كتبت: لمياء شرف
شهدت العلاقات الإيرانية والمصرية منعطفا جديدا مع زيارة وفد إيراني رسمي للقاهرة، مساء الأربعاء 18 ديسمبر/كانون الأول 2024؛ للمشاركة في القمة الحادية عشرة لمنظمة الدول الثماني النامية للتعاون الاقتصادي، حيث تعد هذه الزيارة هي الأولى من نوعها منذ 11 عاما؛ في محاولة لإعادة بناء جسور التواصل وتعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين.
تأتي هذه الخطوة في وقت تشهد فيه المنطقة تحولات سياسية معقدة، ما يجعل هذا التقارب المحتمل بين إيران ومصر محط أنظار المراقبين الإقليميين والدوليين.
وصل على رأس الوفد الإيراني الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، بعد أن كانت آخر زيارة للرئيس أحمدي نجاد في فبراير/شباط 2013، حيث كانت زيارة نجاد للقاهرة هي أيضا الأولى على المستوى الرسمي منذ الثورة الإسلامية عام 1979.
وكانت العلاقات بين مصر وإيران متوترة لعقود من الزمن، لكن الاتصالات الدبلوماسية تكثفت في الآونة الأخيرة مع وصول رئيس إصلاحي إلى السلطة، ومنذ أن أصبحت القاهرة وسيطا في حرب غزة.
وقال بزشكيان في كلمته خلال القمة التي عقدت الخميس 19 ديسمبر/كانون الأول 2024: “مصر دولة كبيرة ومهمة للغاية، ولديها كثير من الموارد، وصاحبة تاريخ عظيم”، مؤكدا أن المنظمة ستحقق كثيرا من الأهداف تحت قيادة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي.
يذكر أن الرئيس المصري التقى نظيره الرئيس الإيراني على هامش قمة تجمّع بريكس التي استضافتها مدينة قازان في أكتوبر/تشرين الأول 2024.
وتبادل الطرفان زيارات دبلوماسية هذا العام، حيث زار وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي، مصر في أكتوبر/تشرين الأول، بينما زار نظيره المصري بدر عبد العاطي، طهران في يوليو/تموز، لحضور احتفال تنصيب الرئيس بزشكيان.
وبدا أن المساعي الإيرانية لتحسين علاقتها الدبلوماسية مع مصر محاولة لملء الفراغ الذى تواجهه إيران في المنطقة، وذلك بعد أن فقدت حليفها الأقوى “سوريا” بعد أن سقط بشار الأسد.
كما شهدت هذه الزيارة حضور وزير الخارجية الإيراني عباس عرقجي للقاهرة، في سياق تعزيز مسار العلاقات بين البلدين، والذي زار بدوره جامع محمد علي باشا ومسجدي السيدة نفيسة والسيدة زينب في القاهرة، وفق ما نقلته وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية “إيرنا”.
تباينت آراء الخبراء والمحللين حول عودة العلاقات بين البلدين، حيث يرى خبير السياسات الدولية، رئيس المنتدى العربي لتحليل السياسات الإيرانية، محمد محسن أبو النور، حسب صحيفة “الشرق الأوسط“، أن هناك نظرة إيرانية عميقة بأن مصر صاحبة أعرق حضارة، ولها مكانة سياسية وتاريخية مهمة بالنسبة لإيران.
وأشار أبو النور إلى أن إيران تؤمن بأنه لا إحلال للسلام والاستقرار بالمنطقة دون مشاركة مصر، ومن ثم لن تتوانى لحظة عن السعي لاستعادة العلاقات معها، وهذا ملموس في زيارة الرئيس بذاته للقاهرة وجولة عراقجي بمزارات دينية والتي تشي برغبة طهران في التوصل لمستوى تطبيع كامل وشامل مع مصر.
واعتقد أن إيران تحاول أن تعوض الخسارة الاستراتيجية الهائلة بسقوط بشار الأسد، متوقعا أن تشهد الأسابيع المقبلة فعل إيران ما يمكن فعله من أجل توطيد العلاقات مع المثلث العربي القوي مصر والسعودية والإمارات.
بينما يرى المحلل الإيراني، وجدان عبد الرحمن عفراوي، أن زيارة بزشكيان للقاهرة وجولة عراقجي، أمران دبلوماسيان ومغازلة طبيعية جدا، خصوصا عندما يزور رئيس دولة لديه خلافات أو تباينات معها مثل الحالة الإيرانية المصرية.
ويعتقد أنه ليس من السهل إعادة العلاقات المصرية الإيرانية، خصوصا أنها خلافات جذرية متعلقة برفض أفكار أيديولوجية تتبناها طهران، وليست حروبا وصراعات، مؤكدا أن الجزء المتشدد داخل النظام الإيراني لن يسمح بعودة العلاقات، وإنهاء الملفات العالقة بين البلدين سواء الأمنية أو السياسية.
افتتاح السفارتين قريبا
يتخذ البلدان خطوات حثيثة لإعادة العلاقات الدبلوماسية بفتح السفارات الإيرانية والمصرية مرة أخرى بعد عقود من انقطاع العلاقات، حيث أكد المستشار السياسي للرئيس الإيراني مهدي سنائي، أن هناك إرادة متبادلة لدى طهران والقاهرة لاستئناف العلاقات الدبلوماسية.
وحسب وكالة مهر، أعرب عن أمله في إعادة فتح السفارات بالبلدين في المستقبل القريب، في ظل الإجراءات المتخذة، مؤكدا أنه رغم عدم وجود علاقات دبلوماسية كاملة بينهما لأكثر من 4 عقود، فقد شهدت تحسنا في مستوى التفاعل خلال العام الماضي.
كما جرى حوار جيد في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، بين رئيسي البلدين، وتم اتخاذ خطوات أولية، وبدء محادثات سياسية بين الجانبين.
انقطاع العلاقات بين البلدين
انقطعت العلاقات بين إيران ومصر في أعقاب ثورة يوليو/تموز 1952 في مصر وسقوط نظام الملكية، على أثر دعم الرئيس المصري جمال عبد الناصر، لرئيس الوزراء الإيراني، محمد مصدق، ضد نظام الشاه، وتأييده لسياسات وصفت بأنها مناهضة للمصالح الإيرانية في المنطقة.
واتخذت إيران خطوة قطع العلاقات كموقف مضاد للخطوة المصرية، ولتعزيز علاقاتها مع دول الغرب بعيدا عن مصر والدول العربية.
كما شهدت هذه الفترة تطورات على الساحة السياسية حيث تغير شكل التحالفات والقوى على كلا الجانبين، تقربت مصر في ذلك الوقت من الاتحاد السوفيتي بعد توتر العلاقات بين القاهرة والولايات المتحدة، واهتمت إيران بتعزيز علاقاتها مع دول الغرب والولايات المتحدة وإسرائيل.
ورفض مصر لحلف بغداد 1955، زاد حدة التوتر بين البلدين، حيث كان هذا الحلف يتبنى توجهات وطموحات غربية بزعامة إيران وتركيا بهدف الحد من النفوذ السوفيتي في منطقة الشرق الأوسط.
ورأى حينها عبد الناصر أن هذا الحلف يسعى إلى تغيير ميزان القوى في المنطقة لصالح الولايات المتحدة وبريطانيا وإيران وإسرائيل ضد الاتحاد السوفيتي ومصر والدول العربية، وبناء على ذلك اتخذت إيران بدورها موقفا آخر ضد إعلان عبد الناصر تأميم قناة السويس عام 1956.
وصل التوتر ذروته بعد أن أعلن شاه إيران عام 1960 اعترافه الرسمي بدولة إسرائيل، وإعلان الحكومة المصرية قطع علاقتها الدبلوماسية مع إيران.
واندلعت انتفاضة “15 خرداد” وكانت مظاهرات حاشدة في إيران عام 1963، بعد اعتقال آية الله الخميني بسبب خطابه المناهض لإسرائيل والنظام الملكي، وكانت مصر من طليعة الدول التي اتهمها شاه إيران بالتدخل في الشأن الإيراني ودعم الثوار وتمويلهم ماليا.
واستقرت العلاقات مرة أخرى مع تولي الرئيس المصري محمد أنور السادات، وارتبط السادات بعلاقة طيبة مع شاه إيران، خاصة بعد مساعدة شاه إيران لمصر خلال حرب أكتوبر/تشرين الأول عام 1973، وذلك وفقا لتصريح مصور الرئيس السادات الذي أكد فيها تلك المعلومة، التي كان نفاها آخرون.
توترت العلاقات مرة أخرى مع تغير نظام الحكم بإيران في أعقاب الثورة الإسلامية الإيرانية عام 1979، بقيادة آية الله روح الله الخميني، وسقوط شاه إيران.
استضاف الرئيس المصري حينها شاه إيران، وأغضبت تلك الخطوة النظام الإيراني الجديد، فضلا عن رفض النظام الإيراني الجديد توقيع مصر معاهدة سلام مع إسرائيل، فأعلنت وزارة الخارجية الإيرانية في بيان لها، قطع العلاقات الدبلوماسية مع مصر، بعدها توفي الشاه في مصر عام 1980 وأقيمت له جنازة عسكرية حضرها السادات ودُفن بمسجد الرفاعي في القاهرة.
استمرت التوترات بين البلدين في حكم الرئيس المصري محمد حسني مبارك، رغم المساعي الرامية إلى استئناف العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، بيد أن إدارة مبارك حرصت على إبقاء العلاقات متأرجحة في الحدود التي تسمح لها باغتنامها كورقة ضغط في علاقة مصر بدول الخليج والولايات المتحدة.
وبرزت توترات جديدة في العلاقات بعد أن اعتبرت مصر في عام 1987، محمود مهتدي، رئيس بعثة رعاية المصالح الإيرانية في القاهرة، شخصية غير مرغوب في وجودها، ووجهت له اتهاما برصد حركة ناقلات النفط في قناة السويس المتجهة إلى العراق.
دخلت العلاقات المصرية الإيرانية منعطفا جديدا مع تولي الرئيس محمد مرسي 2012، حيث اتسمت تلك العلاقة بما وصف بأنه تقارب وتوافق متبادل على مستوى رئيسي البلدين، محمد مرسي ومحمود أحمدي نجاد.
زار مرسي إيران عام 2012، وهي الزيارة الأولى لرئيس مصري منذ عام 1979، لحضور قمة دول عدم الانحياز التي استضافتها طهران، وأكد المتحدث باسم الرئاسة المصرية وقتها، أن مشاركة مرسي في القمة تأتى كالتزام بروتوكولى لتسليم رئاسة الدورة الحالية لحركة عدم الانحياز إلى طهران.
وبعدها وصل أحمدي نجاد إلى مصر في أول زيارة لرئيس إيراني إلى القاهرة 2013 بعد انقطاع طويل، للمشاركة في القمة الإسلامية التي عقدت في ذلك الوقت، على اعتبار أن مصر وإيران من الدول الأعضاء في منظمة المؤتمر الإسلامي.
وُصفت حينها زيارة نجاد بالتاريخية وأنها لبنة على طريق استئناف العلاقات الدبلوماسية بين مصر وإيران، وأعرب نجاد وقتها عن أمله في أن تمهد زيارته الطريق أمام استئناف العلاقات بين البلدين.
“أم الدنيا” خطاب خامنئي
ألقى الخامنئي خطابين في 2011، خلال ثورات الربيع العربي ذكر فيهما مصر، واصفا إياها بـ”أم الدنيا”، الخطاب الأول يعود إلى يوم الجمعة 4 فبراير/شباط 2011، والثاني 18 سبتمبر/أيلول 2011.
وقال خامنئي في الخطبة التي ألقاها قبل نجاح الثورة المصرية التي أسقطت الرئيس حسني مبارك: “لقد حبست الأنفاس في صدور العالم الغربي والعالم الاسلامي –ولكل واحدٍ أسبابه- وهم يترقبون ما سيحدث في مصر الكبرى، مصر نوابغ القرن الأخير، مصر محمد عبده والسيد جمال الدين، مصر سعد زغلول وأحمد شوقي، مصر عبد الناصر والشيخ حسن البنا، مصر عام 1967 و1973، يترقبون مدى ارتفاع رآية همة المصريين. فلو أن هذه الراية انتكست – لا سمح الله– سيعقب ذلك عصر حالك الظلام، وإن رفرفت على القمم فإنها ستطال عنان السماء”.
ووصفها متغزلا بها بـ”أم الدنيا”، معتبرا مصر نموذجا فريدا في العالم العربي، حيث قال: “مصر نموذج فريد ، لأن مصر في العالم العربي بلد فريد، فمصر أول بلد في العالم الإسلامي تعرف الثقافة الأوروبية، وأول بلد أدرك أخطار هجوم هذه الثقافة وتتصدى لها. إنه أول بلد عربي أقام دولة مستقلة بعد الحرب العالمية الثانية، ودافع عن مصالحه الوطنية في تأميم قناة السويس، وأول بلد وقف بكل طاقاته إلى جانب فلسطين وعرف العالم الإسلامي بأنه ملجأ للفلسطينيين”.
وخاطب خامنئي الشعب المصري بقوله: “يا أبناء الكنانة، إن الأبواق الإعلامية للعدو سوف ترفع عقيرتها كما فعلت من قبل بالقول إن إيران تريد أن تتدخل، تريد أن تنشر التشيع في مصر، تريد أن تصدر ولاية الفقيه إلى مصر، وتريد وتريد… هذه أكاذيب ملأت آذاننا خلال ثلاثين عاما، الهدف منها أن يفرقوا بين الشعوب بعضها من مساعدة بعض، ورددها المأجورون (يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا ولو شاء ربك ما فعلوه فذرهم وما يفترون)”.