كتبت: لمياء شرف
في ظل حكومة بزشكيان الجديدة التي مر عليها ما يزيد على 100 يوم، تدفعنا الحاجة إلى فهم عميق للتغيرات السياسية والجيوسياسية التي ترسم ملامح المرحلة المقبلة في ظل المعطيات العالمية الجديدة.
ويعد حسين رويوران، الخبير والأكاديمي والمحلل السياسي البارز في شؤون الشرق الأوسط والشأن الإيراني، من الأصوات المطلعة على تعقيدات هذه التحولات.
في هذا الحوار الخاص لـ”زاد إيران”، يقدم رويوران رؤاه وتحليلاته حول الداخل الإيراني والتحديات الجيوسياسية التي تواجهها إيران.
كيف تقيّم أداء حكومة بزشكيان في التعامل مع أزمة العملة والضغوط الاقتصادية؟ وهل هناك استراتيجيات جديدة تعتمدها الحكومة للتخفيف من التضخم وانخفاض قيمة الريال؟
انتخاب بزشكيان كان انتخاب ضرورة؛ لأن الرئيس السابق رحل في إطار حادث، ولم يدّع الرئيس بازشكيان في المناظرات التلفزيونية، خلال فترة ترشحه، أنه يمتلك برنامجا واستراتيجية واضحة وجاهزة لمعالجة الأمور؛ لكنه وعد بأن يكون الشخص المناسب في المكان المناسب.
أما بشأن الوضع الاقتصادي في إيران وهو الأعقد على الإطلاق، أقر بزشكيان بأنه لن يتخذ أي سياسة أو استراتيجية للتعامل مع هذا الملف إلا بعد استشارة المتخصصين والأخذ بآرائهم، إضافة لذلك فهو ما زال يحاول ويكثف جهوده لإيجاد اللجنة الاقتصادية التي وعد بأن تكون العقل المنفصل للحكومة في الأداء والسياسات الاقتصادية المتخذة.
ولا يمكن حاليا تقييم أداء حكومة بزشكيان بشكل منصف؛ لأنه ما زالت الحكومة في بداية عملها؛ ولكن الشيء المهم هو أن على الرغم من استمرار التضخم الاقتصادي فإن سعر الريال الإيراني لم يتغير نسبيا خلال هذه الفترة.
ما تأثير العقوبات الدولية على الاقتصاد الإيراني؟ وكيف يمكن للحكومة أن تتعامل مع هذه الضغوط الخارجية في ظل المشاكل الداخلية التي تواجهها؟
لا شك في أن العقوبات الاقتصادية على الداخل الإيراني لها تأثير سلبي، لأن الدورة الاقتصادية الآن منقطعة، سواء تصديرا أو استيرادا، بسبب عدم قدرة إيران على استعمال البنوك الدولية بسبب العقوبات المفروضة عليها، وبالطبيعة يؤثر ذلك على الحكومة.
ووجدت الحكومة الإيرانية أن الحل هو الالتفاف على العقوبات الدولية المفروضة عليها، حتى ولو بشكل نسبي، وفي هذا الإطار أصبح التأثير السلبي للعقوبات منخفضا، وذلك عكس العراق الذي فرضت عليه العقوبات من عام 1990 إلى 2003 ودمرت الاقتصاد العراقي بالكامل، عكس إيران الآن ورغم العقوبات، لديها اقتصاد قوي ومتين تستطيع من خلال صناعتها تحقيق الاكتفاء الذاتي، وعلى سبيل المثال لا الحصر وصل الاكتفاء الذاتي في مجال الأدوية إلى أكثر من 97% وهذا غير مسبوق في أي دولة بالعالم.
ملف الفساد هو إحدى القضايا الشائكة في الداخل الإيراني. كيف تتعامل حكومة بزشكيان مع هذه المشكلة؟ وهل هناك إرادة سياسية حقيقية لمكافحة الفساد أم أن الجهود الحالية لا تزال سطحية؟
ملف الفساد ليس واسعا في إيران.. يحاول البعض أن يروج أن الفساد مستشرٍ في الداخل الإيراني، في حين أن ذلك لا يتطابق مع الواقع، نعترف بأن هناك فسادا ولكن ليس على المستويات العليا من الدولة، بينما تجده في المستويات الوسطى والمتدنية، والمحاكمات القضائية تدين كل من ارتكب عمليات فساد مالي واقتصادي في إيران.
أتصور أن الحكومة الحالية لديها إرادة سياسية حقيقية لمكافحة الفساد، “الناس على دين ملوكهم”، فالرئيس بزشكيان نموذج حي لذلك، فهو متخصص في جراحة القلب، لكنه لا يمتلك عيادة خاصة وإنما يعمل في المستشفيات الحكومية وبشكل مجاني، ولا يمتلك عقارات وإنما يمتلك بيته فقط في طهران، فهو إنسان “درويش” و “زاهد”.. أتصور أن هذا السلوك من الحاكم يؤثر بشكل واضح على الدولة والحكومة. وبزشكيان في بداية ولايته هدد كل من عيّنهم بأنه “إذا كان هناك أي صورة من الفساد فلن يغطي عليه”.
هل تعتقد أن التوترات الاقتصادية والاجتماعية التي نشأت عن تدهور الأوضاع الاقتصادية قد تؤدي إلى احتجاجات شعبية جديدة؟ وكيف تستعد الحكومة للتعامل مع أي موجات اضطراب محتملة؟
لا توجد أي توترات اقتصادية أو اجتماعية حاليا.. نعم يوجد وضع اقتصادي غير مرضيّ عنه؛ ولكن ليست هناك توترات في الشارع أو اعتراضات. الحكومة الحالية هي نتاج اختيار هذا الشارع ولا يمكن أن تكسب الشارع في الجولة الثانية من الرئاسة إلا إذا عملت في إطار التوجه الشعبي.
وأتصور أن الحكومة ستعمل على كسب رضى الشعب وعدم مفاجئة الناس برفع الأسعار، فمثلا: الآن لتر البنزين 3 آلاف ريال، يعني أن كل 20 لترا تعادل دولارا، في حين أن لتر الماء يعادل 7 آلاف ريال، يعني يزيد على البنزين بأكثر من الضعف، والحكومة لم ترفع الأسعار على المواطن على الرغم أنها تشتري البنزين من المصافي بعشرة أضعاف سعر بيعه.
هل ترى أن هناك تناقضا بين محاولات الحكومة تحسين الاقتصاد والواقع الذي يواجهه المواطن العادي، خصوصا في ظل ارتفاع البطالة وتدهور القوة الشرائية؟
لا أعتقد أن هناك تناقضا بين محاولات الحكومة تحسين الاقتصاد والواقع، فهي تسلم سنويا لذوي الدخل المحدود 300 ألف منزل بأسعار بسيطة جدا، وهذا يعكس سياسات حكومية في الحد من البطالة، إضافة إلى مجهوداتها في السيطرة على التضخم.
كيف تقيم تعامل الحكومة الإيرانية مع ملف المهاجرين الأفغان، خصوصا في ظل تصاعد أعدادهم بسبب الأوضاع غير المستقرة في أفغانستان؟
هذا الملف مهم جدا.. هذا العام بلغ عدد الطلاب الأفغان الذين تم تسجيلهم في المدارس الإيرانية ويستفيدون من منظومة التعليم المجاني بإيران زاد على 700 ألف طالب، وعدد الأفغان الذين يستفيدون من الدعم الحكومي في المأكل وغيره من خلال بطاقات الحكومة ارتفع إلى 8 ملايين مهاجر أفغاني.
يعكس ذلك أزمة حقيقة تواجهها إيران، لأننا نعاني من أزمة البطالة، وبوجود 8 ملايين أفغاني في الداخل الإيراني “يزيد الطين بله”، ومن هنا، الحكومة عازمة على معالجة هذا الملف ولكن ليس بالعنف.. الحكومة تريد أن تبرمج إعادة الأفغان إلى بلادهم بالتدريج، ومن خلال خطة يتم الاتفاق عليها مع الحكومة الأفغانية، لتوفير ظروف ملائمة لهم.
ما التحديات الرئيسية التي تواجهها إيران في استيعاب هذا العدد الكبير من المهاجرين الأفغان، سواء على المستوى الاقتصادي أو الاجتماعي؟
هناك تحديات حقيقية، على المستوى الاقتصادي يزيد وجود الأفغان من حالة البطالة في إيران، الأفغاني يعمل بأي أجر يقدم له، وتوجد مخالفات قانونية كثيرة مثل التهرب من الضمان الاجتماعي الذي يلزم المقاولين وأصحاب العمل في التعامل مع أي عامل إيراني، على العكس، مع وجود الأفغاني لا يحتاج أصحاب الأعمال مثل هذه الإجراءات فيسهل توظيف الأفغاني، ويوجد اتجاه لتشغيل الأفغاني دون الإيراني.
كما يتم تحويل رواتبهم إلى عائلاتهم في أفغانستان، فيخلق ذلك أزمة حقيقية، ولكن إيران تتعامل بطريقة إنسانية في هذا الإطار وتبحث عن آلية لعودتهم إلى بلادهم.
كيف ترى إيران ممر زنغزور، وما المخاوف الإيرانية الأساسية من هذا المشروع؟ وهل ترى أنه يشكل تهديدا لمصالحها الجيوسياسية في المنطقة؟
موقف إيران من ممر زنغزور موقف سلبي.. إيران لن تسمح بفتح هذا الممر أبدا، لأنه يغير حدود دولة إيران.
إيران لديها حدود مع أذربيجان ومع أرمينيا، أن تأتي أذربيجان وتأخذ شريطا بعمق عدة كيلومترات من الحدود الإيرانية الأرمنية إلى منطقة نخجوان_ ذات الحكم الذاتي وغير ابمتواصلة بريا مع أذربيجان_ وهذا لا يمكن أن تقبل به إيران.
يسمح هذا الممر لتركيا بأن تتواصل مع بحر قزوين ومن خلال تركيا تأتي إسرائيل وأيضا الناتو، وهذا ما يغير أساسا الوضع الجيوسياسي في هذه المنطقة،كذلك روسيا لا تقبل بذلك أبدا، على الرغم من أن الرئيس الروسي بوتين خلال زيارته لأزربيجان أيد مطالبهم ولكن روسيا ترفض ممر زنغزور بسبب حرب روسيا مع أوكرانيا؛ لوجود الناتو الآن على حدودها.
فكما ترفض مصر أخذ أي خطوة في ممر فيلادلفيا فهو الموضوع نفسه بالنسبة لإيران.
هل تعتقد أن الممر قد يشكل تهديدا لمصالح إيران الاقتصادية، خصوصا من ناحية تقليص دورها كمحور نقل إقليمي بين الشرق والغرب؟
على الرغم من أن الممر قد يسبب تهديدا للمصالح الاقتصادية، فإن موضوع الاقتصاد ليس الأولوية لدى إيران، بل هو سيادة دولة وخيارات لدى إيران.
نعم، إيران تريد أن تكون لها ممرات متعددة من خلال أذربيجان وأرمينيا وتركيا، وأن تقل هذه الخيارات يعد تهديدا للأمن الاقتصادي.
ودور إيران كمحور إقليمي بين الشرق والغرب في تصوري لا يمكن تجاوزه إقليميا، فهي ممر بين الخليج الفارسي والمحيط الهندي وآسيا الوسطى وكذلك القوقاز وروسيا.
كيف تتعامل إيران مع الدعم التركي القوي لأذربيجان في قضية ممر زنغزور؟ وهل هناك احتمالات لتصاعد التوتر بين إيران وتركيا بسبب هذا الملف؟
تركيا تدعم أذربيجان قوميا، ولكن هذا لا يمكن أن يؤدي إلى صدام بين إيران وتركيا؛ لأن ممر زنغزور هو تغيير لحدود قائمة وهذا نادرا ما يحدث ضمن إطار النظام الدولي، فالحكومة الأرمينية ترفض أن تعطي شبرا واحدا من أرضها.
في حال تم تنفيذ ممر زنغزور، ما الخيارات الاستراتيجية المتاحة لإيران للحفاظ على مصالحها في منطقة القوقاز؟ وهل يمكن أن تلجأ إلى خطوات تصعيدية؟
إيران تقول إنها ستلجأ إلى خطوات تصعيدية إذا ما حاول أحدٌ تنفيذ ذلك على أرض الواقع، وهناك اتفاق أمني بين إيران وأرمينيا بالتدخل في حال إذا ما حاول أي طرفٍ التقدم شبرا واحدا بأراضي أرمينيا في ممر زنغزور بالتحديد، ولا أحد يستطيع أن يفرض ذلك، وإيران لديها كل الأدوات لإفشاله.