كتبت: شروق السيد
كشفت صحيفة “إيران” عن تفاصيل دقيقة خلف الكواليس للأحداث التي سبقت رحيل بشار الأسد من دمشق في ديسمبر/كانون الأول 2024.
وتحت عنوان: ينشر لأول مرة؛ قبل شهرين من أحداث سوريا؛ ماذا جرى في الاجتماع الخاص بين إيران وروسيا؟ كتبت الصحيفة في تقرير لها 24 ديسمبر/كانون الأول 2024:
المشهد الأول
قالت الصحيفة: في الثاني من أكتوبر/تشرين الأول 2024، قبل شهرين من الأحداث في دمشق، بدا كل شيء طبيعياً، كانت الأخبار تدور حول لبنان وغزة ووقف إطلاق نار يحتاج إلى وقت ليصبح نصاً يعتمد عليه. لكن محادثة في إحدى غرف وزارة الخارجية في طهران بين دبلوماسي إيراني و”لاورنتييف”، المبعوث الخاص للرئيس الروسي للشؤون السورية، كشفت أن الوضع في سوريا ليس كما يبدو.
وكان لدى الجانب الإيراني شرح مفصل لوصف هذا الوضع غير العادي، وكان يوصي بعقد اجتماع عاجل في أستانا، إسرائيل كانت تقصف سوريا بشكل مكثف، وفي الوقت نفسه، تم إنشاء غرفة عمليات في إدلب، يجري فيها تجهيز قوات تخطط لإصدار أمر هجوم بري نحو دمشق تحت غطاء القصف الإسرائيلي، وبدء المعركة من هناك.
وتابعت: اتفق “لاورنتييف” على أن حساسية الوضع تجعل من الضروري عقد اجتماع أستانا على الفور، ومع ذلك، لم يكن واضحاً مدى قدرة هذا الاجتماع على احتواء الأزمة.
وأضافت: القائد العسكري الذي رافق ممثل روسيا في اجتماع الوفود الإيرانية والروسية والتركية يوم 12نوفمبر/تشرين الثاني 2024، أحضر معلومات تشير إلى أن سوريا على وشك أحداث عاصفة. وأظهرت التقارير وجود 30 ألف جندي في إدلب جاهزين للعملية، مع تجهيز 20 ألف آخرين.
لم تسر المحادثات مع الوفد التركي كما كان متوقعاً، فقد أشار الأتراك إلى أن السيطرة على المعارضة المسلحة في سوريا الذين لديهم أحلام خاصة ليست بالأمر الممكن.
وتابعت الصحيفة: هذا ما بدا عليه الأمر، كانت “حماة” و”اللاذقية” تحت سيطرة الحكومة السورية، وجزء منها كان ضمن مناطق خفض التوتر التي وعدت تركيا بعدم وجود مسلحين فيها، لكنهم تسلحوا، وكانوا يخططون للتمرد ضد الأسد.
الخلاف بين أنقرة والحكومة السورية جعل المحادثات في أستانا أكثر صعوبة، قال الأتراك إن بشار الأسد يعقد الأمور من خلال شرط انسحاب القوات التركية من سوريا كخطوة أولى للتفاوض.
وأردفت الصحيفة: لكنهم رفضوا أن يبقى جدول زمني للانسحاب على جدول الأعمال، قيل للوفد التركي إن الأسد لا يطلب الانسحاب أولاً، بل يريد فقط إدراج الأمر في جدول الأعمال، بحيث يرى تصوراً لانسحاب تركيا من الأراضي السورية.
رد الوفد التركي بأنهم سينقلون هذه النقطة إلى أنقرة، لكن لم ترد أي أخبار منهم لاحقاً.
وأضافت الصحيفة: بصرف النظر عن خلافات “الأسد” و”أردوغان”، كان الوضع الداخلي في سوريا أسوأ مما يسمح بالإصغاء إلى المعارضين الذين كانوا يشقون طريقهم في الميدان.
لم يكن صوت طهران قد سُمع أيضاً، رغم أنها نصحت الحكومة السورية حينئذ مراراً بإظهار بوادر إيجابية لإشراك المعارضين، خاصة أن الولايات المتحدة أبدت استعدادها للعمل مع الأسد، فإذا كان الأسد يعارض احتلال أراضيه من قبل تركيا، لم يكن يجب عليه الامتناع عن الحوار مع الأتراك.
وتابعت: العقوبات والوضع الاقتصادي أثقل كاهل حكومة دمشق، والحرب الإقليمية ألقت بظلالها الثقيلة عليها، كان الشعب غاضباً، ولم يرَ سبباً لمقاومة الإطاحة بحكومة كانت تضغط عليه بشدة.
لذلك، رأى صناع المشهد والمعارضون المسلحون بلداً مستعداً للاستسلام، لم تكن هناك فرصة أفضل من هذه للسيطرة على دمشق.
المشهد الثاني
وأضافت الصحيفة قائلة: في الساعات الأخيرة من يوم 26 نوفمبر/تشرين الثاني 2024، كانت سوريا تستعد لدخول فصل جديد من تاريخها، السلاح والتدريب كانا يأتيان من تركيا، والتمويل والدعم السياسي من قطر، على الجانب الآخر، أعلن “بنيامين نتنياهو” عن اتفاق وقف إطلاق النار في لبنان، موجهاً انتقادات لحكومة دمشق بقوله: “الأسد يلعب بالنار”.
لكن بعد ساعات، انطلق عرض الألعاب النارية الكبير لـ”تحرير الشام” بقيادة “محمد الجولاني”، الشاب قليل الكلام الذي حشد فصائل مختلفة من جبهة فتح الشام لتحقيق ما أطلق عليه “جلب الحرية للشعب السوري”. يقول أحد قادة “الجولاني” الكبار: “التحولات الجيوسياسية في الشرق الأوسط أثرت على حلفاء النظام السوري وخلقت فرصة ذهبية لتنفيذ هذا الهجوم، وقد استغللنا هذه الفرصة”.
وتابعت: بدأت عملية “ردع العدوان” في 27 نوفمبر/تشرين الثاني 2024 شمال غرب سوريا، أظهرت السيطرة الفورية على مواقع استراتيجية والتقدم نحو أطراف حلب أن تحقيق الهدف النهائي لن يكون مهمة صعبة.
رداً على ذلك، كثفت روسيا من حجم وشدة هجماتها العسكرية، حاولت حكومة دمشق جذب العسكريين للبقاء بتقديم عروض مالية مغرية، فيما وافقت إيران على تكثيف الهجمات الجوية على إدلب لتسهيل المعركة في حماة وإجبار القوات المعارضة على التراجع عن حلب، لكن كل هذه الجهود باءت بالفشل، حيث ظهر “الجولاني” في حلب بسرعة غير متوقعة.
لم يكن الجيش السوري غير قادر على القتال، بل لم تكن لديه نية للقتال، أسقط الجنود أسلحتهم، بل قدموا العون لأنصار “الجولاني”، انهارت خطوط الجبهة الأولى والثانية، وتسارعت الأحداث بشكل كبير.
المشهد الثالث
وقالت الصحيفة الإيرانية: كانت سوريا تحاول الصمود، لكن بشار الأسد وللمرة الأولى منذ 13 عاماً من الحرب الأهلية في بلاده، شعر بخطر الرحيل.
وتابعت: مساء الجمعة 6 ديسمبر/كانون الأول 2024، وصل كل من وزير الخارجية، عباس عراقجي، ومستشار المرشد الأعلى، علي لاريجاني، إلى دمشق ليطمئناه بأنه ليس وحيداَ في هذه المعركة، حتى لو تطلب الأمر دخول الحرب بأنفسهم، لكن الوقت كان قد فات، الجيش السوري ألقى أسلحته وبدأ في مغادرة ساحة المعركة، لا يمكن القتال بدلاً من جندي لا يرغب في الدفاع عن وطنه، كانت سرعة تقدم “تحرير الشام” قد صدمت الجميع.
وأضافت الصحيفة: طلبت موسكو من الأسد مغادرة البلاد، لكنه رفض هذه النصيحة، كان المعارضون قد اقتربوا من مسافة 200 كيلومتر من دمشق حين قرر وزير الخارجية الإيراني عراقجي ووزير الشؤون الخارجية للاتحاد الروسي “لافروف” إعطاء فرصة جديدة للدبلوماسية، فحاولا إقناع وزير الخارجية التركي، “هاكان فيدان”، نظيره التركي، بالحضور إلى الدوحة، ربما يكون ذلك بمثابة “أستانا” جديدة، الفرصة الأخيرة لإعادة الأمور إلى نصابها.
وتابعت: اجتمع شركاء أستانا يوم 8 ديسمبر/كانون الأول 2024 في الدوحة لإقناع تركيا، التي كانت تدعم المعارضة المسلحة سعياً لفتح دمشق، بأن الوقت لا يزال متاحاً لإيجاد حل لنزاعها مع دمشق.
بخلاف التوقعات، كان البيان المشترك للوزراء الثلاثة مشجعاً، وأشار إلى أن تركيا بدت مقتنعة بترك نافذة الدبلوماسية مفتوحة مع احتمال بقاء حكومة دمشق، ومع ذلك، كانت النصائح السرية من أنقرة لإيران وروسيا بعدم التدخل في المعركة كافية لجعل الأسد يدرك أن نهاية اللعبة قد اقتربت.
وأضافت الصحيفة: عند الساعة 12 منتصف ليل 8 ديسمبر/كانون الأول 2024، بينما كان الدبلوماسيون يعودون إلى فنادقهم، كان المعارضون قد وصلوا إلى أبواب دمشق، لم يكن هناك مجال لبقاء الأسد.
تحركت موسكو وأعلنت أن وقت الرحيل قد حان، وأمرت قيادة قاعدتها في “اللاذقية” بتنظيم خروج فوري للأسد إلى روسيا.
وأردفت: لم يكن أمامه خيار سوى الرحيل، اتصل بـ”بثينة شعبان”، مستشارته الإعلامية، وطلب منها الحضور لكتابة نص خطابه الأخير، ولكن حتى لذلك كان الوقت قد فات، عندما وصلت “بثينة شعبان”، لم يكن الأسد هناك، ولم تسنح له فرصة إلقاء خطاب وداع.
وتابعت الصحيفة: قبل أن تشرق شمس دمشق يوم 8 ديسمبر/كانون الأول 2024، كان بشار الأسد قد غادر الأجواء على متن طائرة أُغلق جهاز إرسالها، متجهاً إلى موسكو لينضم إلى زوجته وأبنائه الذين كانوا في انتظاره.
وأضافت: قال الأسد في أول تصريح له بعد مغادرته الأخيرة من دمشق في 8 ديسمبر/كانون الأول 2024: “بقيت في دمشق حتى الساعات الأخيرة وتابعت مسؤولياتي حتى ساعات الفجر الأولى من صباح الأحد الثامن من ديسمبر/كانون الأول 2024، ومع وصول الإرهاب إلى داخل دمشق، وبالتنسيق مع الأصدقاء الروس، انتقلت إلى اللاذقية لمتابعة العمليات العسكرية من هناك”.
وتابعت الصحيفة قائلة: هكذا، أصبح مطار “حميميم” شاهداً على رحيل الجنود إلى موسكو وطهران، هؤلاء الجنود الذين حاربوا داعش لسنوات بعيداً عن أوطانهم، وجدوا أنفسهم أمام مصير متكرر في صفحات التاريخ.
المشهد الأخير
قالت الصحيفة: الآن، لا أحد يعرف بالضبط ما الذي يدور في أذهان فاتحي سوريا، لقد أمضى “الجولاني” سنوات محاولاً تغيير صورته، متجاهلاً علاقاته القديمة مع “القاعدة”، ليقدم نفسه كقائد متسامح، الآن، وضع قيادته تحت تصرف أنقرة ليظهر في ساحة سوريا بملامح تكنوقراطي مسالم يناصر الحرية.
وتابعت الصحيفة : مدّ “الجولاني” يده للجميع، وخاصة لإسرائيل التي يبدو أنها في الأيام التي سبقت سقوط دمشق، كانت تسعى وراء غاية أخرى غير رحيل “الأسد”، كانت تسعى لإبقائه في السلطة تحت وصاية الإمارات، مع إقامة علاقات عسكرية واستراتيجية مع الأكراد في الشمال الشرقي و”الدروز” في الجنوب، ولكن عندما أدركت أنها لن تحقق هذا الهدف، بدأت بتدمير القواعد والتجهيزات العسكرية في سوريا، التي كانت آمنة في عهد “الأسد” ولم تعد مناسبة لتبقى تحت سيطرة “تحرير الشام”.
وأردفت الصحيفة : كما يبدو، كان رحيل بشار وعملية “تحرير الشام” بمثابة خطة موجهة من تركيا، أما الولايات المتحدة وإسرائيل، فقد استفادتا من هذه الساحة، لكن دون تنسيق مسبق مع الأتراك.
أما بالنسبة لإيران، فقد تغيرت الحقائق كذلك، صحيح أن علم السفارة السورية في طهران قد أُنزل، لكن ليس من المقرر أن يبقى كذلك، تغيرت السياسة العالمية في الشرق الأوسط، بعد 13 عاماً من القتال ضد الإرهاب في سوريا والعراق، تسعى طهران لإيجاد مكان لها في الصفوف الأمامية للدبلوماسية، حيث حصلت تركيا على نصيب كبير، لكن إيران تعتقد أن فترة الازدهار التركي لن تدوم طويلاً.
وأضافت: لا تريد طهران أن يكون أي لاعب فردي هو المسيطر الذي يحوّل سوريا إلى ملعب خاص به، لذا فهي تبحث عن حلول، الخلاف والتصفية بين تركيا والأكراد يثيران قلق “واشنطن” و”تل أبيب”، مما أدى إلى خلق فجوة عميقة تمثل ساحة لعب جيدة لإيران.
واختتمت الصحيفة تقريرها: على الرغم من أن الأحداث في اليوم المصيري لسوريا قد جعلت الأمور أكثر صعوبة، فإن طهران لديها إيمان بقدرتها على التفاوض مع جميع الأطراف المعنية.