمة في 19 نوفمبر/تشرين الثاني 2024، بأن “المرشد قد أحال موضوع تعديل قانون ازدواج الجنسية لمرشحي المناصب الحساسة إلى رئيس البرلمان الإيراني بشكل عاجل، مؤكدا أن قائد الثورة شخصيا قد أبلغ بزشكيان بموافقته على تعديل ذلك القانون، وطلب منه أن يعلن رأيه في البرلمان؛ لضمان عدم عرقلة هذا القانون لاستخدام الكفاءات في مختلف المجالات الوظيفية”، كما أضاف أنصاري أن “المجلس الأعلى للثورة الثقافية يعمل أيضا بالتوازي مع البرلمان على متابعة تعديل هذا القانون”.
وفي 7 يناير/كانون الثاني 2025، عقدت لجنة الشؤون الاجتماعية التابعة للبرلمان الإيراني، جلسة لمناقشة مشروع تعديل قانون تعيين الأشخاص في المناصب الحساسة، وذلك بدعوة ممثلين عن منظمة الإدارة والتوظيف الوطنية، ووزارة الاستخبارات، وجهاز استخبارات الحرس الثوري، والإدارة القانونية والبرلمانية لرئاسة الجمهورية، وهيئة التفتيش العامة، والإدارة التشريعية للبرلمان، ومركز الأبحاث التابع للبرلمان، ومحكمة التدقيق العليا.
وقد ركز مقترح الحكومة حينئذ على تعديل المادة 1 من هذا القانون، حيث جاء في مقترحها: “يُقترح تعديل المادة الوحيدة في المشروع الحالي لتصبح (الأشخاص الذين يحملون جنسية مزدوجة، وكذلك الأشخاص الذين اكتسبت زوجاتهم أو أبناؤهم الجنسية الأخرى بشكل إرادي، بدلا من الأفراد الذين يحملون هم أو أبناؤهم أو أزواجهم جنسية مزدوجة”.
جدير بالذكر أنه ومع نهاية حكومة روحاني الثانية في العام 2021، بدأت مناقشات حول منع مزدوجي الجنسية من تولي المناصب الإدارية، إلا أن قلة كانوا يتوقعون أن تتحول هذه النقاشات إلى قانون نافذ يتم إقراره وتطبيقه بالكامل، فقد برز مصطلح الإداريين مزدوجي الجنسية في المشهد السياسي الإيراني في العام 2016 عندما دعا المتحدث باسم لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية آنذاك إلى فتح تحقيق بشأن هؤلاء المسؤولين وعائلاتهم. وبعد سنوات من الدراسة، تم اعتماد هذا القانون رسميا في أكتوبر/تشرين الأول 2022.