ترجمة: أسماء رشوان
نشر موقع “فرارو” حوارا يوم الخميس 13 فبراير/شباط 2025، مع مرتضى أفقه، الخبير الاقتصادي وعضو الهيئة التدريسية بجامعة الشهيد جمران في أهواز، حول استجواب عبد الناصر همتي وزير الاقتصاد الإيراني.
ذكر الموقع أن أحمد نادري، ممثل أهالي طهران وعضو هيئة رئاسة البرلمان، قد أعلن مؤخرا عن إحالة مقترح استجواب عبد الناصر همتي، وزير الاقتصاد، إلى لجنة الشؤون الاقتصادية في البرلمان، وذلك بعد حصوله على 89 توقيعا. وأوضح نادري أن سبب هذا الاستجواب يعود إلى عدم رضا البرلمان عن إدارة همتي للملف الاقتصادي.
وأضاف أنه بالتزامن مع هذا الإعلان، انتشرت شائعات تفيد باستقالة محمد رضا فرزين، محافظ البنك المركزي، إلا أن علي أحمد نيا، المسؤول عن الشؤون الإعلامية في الحكومة، نفى هذه الأنباء بسرعة.
وذكر أن معارضي همتي يرون أنه لم يتمكن من السيطرة على سوق الدولار والتضخم بالصورة المطلوبة. في هذا السياق، كتب علي خضريان، عضو لجنة الأمن القومي بالبرلمان الإيراني، في مذكرة له: “وسائل الإعلام الداعمة لوزير الاقتصاد تزعم أن ارتفاع سعر الصرف بنسبة 55% خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة يعود إلى العوامل السياسية ووجود ترامب! لكن السؤال المطروح هو: لماذا استقر سعر الدولار عند حدود 60 ألف تومان خلال الأشهر الـ18 السابقة لتولي همتي منصبه، رغم وقوع 18 حادثة سياسية وأمنية غير مسبوقة؟”.
وأضاف خضريان أن الوزير كان قد تعهد برفع سعر الدولار في نظام “نيما” وخفض سعر الدولار في السوق الحرة لضبط سوق الصرف، لكنه لم يحقق ذلك، بل ساهمت تصريحاته غير المدروسة في زيادة اضطراب السوق من خلال وضع حد أدنى لسعر الدولار والذهب. كما طالب رئيس الجمهورية، مسعود بزشكيان، بإعادة النظر في فريقه الاقتصادي على وجه السرعة قبل استجواب الوزير في البرلمان.
ووفقا “لموقع فرارو” على الجانب الآخر، يرى مؤيدو همتي أن الأزمة الاقتصادية لن تشهد انفراجا ملحوظا ما لم يتم رفع العقوبات وتوسيع آفاق العلاقات الدبلوماسية. وفي ظل هذه المعطيات، يبرز تساؤل جوهري: هل أخطأ الفريق الاقتصادي لحكومة بزشكيان في سياسته، أم أن المشكلة أعمق من ذلك؟
المشكلة ليست اقتصادية
في هذا الإطار، أجاب مرتضى أفقه، الخبير الاقتصادي وعضو الهيئة التدريسية بجامعة الشهيد جمران في أهواز، عن هذه التساؤلات خلال حوار مع موقع “فرارو”، حيث صرّح قائلا: “الذين يوجهون الانتقادات اليوم لأداء همتي ويطالبون باستجوابه، هم أنفسهم -أو على الأقل ينتمون للتيار الفكري نفسه- الذين تسببوا في خلق الأزمة الاقتصادية الحالية. المشكلة في بلدنا ليست اقتصادية بحتة بحيث يمكن لوزير الاقتصاد حلها بمجرد اتخاذ قرارات اقتصادية. شخصيا، لدي انتقادات لأداء همتي وكذلك فرزين، لكن ما نشهده اليوم ليس مجرد أزمة اقتصادية، بل نتيجة للسياسات التي فرضها التيار المتشدد التابع للتيار الأصولي، سواء عبر سياساتهم الخارجية أو من خلال عرقلة أي اتفاق، مما قاد البلاد إلى هذا الوضع”.
وأضاف أفقه أنه خلال فترة حكم إبراهيم رئيسي، كان من المتوقع استغلال وجود جو بايدن في البيت الأبيض للوصول إلى اتفاق سريع، لكن ذلك لم يحدث، ما حال دون استعادة الحد الأدنى من الفوائد التي أتاحها الاتفاق النووي. ورغم قصر عمر هذا الاتفاق، فقد مكّن إيران بين عامي 2016 و2018 من بيع النفط بشكل أفضل، وتكوين احتياطيات مالية ساعدتها لاحقا في مواجهة ضغوط إدارة ترامب.
وواصل حديثه: “إذا كان هناك من يستحق المحاسبة اليوم، فهم هؤلاء النواب المتشددون أنفسهم”.
التيار الأصولي هو المسؤول عن الوضع الراهن
أوضح مرتضى أفقه أنه لا يمكن لأي معادلة اقتصادية تحسين الوضع ما لم تُحل القضايا الأساسية المتعلقة بالعلاقات الخارجية والبنية التحتية. وأشار إلى أن الاستجواب الحقيقي يجب أن يتطرق إلى السياسات التي انتهجها البعض في الماضي، حينما كانوا يقللون من شأن العقوبات، بل ويسخرون منها، مؤكدا أن هؤلاء أنفسهم كانوا سببا رئيسيا في العرقلة المستمرة للمفاوضات والاتفاقات حتى قبل وصول ترامب إلى الحكم.
وأضاف أنه “منذ ثورة 1979 وحتى اليوم، جُرِّبت جميع الخطط الاقتصادية الممكنة، ومع ذلك لم نصل إلى حل جذري”. وتعجب من عدم إدراك بعض المسؤولين أن الأزمة ليست اقتصادية بحتة، بحيث يمكن لفريق اقتصادي جديد حلها. كما أنه لم يعد هناك أي معادلة اقتصادية قادرة على إنقاذ الوضع، مشبها الوضح بالأرض التي باتت قاحلة، فلا يمكن زراعتها مهما كانت الأساليب الزراعية المستخدمة.
ويرى أفقه أن التيار الأصولي المتشدد، الذي وقف ضد المفاوضات وحل أزمة العقوبات، وضد الانضمام إلى مجموعة العمل المالي “FATF” وأي انفتاح اقتصادي، هو المسؤول الأول عن الوضع الراهن.
وأضاف: “هؤلاء الذين كانوا يرفعون الشعارات بأننا قادرون على حل مشكلاتنا الاقتصادية دون معالجة العقوبات، هم أنفسهم الذين عرقلوا الاستثمارات في قطاع الطاقة، وأوقفوا تطوير الحقول النفطية، وأهملوا تحسين البنية التحتية. اليوم، عليهم الإجابة عن سؤال أساسي: ما الحل الذي يقترحونه الآن؟”.
مقارنة اقتصاد حكومتي رئيسي وبزشكيان خطأ فادح
يؤكد أن السطحية وانعدام الرؤية المستقبلية هما السبب الرئيسي وراء الأوضاع الاقتصادية المتدهورة. وأشار إلى أن بعض النواب المتشددين الذين يعارضون أي خطة اقتصادية تهدف إلى الانفتاح لا يمتلكون التخصص أو المعرفة الكافية لفهم طبيعة الأزمة الاقتصادية.
وأضاف: “تحميل شخص واحد المسؤولية عن الوضع الاقتصادي الحالي والسعي لاستجوابه أمر غير منطقي. نعم، أنا شخصيا كنت معارضا لسياسات العملة التي انتهجها همتي وانتقدته بشدة، لكنه كان يحاول إيجاد حلول ضمن الإمكانات المتاحة. ومع عودة ترامب واستمرار العقوبات، لم يكن من المتوقع أن يتحسن الوضع الاقتصادي، بل العكس، كان من المستغرب أن لا يزداد سوءا! كنت أتمنى أن يكون هؤلاء الأصوليون المتشددون في موقع المسؤولية لنرى كيف سيواجهون هذه الأزمة دون حل العقوبات”.
وتابع: “لقد فقدنا كثيرا من الفرص في السياسة الخارجية والمزايا الاقتصادية التي كان يمكننا الاستفادة منها بسبب هذا الفكر المتشدد. التجربة أثبتت أن إيران بحاجة إلى علاقات واسعة مع دول متعددة، والتعاون مع الصين أو الانضمام إلى مجموعة بريكس وحده لا يكفي. لكن بعض الأشخاص يحاولون التهرب من مسؤوليتهم عبر تحميل بزشكيان وفريقه المسؤولية عن الأزمة الاقتصادية الحالية. الحقيقة هي أنه عندما تولى بزشكيان الرئاسة، لم يكن أحد يتوقع عودة ترامب للحكم. والسؤال المطروح: لو كان المرشح المفضل لدى هؤلاء المتشددين قد فاز، فكيف كانوا سيحققون تحسنا اقتصاديا دون رفع العقوبات؟”.
وأشار أفقه إلى أن البعض يقارن الوضع الحالي بالفترة التي كان فيها رئيسي في الحكم، متسائلين: لماذا لم تكن هناك أزمة مماثلة آنذاك؟
وأوضح أن هناك ثلاثة عوامل رئيسية تفسر هذا الاختلاف وهي:
أن سياسات بايدن كانت أقل تشددا، والتي سمحت لإيران ببيع ما بين 1.5 و2 مليون برميل نفط يوميا.
كما أن الوضع الإقليمي كان أكثر استقرارا مقارنة بالوضع الحالي.
إضافة إلى عدم عودة ترامب إلى السلطة وتطبيقه سياسة “الضغط الأقصى” مجددا.
وأضاف: “بناءً على هذه المعطيات، فإن مقارنة الوضع الحالي بفترة رئيسي مقارنة خاطئة تماما وغير منطقية”.
الحكومة مطالَبة بدعم الفئات الضعيفة
أكد أفقه أن العديد من المنتقدين للفريق الاقتصادي في الحكومة لا يسعون إلا للوصول إلى السلطة، رغم أنهم يدركون أن الأزمة الحالية لا يمكن حلها بقرارات اقتصادية فقط.
وأضاف أن المشكلة الأساسية في البلاد تتجاوز قدرات وزير الاقتصاد أو رئيس البنك المركزي أو حتى رئيس منظمة التخطيط والميزانية. وحتى في حال رفع العقوبات وتفعيل FATF، ستظل هناك تحديات قائمة، لكن بيع النفط يمكن أن يخفف الضغط قليلا. كما أن الأزمة الحقيقية تكمن في العقلية المناهضة للتنمية، حيث يتم تقديم الاعتبارات السياسية والأيديولوجية على المصالح الاقتصادية. إضافة إلى أن التعيينات تُجرى بناءً على الولاء الأيديولوجي بدلا من الكفاءة، وهذا بطبيعة الحال لا يمكن أن يحل مشكلات البلاد. لذا، لا يمكن تحميل همتي أو فرزين المسؤولية الكاملة، لأن السياسة الاقتصادية الحالية مقيدة ولا تستطيع اتباع نهج مختلف.
واختتم حديثه بالقول: “في ظل هذه الظروف، فإن مشروع تقديم المساعدات للفئات الضعيفة خطوة إيجابية، حيث يمكن أن يخفف من معاناة الطبقات الأكثر تضررا. لطالما أكدت أن الوضع الحالي أسوأ حتى من فترة الحرب، لذا من الضروري أن تتخذ الحكومة تدابير جادة لدعم الفئات الهشة من خلال برامج مساعدات مالية وإجراءات اقتصادية تساهم في التخفيف من الأعباء المعيشية”.