ترجمة: دنيا ياسر نور الدين
نشرت صحيفة “فرهيختكان” الإيرانية الأصولية، الخميس 17 أبريل/نيسان 2025، تقريرا تناولت فيه رؤية الخبير في الشؤون الروسية، الدكتور إحسان تقوائي، خلال مقابلة معه حول موقف روسيا الحذر من العلاقات مع إيران، خاصة في سياق المفاوضات النووية وتوازن القوى الإقليمي ودوافع موسكو للحفاظ على إيران كأداة تأثير دون السماح لها بالتحول إلى منافس أو شريك استراتيجي للغرب .
قال تقوائي، إن زيارة عباس عراقجي، وزير الخارجية الإيراني، لموسكو لنقل رسالة المرشد الأعلى إلى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، تأتي في سياق حساس، حيث تتواصل المفاوضات غير المباشرة بين إيران والولايات المتحدة عبر قناة عمان.
وأضاف أن هذه الزيارة تتزامن مع تطورات سياسية في الولايات المتحدة، أبرزها احتمالات عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، والدور الوسيط الذي قد يلعبه في الحرب الأوكرانية، إلى جانب علاقاته الوثيقة هو وممثله ستيف ويتكوف مع بوتين، وهو ما أضفى طبقات جديدة من التعقيد على علاقات إيران وروسيا والولايات المتحدة.
علاقات تعاونية بعد الحرب في أوكرانيا.. لكنها غير مكتملة
قال تقوائي للصحيفة إن هناك رؤيتين سائدتين في إيران تجاه روسيا: الأولى ترى ضرورة الحفاظ على علاقات استراتيجية قوية مع موسكو، بينما تعتبر الثانية أن روسيا تسعى لتحقيق مصالحها الخاصة على حساب إيران. وأوضح أن هذين المنظورين، رغم أنهما قد يكونان مبررين في ظروف معينة، لا يعكسان الصورة الحقيقية والمعقدة للعلاقة بين البلدين.
أردف أن العلاقات الإيرانية الروسية يجب أن تُفهم بمعزل عن المشاعر السلبية أو الإيجابية، مشيرا إلى أن هذه العلاقات ذات جذور تاريخية مشتركة، لا يمكن وصفها بالإيجابية بالكامل، لكنها تتطلب
وقال تقوائي للصحيفة، مشيرا إلى تجربة مفاوضات الاتفاق النووي، لا سيما في مراحلها النهائية، إن بوادر عدم رضا موسكو كانت واضحة في ذلك الوقت. وأردف أن أحد تجليات هذا التذمر تمثّل في الغياب المفاجئ لوزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف عن إحدى الجلسات الأساسية، وهي الجلسة التي شارك فيها جميع وزراء الخارجية.
وأضاف أن مراجعة الإعلام الروسي في تلك المرحلة كانت تُظهر بوضوحٍ أن الكرملين لم يكن مرتاحا لتقارب إيران مع الغرب، وكان السبب واضحا؛ فلو تم التوقيع على الاتفاق النووي وتحسنت علاقات إيران مع الغرب، لكانت روسيا فقدت إلى حد كبير دورها كطرف فاعل وورقة ضغط في الملف الإيراني.
وتابع أن هذا السيناريو، وإن لم يتحقق بالكامل في النهاية، إلا أنه شكّل رسالة تحذيرية واضحة حول حساسية السياسة الخارجية الروسية تجاه إيران. وفي المقابل، فإن الولايات المتحدة كانت تنظر إلى المفاوضات بنظرات مختلفة حسب الإدارات المتعاقبة؛ إذ سعت إدارة باراك أوباما، من منطلق أمني، إلى احتواء التهديدات الناجمة عن البرنامج النووي الإيراني.
لكن مع مجيء دونالد ترامب، تغيّر هذا المنظور ليأخذ بُعدا اقتصاديا. وأكد تقوائي أن ترامب وفريقه كانوا يرون أن الاتفاق الذي تقوده أمريكا، ولكن تجني ثماره الاقتصادية دول مثل روسيا أو الصين أو حتى أوروبا، لا يمكن اعتباره اتفاقا مقبولا. وهذه النظرة، بحسب تقوائي، كانت من العوائق الجدية خلال تلك المرحلة من المفاوضات، وما زالت تلقي بظلالها على حسابات واشنطن حتى اليوم.
وأكد تقوائي أن الشك الروسي بشأن ما إذا كانت إيران ستنحاز في نهاية المطاف إلى الغرب لا يزال قائما، لكن سلوك موسكو يشير إلى رغبتها في الإبقاء على حالة متوازنة ومدارة بعناية في العلاقات الثلاثية بين إيران والولايات المتحدة وروسيا. وقال إن روسيا تسعى إلى الحفاظ على استقرار نسبي، لكنها ترفض تماما أي مفاجآت قد تقلب موازين القوى بشكل مفاجئ.
أهمية أن تكون طهران قوية نسبيا كي تظل مفيدة لموسكو
وفي محور آخر، أشار تقوائي إلى أن بعض الأصوات الناقدة للعلاقات مع موسكو في الداخل الإيراني ترى أن روسيا تنظر إلى إيران فقط كأداة لتحقيق مصالحها في مواجهة الغرب. إلا أن ما جرى في أوكرانيا، بحسب تقوائي، يُظهر أن الولايات المتحدة هي التي اقترحت الدخول في مفاوضات لإنهاء الحرب، لا روسيا.
وتابع قائلا إن وجهة النظر السائدة في معسكر ترامب كانت ترى أنه لو كانوا في الحكم، لما اندلعت الحرب من الأساس. ومع ذلك، فإن البحث عن مخرج من الأزمة يستدعي التفكير في أدوار محتملة لدول مثل إيران.
وأكد تقوائي للصحيفة أن نظرة روسيا إلى إيران قائمة على أنها دولة مهمة واستراتيجية، غير أن هذه الأهمية لا تتجسد فعليا إلا عندما تكون إيران مستقرة وتمتلك حدا من القوة. فالضغط العسكري المفرط، أو الحصار الاقتصادي العنيف، أو زعزعة الاستقرار الداخلي، كلّها تؤدي إلى إضعاف إيران، وبالتالي تفقد روسيا ورقتها. ومن هنا، فإن الفائدة من إيران بالنسبة لروسيا تكمن في كونها قوية ولكن ليس لدرجة أن تُهدد مصالح موسكو، وفي الوقت نفسه، ألا تكون ضعيفة إلى الحد الذي يجعلها غير صالحة للاستخدام كورقة في اللعبة الإقليمية.
موقف موسكو الحذر من الملف النووي الإيراني
أضاف تقوائي للصحيفة أن موقف روسيا من الملف النووي الإيراني ليس كما يُشاع بأنه داعم مطلق وغير مشروط. فالكرملين لا يعارض الاستخدام السلمي للطاقة النووية أو تخصيب اليورانيوم بمستويات منخفضة، لكن هذا لا يعني أنه يوافق بالكامل على الأهداف بعيدة المدى التي تتبناها إيران .
وأوضح أن روسيا، وإن كانت أقل ضجيجا من الولايات المتحدة في مواقفها، إلا أن موقفها الحقيقي موقف محسوب وحذر، ينبع من مصلحتها في الحفاظ على التوازن وتجنب الانفجارات غير المحسوبة.
وأكد تقوائي أن هذا الحذر الروسي يأتي في سياق السياسة الكبرى لموسكو، التي تسعى إلى إدارة التوترات بحذر، واستخدام إيران كإحدى أوراق التفاوض والتأثير على طاولة السياسة العالمية.
العلاقة بين إيران وروسيا واقعية لا استراتيجية
وتابع تقوائي حديثه مسلطا الضوء على طبيعة العلاقات بين طهران وموسكو، قائلا إن هذه العلاقة لا يمكن وصفها بدقة بأنها “شراكة استراتيجية” كما يُروّج أحيانا في بعض الأوساط السياسية والإعلامية. فمصطلح “الشراكة الاستراتيجية” يحمل دلالات ومتطلبات محددة لا تتوافر بالكامل في العلاقة بين البلدين.
وأشار تقوائي إلى أن تجربة التعاون في سوريا، رغم أنها جمعت إيران وروسيا في خندق واحد، لم تؤدِّ في النهاية إلى نتائج تحقق مصالح البلدين بشكل متساو.
وأضاف أن التطورات في منطقة القوقاز الجنوبي، خصوصا النزاع في قره باغ، تسير أيضا في اتجاه لا يخدم إيران. ففي الوقت الذي كانت فيه روسيا تحول دون استعادة أذربيجان للأراضي التي تسيطر عليها أرمينيا، تراجعت موسكو أخيرا وسمحت بحدوث هذا التحول، وهو ما لا يصب في مصلحة إيران على المستوى الاستراتيجي.
واستكمل تقوائي حديثه قائلا إن أحد أبرز الهواجس الروسية خلال مفاوضات الاتفاق النووي كان احتمال أن يؤدي تقارب إيران مع الغرب إلى دخولها كخيار بديل لتأمين الطاقة لأوروبا. وهو ما تعتبره موسكو تهديدا مباشرا لمصالحها.
وأوضح أن روسيا لطالما استخدمت صادرات الطاقة كأداة ضغط ودبلوماسية في مواجهة الغرب، لكن بعد الأزمة الأوكرانية والعقوبات الشاملة المفروضة عليها، لم تعد تلك الورقة فعّالة كما في السابق. ولهذا، فإن موسكو- بحسب تقوائي- تسعى رغم تراجع أدواتها التقليدية إلى الإبقاء على إيران ضمن أدوات سياستها الخارجية، كورقة يمكن استخدامها حين الحاجة.
الحاجة إلى تنوع العلاقات الخارجية وتجنب التبعية الأحادية
وفي ختام حديثه للصحيفة، شدد تقوائي على ضرورة أن تُدير إيران علاقاتها الخارجية بشكل متوازن، مع تأكيد أهمية العلاقة مع قوى كبرى مثل روسيا، لكونها عضوا دائما في مجلس الأمن وتمتلك دورا مؤثرا على الساحة الدولية. لكنه حذّر من مخاطر الإفراط في الاعتماد على دولة واحدة، مؤكدا أنه إذا اندلعت أزمة أو حدث خلاف مع هذا الطرف، فإن إيران ستفقد خياراتها البديلة.
واستشهد تقوائي بالمقولة الدبلوماسية الشهيرة: “لا تضع كل البيض في سلة واحدة”، مؤكدا أن هذا المبدأ لا يخص روسيا وحدها، بل ينطبق على جميع الدول. وختم قائلا إن السياسة الخارجية الناجحة يجب أن تتميز بالمرونة، والتعدد، والقدرة على المناورة في وجه التحديات غير المتوقعة.