حوار – إيناس خاطر
قال إيهاب نافع، الباحث والمتخصص في العلاقات الدولية إن الصراع الإسرائيلي الإيراني هو صراع عميق، لا يقف عند حد الأزمة في قطاع غزة بل هو أعمق من ذلك بكثير.
“زاد إيران” التقت الباحث والخبير في مجال العلاقات الدولية والحركات الإسلامية ايهاب نافع لتجري معه هذا الحوار:
-في البداية .. هل أثرت حرب غزة على تصورات إيران عن إسرائيل؟
في الحقيقة، أعتقد أن إسرائيل ترى أن إيران هي المتسبب الرئيسي خلف أحداث السابع من أكتوبر/تشرين الأول، وتسليح حركة حماس وإعانتها بشكل كبير في التقنيات التي استخدمتها في تطوير إمكانياتها، حتى وإن كانت في البداية انطلقت من منطلقات بسيطة، فلذلك إسرائيل تؤمن تماماً أن من يقف وراء حماس والفصائل الفلسطينية بشكل أصيل هي إيران دون أدني شك، سواء من خلال تمويل تلك الفصائل المقاومة أو مدهم بالأسلحة.
وفي نفس الوقت، إيران تعترف بذلك أيضاً، وتؤكد دعمها للمقاومة الفلسطينية، ولو تذكرنا في وقت سابق، فقد حضر ممثلون لحماس في بعض الاحتفالات العسكرية بإيران، وقدموا أنفسهم كفصيل من الفصائل التي تدعمها الجمهورية الإيرانية في المنطقة.
– وبمَ تفسر ذلك.. هل من رسائل محددة؟
بالتالي كل ذلك إجمالاً يوضح ارتباط مسألة الاستهدافات الإسرائيلية للقيادات الإيرانية في سوريا، بأنه مسألة لن تتوقف، وأن إسرائيل طالما أنها تدرك وتؤمن أن إيران تقف وراء هذا التهديد الحاصل لها بتمويل الفصائل الفلسطينية، والعدوان المستمر لهذه اللحظة، فأعتقد أن استمرار الاستهدافات الإسرائيلية للقوات الإيرانية سيستمر، كما أن رد الفعل الذي جرى من قبل القيادات الإيرانية ما هو إلا رد مسرحي تماماً ولا يقف أمام هذا التهديد الحاصل من قبل الجهات الإسرائيلية ، فعلى سبيل المثال فكرة الاعتداء على القنصلية الإيرانية في سوريا في الأصل يقصد به الاعتداء على الأراضي والسيادة الإيرانية بالتأكيد، ورغم ذلك أظن أن الرد المسرحي الذي جرى من قبل إيران وخروج كمية هائلة من الصواريخ الإيرانية في اتجاه إسرائيل كان بها شيء من الهزل، حيث عملت على اضطراب الجانب الآخر، وأنفقت إسرائيل وقتها ما يصل إلى مليار دولار للتصدي لهذه العملية الدفاعية من قبل إيران، ولكن محصلة هذه العمليات الهجومية الإيرانية وإطلاق ما يقرب من 800 صاروخ على الجهات الإسرائيلية لم يجدِ نفعاً، ففي النهاية العبرة بالنتائج، وكل ما سعت إليه إيران من توصيل رسائل بأن لديها القدرة الدفاعية إذا أرادت لم يحقق النتائج المرجوة.
إلى أين تنتهي الاشتباكات بين الجانبين؟
أعتقد أن هذه الاشتباكات ما بين إسرائيل وإيران ستظل ممتدة ولن تنتهي، وذلك بداية من حرب غزة التي أحضرت باباً جديداً للصراع الإيراني الإسرائيلي، وعليه إسرائيل ما زالت تستحضر إيران بكونها خطراً قائماً يهدد وجودها في الشرق الأوسط، فالتطورات الحاصلة للأزمة في قطاع غزة أعتقد أنها ستضع مرحلية للرؤية المستقبلية لهذه الاشتباكات.
وهل ستتوقف تلك الاشتباكات؟
تكمن الإجابة بخصوص هذا التساؤل، في تطور المواجهات العميقة ما بين الطرفيين، فإذا تطورت المواجهة ما بين حزب الله وإسرائيل أكثر مما هي عليه الآن أو استجيبت دعوات بعض المسؤولين في الداخل الإسرائيلي لإغلاق ملف غزة بشكل مؤقت والتوجه للانتقال لتدشين حرب مباشرة مع حزب الله بشكل أعمق وأقوى، فستكون الإجابة أنه لن تتوقف هذه الاشتباكات وستظل ممتدة إلى أبد الآبدين.
وبالتالي، أعتقد أن مستقبل هذه الاشتباكات مرتبط بمستقبل الصراع في غزة، وهل سيتوقف بلا تباعات وبلا تطورات أم أنها حرب تلوح في الأفق بين حزب الله وإسرائيل؟
-هل ستؤثر عمليات استهداف القوات الإيرانية على الانتخابات الرئاسية؟
في اعتقادي، أن فكرة الانتخابات الرئاسية وارتباطها بعمليات استهداف القوات الإسرائيلية للجهات الدفاعية الإيرانية، لا تعد أمراً جانبياً ولا تمتّ بصلة لعمليات الاستهداف، فكما نعلم أن المرشد الأعلى هو الحاكم الحقيقي للدولة، وهو الذي يحدد الأولويات والسياسات واتجاه الحرس الثوري الإيراني وخلافه.
وبالتالي، الرئيس الإيراني تتلخص مسؤوليته بشكل صوري طبقاً لتوجهات سياسة المرشد الأعلى، وفكرة أن استهداف القيادات الإيرانية ستؤثر على مسار الانتخابات الرئاسية إثر العداء الحاصل بين الجانب الإسرائيلي وما بين إيران، فلا أعتقد أنه يرتبط بالرئيس القادم، وإنما هي سياسة حاضرة وخط عريض للسياسة الخارجية الإيرانية التي تتعلق بتوجهات المرشد الأعلى الإيراني، فأياً كان من هو الرئيس القادم، ستبقي إسرائيل على نفس الدرجة من العداء والتجييش الحاصل ما بين الطرفين، والذي ليس لا علاقة بالرئيس من قريب أو من بعيد.
-إذن العداء بين الطرفين لن ينتهي؟
في النهاية، فإن العداء الحاصل ما بين إسرائيل وبين الجهات الإيرانية هو عداء عميق ومتجذر، ولا يرتبط ارتباطاً وثيقاً بمن هو الرئيس الذي سيمثل الجمهورية الإيرانية بل ينوط بكيف يفكر المرشد الأعلى في تغيير سياسته الخارجية مع دول الجانب الغربي.
ما هو موقف الشارع الإيراني تجاه عمليات استهداف قياداته؟
الشارع الإيراني ينقسم إلى وجهتين مختلفتين، فمنهم من يؤمن بسياسة المرشد الأعلى ويدعم المنظومة القائمة والنظام الحاكم، والجزء الآخر متمرد على النظام بطبيعة الحال، ولذلك أعتقد أن العداء الحاصل بين إسرائيل وإيران لا يمت للشعب الإيراني بصلة ولا يعد طرفاً في هذا الشأن، بل هو عداء مع منظومة المرشد والحرس الثوري الإيراني.
وبالتالي، لا يمكننا القول إن عداء الشعب الإيراني هو عداء متجذر مع إسرائيل، ولكنه يعتبر خلافاً مع المرشد وسياسته وأطراف جيشه، وفي اعتقادي أنه من داخل الشأن الإيراني توجد انقسامات تجاه تشكيل العدوان على إسرائيل، فليس كل الشعب الإيراني يتعامل مع إسرائيل على أنها عدوه الأوحد، حتى يمكننا القول إنه تمثل نسبة 50 إلى 50% ما بين مؤيد ومعارض لذلك العداء ما بين الطرفين.
ولذلك، فإن الشارع الإيراني بالتأكيد يتألم لاستهداف قياداته والصراع الحاصل والاستهدافات الإسرائيلية المتكررة للقيادات من الحرس الثوري سواء ما يجري في سوريا أو ما جرى في الضاحية الجنوبية في لبنان أو ما يجري في بعض المناطق الأخرى، فضلاً عن اختراق الداخل الإيراني واستهداف أفراد قياداته وكبار العلماء في البرنامج النووي منذ عقود طويلة من قبل الموساد الاسرائيلي، وبالتالي أرى من وجهة نظري أن كامل الشعب الإيراني ينظر لإسرائيل كعدو بشكل كامل، ولكن هناك صراع قائم وهناك جزء ينتمي للنظام الحاكم الإيراني ويحمل نفس القدر من العداء للجانب الإسرائيلي.
كيف سترد إيران على الجانب الإسرائيلي؟ وهل سيكون هناك رد مباشر على إسرائيل؟
من وجهة نظري كما ذكرنا سابقاً، أن الرد حدث بالفعل في الوقت السابق بشكل مباشر من خلال توجيه ما يقرب من 800 صاروخ تجاه إسرائيل للرد على استهداف القنصلية الإيرانية في سوريا، وبالرغم من كونه أحدث جدلاً وصخباً للجانب الإسرائيلي، وأوضح مدى قوة الدفاع الإيراني، إلا أنه لم يحقق كما ذكرنا النتائج المرجوة.
ولكن لا يمكن أن نتناسى أن ذلك الرد من قبل الجهات الإيرانية لقوات الدفاع الإسرائيلي كان رداً مفزعاً ومزلزلاً وترك أثراً كبير بالفعل، وأوصل الرسالة التي أرادت أن توجهها إيران بأنها تستطيع أن تفعل ما تشاء ولا يستطيع أحد أن يهزمها في أي معركة.
-لكن هجوم إيران على إسرائيل لم يحقق أي نتيجة كما يقول البعض؟
أرى النتيجة بالنهاية، أن إيران لم تترك الأثر الواضح بشكل كبير رغماً عن هذا الحجم الهائل من الصواريخ الذي وجهته إلى الجانب الإسرائيلي، بالإضافة لتصدي دفاع الأخير من خلال إنفاق ما يقرب من مليار دولار بمساعدة دول خارجية وزيادة أعداد المصابين والجرحى جراء هذا القصف، ولكن أعتقد أن ذلك لم يترك الأثر الذي من المفترض أنه يحدثه ذلك الحجم الهائل من الصواريخ من قبل إيران.
وبالتالي، أرى أن الرد الإيراني على الاستهدافات المستمرة لن يتكرر بشكل مباشر، وستعمل إيران علي توجيه ضربات غير مباشرة للجانب الإسرائيلي، متمثلة في الأذرع الإيرانية المنتشرة بالمنطقة كحزب الله والحوثيين وغيرهم، وفي الأغلب ستظل إيران تنتهج سياسة الضربات غير المباشرة لترد على عدوها الأول بالطريقة التي تراها.
هل الرئيس المقبل ستكون له سياسة مختلفة؟
على غرار ما ذكرناه سابقاً، أرى أن الرئيس الإيراني المقبل أياً كان من سيفوز، في النهاية سيحدد السياسة التي يضعها له المرشد الأعلى.
وبالتالي من يتأمل في السياسية الإيرانية على مدار عقود ماضية، فسيرى أنه لم يجرِ اختلاف بين رئيس وآخر، ففي النهاية هو يأتمر بأمر المرشد ولا يخرج عن السياسة التي يحددها له المرشد، ولا عمل للرئيس القادم غير تنفيذ توجيهات المرشد من خلال مسؤوليه ووزرائه، وبالتالي درجة الاختلاف لن تكون كبيرة عما مضى.
وعليه، أعتقد أن السياسة الإيرانية سياسة مستقرة تقليدية، وليس بها خروقات بالشكل الكبير، وبالتالي لا أظن أن الرئيس القادم سيتخوف بشأن اغتياله.
-وهل إسرائيل متورطة في اغتيال رئيسي؟
من وجهة نظري، أن اسرائيل لم تتورط في على الأرجح باغتيال رئيسي، وبالتالي لا أعتقد أنه أياً من كان الرئيس فلن يقلق من فكرة أن الجانب الإسرائيلي سيخطط لاغتياله، فلو اطلعنا على التاريخ سابقاً، سنرى أن إسرائيل لم تتورط في اغتيال رؤساء سابقين حتى يمكن أن يكون لدى الرئيس الإيراني المقبل خوف بشكل ما أو بآخر، وحتى لو كان هناك شبهة في تورط إسرائيل في وفاة الرئيس السابق رئيسي، فأعتقد أن الشبهة يوجد بها تورط داخلي أكثر من التورط الخارجي في عملية الاغتيال، لأن الحديث كان بشكل أكبر وأوسع في الفترات الماضية، أن الرئيس الإيراني السابق إبراهيم رئيسي هو المرشد التالي المرتقب، وهو الخليفة الأقرب لخلافة خامنئي، ولذلك كان هناك تصادم لهذه الفكرة في الشأن الداخلي والتي تركت أثراً بشكل ما على العلاقة ما بين المرشد ورئيسي، وربما لو كانت هناك شبهة في اغتيال رئيسي فإن المنبر في رأيي سيكون داخلياً وليس خارجياً.
وبالتالي، الصراع الإسرائيلي الإيراني في اعتقادي لا يمثل خطراً في حياة الرئيس الإيراني المقبل.