ترجمة: علي زين العابدين برهام
نشرت صحيفة “آرمان ملي” الاثنين 10 مارس/آذار 2025 حوارا مع بهمن آرمان، الخبير الاقتصادي، حول آفاق الاقتصاد الإيراني في المرحلة المقبلة، خاصة في ظل استمرار التوتر بين طهران وواشنطن، وماذا يجب على الحكومة اتباعه للنهوض بالاقتصاد. وفي ما يلي نص الحوار:
بالنظر إلى التحديات الاقتصادية والدولية الراهنة، كيف سيكون الوضع الاقتصادي في الفترة القادمة؟
الواقع أن الوضع الاقتصادي الحالي غير طبيعي بل يقترب من الأزمة. وإذا أردنا التعامل مع الأمر بواقعية، فإن تحسين الاقتصاد الإيراني وتحسين معيشة المواطنين مرهون بحل النزاعات الدولية، وما لم يتم التوصل إلى تسوية، فلن يكون هناك أمل حقيقي في التعافي الاقتصادي.
حاليا، إيران معزولة عن الأسواق المالية والاستثمارية العالمية، مما يعني أن حتى الصين غير مستعدة لتمويل المشاريع الإيرانية، ناهيك عن الدول الأوروبية أو اليابان أو كوريا الجنوبية. كما أن جزءا كبيرا من العائدات الناتجة عن الصادرات لا يمكن تحويله إلى الداخل، مما يفاقم الأزمة المالية.
أعتقد أن الميزانية المقترحة للعام المقبل “يبدأ في 21 مارس/آذار 2025” تعاني من عيوب جوهرية، حيث لن تتحقق العديد من الإيرادات المتوقعة، ما سيؤدي إلى عجز مالي كبير، يجبر الحكومة على طباعة النقود دون غطاء مالي، وهو ما سيؤدي حتمًا إلى ارتفاع معدلات التضخم.
في ظل هذه الظروف، ستتزايد المضاربات المالية في قطاعات الإسكان والعملات الذهبية والنقد الأجنبي، حيث يبحث المستثمرون عن ملاذات آمنة للحفاظ على أصولهم.
كما أرى أن الحكومة لم تتبنَّ رؤية تنموية واضحة في إعداد الميزانية، ولم تُعر اهتماما كافيا لقضايا التنمية. ومع ذلك، كان بإمكانها استخدام أدوات مالية أكثر كفاءة، مثل السندات الخاصة، بدلا من السندات العامة التي لا يُعرف بدقة كيف سيتم إنفاق عائداتها.
بناء على ذلك، لا أرى آفاقا مشرقة للاقتصاد الإيراني الفترة المقبلة، وأعتقد أن التحديات الاقتصادية الحالية لن تستمر فحسب، بل ستتفاقم في بعض المجالات.
مع تصاعد سياسة الضغط الأقصى من ترامب ووقف إعفاء العراق من العقوبات المتعلقة بشراء الطاقة من إيران، ما التداعيات المحتملة لهذا التصعيد بين إيران والولايات المتحدة؟
يدرك ترامب تماما أن 60% من احتياطي النفط العالمي يقع في الشرق الأوسط، ما يجعل ضمان أمن المنطقة أمرا ضروريا للحفاظ على استقرار أسواق الطاقة.
من جهة أخرى، تتركز نسبة كبيرة من احتياطيات الغاز العالمية في كل من قطر وإيران. ورغم امتلاك الولايات المتحدة منذ خمسينيات القرن الماضي تقنيات بديلة للنفط، إلا أنها تعمدت إبقاء استهلاك النفط مرتفعا للحفاظ على سيطرتها على الأسواق العالمية.
في الوقت الحالي، نشهد تراجعا في استثمارات كبرى شركات الطاقة مثل توتال وشل، وسعيها إلى تقليل انخراطها في المخاطر المرتبطة بقطاع النفط. لذلك، تحتاج منطقة الشرق الأوسط إلى الاستقرار لضمان بيئة استثمارية آمنة للدول التي تُعد السوق الرئيسية للولايات المتحدة.
ترامب رجل أعمال في المقام الأول، وغالبية مستشاريه يأتون من خلفيات اقتصادية. وجود شخصيات مثل إيلون ماسك بجانبه يؤكد أنه يركز بشكل أكبر على القضايا الاقتصادية أكثر من السياسية.
ومع ذلك، لا يمكن فصل الاقتصاد عن السياسة، فهما مرتبطان ارتباطا وثيقا.
في ظل هذه المعطيات، لا تبدو هناك أي مؤشرات على تحسن القدرة الشرائية للمواطنين في المستقبل القريب.
ما الأسباب التي تحول دون زيادة القوة الشرائية للمواطنين الفترة المقبلة؟
الوضع واضح تماما، فنحن نواجه أزمة معقدة وعميقة. ما بين ما يصرّح به السياسيون وما يُنفذ على أرض الواقع فجوة كبيرة.
لكي يتحسن الوضع الاقتصادي، يجب أن تعود العلاقات التجارية والاقتصادية لإيران مع الدول التي تمتلك التكنولوجيا ورأس المال إلى مسارها الطبيعي. لكن حاليا، تعتمد إيران بشكل رئيسي على الصين وروسيا، وهما دولتان لا تمتلكان التقنيات المتطورة التي تحتاجها البلاد.
من جهة أخرى، لم يكن لروسيا يوما موقف إيجابي تجاه التنمية الاقتصادية والسياسية في إيران، بل تعتبر صعود إيران تهديدا لنفوذها في المنطقة.
الواقع أن أي دولة لا يمكنها تحمل الضغوط الاقتصادية لفترات طويلة، خاصة تلك التي تفوق قدرة الدول الأخرى على الاحتمال في الظروف العادية.
ارتفاع معدلات البطالة، وتقلّص القدرة الشرائية للأسر، وزيادة سن الزواج، وارتفاع معدلات الطلاق والإدمان كلها مشاكل اجتماعية ناتجة عن الأزمة الاقتصادية، لكن لكل مشكلة حدٌّ للتحمل قبل أن تتحول إلى أزمة أعمق.
أما فيما يخص العقوبات، فيجب إدراك أن ملف العقوبات لا يخضع لإيران أو حتى للدول الأوروبية، بل تتحكم فيه الولايات المتحدة بشكل كامل.
حتى لو افترضنا أن العقوبات ستستمر في المستقبل، فهي ليست العامل الوحيد الذي يشكل الاقتصاد الإيراني، بل هناك مشاكل هيكلية داخلية تلعب دورا رئيسيا.
عندما يكون الاقتصاد ضعيفا، فمن الطبيعي أن تنخفض قيمة العملة الوطنية، مما يفاقم المشكلة.
في النهاية، أعتقد أن جذور الأزمة الاقتصادية في إيران تكمن في السياسة الخارجية. القرارات التي تتخذها إيران في علاقاتها الدولية تقع ضمن اختصاص النظام الحاكم، وليس الحكومة أو الرئيس، مما يعني أن السياسات الاقتصادية متأثرة بقرارات ليست بيد السلطة التنفيذية.
إذا لم تتحسن القوة الشرائية للمواطنين، كيف ستتعامل حكومة بزشکیان مع مطالب الشعب؟ وهل ستزداد الضغوط عليها الفترة المقبلة؟
لا شك أن حكومة بزشکیان ستواجه ضغوطا متزايدة عاجلا أم آجلا، خاصة وأن أدائها حتى الآن لم يكن متناسبا مع وعودها. ومع ذلك، فقد تحملت بالفعل ضغوطا كبيرة خلال الأشهر الستة الماضية.
إذا أراد بزشکیان تنفيذ إصلاحات اقتصادية حقيقية، فعليه أولا إيجاد حلول لمسألة العقوبات، ثم الشروع في تنفيذ الإصلاحات الداخلية. إن إعادة العلاقات التجارية والاقتصادية مع الدول التي تمتلك التكنولوجيا ورأس المال يجب أن تكون أولوية قصوى.
ومع ذلك، هناك جهات داخلية تعمل عمدا أو بغير وعي على عرقلة التنمية الاقتصادية، مما يخدم بشكل غير مباشر مصالح القوى الخارجية التي لا ترغب في رؤية إيران قوية اقتصاديا.
نتيجة لهذه العوامل، ظلت إيران عالقة في حالة توتر دائم على مدى العقود الماضية. والواقع أن أي دولة لا يمكنها تحمل ضغوط اقتصادية هائلة لفترات طويلة، خاصة عندما تتجاوز هذه الضغوط قدرة الدول الأخرى على الاحتمال في الظروف العادية.
لا يمكن لأي اقتصاد تحقيق النمو في ظل العقوبات. ولهذا السبب، وباستثناء فترة إعادة الإعمار بعد الحرب العراقية الإيرانية، حيث شهد الاقتصاد الإيراني ازدهارا ملحوظا، لم تتمكن البلاد منذ ذلك الحين من تحقيق نمو اقتصادي حقيقي.
على مدى الاثني عشر عاما الماضية، لم يكن معدل تكوين رأس المال الإجمالي في إيران إيجابيًا فحسب، بل كان سلبيًا. وحتى في الحالات التي تحقق فيها نمو، فإنه يظل ضعيفا للغاية وغير مستدام.
أما بالنسبة لـ بزشکیان، فهو سياسي مخضرم يتمتع بخبرة طويلة في المشهد السياسي الإيراني، سواء كوزير أو كنائب في البرلمان لعدة دورات. وهو يدرك تمامًا أن البلاد لا يمكن أن تحقق تنمية اقتصادية حقيقية في ظل استمرار العقوبات وسياسات العزلة الاقتصادية.
في حال عدم إجراء مفاوضات، وهو ما تشير إليه المؤشرات الحالية، كيف يمكن لـ بزشکیان تقليل العقوبات وتحسين الوضع الاقتصادي؟
هذا سؤال يجب أن يجيب عليه رئيس الجمهورية والمنظومة الحاكمة ككل. لن يشعر الناس بالأمل تجاه المستقبل ما لم يروا حلولا عملية وملموسة لمشكلاتهم، وعلى الرئيس أن يقدم خططا قابلة للتنفيذ بدلا من الاكتفاء بالشعارات والوعود غير الواقعية.
لا يمكن التفاؤل بالمستقبل إلا إذا تم اتخاذ خطوات حقيقية لمعالجة الأزمات، وإلا فإن الوضع سيظل على حاله مع تصاعد التحديات الاقتصادية.
من الحقائق التي لا يمكن إنكارها أن التوترات في العلاقات الخارجية لا تزال تشكل العقبة الأكبر أمام اندماج الاقتصاد الإيراني في الأسواق العالمية وتحسين معيشة المواطنين.
منذ منتصف عهد حكومة الإصلاحات “فترة رئاسة محمد خاتمي” وحتى اليوم، سجلت إيران أدنى معدلات الاستثمار مقارنة بالناتج المحلي الإجمالي، ما يعكس ضعف تدفق رأس المال إلى القطاعات الإنتاجية واستمرار حالة الركود.
وبطبيعة الحال، الحكومات التي تُبنى على أسس أيديولوجية بدلا من المصالح الوطنية نادرًا ما تعطي الأولوية للتنمية الاقتصادية، وهو ما يؤدي إلى تعميق الأزمات وتأخير الإصلاحات الضرورية.