كتب: محمد بركات
تشهد إيران معدلات مرتفعة من حوادث الطرق مقارنة بالعديد من الدول، وهي أزمة تؤثر بشكل كبير على المجتمع الإيراني على المستويين الاجتماعي والاقتصادي. ففي كل عام، يفقد الآلاف من المواطنين حياتهم في هذه الحوادث، بالإضافة إلى الأضرار الجسدية والمالية التي تلحق بالأسر والاقتصاد الوطني. مع اقتراب عيد النيروز، وهو العيد القومي الأكبر في السنة الإيرانية والذي يحل في 21 مارس/ آذار من كل عام، الذي يشهد ارتفاعا ملحوظا في حركة المرور على الطرق بسبب السفر الداخلي والاحتفالات، أطلقت الحكومة الإيرانية حملة جديدة تستهدف تقليل هذه الحوادث وحماية الأرواح، متخذة العديد من التدابير الوقائية، في ظل أرقام وخسائر كبيرة أعلنت عنها الحكومة.
حوادث الطرق في إيران.. أرقام مرعبة
فخلال جلسة صحفية، كشف نائب وزير الصحة الإيراني لشؤون الصحة العامة، على رضا رئيسي أن آخر الإحصائيات التي قامت بها وزارة الصحة تشير إلى أن ما يقارب 60 % من وفيات الحوادث المرورية في إيران تحدث في ثماني محافظات رئيسية، أبرزها طهران وخراسان الرضوية وأصفهان وفارس، وهي المدن الأعلى من حيث السفر الداخلي، بينما تسجل عيلام أدنى معدلات الحوادث، كما أكد أن نحو 20 ألف شخص يفقدون حياتهم سنويا بسبب هذه الحوادث، مشيرًا إلى إمكانية منع نصف هذه الوفيات عبر تحسين السلامة المرورية.
وحول أسباب الحوادث، أوضح رئيسي أن 52 % من الحوادث تعود للأخطاء البشرية، و48% بسبب مشكلات الطرق والمركبات غير الآمنة، مشددا على أن القوانين المرورية الحالية غير صارمة بما يكفي، وأن التشديد في تنفيذها يمكن أن يخفض الوفيات بنسبة 20% على الأقل، كما لفت إلى أن 83 % من ضحايا حوادث الطرق تقل أعمارهم عن 50 عاما، و52% منهم تحت 30 عاما، ما يشكل خسارة كبيرة للفئات الشابة المنتجة.
وأشار إلى أن عدد ضحايا الحوادث المرورية يعادل سنويا عدد القتلى في سنوات الحرب المفروضة، وهو الحرب الإيرانية العراقية التي وقعت في الأعوام 1980 وحتى 1989، بينما تُنفق الدولة بين 7 إلى 8% من الناتج المحلي الإجمالي على الحوادث، حيث تبلغ تكلفة كل وفاة حوالي 200مليار ريال، ما يعادل 214 ألف دولار، مؤكدا أن 20% من الوفيات تعود لسائقي الدراجات النارية، خاصة مع وجود ما يربو عن 12 مليون دراجة نارية غير آمنة في الشوارع الإيرانية.
وأضاف رئيسي أن حوالي 62% من الحوادث تقع خارج المدن، و52% من الضحايا يموتون في موقع الحادث، موضحا أن عدد كاميرات المراقبة لكل 100 كيلومتر في إيران أقل بكثير من المعايير الدولية، ما يؤثر على مستوى الرقابة المرورية.
وأكد رئيسي على ضرورة تطوير قطاع النقل العام للحد من الحوادث، خصوصا أن 96% من الحافلات داخل المدن قديمة، إضافة إلى ضعف الاعتماد على النقل الجوي والسكك الحديدية، مما يتيح فرص كثيرة لتطوير البنية التحتية لشبكة المواصلات.
بزشكيان وحملة لا للحوادث الحكومية
في مبادرة منها لتقليل الحوادث، فمع اقتراب عيد النيروز، الذي يُعد من أكثر الأوقات ازدحاما على الطرقات في إيران، أطلقت الحكومة حملة توعوية تحت شعار لا للحوادث، حيث تهدف هذه الحملة إلى تقليل الحوادث المرورية خلال فترة الأعياد، في الوقت الذي تزداد معدلات السفر الداخلي بشكل ملحوظ.
وبهذا الشأن، أوضح رئيسي أن هذه الحملة تشمل خطة ثلاثية، بدأت بتخصيص مرحلة عيد النيروز للحد من الحوادث على الطرق السريعة. وتضمنت الحملة توعية المواطنين بأهمية القيادة الآمنة من خلال وسائل الإعلام، وكذلك تطبيق قوانين أكثر صرامة ضد المخالفات المرورية التي تشكل خطرا على الأرواح.
جديرا بالذكر أنه وخلال عطلة عيد النيروز للعام الماضي، وقع أكثر من 13 ألف حادث سير أسفر عن إصابات ووفيات، حيث كانت 90% من المركبات المتورطة من السيارات المحلية، بينما كانت 10% منها سيارات أجنبية.
وفي الشأن نفسه، صرح الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان خلال اجتماع مع قادة شرطة المرور، الإثنين 10 مارس/ آذار 2025، قائلا “إن التعليم هو أحد المتغيرات الرئيسية لتقليل الحوادث المرورية، فيجب أن تكون هناك توعية مستمرة عبر اللوحات الإعلانية والعلامات الإرشادية حول ضرورة الالتزام بقواعد القيادة، مضيفا أن التكنولوجيا تلعب دورا مهما في تعزيز الرقابة على الطرقات، حيث أشار إلى أن الدول المتقدمة تعتمد بشكل أساسي على التكنولوجيا لمراقبة حركة المرور وتقليل المخاطر على أفراد الشرطة.
كما أكد الرئيس الإيراني على ضرورة تحسين البنية التحتية للطرق وإزالة النقاط الخطرة التي تكثر فيها الحوادث، فذكر أن سلامة المركبات أيضا تحتاج إلى تعزيز، حيث يعتبر ضعف معايير السلامة في بعض السيارات من بين الأسباب التي تزيد من خطورة الحوادث.
تكنولوجيا المراقبة وتقليل الحوادث
كما أوضح بزشكيان بإن الحملة الحكومية الجديدة تعتمد على استخدام التكنولوجيا الحديثة لمراقبة الطرق وضبط المخالفات بشكل أكثر فعالية، فالطائرات المُسيّرة والتقنيات الأخرى مثل أنظمة المراقبة داخل المركبات يمكن أن تلعب دورا كبيرا في تقليل الحوادث. وأضاف أنه مع تطبيق هذه التقنيات، لن يكون هناك حاجة لتواجد رجال المرور في الطرقات بشكل مستمر، حيث يمكن مراقبة السائقين عن بُعد وتحديد المخالفات دون الحاجة إلى تدخل بشري مباشر.
وأكد بزشكيان أن الحكومة مستعدة لتقديم كل الدعم اللازم لتطبيق هذه التقنيات، قائلا “في المستقبل، لن نحتاج إلى ملاحقة السائقين المخالفين، حيث يمكن استدعاؤهم لاحقا بناء على بيانات المراقبة”، كما نوه أن سلامة رجال الشرطة أيضا ستتحسن بفضل هذه التكنولوجيا، حيث ستقل حالات المواجهة مع السائقين المتهورين على الطرقات.
التشديد على العقوبات والتربية المرورية
إلى جانب التكنولوجيا، أكد بزشكيان على ضرورة تطبيق عقوبات أشد ضد السائقين المتهورين الذين يتسببون في حوادث مرورية، حيث اعتبر أن القيادة المتهورة، وخاصة السرعة الزائدة، يجب أن تُعامل كجريمة، فصرح “في الدول المتقدمة، يُعتبر التهور في القيادة بمثابة محاولة قتل غير عمد”، وأوضح أن الغرامات المالية وحدها ليست كافية لردع السلوكيات الخطرة على الطرقات، وأنه يجب فرض عقوبات أشد بما في ذلك حرمان المخالفين من بعض الامتيازات الاجتماعية.
كذلك، فقد تطرق الرئيس الإيراني إلى أهمية التربية المرورية في المدارس، معبرا عن أسفه لأن نظام التعليم في إيران لم يكن كافيا لتعزيز الوعي المروري بين الشباب.