كتب: محمد بركات
شهدت العاصمة الإيرانية طهران سلسلة من اللقاءات السياسية بين القيادة الإيرانية ووفد حركة المقاومة الإسلامية “حماس”، في زيارة تُعد الأولى عقب اتفاق الهدنة مع إسرائيل في يناير/كانون الثاني 2025، وتأتي هذه الزيارة في ظل تطورات إقليمية متسارعة تفرض نفسها على المشهد السياسي في المنطقة، حيث تتجه الأنظار إلى التحالفات الجديدة ومسارات الصراع المتغيرة، في الوقت الذي يضغط فيه دونالد ترامب، الرئيس الأمريكي، على ضرورة تخلي إيران عن سلاحها النووي، والقضاء على حماس.
خامنئي: التحديدات الأمريكية لا تؤثر علينا
فقد استقبل، علي خامنئي، المرشد الإيراني، صباح السبت 8 فبراير/شباط 2025، رئيس مجلس قيادة “حماس” محمد إسماعيل درويش، وخليل الحية، نائب رئيس المكتب السياسي لحماس، وعددا من قادة الحركة، في أول زيارة للحركة لإيران بعد إقرار الهدنة مع إسرائيل في أواخر يناير/كانون الثاني 2025.
وفي مستهل اللقاء، هنّأ درويش خامنئي بعيد الثورة الإيرانية، حيث قال: “إنّ تزامن أيام انتصار المقاومة في غزة مع ذكرى انتصار الثورة فألٌ خير، ونأمل أن يمهّد هذا التوافق الزمني لتحرير القدس والمسجد الأقصى”.
ومن جانبه، فقد ذكر الحية خلال حديثه: “لقد جئنا اليوم للقائكم مرفوعي الرأس، فهذا النصر العظيم نصر مشترك لنا وللجمهورية الإيرانية”.
بدوره، ذكر خامنئي شهداء غزة وقادة المقاومة، مخاطبا قادة حماس: “لقد منحكم الله عزا ونصرا، وجعل غزة مصداقا للآية الكريمة (كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله)”، مؤكدا أن المقاومة لم تنتصر على الكيان الصهيوني فحسب، بل انتصرت أيضا على الولايات المتحدة، حيث قال: “لم تسمحوا، بفضل الله، بتحقيق أي من أهدافهم”.
كما أشار إلى المعاناة التي تكبّدها شعب غزة خلال عام ونصف العام من المقاومة، موضحا أن “ثمرة كل هذه التضحيات هي انتصار الحق على الباطل، وقد أصبح شعب غزة نموذجا لكل من يؤمن بالمقاومة”.
وشدد قائد الثورة الإيرانية على ضرورة التخطيط للأنشطة الثقافية واستمرار العمل الإعلامي بالتوازي مع العمليات العسكرية وإعادة إعمار غزة، مشيدا بأداء “حماس” وقوى المقاومة في هذا المجال، فقال: “لقد أبدعتم في الحملات الإعلامية، ويجب الاستمرار على هذا النهج”.
وفي إشارة إلى التهديدات الأمريكية الأخيرة ضد إيران، أكد خامنئي أن “مثل هذه التهديدات لا تؤثر على وعي شعبنا ومسؤولينا، كما لا تؤثر على شبابنا وناشطينا”، وتابع أن “قضية الدفاع عن فلسطين ودعم شعبها محسومة تماما في وجدان الشعب الإيراني، وليس فيها أي مجال للنقاش”.
وحثّ خامنئي قادة “حماس” على عدم التراجع أمام المتغيرات والأحداث، فقال: “يجب أن نمضي قدما بقوة الإيمان والأمل، ونعتمد على العون الإلهي”.
وفي ختام اللقاء، خاطب قادة “حماس” قائلا: “بإذن الله، سيأتي ذلك اليوم الذي تحسمون فيه قضية القدس لصالح الأمة الإسلامية، وهذا اليوم حتمي الوقوع”.
بزشكيان: يجب تشكيل تحالف إسلامي لإعادة إعمار غزة
وفي سياق متصل، التقى مسعود بزشكيان، رئيس الجمهورية الإيرانية، بعد ظهر اليوم نفسه، بأعضاء مجلس قيادة حركة حماس، حيث أشاد بشهداء جبهة المقاومة، وهنأ شعب غزة الصامد والمظلوم على انتصاراته العظيمة في مواجهة الكيان الصهيوني.
وخلال اللقاء، صرح بزشكيان بأن “الإنجازات العظيمة التي حققتموها، رغم العدد الكبير من الشهداء الذين قدّمتموهم في سبيل تحرير أرضكم، تستحق الإشادة، ونبارك هذا الانتصار لجميع المجاهدين وأهالي غزة”.
وأكد الرئيس الإيراني ضرورة تشكيل تحالف دولي، لا سيما بين الدول الإسلامية، لدعم غزة وإعادة إعمارها، مشيرا إلى أن الدول الإسلامية، بتكاتفها، ستتمكن من إعادة بناء غزة وإعادة الحياة إلى سكانها المسلمين، كما أكد مجددا دعم الجمهورية الإيرانية للمقاومة الفلسطينية، قائلا: “نحن على يقين بأن المقاومة ستنتصر نهائيا، لأن الله -سبحانه وتعالى- وعد بذلك في القرآن الكريم”.
من جهته، أعرب أحد أعضاء مجلس قيادة “حماس” عن شكره لدعم إيران وجميع فصائل المقاومة لفلسطين، مؤكدا: “نحن سعداء لأن هذا اللقاء تزامن مع ذكرى انتصار الثورة وانتصار شعبنا في غزة، والمقاومة الفلسطينية، بدعمكم المتواصل، تستعد للمرحلة النهائية من المعركة، وهي تحرير الأرض الفلسطينية بالكامل”.
كما استذكر القيادي من “حماس” أكثر من 60 ألف شهيد من غزة، إضافة إلى قادة المقاومة البارزين، وقال: “رغم توقف أصوات القنابل والصواريخ، لن ننسى الحرب الضخمة التي شنّوها للقضاء علينا، والهزائم التي تكبّدوها على يد المقاومة في غزة ولبنان والعراق واليمن، والتي ستبقى خالدة في التاريخ”.
وأكد أه “الذي حقق لنا النصر على الكيان الصهيوني لم يكن السلاح والذخيرة، بل الإيمان الصادق بالله والعزيمة الراسخة على تحرير أرضنا”، كما أعتبر هذا القيادي أن التصريحات الأخيرة للولايات المتحدة والكيان الصهيوني حول مستقبل غزة بلا قيمة، مؤكدا أن “مستقبل غزة بيد أهلها، وإدارتها ستتم من خلال تعاون وطني مشترك بين الفلسطينيين أنفسهم”.
قاليباف: الشعب الفلسطيني لن يمنح الصهاينة والأمريكيين الفرصة لتنفيذ مؤامراتهم
بعدها التقى محمد باقر قاليباف، رئيس البرلمان الإيراني، مع وفد الحركة، وفي بداية اللقاء، صرح قاليباف: “لقد نلنا شرفا عظيما بأن نلتقي بكم في هذه الأيام المباركة، سواء خلال أيام عشرة الفجر، أيام الذكرى السادسة والأربعين لانتصار الثورة الإيرانية، أو في هذا الظرف الزمني الذي شهد تحقيق نجاحات كبيرة في غزة ولبنان”.
وأضاف قاليباف مؤكدا أن “الكيان الصهيوني كان يسعى إلى محو فلسطين وغزة من التاريخ، إلا أن الشعب الفلسطيني، وبالأخص أهل غزة، أثبتوا اليوم للعالم أجمع أن روح المقاومة لا تزال حية، ليس فقط في أوساط الشعب الفلسطيني، بل في قلوب جميع أحرار العالم، وأن شعار التمسك بالثقافة القرآنية والنضال ضد الظلم قد عاد ليظهر بقوة”.
كما أشار إلى أن “الكيان الصهيوني المصطنع وترامب يجب أن يدركا اليوم أن حق تقرير مصير الشعب الفلسطيني في أراضيه هو بيد الفلسطينيين أنفسهم، وأن الشعب الفلسطيني لن يمنح الصهاينة والأمريكيين أي فرصة لتنفيذ مؤامراتهم، بل سيقف في وجههم بكل صلابة”.
وأوضح أن “القضية الفلسطينية اليوم أقوى من أي وقت مضى، وخاصة في أوساط الجيل الشاب، حيث كان الصهاينة يعتقدون أن مرور الزمن سيمحو القضية الفلسطينية من ذاكرة الأجيال الجديدة، لكن صمود الشباب الفلسطيني أمام الجرائم الوحشية التي استمرت 16 شهرا أثبت أن الجيل الحالي أكثر صلابة من الأجيال الأولى التي عانت من الاحتلال وجرائمه المتواصلة، وهذا هو سر انتصار فلسطين”.
وفي إشارة إلى عملية طوفان الأقصى، وهي العملية التي نفذتها “حماس” على المستوطنات في شريط غزة في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، قال قاليباف: “كانت هذه العملية نقطة تحول في التاريخ، فمنذ أن زُرع الكيان الصهيوني الغاصب في المنطقة، وحتى هذه العملية، ظلوا يحاولون تصوير أنفسهم على أنهم كيان مستدام وغير قابل للهزيمة، لكن استراتيجياتهم وتكتيكاتهم انهارت خلال عملية طوفان الأقصى، التي جاءت بإرادة إلهية”.
بدوره، قال محمد درويش، رئيس مجلس قيادة “حماس”، خلال اللقاء: “نحن سعداء بأن هذا اللقاء يتم في وقت نحتفل فيه بانتصارين، أولهما ذكرى انتصار الثورة في إيران، والثاني هو الانتصار الذي حققناه نحن في فلسطين”، مؤكدا أن “المقاومة الفلسطينية قطعت شوطا طويلا، فشعبنا يناضل منذ عقود، ورغم مرور الزمن لا يزال صامدا ومتماسكا، وإن شاء الله، سيواصل هذا النهج حتى تحرير فلسطين”.
وأشار درويش إلى أن “عملية طوفان الأقصى كانت حدثا بارزا في العصر الحديث، حيث أظهرت كيف يمكن للأمم أن تحقق النصر من خلال الصمود. لقد استعددنا جيدا لهذه المواجهة، وجهّزنا كل ما يلزم لتحقيق هذا النصر”.
كما أكد أنه “ما هو أعظم من عملية 7 أكتوبر نفسها، هو الصمود الأسطوري لأهل غزة خلال 15 شهرا من الحرب، والمجازر، والجوع، والتهجير. لقد واجه شعبنا آلة الحرب والتدمير التي حشدها نتنياهو وبايدن، بدعم كامل من المنظومة الغربية، لكنه ظل صامدا ولم ينكسر”.
واستكمالا لبرنامج الرحلة، فقد التقى رئيس وأعضاء مجلس قيادة المقاومة، مع علي أكبر أحمد يان، أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، الأحد 9 فبراير/شباط 2025 حيث تباحثوا حول تطورات القضية الفلسطينية.