حوار: مصطفى أفضل زادة مراسل “زاد إيران” في طهران
ترجمة: نوريهان محمد البهي
تستعد كل من إيران وروسيا لتوقيع اتفاقية شاملة في عدة مجالات مختلفة، وتعد هذه الاتفاقية هي الأكبر والأشمل بين البلدين.
حول هذا الموضوع يناقش “زاد إيران” خبير العلاقات الدولية روح الله مدبر.
من المقرر أن يقوم الرئيس الإيراني مسعود بزشكیان، خلال زيارته موسكو بالتوقيع على اتفاقية شاملة للتعاون الاستراتيجي لمدة 20 عاما بين إيران وروسيا. كيف تُحلِّلون هذه الخطوة؟
أرى أن هذه الاتفاقية يمكن أن تكون واحدة من أهم الإنجازات للدبلوماسية الإيرانية، ولكن بشرط أن يكون هناك خطة عمل وتنفيذ واضحة من جانب طهران، وألا يتم التعامل معها كمجرد توقيع روتيني.
وبناء عليه فإن هذه الاتفاقية تختلف تماما عن الاتفاقية السابقة لمدة 5 سنوات التي تمت المصادقة عليها من قبل البرلمان، والتي كانت تُعرف باسم “قانون المعاهدة الأساسية للتعاون بين إيران وروسيا”.
وأضيف أن ما يجعل هذه الاتفاقية متميزة هو أن مقدمتها تنص على أن العلاقات بين إيران وروسيا ستتحول إلى علاقات استراتيجية بعد التوقيع، كما أن الجانب الروسي أعلن رسميا أنه بعد تنفيذ هذه الاتفاقية، سيتم اعتبار طهران شريكا استراتيجيا، وهذا يعكس تطورا كبيرا في طبيعة العلاقات بين البلدين.
وننتقل إلى النقطة الثانية التي تميز الحاضر عن الماضي بشكل كبير، وهي أن موسكو لديها اليوم عزمٌ قوي وبرنامج جاد للتعاون مع طهران.
وبالطبع، في الماضي أيضا كانت لدى موسكو خطط للتعاون مع طهران، ولكن من وجهة نظري، المشكلة في علاقاتنا مع روسيا تكمن في الجانب الداخلي (الإيراني).
فإيران دائما ما كانت تتعامل مع علاقاتها مع روسيا دون خطة عمل واضحة، وكانت نظرتنا لروسيا مجرد نظرة شكلية، وهذا في رأيي أمر خطير للغاية؛ هذا النهج هو الذي جعلنا لسنوات عديدة غير قادرين على تحويل علاقاتنا إلى علاقات استراتيجية.
وخلال الأشهر القليلة الماضية، تحدث مسؤولون روس بشكل متكرر عن استعدادهم لرفع مستوى التعاون مع طهران، ولكن للأسف لم نرَ أي رد فعل واضح من الجانب الإيراني.
وبمعنى آخر، رغم المواقف الإيجابية والاستعدادات المتعددة التي أعلنها الجانب الروسي، فإن الجانب الإيراني لم يرسل أي إشارة واضحة، مما خلق حالة من الغموض وطرح تساؤلات حول ما إذا كانت طهران لديها خطة فعلية، أو ربما تعمل على توسيع علاقاتها مع الغرب مرة أخرى.
وفي هذه الظروف، سيكون من الخطأ أن تنظر طهران مرة أخرى إلى فرصة التعاون مع روسيا على أنها مجرد مسألة شكلية مرة أخرى، إضافة إلى أن الإشارات الإيجابية المتعددة القادمة من روسيا تعكس أن موسكو تعتبر إيران شريكا استراتيجيا.
فعلى سبيل المثال، أجرى سيرجي لافروف وزير الخارجية الروسي، الأسبوع الماضي، مقابلة مهمة للغاية أعلن فيها أنهم ينظرون إلى الاتفاقية الشاملة مع إيران على أنها اتفاقية ذات أربعة فصول، هذا التعبير الذي استخدمه لافروف يعني أن الاتفاقية شاملة ومتعددة الأبعاد، وتغطي الجوانب السياسية، الاقتصادية، والأمنية.
وإضافة إلى ذلك، أشار لافروف إلى أن لديهم خططا لمواجهة التهديدات المشتركة؛ هذا الأمر يُعتبر نادر الحدوث، حيث لم يسبق أن أعلن مسؤولون روس عن وجود برنامج جاد مع إيران في مجالات التهديدات المشتركة، لمكافحة الجماعات المتطرفة والمسلحة، والاضطرابات الأمنية.
صحيح أن هذا الموضوع كان مطروحا ومناقشا في السابق، ولكن الجديد هنا هو الإعلان الرسمي عنه، وهذه الإشارة تُعد إيجابية وقيمة للغاية، خاصة في ظل الظروف الحالية التي تشهد تهديدات جديدة وتحديات متعددة.
كما أن إسرائيل سعت من خلال برنامج عزل إيران إلى تعزيز أجندتها الأمنية الخاصة ضمن خريطة الشرق الأوسط الجديدة التي يروج لها بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء الإسرائيلي.
وفي بعض وسائل الإعلام الغربية، تمت مهاجمة وزير الخارجية الروسي لاستخدامه مصطلحات معينة، حيث يعرف هؤلاء أن هذه المصطلحات ستكون مفيدة جدا في تعزيز المصالح الوطنية الإيرانية.
أما النقطة الثانية فهي أنه يجب علينا الاستفادة من استعداد روسيا لتحويل إيران إلى مركز للغاز في المنطقة، فالروس مستعدون اليوم لتصدير فائض طاقتهم عبر إيران إلى بقية العالم، وكذلك لمعالجة الخلل في ميزان الطاقة الإيراني، لذلك، يجب استغلال هذه الفرصة بابكامل، بجانب قضية الطاقة التي تم التحدث عنها مرارا، يجب على إيران أن تأخذ فرصة ممر “الشمال-الجنوب” على محمل الجد.
وأؤكد على إيران لأن حديثنا يركز على تحليل الواقع وتشخيص التحديات؛ فاليوم، التحديات الرئيسية في علاقاتنا مع روسيا تتمثل في ثلاثة محاور رئيسية: أولا، يجب التوقف عن التعامل بشكل تشريفي ورمزي، مثل التقاط الصور التذكارية، والتحول نحو العمل المخطط والممنهج.
ثانيا، يجب تعزيز العلاقات مع روسيا من خلال أعمال عملية وبناء بنية تحتية قوية، والاستفادة من هذه الفرصة الذهبية.
ثالثا، إذا كان أحد يرغب في تحسين العلاقات مع الغرب، فيجب أن لا يؤثر ذلك على علاقاتنا مع روسيا أو يقلل من أهميتها.
وفي جميع المفاوضات التي تجريها الترويكا الأوروبية مع الجانب الإيراني، نلاحظ أن الهدف الأول هو تقليل العلاقات مع طهران؛ لذلك، يجب على طهران ألا تقع في فخ تقليل العلاقات مع روسيا الذي تروج له أوروبا، بل يجب أن تسير في علاقات متوازنة مع كلا الجانبين.
هل يمكنك أن تشرح لنا أكثر عن طبيعة التعاون بين إيران وروسيا؟
موسكو كانت دائما إلى جانب إيران في المجالات الدولية والسياسية، حيث دعمت إيران في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، وهذا الدعم الروسي الخاص ساعد إيران على الانضمام إلى مجموعة “بريكس” ومنظمة شنغهاي.
وقد واجه انضمامنا إلى بريكس بعض التحديات، حيث كانت إحدى الدول الأعضاء غير راغبة في انضمام إيران وحاولت استخدام حق النقض، لكن بفضل اتصال هاتفي حاسم من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، تم إلغاء هذا الاعتراض، و بالدعم القوي من روسيا، أصبحت إيران عضوا دائما في “بريكس”.
ومؤخرا، وبفضل التعاون الوثيق مع روسيا، أصبحت إيران عضوا مراقبا في الاتحاد الاقتصادي الأوراسي، مما فتح سوقا بقيمة 400 مليار دولار أمام طهران؛ هذه هي المرة الأولى التي تدخل فيها إيران اتحادا تجاريا يُلغي التعريفات الجمركية.
وهذه الخطوات الإيجابية المتعددة التي قامت بها روسيا مع إيران لا مثيل لها من قبل دول أخرى، هذه التعاونيات يمكن أن تتعمق أكثر، كما تمت الإشارة إلى ذلك في الاتفاقية الاستراتيجية، ومن خلالها سيتم تعزيز هذا التعاون.
لكن الشرط الأساسي لهذا التعاون هو وجود خطة عمل، ويجب علينا تصميم برنامج متكامل للعمل مع روسيا واستغلال هذه الفرص بشكل فعّال.
الاتفاقية التي من المقرر التوقيع عليها هذا العام ستكون الاتفاقية الأكثر شمولا التي يتم توقيعها بين البلدين. وقد وصف المتحدث باسم وزارة الخارجية الروسية هذه المعاهدة بأنها “كبيرة وغير مسبوقة”. لماذا تُظهر روسيا هذا الاتفاق بهذه الأهمية الكبيرة؟
من الواضح أن هذه الاتفاقية تُعد واحدة من الرسائل الصريحة التي ترسلها روسيا إلى العالم، وهي أن طهران ستكون حليفا لنا.
وفي ظل الظروف التي تسعى فيها الترويكا الأوروبية والولايات المتحدة وإسرائيل إلى عزل طهران وزيادة الضغوط عليها، تُعتبر هذه الاتفاقية إشارة ودية قوية.
وبمعنى آخر، رغم كل الضغوط التي يمارسها الغرب على موسكو، ومحاولاتهم المتكررة لإحداث فجوة بين إيران وروسيا، فإن الجانب الروسي لم يستسلم لهذه الضغوط وسيعتبر إيران شريكا استراتيجيا.
وهذه إشارة إيجابية وقيمة للغاية، وتعكس عزم روسيا القوي على التعاون مع إيران، وهو ما يتطلب من طهران أيضا إظهار العزم نفسه في هذا الصدد.
بما أن كلا البلدين يعاني من ضغوط وعقوبات، إلى أي مدى يمكن لهذه الاتفاقية أن تكون فعالة في تحييد تأثير العقوبات الغربية ضد البلدين؟
بالنظر إلى السياسة التي اتبعها بوتين في روسيا، والتي تركز على مبدأ الجدارة والكفاءة، فقد صرح في اجتماع تقييم عام 2024 قائلا: “بفضل نظام الجدارة في روسيا، تمكنت من تحييد 18 ألف بند من العقوبات”.
كما نجحت روسيا في تحييد عقوبات الغرب وأظهرت مقاومة ملحوظة في مواجهة هذه العقوبات، حيث تم الحفاظ على قيمة العملة الوطنية الروسية، وهي تتجه نحو نمو اقتصادي يتجاوز 8%. فلم يكن للعقوبات على روسيا التأثير المتوقع.
كما يجب على إيران أيضا، أن تستفيد من الإمكانيات التي تمتلكها روسيا، وأن تستفيد من تجربتها في مواجهة العقوبات.
وبالطبع، فإن الخطوة الأولى لطهران في مكافحة العقوبات هي اعتماد مبدأ الجدارة، فيجب على طهران التوجه نحو إدارة قائمة على الكفاءة، إذا تمكنت من تطبيق إدارة قائمة على الجدارة، فستتمكن من تقليل تأثير العقوبات بشكل جزئي.
لذلك، يجب أن نعترف بأن تأثير العقوبات على روسيا كان أقل بكثير، ويجب أن نستفيد من هذه الإمكانيات الروسية في هذا الصدد.
من أهم الموضوعات المتعلقة بالاتفاقية العوامل الخارجية المؤثرة. في ضوء التغيرات الأخيرة في سوريا والاتفاقية الشاملة القادمة بين إيران وروسيا، باعتبارهما اللاعبين الرئيسيين في هذا المجال، ما تحليلك لهذا الموضوع؟
كما أشار لافروف عندما سُئل عن هذا الموضوع، أكد أن الوضع في سوريا لن يؤثر على الاتفاق بين إيران وروسيا، حيث إن كلتا الخطوتين تتعامل مع موضوعات منفصلة في سياقات مختلفة.
ومع ذلك، أعتقد أن إيران بحاجة إلى التنسيق بشكل أكبر مع موسكو في ما يتعلق بمستقبل سوريا والتطورات القادمة هناك.
وعلى الرغم من التغيرات الجذرية في سوريا، فإن روسيا ليست الخاسر في هذا الصراع، فهناك بعض التحليلات الخاطئة بشأن مستقبل سوريا، وتُبنى تقييمات سريعة دون النظر بعمق.
وبناءً على ذلك، تعمل روسيا على تغيير استراتيجياتها بشكل مدروس في سوريا، وهذه التحولات ستخدم مصالحها.
وبالتالي، يمكن لإيران أن تعزز تعاونها مع موسكو في المستقبل في ما يتعلق بالأحداث في سوريا والتحولات الإقليمية التي ستؤثر على المنطقة.
منذ بداية الحرب الروسية الأوكرانية، اتهمت الدول الأوروبية إيران بدعم روسيا وبيعها أسلحة، ونتيجة لذلك، فرضت أوروبا عقوبات على إيران، ما تقييمك لهذه الأزمة في العلاقات بين الجانبين؟
بالنظر إلى اتهامات الأوروبيين حول التعاون العسكري بين طهران وموسكو في أوكرانيا، فهي تعتبر مجرد ذريعة لخلق تفرقة وفجوة في العلاقات بين البلدين، كما أنها مجرد لعبة سياسية تهدف إلى التأثير على التعاون بين البلدين.
وقد كان الموقف الرسمي لإيران دائما عدم التعاون أو الانخراط في النزاع القائم بين روسيا وأوكرانيا.
لذا، روسيا أيضا لا تحتاج إلى إيران في هذه الحرب، حيث تمكنت خلال ثلاث سنوات من العمليات العسكرية الخاصة من تحقيق أهدافها، وأظهرت قدراتها العسكرية، فحلفاء روسيا في هذه الحرب هم أطراف أخرى.
ولذلك، لا ينبغي أن نقع في هذا الفخ، الأوروبيون يستغلون كل فرصة لفرض عقوبات على إيران، وإذا أرسلت طهران رسالة ضعف إلى أوروبا وشاركت في هذه اللعبة، فستكون قد ارتكبت خطأ فادحا.
كما أكدت طهران سابقا، أنها لا تلعب أي دور في حرب أوكرانيا، وأكد الروس أيضا ذلك.
لذا، لا ينبغي أن يتسبب هذا الأمر في إحداث فجوة بين طهران وموسكو، ويجب على إيران أن تواصل تطوير اتفاقاتها وتعاونها مع روسيا، حتى في المجالين الأمني والعسكري، لمواجهة التهديدات التي تهددها، دون النظر إلى هذه القضايا.
كيف تقيمون العلاقات بين إيران وروسيا في ما يتعلق بسوريا؟
أعتقد أن إيران مع روسيا يمكنها تعزيز التنسيق وزيادة مستوى الاتصال بشأن مستقبل سوريا، واليوم، هناك شخصيات جديدة في سوريا قد أعلنت رسميا أنها ستواصل تعزيز علاقاتها مع روسيا، ومن المتوقع أن يجري المسؤولون في وزارة الخارجية الروسية لقاءات مع الأطراف السورية في المستقبل القريب.
ولا يزال مستقبل سوريا غير محدد بشكل واضح، خاصة في ما يتعلق بتشكيل الحكومة المستقبلية.
ولكن بالنظر إلى أن الحكومة الحالية في سوريا تتبنى سياسات عدائية تجاه إيران، وأعتقد أن طهران يمكنها تعزيز مصالحها في سوريا من خلال التعاون مع روسيا.