حوار: مصطفى أفضل زادة مراسل زاد إيران في طهران
ترجمة: شروق السيد
لصناعة السيارات في إيران تأثير ملحوظ على اقتصاد البلاد، حيث تُشكل حوالي 3% من الناتج المحلي الإجمالي، كما أن لها خصوصية عن بقية دول العالم، حيث تضطر الدولة إلى تكثيف إنتاجها حتى تلبي حاجة السوق المحلية، وتعوض غياب السيارات المستوردة، نتيجة فرض بعض العقوبات الأمريكية والدولية على إيران، إضافة لإصدار قرار حكومي بمنع استيراد بعض المنتجات من بينها السيارات، مما انعكس على سوق السيارات وصناعتها بشكل كبير، وبات ذلك القطاع يعاني أزمات عدة.
حول هذا الموضوع، يحاور “زاد إيران” “عطا بهرامي”، الخبير في الشؤون الاقتصادية .
ما أهمية إنتاج السيارات في الدول المختلفة، وخاصة في إيران؟
تشكل صناعة السيارات حوالي 3% من الناتج المحلي الإجمالي لإيران، وتوظف حوالي 700 ألف شخص، وهذا يجعلها ذات أهمية كبيرة لبلد مثل إيران الذي يتمتع بعدد سكان كبير، بخلاف دول الخليج التي تمتلك عدد سكان أقل وعائدات نفطية مرتفعة، حيث تضطر إيران إلى إنتاج السيارات محليًا لتلبية احتياجات سوقها البالغة 90 مليون نسمة، فلا يمكنها الاعتماد على استيراد السيارات بالكامل لهذه السوق الكبيرة.
وبعد الأزمة التي واجهناها في عام 2018، والتي شهدت أخطاء في السياسات إلى جانب العقوبات التي فرضها دونالد ترامب، تمكنا من استعادة صناعة السيارات في البلاد، وارتفع الإنتاج إلى مليون و200 ألف سيارة، مما يُظهر انتعاشًا ملحوظًا لهذه الصناعة.
وهذا يظهر من خلال زيادة الإنتاج والتخلص من العديد من الطرازات القديمة التي تم إنتاجها بشكل مفرط، بالإضافة إلى ذلك، بدأت بعض التقنيات بالدخول إلى البلاد، مثل صناديق التروس الأوتوماتيكية.
وبالنظر من هذه الزاوية، يبدو أن قطاع إنتاج السيارات في إيران يشهد تحركا ملحوظا، كما أن قطاع التجميع وصل إلى مستوى جيد، حيث تمكنت الشركات من العثور على شركاء موثوقين بعد تلك المرحلة الأولى التي تعاونوا فيها مع شركات غير موثوقة، ومن هذا الجانب، يبدو أن الأمور تتحسن.
لذلك، يمكننا القول إن صناعة السيارات في إيران تمر بمرحلة انتعاش، لكن ربما من المبكر الحكم بشكل نهائي، وعلينا الانتظار لمعرفة نتائج هذه التغييرات، كما يجب الإشارة إلى أن تخفيض الحكومة للتسعير قد يساعد في دعم هذه الصناعة بشكل أكبر.
هناك انتقادات كثيرة بشأن غلاء أسعار السيارات ورداءة جودتها في إيران، إلى أي مدى تُعد هذه الانتقادات مبررة؟ على سبيل المثال، بعض السيارات المحلية التي تتسبب في نسبة كبيرة من الحوادث المرورية هي في الأساس سيارات مخصصة للمدن، ولا يُسمح بخروجها من المدينة في العديد من دول العالم، ما يؤدي إلى وقوع الحوادث والخسائر.
هذا الانتقاد صحيح تمامًا، لقد ارتكبنا أخطاء كبيرة في اختيار الخيارات المناسبة، والخطأ في السياسات في إيران كان يتمثل في الافتراض بأن المعرفة الهندسية وحدها كافية، وأنه من الممكن إنتاج سيارات جيدة فقط بالاعتماد على المهندسين المهرة.
وهذا النهج أدى إلى خطأين رئيسيين:
أولا: غياب السوق التنافسية؛ حيث تم اتخاذ قرار بوقف استيراد السيارات ويقولون إنه أفضل، مما أدى إلى منع المنافسة، وبالتالي أصبحت الشركات غير محتاجة حتى إلى المهندسين المهرة، نظرًا لغياب التحديات ووجود احتكار كامل للسوق.
وثانياً: اختيار غير مناسب لنوع السيارات؛ في إيران بلد واسع المساحة، حيث تشكل المناطق الريفية 30% من مساحتها الإجمالية البالغة 1.8 مليون كيلومتر مربع، وبطبيعة الحال، هناك حاجة إلى سيارات عملية مثل الشاحنات الصغيرة والسيارات الكبيرة، لكن بدلا من ذلك، اتجهت السياسات نحو إنتاج سيارات صغيرة مخصصة للمدن.
هذه السيارات مناسبة للمدن فقط، وربما تستطيع 1% فقط من الأسر شراء سيارة دفع رباعي للطرق الخارجية وأخرى للمدينة، هذا التخطيط الخاطئ، إلى جانب سياسة منع استيراد السيارات، أدى إلى اختلال كبير في تنوع السيارات المتوفرة في إيران، إذ لا توجد شاحنات صغيرة جيدة، ولا سيارات دفع رباعي تلبي احتياجات السكان، بينما هناك ملايين السيارات الصغيرة غير الآمنة التي تؤدي إلى إهدار الموارد بشكل كبير.
ألا ترى أن هذه السياسات الخاطئة تجعل جوهر صناعة السيارات في إيران موضع تساؤل؟
يعتقد الكثيرون أنه بسبب هذه الأخطاء يجب ألا يكون هناك صناعة سيارات على الإطلاق، فمن ناحية، غير ممكن أن تنفق إيران مليوناً ونصف المليون دولار سنوياً فقط على استيراد السيارات، ولكن من ناحية أخرى صنعنا سيارات بطريقة تجعل الناس غير راضين.
هناك قضية أخرى تتعلق بثقافة استخدام السيارات، إلى أي مدى يمكن أن يكون هذا الموضوع فعالا في حل بعض التوقعات الحالية للمستهلكين داخل البلاد؟ على سبيل المثال، استخدام السيارة الشخصية يوميًا للذهاب إلى العمل في العديد من الدول الأوروبية يتم بشكل مشترك، ما مدى أهمية هذه الثقافة؟
هذه المسألة لا تتعلق بثقافة استخدام السيارات، إنها مرتبطة بسعر البنزين، في الأوروبيون يستخدمون السيارات بشكل مشترك ليس لأنهم أكثر ثقافة، ولكن بسبب ارتفاع سعر البنزين.
أما في إيران، فسعر البنزين لا يتجاوز سنتين أو ثلاثة، وهذا السعر الخاطئ جعل استخدام السيارة الشخصية أكثر توفيرا من استخدام التاكسي للذهاب إلى العمل.
باستخدام التاكسي يكلف خمس أو ست مرات أكثر من استخدام السيارة الشخصية، وإذا تم تعديل سعر البنزين، ستتغير ثقافة استخدام السيارات أيضا، وستقوم العائلات بحساب تكلفة وفائدة استخدام السيارة الشخصية، أي إذا كان سعر البنزين في إيران مثل بقية دول العالم، فإن الناس في إيران يتصرفون بنفس الطريقة التي يتصرف بها الأوروبيون في استخدام السيارات.
ما هي مزايا وعيوب تحرير استيراد السيارات إلى إيران؟
بالطبع سيساهم ذلك في نمو الصناعة واقتصاد البلاد، فعلى سبيل المثال، اليابان هي أفضل دولة صناعة سيارات في العالم، حيث تنتج 93٪ من سياراتها وتستورد 7٪ فقط، ونحن أيضا في ذروة تحرير استيراد السيارات لم نكن نتجاوز 5٪ من الاستيراد.
هل ترى أن الإنتاج المحلي يمكن أن ينافس عندما يتم استيراد سيارات من الخارج؟
نعم، لنفترض أن السيارة الأجنبية المستعملة تكون بنصف الثمن، معنى ذلك أن الشرائح نفسها التي تشتري هذه السيارات هي نفسها التي ستشتري تلك، ولكن إذا لم تتوفر الخيارات بشكل أكبر، فلن يتجه الناس نحو الإنتاج المحلي.
أما إذا عمل الإنتاج المحلي على تحسين جودته ليكون منافسًا للأجنبي، كما حدث بين عامي 2005 و2013، عندما كان أفضل عصر لصناعة السيارات في إيران، حيث كانت الاستيرادات مفتوحة بالكامل وكانت الأوضاع جيدة جدًا، حتى من ناحية الخدمات التي كانت تقدم من أجل المنافسة.
رغم وجود الاحتكار في إنتاج وبيع السيارات في إيران، ومع وجود سوق استهلاكية واسعة، لماذا لا تزال الشركات الرئيسية المنتجة للسيارات تعاني من الخسائر؟ وما الحل لمعالجة هذه المشكلة؟
السبب هو أن الحكومة قامت بتحديد أسعار بيع السيارات، هذا الإجراء لم يحقق فائدة للحكومة ولا للأسر ولا للشركات المنتجة، صحيح أن هناك احتكارًا وكانت أسعار السوق مرتفعة، لكن الشركات كانت تبيع السيارات بنصف السعر، مما جعلها لا تحقق أرباحًا.
فقد كانت الشركات تبيع السيارة بثلث سعر السوق، بينما كانت الأسر تدفع ثلاثة أضعاف هذا السعر في السوق، وفي النهاية، كانت الحكومة تغطي خسائر الشركات، وبين كل ذلك، كانت الأرباح تذهب بالكامل إلى الوسطاء.
هل تكلفة إنتاج السيارات في إيران أقل من نظيراتها الأجنبية أم أنها لا تزال مرتفعة؟
تكلفة إنتاج السيارات في إيران أعلى بسبب الإدارة الحكومية، فليست الحكومات رواد أعمال جيدة للشركات. فتكلفة السيارات الجديدة تصل إلى حوالي 12 ألف دولار، في حين أن أي سيارة إيرانية لا تستحق أكثر من 10 آلاف دولار، والحكومة الإيرانية التي كانت خلال السنوات الخمس أو الست الماضية تبيع السيارات بأسعار أقل من التكلفة، الآن قررت رفع الأسعار.
أشار الرئيس مسعود بزشکیان إلى احتمال زيادة أسعار البنزين العام المقبل، كيف سيؤثر ذلك على سوق السيارات؟
مع ارتفاع أسعار البنزين، ستتراجع تدريجيًا شعبية السيارات ذات الاستهلاك العالي للوقود، مما قد يؤدي إلى خروجها من السوق بشكل تدريجي، وهذا التغيير سيؤثر على سلوك الأسر، حيث سيزداد الطلب على السيارات ذات الاستهلاك المنخفض للوقود.
بالإضافة إلى ذلك، سيحاول الناس اختيار أماكن سكن قريبة من أماكن عملهم لتقليل الاعتماد على السيارات الشخصية، وهذا سيؤدي إلى تغييرات دقيقة في سلوكيات التنقل، حيث سيعيد الكثيرون النظر في كيفية استخدامهم للسيارات الخاصة، خاصة أن الوقود حاليًا يُعتبر شبه مجاني، مما يتيح مجالًا أكبر لتغيير السلوكيات مع ارتفاع أسعاره.