كتبت: لمياء شرف
سيطرت جبهة تحرير الشام السورية على مدينة حلب، مع انسحاب قوات الأسد دون مقاومة، بعد هجوم شنته الجبهة وفصائل مؤيدة لها على مناطق سيطرة النظام في شمال وشمال غربي سوريا، في حين أكد الجيش السوري مقتل العشرات من عناصره خلال معارك امتدت على مساحات واسعة من المدينة.
وقعت معظم المناطق في مدينة حلب تحت سيطرة جبهة تحرير الشام السبت 30 نوفمبر/تشرين الثاني 2024، وفق المرصد السوري لحقوق الإنسان، بعد يومين من الهجوم على مناطق سيطرة النظام في شمال وشمال غربي البلاد.
في هذا السياق، قال مدير المرصد رامي عبد الرحمن، إن جبهة تحرير الشام والفصائل الحليفة لها سيطروا على غالبية المدينة ومراكز حكومية وسجون، مضيفا أن الطائرات الحربية الروسية شنت بعد منتصف ليل الجمعة 29 نوفمبر/تشرين الثاني 2024؛ غارات على أحياء مدينة حلب للمرة الأولى منذ العام 2016.
وأكد عبد الرحمن أن محافظ حلب وقيادات الشرطة والأفرع الأمنية انسحبوا من وسط المدينة، وتابع أن المقاتلين وصلوا إلى قلعة حلب دون مقاومة ولم يحصل أي قتال، ولم تطلق طلقة واحدة.
وحسب جريدة الغارديان البريطانية، فإن موازين القوى تغيرت الآن في مدينة حلب ثاني أكبر مدن سوريا، نتيجة للهجوم المفاجئ لجبهة تحرير الشام، وقد وصفتهم الجريدة بـ”المتمردين”.
بعد أن سيطرت قوات الأسد على حلب منذ سنوات، ظهرت صور لمقاتلين يتقدمون بعمق في المناطق التي تسيطر عليها الحكومة السورية باتجاه مدينة حماة، وضمن ذلك كفرنبل، البلدة التي كانت تُعتبر رمزا للمعارضة ضد الأسد.
وظهرت لقطات مصورة في أثناء قيام أشخاص بإسقاط تمثال باسل الأسد، شقيق حاكم سوريا، وسط إطلاق أعيرة نارية احتفالا بسقوطه.
وذكرت وكالة الأناضول التركية أن القوات السورية انسحبت من عدة مواقع رئيسية، من ضمنها المطار المدني، الذي أُغلق مع اقتراب المتمردين.
واستولت جبهة تحرير الشام على قاعدة عسكرية مهمة في الجنوب، وسيطرت على مدينة سراقب، التي تعتبر موقعا استراتيجيا على الطريق السريع المؤدي إلى العاصمة دمشق.
وفي الوقت نفسه، شنت الجبهة ومؤيدوها عملية ضد المقاتلين الأكراد والقوات الحكومية السورية؛ في محاولة للسيطرة على مطار عسكري شرق حلب، بينما سقطت بصورة سريعة، مساحات شاسعة من الأراضي.
انتصار سريع ومفاجئ
يتناقض المشهد الآن مع مشهد المعارك الضارية التي دارت في شوارعها قبل 12 عاما للسيطرة على كل حي من أحيائها.
ما بدأ في عام 2011 كثورة شعبية تطالب بإسقاط الأسد تحول لاحقا إلى حرب أهلية دامية، وكانت معركة السيطرة على حلب في صميم هذا الصراع.
وسيطرت قوات النظام السوري على المدينة في عام 2016 بمساعدة القوة الجوية الروسية والقوات الإيرانية على الأرض.
الانتصار المفاجئ للثوار في حلب يمثل تحديا غير متوقع لبشار الأسد، الذي كان يعتقد منذ فترة طويلة، أنه سيطر على المعارضة، وأن الأوضاع الداخلية في سوريا تبدو مستقرة بما يكفي، خاصةً أن خصومه الإقليميين السابقين مثل السعودية، بدأوا في إعادة بناء العلاقات الدبلوماسية معه.
علق جيروم دريفون، من مجموعة الأزمات الدولية، على تقدم جبهة تحرير الشام في حلب قائلا: “لم يتوقع أحدٌ سقوط حلب، وذلك يعني أنه لم تكن هناك خطوط دفاع حقيقية داخل المدينة. يبدو أن الطريق كانت مفتوحة بالكامل أمامهم بمجرد وصولهم”.
وأشار دريفون إلى أن مقاتلي جبهة تحرير الشام أمضوا سنوات في تنظيم وتطوير قواتهم، مما سمح لهم بإرباك الجيش السوري الذي وصفه بالأقل تنظيما.
وأضاف: “أعتقد أن النظام لم يتوقع تحركا بهذه السرعة؛ فالعملية بدأت منذ بضعة أيام فقط”.
موقف القوى الداعمة
امتنعت القوى الداعمة لسوريا “روسيا وإيران” عن الإدلاء بأي تعليق تصعيدي. واعتبر المتحدّث باسم الكرملين دميتري بيسكوف، أن الوضع في حلب انتهاك لسيادة سوريا، معربا عن دعم بلاده للحكومة السورية في استعادة النظام في المنطقة وإعادة النظام الدستوري.
وجددت دعمها حليفتها سوريا الأسد، وجاء في بيان للخارجية الإيرانية أن الوزير عباس عراقجي “شدد على دعم إيران المستمر لحكومة سوريا وأمتها وجيشها في كفاحها ضد الإرهاب”، جاء ذلك خلال اتصال هاتفي أجراه مع نظيره السوري بسام الصباغ.
إنكار إيراني _ سوري
نفت القيادة العامة للجيش والقوات المسلحة السورية، ما يحدث من سيطرة جبهة تحرير الشام على مدينة حلب، وأصدرت بيانا دعت فيه إلى عدم تصديق ما ينشر من شائعات وأكاذيب تتعلق بالوضع الميداني أو تمس القيادة العسكرية.
وجاء في البيان: “في إطار الحرب الإعلامية التضليلية التي تشنها التنظيمات الإرهابية المسلحة، تم نشر أخبار كاذبة منسوبة للقيادة العامة للجيش والقوات المسلحة على بعض منصات التواصل الاجتماعي”.
وأكد البيان أن “القوات المسلحة تقوم بمهامها الوطنية في التصدي للتنظيمات الإرهابية في مختلف المناطق، وندعو الإخوة المواطنين إلى عدم تصديق ما ينشر من شائعات وأكاذيب تتعلق بالوضع الميداني أو تمس القيادة العسكرية، ومتابعة الأخبار عبر القنوات الوطنية والصفحات الرسمية”.
كما نفى مصدر عسكري سوري في وقت سابق، الأنباء التي تنشرها “التنظيمات الإرهابية المسلحة” على حد تعبيره، على منصاتها ومواقعها الإلكترونية وبعض القنوات الإعلامية حول انسحاب الجيش السوري من حماة.
وفي سياق متصل، ذكرت وكالة أنباء تسنيم الإيرانية أن الجيش السوري يواصل القتال ضد المتمردين في حلب، وسط تقارير عن غارات جوية روسية وسورية حول المدينة.
وتبنى المحلل السياسي الإيراني محمد صالح صديقان، رواية إنكار الحدث، حيث أكد أن المعلومات الإيرانية تتحدث عن هدوء كامل في مدينة حلب السورية، وأن القوات السورية الرسمية ومعها الفصائل تحاول التجمع من أجل طرد الجماعات المسلحة المعارضة من ضواحي المدينة.
وأوضح خلال تغريدة له على موقع التواصل الاجتماعي “إكس“، أن ما تم تصويره من فيديوهات تظهر قوات المعارضة داخل مدينة حلب، هي صور لخلايا نائمة داخل المدينة وليس بسبب دخول قوات من خارجها.
وفي سياق متصل، ذكرت وسائل إعلام رسمية إيرانية أن وزير خارجية إيران عباس عراقجي، ووزير خارجية روسيا سيرغي لافروف، عبرا خلال مكالمة هاتفية، عن دعمهما لسوريا التي تشهد هجوما كبيرا تشنه جماعات معارضة، والتي تعتبر جزءا من خطة إسرائيلية أمريكية لزعزعة استقرار المنطقة.
من المتوقع أن يزور وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي، دمشق يوم الأحد 1 ديسمبر/كانون الأول 2024، قبل أن يتوجه إلى تركيا، بينما ناقش وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، الوضع في سوريا مع نظيره التركي هاكان فيدان، خلال مكالمة هاتفية.