ترجمة: علي زين العابدين برهام
نشرت صحيفة “هم ميهن” الاثنين 10 مارس/آذار 2025 مقالها الافتتاحي تحت عنوان “فارغ لا قيمة له” في إشارة من النقد اللاذع الذي وجهه المرشد الإيراني علي خامنئي للحكومات على مدى الثلاثين عاما الماضية في لقائه بالمسؤولين السبت 8 مارس/آذار 2025.
استهلت الصحيفة افتتاحيتها بالقول إنه يمكن اعتبار التعبير الذي استخدمه المرشد الأعلى علي خامنئي، عند حديثه عن التقرير الذي تلقاه من الرئيس الراحل إبراهيم رئيسي، من أشد العبارات التي وجهها للحكومات الإيرانية خلال الـ35 عاما الماضية.
وأضافت أن خامنئي أشار في حديثه إلى شكوى إبراهيم رئيسي من امتناع بعض الشركات الحكومية الكبرى عن إعادة عائداتها من العملة الصعبة إلى البلاد، موضحا أن رئيسي كان يعتزم إلزام هذه الشركات بتنفيذ مشاريع استراتيجية كبرى، تشمل مشروعات مائية، ومصافي تكرير، ومحطات توليد الطاقة، لتعويض هذا التقصير.
وأوضحت أنه على الرغم من إقرار الخطة رسميا ومتابعة تنفيذها على مدى أشهر، فإن التقرير الذي قدّمه إبراهيم رئيسي حول أداء هذه الشركات للمرشد الأعلى قُيِّم على أنه “فارغ وبلا قيمة”.
وأشارت إلى هذه القضية تكشف عن مشكلة أعمق في هيكل الإدارة الحكومية، خاصة خلال عهد رئيسي. والسؤال الذي يفرض نفسه: ما هي هذه الشركات الحكومية التي تتجاهل حتى أوامر رئيس الجمهورية وترفض إعادة عائداتها من العملة الصعبة إلى الداخل؟ ومن هي الجهات النافذة التي تحميها؟
وأضافت أن يبرز تساؤل آخر: ما دور هذه الشركات في ارتفاع أسعار الصرف؟ ولماذا لم يجرؤ وزير الاقتصاد خلال استجوابه في البرلمان على ذكر أسمائها صراحة؟ ولماذا لم يتمكن رئيسي نفسه من فرض سلطته عليها؟
وتابعت أنه إذا كانت الحكومة هي الجهة التي تعيّن مجالس إدارات هذه الشركات، فلماذا لا تمتثل لتوجيهاتها؟ ولماذا لا تكتفي بمخالفة قرارات الحكومة، بل تتصرف أيضًا بشكل غير قانوني؟
وتساءلت: والأهم من ذلك، لماذا تُبقي هذه الشركات أموالها في الخارج؟ خصوصا أن أغلبها ينتمي لقطاع البتروكيماويات، الذي لا يحتاج إلى إنفاق كبير من النقد الأجنبي، ومن المفترض أن تعود جميع عائداته إلى البنك المركزي، ليتم استخدامها في تمويل الواردات الضرورية للمواطنين.
وأشارت إلى أنه من الواضح أن الأموال المحتجزة في الخارج تُستخدم إما لتهريب رؤوس الأموال أو لتمويل واردات بأسعار السوق الحرة. ومع ذلك، فإن أعضاء مجالس إدارات هذه الشركات ليسوا ملاكها، حتى يكون لهم الحق في الاستفادة من الأرباح بشكل شخصي. وهذا يعني أن الأمر لا يخرج عن احتمالين: إما فساد مستشر، أو قضية أكثر تعقيدا تدار في الخفاء.
وتابعت الصحيفة بالسؤال الجوهري: إذا كانت الحكومة عاجزة عن فرض سلطتها على شركاتها الحكومية، فعلى ماذا تملك السيطرة إذن؟
وأضافت أن اقتراح إلزام هذه الشركات بتنفيذ مشاريع كبرى كبديل عن إعادة العملة الصعبة، فهو ليس حلا حقيقيا، بل مجرد محاولة للالتفاف على المشكلة. فبدلا من اتخاذ إجراءات حاسمة لإجبارها على الامتثال للقانون، يتم القبول بمخالفاتها مقابل تكليفها بمشاريع أخرى. والأسوأ أن إقحام هذه الشركات في مهام خارج نطاق عملها الأساسي، لا يؤدي إلا إلى مزيد من الفساد وسوء الإدارة.
وأوضحت أن هذه الممارسات تعكس أزمة أعمق في النظام الإداري الإيراني، حيث يتم التهرب من مواجهة المشكلات بوضوح، والاستعاضة عن الحلول الجذرية بإجراءات شكلية ذات تكاليف باهظة ونتائج مشكوك فيها.
واستطردت أن الأخطر من ذلك كله أن التقرير المقدم إلى المرشد الأعلى حول هذه الشركات كان ضعيفا إلى درجة أنه وصفه بأنه “فارغ وبلا قيمة”، وهو ما يكشف عن خلل جوهري في إدارة الدولة وغياب الشفافية في نقل الحقائق إلى القيادة العليا.
وأضافت أنه من يجرؤ على الامتناع عن إعادة عائداته من العملة الصعبة إلى الداخل، لن يتردد أيضا في خداع الإدارة بتقارير سطحية ومضللة. والإدارة التي تعجز عن فرض سلطتها على الشركات التابعة لها وفق المصالح الوطنية والقانون، حتمًا ستكون عرضة للتضليل بهذه التقارير.
وأشارت إلى أنه ربما لم يكن معدّو التقرير يدركون أنه سيصل إلى المرشد الأعلى، وإلا لما تجرأوا على تقديم تقرير بهذا المستوى من الهشاشة.
وتابعت بطرح السؤال الأهم: ما الذي حدث للمسؤولين عن هذه المخالفات، ولمن صاغوا هذا التقرير الفارغ؟ فمن الطبيعي أن تحدث أخطاء في أي جهاز إداري، لكن المهم هو كيفية التعامل معها وإصلاحها.
وأردفت أن إعداد تقرير فارغ، إما ناتج عن عدم كفاءة، أو محاولة مقصودة لخداع المسؤولين. وفي كلتا الحالتين، يستوجب ذلك محاسبة صارمة للمسؤولين عنه. والغريب أن مثل هذه الإخفاقات الإدارية لم تُكشف في وقتها، بسبب القيود الإعلامية الصارمة.
وأضافت أنه في هذا السياق، يستعد المجلس الأعلى للثورة الثقافية لعقد مؤتمر دولي بعد شهرين لمناقشة “نموذج الحوكمة في عهد إبراهيم رئيسي”.
واختتمت بالقول أنه سيكون من الجدير تخصيص جزء من هذا المؤتمر لدراسة هذه التقارير المضللة، لأن نقل رئيسي لمثل هذا التقرير إلى المرشد الأعلى لم يكن مجرد نقل معلومات، بل كان ضمنيا إقرارا بمضمونه، وهو ما يثير تساؤلات حول آليات التقييم داخل حكومته.