ترجمة: شروق السيد
في الوقت الذي يصر فيه المسؤولون الإيرانيون على احتكار الإعلام المحلي، تتوالى القنوات الفارسية من خارج البلاد، ليصبح المشهد الإعلامي الإيراني على وشك التحول. فما تأثير هذه القنوات على الإعلام الإيراني؟
نشر الموقع الإيراني “عصر إيران” تقريرا 18 ديسمبر/كانون الأول 2024 أفاد فيه بأنه بينما يصرّ المسؤولون الإيرانيون على احتكار البث الإذاعي والتلفزيوني داخليا، تستمر القنوات التلفزيونية الأجنبية الناطقة بالفارسية في الانطلاق واحدة تلو أخرى.
فبعد قناتي “بي بي سي” الناطقة بالفارسية و”صوت أمريكا”، أصبحت قناة “تي آر تي” الناطقة بالفارسية ثالث قناة تلفزيونية باللغة الفارسية يتم إطلاقها من قبل حكومات ودول أجنبية.
أما القنوات التلفزيونية الفارسية الأخرى الموجودة خارج البلاد، فهي إما مملوكة للقطاع الخاص وإما غير تابعة بشكل علني ورسمي لحكومات ودول.
قناة “تي آر تي”
تابع الموقع مبينا أن قناة “تي آر تي” بخلاف القناتين السابقتين، تبث من دولة مجاورة، مما يتيح لها وصولا أكبر إلى إيران، كما أن العلاقات بين البلدين والمجتمعين الإيراني والتركي لا تُقارَن بالقناتين الأخريين.
كما أن المجتمع الإيراني معروف لدى تركيا أكثر من بريطانيا والولايات المتحدة.
إضافة إلى ذلك، وعكس “صوت أمريكا” و”بي بي سي”، تمتلك “تي آر تي” مكتبا ومراسلين في إيران، ولكن يجدر الذكر أن المكتب يتبع “تي آر تي تركيا” وليس “تي آر تي الفارسية”. وحتى الآن، لم يتضح ما إذا كانت إيران ستمنح ترخيصا لـ”تي آر تي الفارسية” للعمل داخل البلاد أم لا.
جدير بالذكر أن التلفزيون الإيراني أطلق -منذ سنوات- قناة تلفزيونية باللغة الأذرية التركية تستهدف شعب أذربيجان وتركيا.
تأثير “تي آر تي”
يبدو أن هناك احتمالا لنشاط قناة “تي آر تي الفارسية”، إما أن يكون احترافيا أو غير احترافي، وفي كلتا الحالتين، فإن إطلاق “تي آر تي الفارسية” سيحدث زلزالا في المشهد الإعلامي وفي السياق العام الإيراني، زلزالا سيكون تأثيره أكبر بكثير من ذلك الذي أحدثه إطلاق قناة “بي بي سي الفارسية” عام 2008.
وتابع الموقع مبينا أنه “بينما تقوم الدولة المجاورة لإيران،تركيا، بإطلاق قناة تلفزيونية باللغة الفارسية وتعمل عشرات القنوات التلفزيونية الناطقة بالفارسية خارج إيران، فإننا في إيران لا نزال نواجه احتكارا في هذا المجال”.
احتكار الإعلام
وتابع الموقع مشيرا إلى أن إطلاق قنوات إذاعية وتلفزيونية من قبل القطاع الخاص في إيران محظور، وما زالت هيئة الإذاعة والتلفزيون الإيرانية تحتكر هذا الأمر.
ورغم أن الإنترنت وإمكاناته مثل البودكاست وتطبيقات المراسلة والشبكات الاجتماعية ومنصات العرض المنزلي، بدأت تدريجيا وبخطوات بطيئة في تقويض هذا الاحتكار وجعله بلا معنى، “فإننا لا نزال نفتقر إلى الإذاعة والتلفزيون الخاصين، وبالتالي محرومون من متعتهما وفوائدهما”.
إن وجود قنوات إذاعية وتلفزيونية خاصة في جميع دول المنطقة باستثناء إيران، يعكس حالة من الفقر والتخلف في المشهد الإعلامي الإيراني.
ومع ذلك، لا يبذل المسؤولون أي جهد لإلغاء هذا الحظر، ويواصلون الإصرار على هذا الاحتكار والمنع تحت شعار “كلمة الرجل واحدة”.
وأضاف: “لم تتمكن هيئة الإذاعة والتلفزيون الإيرانية حتى الآن من تلبية احتياجات الشعب الإيراني في مجال الإعلام والترفيه بشكل كافٍ ومناسب، ولن تتمكن من ذلك في المستقبل أيضا”.
ومع الأداء السيئ لهذه الهيئة من جهة، وغياب القنوات الإذاعية والتلفزيونية الخاصة من جهة أخرى، باتت الساحة مفتوحة أمام وسائل الإعلام الناطقة بالفارسية من خارج البلاد للعب دور بارز.
من المهم الإشارة إلى أنه في أي دولة، لا يمكن لأي هيئة إذاعية أو تلفزيونية حكومية تلبية جميع متطلبات الشعب وتحقيق رضاهم الكامل.
من البديهي أنه إذا كانت لدى دولة ما، وسائل إعلام متنوعة، ومحايدة، ومستقلة، تعمل بحرية وباحترافية، فلن يتجه الناس نحو وسائل الإعلام الأجنبية، لأنهم سيجدون احتياجاتهم الإعلامية ملبّاة عبر وسائل الإعلام المحلية.
الإذاعة والتلفزيون الإيرانية
استطرد الموقع مبينا أن اليابان، وكوريا الجنوبية، وبريطانيا، وأمريكا أمثلة على ذلك؛ فإطلاق وسائل إعلام أجنبية موجهة لشعوب هذه الدول يُعتبر بلا فائدة، لأنهم مكتفون إعلاميا داخليا.
مثال على ذلك، محاولة قناة الجزيرة إطلاق شبكة “الجزيرة أمريكا” الموجهة للشعب الأمريكي، والتي أُغلقت بعد فترة قصيرة؛ لأنها لم تتمكن من جذب الجمهور أو تحقيق التأثير المطلوب داخل المجتمع الأمريكي.
أزمات الإعلام الإيراني
وأضاف: “أما أحدث مثال على ذلك فهو الأحداث في سوريا وسقوط نظام بشار الأسد، حيث تواجه هيئة الإذاعة والتلفزيون الإيرانية إما الصمت أو تغطية سطحية للأنباء، أو الوقوع في تناقضاتها الداخلية، مثل تحديد ما إذا كانت تصف جهةً ما بالإرهابيين، أو المسلحين، أو المعارضين المسلحين، وقد أظهرت الأحداث في سوريا، للمرة الألف، عجز الهيئة عن القيام بدورها في مجال الإعلام ونقل الأخبار”.
لا تمتلك هيئة الإذاعة والتلفزيون الإيرانية القدرة أو الإمكانية لتغطية الأحداث بشكل احترافي، كما أنها لا تسمح لأي جهة أخرى بإطلاق قناة إذاعية أو تلفزيونية للقيام بذلك. لذلك، من الطبيعي أن تنشأ فجوة كبيرة يستغلها الآخرون.
ولكن الجانب الإيجابي في هذه القضية هو أن تركيا، رغم جميع السلبيات والمشاكل، تسبق إيران في المجال الإعلامي، وإطلاق قناة “تي آر تي” الناطقة بالفارسية قد يكون خطوة إيجابية، لأنها قد تفرض على هيئة الإذاعة والتلفزيون الإيرانية الحاجة إلى التعلم وإجراء تغييرات إيجابية إجبارية.
كما أن إطلاق وتشغيل قنوات مثل “بي بي سي الفارسية”، و”منوتو”، و”إيران إنترناشيونال”، رغم ما تسببه من مشقة وصعوبة للمسؤولين، قد ساهم في إحداث تغييرات إيجابية داخل الهيئة.
وأنهى الموقع تقريره بتساؤل: أليس الوقت قد حان ليستيقظ المسؤولون ويدركوا الكارثة التي يسببها احتكار ومنع إنشاء قنوات إذاعية وتلفزيونية في إيران؟