أجرى الحوار: محمود شعبان رئيس تحرير ” زاد إيران”
كشف الدبلوماسي الإيراني السابق عباس خامه يار، أن التيار الإصلاحي لم يجد شخصية تصلح لدعمها في الانتخابات الرئاسية الإيرانية إلا مسعود بزشكيان، الذي وصفه بالشخص “النظيف”.
وقال في حواره مع “زاد إيران” إن مسعود بزشكيان اضطر إلى قبول دعم التيار الإصلاحي للترشح في الانتخابات الرئاسية لأسباب خاصة به؛ حتى لا يكون “متقاعسا” عن خدمة وطنه، مشددا في الوقت نفسه على أن مئة يوم من حكم بزشكيان ليست كافية لتقييم تجربة الرجل في السلطة.
فإلى نص الحوار:
كيف تقيّم تجربة بزشكيان في الحكم حتى الان؟
في البداية أريد أن أؤكد أنه يجب أن تضعوا رؤيتكم التقليدية لإيران في ما يتعلق بالداخل الإيراني وبما يتعلق بالتيارات السياسية الإيرانية، بعيدا ولا تعتمدوا عليه في تقييم الحالة الإيرانية، وذلك بسبب حدوث تغيرات جذرية وكبيرة في الحالة الإيرانية.
فالتيار الأصولي على سبيل المثال، بات بداخله عشرات التيارات المختلفة وكذلك التيار الإصلاحي، ومن ثم فالتيار الواحد بات داخله تيارات كثيرة ورؤى سياسية مختلفة لكل الملفات داخل ايران.
لذلك أعتقد أنه حين نحب أن ننظر إلى الداخل الإيراني ونقيم تجربة بزشكيان، يجب أولا النظر إلى تقسيمات وتشابكات التيارات السياسية في إيران؛ حتى نستطيع أن نفهم الصورة بشكلها الأشمل.
هذه التشعبات في التيارين، الإصلاحي والأصولي، متى حدثت؟ و أسبابها؟
يعني أقل شيء في العقد الأخير، أنا أستطيع أن أقول إن الذروة كانت في الانتخابات الإيرانية الأخيرة، لكن تقريبا منذ عشر سنوات، بدأت التغييرات تدريجيا، والأسباب معروفة فهناك تطورات حدثت على مستوى المنطقة، الرؤى تغيّرت، هناك الأداء السياسي والاقتصادي والاجتماعي في الداخل، قد أثّر بشكل كبير، كذلك أداء السلطة الحاكمة في إيران، أثر بشكل كبير ، فضلا عن التحولات في المنطقة.
هل هذه التشعبات في التيارات الإيرانية تسببت في وصول بزشكيان إلى السلطة؟
سؤال مهم، بسبب معرفتي القديمة ببزشكيان، أنا أعرفه منذ أكثر من أربعة عقود، منذ ما قبل الثورة، لأننا كنا في جامعة تبريز معا، فأعرفه شخصيا، هو على الصعيد الشخصي، كان مستقلا دائما، وكان بعيدا عن أي تنظيم، كان مواليا للثورة وكان ثوريا بكل ما تملك الكلمة من معنى.
نحن كنا في جامعة تبريز، وهذه الجامعة في تلك الفترة، كانت تعج باليساريين والشيوعيين بسبب قربها من الحدود مع الاتحاد السوفيتي ووجود العلمانيين بكثرة، كما كان المد الإسلامي آنذاك، فكان هناك نوع من تضارب الأفكار في تلك الفترة. ورغم ذلك فهو كان مستقلا دائما، لا ينتمي الى أي تيار، فهو كان بحد ذاته تيارا.
النقطة الثانية، بمرور العقود الأربعة، أصبح وزيرا في عهد الرئيس الأسبق محمد خاتمي، وقبلها كان رئيسا لكثير من المستشفيات، ثم نائبا في المجلس ونائب رئيس البرلمان، ورغم ذلك لم يبرز له أي توجه سياسي نهائي.
فميوله السياسية، لم تكن موجودة، حتى إنه في الانتخابات الأخيرة كان يقول في حملته دوما: أنا أصولي إصلاحي، هويته بأنه أصولي، بمعنى: يؤمن بأصول الثورة، يؤمن بالأصول الإسلامية، يؤمن بكل ما نعتقد نحن فيه، لكنه يريد الإصلاح في هذه الأصول، وهذه النقطة مهمة، قال لي مرة: أنا لا أنتمي إلى حزب سياسي، أنا أصولي إصلاحي، وهذه أخطاؤنا نريد أن نصحح هذه الأخطاء.
أتى بهذا الشعار، وفي كل حملته الانتخابية وكل ظهوره على الشاشة، في الحوارات التي كانت مع المنافسين الآخرين، كان يتحدث عن هذه النقطة، ولذلك فكل الإصلاحيين بمختلف أشكالهم وألوانهم برزوا لدعمه.
هنا السؤال، بما أنه لم يكن ينتمي إلى طرف ما، لماذا أُلقي به في حجر الإصلاحيين؟ هل لأنه كان سهل التوظيف والتجنيد، إذا استطعنا أن نقول تجنيد؟ أو استغلاله؟
لم يكن استغلالا، لكن كانوا يؤمنون بأنه إنسان نظيف، يعني أن حياته الشخصية نظيفة بكل ما تملك الكلمة من معنى، كان إنسانا نظيفا.
في النهاية، ففي الانتخابات يكون الصراع والمنافسة قوية لأنصار التيارات، وهناك تُفتح كثير من الملفات الخاصة بالفساد، لكن بزشكيان كانت ملفاته نظيفة.
جميل، إذن فلماذا ذهب إلى هذه المساحة وقَبِل بالترشح للرئاسة؟ هل الإصلاحيون لم يكن لديهم شخصية بديلة قوية؟
الإصلاحيون قدموا مجموعة من الأسماء، وحسب النظام القانوني مثل كثير من الدول هناك تزكية لبعض الأسماء انطلاقا من أسباب تقولها الدولة، وقد تم القبول به، وتم رفض شخصيات أخرى لأسباب كثيرة.
يعني أنت تتحدث عن بزشكيان كشخصية نظيفة من الفساد، لكن هل الإصلاحيون كانوا يرون أن مقوماته تصلح كقائد لدولة مثل إيران؟
ما كان عندهم خيار آخر.
لم يكن هناك خيار؟
لا، لكن هذا كان الخيار الأنسب بين المرشحين الذين سجلوا وزُكّيت أسماؤهم.
ما الإغراء الذي دفع بزشكيان إلى قبول هذه المسؤولية الضخمة؟
الذي يعرف التركيبة الإيرانية، ويعرف الفسيولوجيا في إيران، سوف يفهم دوافع بزشكيان للترشح في الرئاسة، هو رأى أن التكليف الشرعي يفرض عليه أن يدخل في الانتخابات، يعني كان يقول: أنا شرعا ملتزم أن أنقذ، أن أُصلح، أن أدخل هذه العملية الانتخابية، وإذا اُخترت من قبل الشعب، فأنا أستمر في هذا النهج، إذن أنا أديت تكليفي الشرعي، يعني بين قوسين، التكليف الشرعي هو الذي فرض نفسه على بزشكيان.
هل التكليف الشرعي في الأدبيات الثورية الإيرانية له مكانة خاصة؟
من خلال معرفتي الشخصية ببزشكيان، أؤمن بأن إيمانه بالتكليف الشرعي الذي رسمه لنفسه هو الذي قاده إلى الترشح وإلى الاستمرار.
استدعاء هذا الواجب الشرعي، مقبول في حال عدم وجود مرشح آخر من خلفية دينية، لكن بزشكيان كان أمام سعيد جليلي الأصولي المعروف، وآخرين قادمين من المدرسة نفسها كذلك؟
لا، هو كان يؤمن بأن نهج فلان أو نهج فلان لا يصح للحكم في ظل هذه الظروف السياسية الداخلية، (في إشارة إلى سعيد جليلي والآخرين)، وكان يرى بضرورة التغيير، خاصةً أن هناك أصوات كثيرة كانت تطالب بضرورة تغيير مدرسة الأصوليين من الحكم، وقد كانت هناك أصوات ترفض مسارات كثيرة في السياسة الداخلية، على سبيل المثل مثل الملفات الخاصة بالمرأة وحقوقها في المجتمع، فقد كانت هناك أصوات كثيرة تطالب بالتغيير.
تقول إنه آمن بأنه يجب أن يكون هناك تغيير في الأداء، ولكن هل بعد نجاحه استطاع أن يحقق ما كان يطمح إليه من تغيير؟
أولا، هذه المدة تُعتبر قصيرة، لبلد على مستوى إيران، وعلى مستوى التحديات الكبرى التي تواجهها في الداخل والخارج.
وفي المسار الخارجي، تواجه إيران ضغطا دوليا كبيرا، يعني في ظل هذه الأمور، هذه المدة قصيرة جدا ولا يمكن الحكم على الأداء بشكل شامل، إضافة إلى ذلك، الضغوط المستمرة، التي تعرقل أي نجاح، وأنا أقول لك إن أي دولة لن تستطيع أن تتحمل جزءا صغيرا من هذه التحديات والعقوبات المفروضة عليها من الغرب.
الذي يزور إيران ولم يعتمد على الترويج الإعلامي، ويرى البنى التحتية، والتطور، والإعمار، والكثير، يفاجأ بأن هذه إيران في ظل هذه العقوبات، وهذا حديث طويل لا أريد التوسع فيه، لذلك لا يستطيع أحد خلال 100 يوم أن يجد حلولا لملفات كبيرة ومهمة جدا تعيش إيران في تفاصيلها كل يوم، ولكن في الوقت نفسه لم نشهد عدم رضا أو إحباطا حتى الآن من الشارع، بالنسبة للرئيس بزشكيان.
أنت تتحدث أن الشارع ليس محبطا، بينما تنقطع الكهرباء، وهناك أزمة تتعلق بالمازوت، الدولار ارتفع، الضغوط الاقتصادية، فماذا تقصد بالإحباط من وجهة نظرك؟
إذا تحدثنا عن الكهرباء، فهو يقوم بخطوات جريئة، ورغم ذلك فهو لن يستطيع حل مشكلة الكهرباء في مئة يوم، كذلك هناك أمر هام فسدود الماء في إيران باتت تقريبا شبه مملوءة، وهذا يعتبر شيئا مختلفا عن السنوات الماضية، ولكن أنت عندما تريد أن تبرمج للمستقبل يجب أن تقوم بعملية جراحية شاملة.
سبب قطع الكهرباء يتعلق باستخدام المازوت في تشغيل الشركات وهو ما يُسبب تأثيرات بيئية كبيرة، لذلك تعرضت الكهرباء لأزمة بسبب لجوء السلطة إلى وقف استخدام المازوت بشكل جزئي.
هناك أزمة أخرى تتعلق بتهريب البنزين، وهي التي تسبب أزمة حقيقية في إيران الآن، حيث إن السعر المتدني جعل الوقود الإيراني هدفا للتهريب بطرق متعددة، حتى عبر قنوات تحت الأرض ويهرب إلى الخارج، مما يشكل مصدر دخل كبيرا للمهربين، لكن هذه الأسعار المنخفضة أثرت أيضا على الثقافة العامة للاستهلاك، أنت مثلا جالس في البيت تفتح كل الأجهزة حتى الشبابيك في الشتاء شيء عجيب، لأنه رخيص ومتوافر.
ومن زاوية أخرى، إذا أراد الرئيس الحالي الاستمرار في الحكم والمنافسة في دورة انتخابية أخرى، يستطيع خلال هذه السنوات الأربع أن يكون كما كان عليه الوضع أيام إبراهيم رئيسي ولا يذهب إلى اتخاذ إجراءات جذرية، ولكن لأنه كما قلت يأتي بسياسة مختلفة، فهو يقوم بعملية جراحية.
لماذا يتم استدعاء حالة روحاني مع بزشكيان في رفع سعر البنزين ،وأنه إذا رفع سعر البنزين سوف يلقى نفس مصير روحاني الذي خرجت ضده مظاهرات قوية؟
كما قلت، إذا ذهبت إلى الشوارع، فسوف تُشاهد أزمة خانقة للبنزين، والسيارات تتحرك ببطء في الشارع، لذلك إذا أردت أن تحل أزمة البنزين يجب أولا أن تخلق ثقافة المواصلات العامة في إيران وهذا غير متوافر حاليا، لا الثقافة العامة بضرورة الاعتماد على المواصلات العامة، ولا البنية التحتية التي تسمح بتوفير مواصلات عامة.
نترك الداخل ونذهب إلى الخارج، ما الملفات الهامة التي يجب على بزشكيان أن يتعامل معها في السياسة الخارجية الآن وبشكل اكثر براغماتية؟
الملف الأول يتعلق بفوز دونالد ترامب في الرئاسة الأمريكية، وهو أمر هام، لكن الإيرانيين يدركون جيدا أن الجمهوريين والديمقراطيين كلاهما اتخذا إجراءات سلبية ضد إيران، منذ عشرات السنوات وليس من اليوم.
الأمر الثاني، هو أنه لا خوف من أي عقوبات أمريكية، فأمريكا فرضت كل أنواع العقوبات على إيران، وحتى هناك عقوبات يتم تكرارها مرة أخرى ضد إيران، ومن ثم لا قلق داخل إيران من وصول ترامب إلى السلطة.
الملف الثاني، الحرب مع إسرائيل، والذهاب لـ”الوعد الصادق 3″.
يجب الإشارة إلى أنه لم يكن هناك أي تصريح يتعلق بنية إيران إلغاء “الوعد الصادق 3” على اسرائيل، لأن هذا يعتبر أمرا مصيريا لإيران، إذا قررت إيران أن تستغني عن الرد فهذا سوف يعطي الفرصة لإسرائيل للقيام بضربات أخرى داخل إيران. وهذا يُعرّض الأمن الداخلي الإيراني والكرامة والسيادة الإيرانية للخطر، لذلك ما في أحد في إيران يستطيع أن يتحدث عن إلغاء الرد.
النقطة الثانية في هذا المجال، النبرة التهديدية بالرد على إسرائيل سمعناها مئات المرات وما زلنا نسمعها من كل المسؤولين السياسيين والعسكريين والأمنيين، بأعلى مستوياتهم، الرجوع عن هذا الخطاب يعني يُهدد أصلا مصداقية النظام بشكل كبير.
لذلك سوف يكون هناك رد، لكن تتمتع إيران بالهدوء في انفعالاتها، ولا تنساق وراء العاطفة ولا الدعوات التي تستعجل إيران في ردها على إسرائيل.
لذلك أنا أتصور أن الرد سوف يأتي، لا يستطيع أحد أن يتراجع عن هذا الرد، وفي النهاية فالسلطة تخطط الآن لهذا الرد.
الأيام الماضية أُثير الحديث حول خليفة خامنئي، كيف ترى ذلك؟
أتصور أن هذه حرب نفسية يديرها أطراف من الخارج، ففي كل مرة تقع أزمات بالمنطقة تتم إثارة ملف خليفة خامنئي.