كتب: مصطفى أفضل زادة مراسل “زاد إيران” في طهران وشروق السيد
يشكل النزاع حول الجزر الثلاث: طنب الكبرى، وطنب الصغرى، وأبو موسى العامل الأساسي المؤثر في العلاقات السياسية بين الإمارات وإيران، وقد بسطت إيران سيطرتها على هذه الجزر بعد انسحاب القوات البريطانية من الخليج عام 1971.
هذه القضية ما زالت محل خلاف عميق بين إيران والإمارات، ورغم أن هناك أصواتا دولية تدعو إيران إلى ضرورة التفاهم مع الجانب الإماراتي حول ملكية الجزر، لإيجاد صيغة مشتركة، فإن إيران تتمسك بحقها في ملكية الجزر وترفض أي سيناريو للحل بعيدا عما تريده.
بيان الاتحاد الأوروبي
في هذا الصدد، كان للاتحاد الأوروبي منذ أيام، بيان صدر عن اجتماع مشترك عُقد في بروكسل بين مجلس التعاون الخليجي والاتحاد الأوروبي، دعا إيران إلى إنهاء ما وُصف بـ”الاحتلال” الإيراني للجزر الثلاث، معتبرا ذلك انتهاكا لسيادة الإمارات ولمبادئ ميثاق الأمم المتحدة، كما دعا البيان إلى تعزيز الحوار والدبلوماسية لتخفيف التوترات الإقليمية.
هذا البيان الذي صدر عن الاتحاد الأوروبي ومجلس التعاون الخليجي، كان مثار نقاش “زاد إيران” مع عضو البرلمان الإيراني علي خضريان، الممثل عن طهران وعضو التيار الثوري الإيراني، وأحد أعضاء جبهة “بايداري” الأصولية.
تصريحات علي خضريان
في البداية سأل “زاد إيران” علي خضريان حول موقفه من بيان الاتحاد الأوروبي ومجلس التعاون الخليجي بخصوص الجزر المتنازع عليها مع الإمارات، حيث قال: “في البداية، يجب أن يتم توضيح أنه رغم وجود مستندات ووثائق واضحة تثبت ملكية إيران للجزر الثلاث، والتي يمكن تلخيصها في ثلاثة محاور: تاريخية، وجغرافية ورسمية، فإن مشكلة الأوروبيين ليست جهلا بتلك الوثائق، بل محاولة للحصول على امتيازات من إيران، وبالطبع فإن حساباتهم الخاطئة في هذا الأمر جعلتهم يتصرفون على هذا النحو، وبالطبع سيتم تصحيح هذا الخطأ من خلال الإجراءات التي ستُتخذ.
أضاف علي خضريان، في تصريحات لـ”زاد إيران”: “لمعلوماتكم، سأقدم لمحة عن هذه الوثائق، من الناحية التاريخية، هناك وثائق تشير إلى أنه طوال التاريخ وحتى عام 1903، عندما طلبت بريطانيا، لدعم أسطولها العسكري في الخليج الفارسي(كما يسميها الجانب الايراني وهو مصطلح دأبت ايران على تسمية الخليج به ، في حين يطلق عليه الخليج العربي ، في العالم العربي وكذلك في المواثيق الدولية)، من الوزير المفوض الإنجليزي في طهران تأجير بعض الجزر الإيرانية، رفض رئيس وزراء إيران هذا الطلب، فهددت بريطانيا بأنه في حال اعتراض إيران على نقل ملكية الجزر، قد يتم التشكيك في حقوق وملكيتها لكافة جزر الخليج، وأشارت إلى احتمالية احتلال الجزر من قبل بريطانيا وتوجد وثائق هذه المفاوضات في طهران ولندن، والجانب الأوروبي على دراية تامة بذلك”.
كما أضاف علي خضريان في تصريحاته لـ”زاد إيران”: “فيما بعد، استغلت بريطانيا عدم وجود مظفر الدين شاه في إيران خلال رحلته التي استغرقت ستة أشهر إلى أوروبا، وأصدرت أوامر باحتلال الجزر الثلاث الإيرانية ورفع علم شيوخ الشارقة ورأس الخيمة عليها”.
أضاف كذلك: “ومن المثير للاهتمام أن شيخ الشارقة تأخر لأكثر من شهرين في تنفيذ أمر قائد الأسطول البريطاني في الخليج، لأن جزيرة أبو موسى لم تكن تابعة للشارقة، بل كانت تحت سيطرة نائب حاكم بندر لنجة الذي كان قد منحها للشيخ سالم، حاكم الشارقة المعزول، وكان الشيخ سالم يعلم أن جزيرة أبو موسى تخص إيران، وكان يخشى من عواقب المواجهة العسكرية مع إيران، لذا تراجع عن تنفيذ أمر (باليوز)، قائد الأسطول البريطاني في الخليج، حتى إن القنصل البريطاني عقد عدة مفاوضات شخصية مع الشيخ سالم وأقنعه بأن الأسطول البريطاني سيدعمه ضد إيران، فوافق على رفع علم الشارقة على جزيرة أبو موسى”.
أما في ما يتعلق باحتلال جزيرة طنب الكبرى، فقال علي خضريان في تصريحاته لـ”زاد إيران”: “أما بشأن احتلال جزيرة طنب الكبرى ورفع علم رأس الخيمة عليها، فهناك وثائق تثبت أنه في الوقت الذي أصدر فيه قائد الأسطول البريطاني في الخليج أمر رفع علم رأس الخيمة على جزيرة طنب، كان قد أُعلم بوجود علم إيران مرفوعا على تلك الجزيرة، وسأل القنصل البريطاني في الشارقة عن تاريخ رفع هذا العلم ومن أصدر أمر رفعه”.
أضاف كذلك: “بينما لدينا وثائق تثبت أن العلم الإيراني الذي رُفع على جزيرتي طنب الكبرى والصغرى كان أول علم يُرفع على تلك الجزر بأمر من الشيخ يوسف، نائب الحاكم الإيراني في بندر لنجة، وكان محمد سلمان المرزوقي، من بندر مغوية في مقاطعة بندر لنجة، هو من كان مسؤولا عن رفع العلم الإيراني، هذه المستندات، التي ليست قليلة، لا يمكن إنكارها”.
قال أيضا في تصريحه لـ”زاد إيران”: “كل هذه الوثائق، إضافة إلى الخرائط التاريخية التي أعدها الأوروبيون أنفسهم في العصور الماضية والموجودة حاليا، ذكر بعد الجزر ما يفيد بسيادة إيران عليها، تُعد جميعها أدلة تشير إلى اتخاذ الأوروبيين موقفا سياسيا معاصرا تجاه هذه الجزر”.
سيادة الإمارات
سأل “زاد إيران” علي خضريان، حول دعم أوروبا لسيادة الإمارات على الجزر، فقال: “إنّ تصرف الاتحاد الأوروبي بإصدار بيان لصالح مطالب شيوخ الإمارات، رغم عشرات الوثائق التاريخية والبريطانية التي أكدت السيادة الإيرانية على جزيرتي طنب وأبو موسى، وبدون تقديم أي دليل أو مستند موثوق، يعد غير مقبول قانونيا وفقا للقانون الدولي ولا قيمة قانونية له”.
أضاف كذلك: “في الواقع، فإن رد فعل الاتحاد الأوروبي في الإعلام يمثل نوعا من الانتقام من إيران بسبب دورها المؤثر في جبهة المقاومة،كما يبدو أن الأوروبيين قد صدقوا الأكذوبة التي روجوا لها حول اتهام إيران بدعم روسيا في الحرب على أوكرانيا، والآن، رغم نفي إيران إرسال صواريخ باليستية إلى روسيا، يحاولون الرد سياسيا من خلال استهلاك الرأي العام لديهم عبر اتخاذ مثل هذه الإجراءات، لذلك، إضافة إلى فرض عقوبات على الخطوط الجوية الإيرانية، أصدروا هذا البيان غير المسبوق ضد سيادة إيران الإقليمية”.
وختم كلامه بالقول: “يدل هذا الموقف على أن أوروبا قد دخلت في مرحلة جديدة من سياساتها المعادية لإيران، مما يتطلب ردا حازما من قبل إيران، لذلك، فإن لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في البرلمان تتابع حاليا خطة للمطالبة بالرد المناسب على هذه التصرفات الوقحة من الأوروبيين”.
أهمية الجزر
تبرز أهمية الجزر الاستراتيجية في موقعها الجغرافي، إذ تتيح السيطرة عليها التحكم بممر الخليج، وهو معبر ملاحي رئيسي يصل بين آسيا وأفريقيا وأوروبا. علاوة على ذلك، تحتوي هذه الجزر على موارد نفطية ومعادن تجعلها ذات قيمة اقتصادية عالية.
تقع الجزر الثلاث وهي طنب الكبرى، وطنب الصغرى، وأبو موسى، في الخليج، وتُعد دائما موضوعا حساسا في العلاقات الدولية والإقليمية، يتخذ الاتحاد الأوروبي ودولة الإمارات العربية المتحدة، كفاعلين مهمين في الساحة الدولية، مواقف خاصة تجاه هذه الجزر
تعترف إيران، بناءً على الوثائق التاريخية والجغرافية، بسيادتها على الجزر الثلاث منذ العصور القديمة وحتى الآن، وقد أكدت إيران هذه السيادة في مختلف العصور، وضمن ذلك قبل الثورة الإيرانية 1979 وبعدها.
وتُصر إيران باستمرار على حقها في السيادة على الجزر الثلاث، وقد صرحت وزارة الخارجية الإيرانية، ردا على البيانات المشتركة للاتحاد الأوروبي والإمارات، بأن مثل هذه التصريحات ليست فقط غير قانونية وغير مقبولة، بل إنها تمس بشكل مباشر، سيادة إيران ووحدة أراضيها.
كما تشير إيران إلى أن قضية الجزر الثلاث مسألة تاريخية وقومية، وأن أي تصريحات أو تدخلات خارجية بشأنها تُعد انتهاكا للمبادئ الدولية والسيادة الوطنية الإيرانية، ويرى المسؤولون الإيرانيون أن هذه التصرفات تأتي في سياق جهود بعض الدول لإضعاف نفوذ ومكانة إيران في الخليج.