ترجمة: نوريهان محمد البهي
نشرت صحيفة فرهيختگان، الثلاثاء 17 ديسمبر/كانون الأول 2024، حواراً خاصاً أجرته مع عبد الرضا بني علي، الملحق الثقافي الإيراني السابق في مصر، للحديث حول احتمالية عقد قمة ثلاثية بين تركيا ومصر وإيران على هامش قمة “دي 8” في القاهرة، لمناقشة تطور الأوضاع على الأراضي السورية، وأبعاد العلاقات الإيرانية التركية السورية بعد سيطرة هيئة تحرير الشام التي ترى الصحيفة أنها ذات خلفية مرتبطة بتنظيم الإخوان، وجاء في الحوار:
بالنظر إلى اللقاءات المحتملة على هامش قمة “دي 8” في القاهرة.. ما رأيك في إمكانية عقد لقاء بين السيسي وأردوغان؟ وهل تعتقد أن هذه اللقاءات قد تحمل تأثيراً حقيقياً في العلاقات بين الدول الثلاث، أم أنها ستكون مجرد لقاءات بروتوكولية؟
بني علي: أشير أولاً إلى القمة التي من المقرر أن تُعقد في القاهرة، وأود التأكيد على أن أي لقاء محتمل بين السيسي وأردوغان سيكون بروتوكولياً بالدرجة الأولى.
كما لا أستطيع أن أقول إنني متفائل بشكل كبير بشأن التأثير الذي قد يترتب على لقاء بين أردوغان وبزشكیان.
هذه اللقاءات التي تُعقد على هامش القمة عادة ما تكون ذات طابع رسمي وتشريفي، ولا أعتقد أن هناك تأثيراً كبيراً منها.
لكن من جانب آخر، هناك قضايا محددة تهم البلدين، وهذه القضايا يجب أن تتم مناقشتها أولاً على مستوى وزراء الخارجية والخبراء المختصين.
في رأيك، هل يمكن لإيران أن تتعاون بشكل أفضل مع الحكومات الإخوانية أم مع الحكومات العلمانية؟ وهل لديك تجربة أو رؤية حول هذا الموضوع؟
التجربة أظهرت أن الحكومات العلمانية تتعامل بشكل أفضل مع الإيرانية؛ لأن الإخوان المسلمون كانوا في البداية يسعون إلى إقامة نوع من الحكم أو الخلافة الإسلامية، إما جنباً إلى جنب مع الثورة الإسلامية أو حتى قبلها.
وبعد أن وصلوا إلى السلطة، بدأوا يرون أنفسهم في منافسة دائمة معنا، بالطبع بعد الثورة، كانت هناك بعض الحوارات الجيدة معهم، لكن الإخوان المسلمين طالما كانوا يعملون كحركة سلمية في بلادهم (ليس كفروع مسلحة)، وكانت علاقاتهم معنا أفضل.
ولكن بمجرد وصولهم إلى الحكم، كما حدث في تجربة حكم مرسي، بدأوا يرون أنفسهم في وضع تنافسي مع إيران. هم يريدون بناء نموذج مشابه لما قمنا به كـ “حكومة إسلامية شيعية” في مكان آخر، وهذا لُب التنافس.
أما الحكومات العلمانية، التي غالباً ما تبتعد عن الصراعات الدينية والمذهبية، فإن علاقات إيران معها تسير بشكل أفضل.
وعلى سبيل المثال، في السعودية، منذ أن تبنى محمد بن سلمان نهجاً علمانياً وأصبحت الصراعات الدينية أقل حدة، أصبح التواصل معنا أسهل، لذا، يبدو أن التعاون مع الإخوان في مواقع السلطة كان أكثر صعوبة بالنسبة لنا.
بالنسبة للوضع في سوريا، هناك ظهور لجماعة “تحرير الشام” ذات” الخلفية الإخوانية” بحسب وصف الصحيفة.. كيف ترى تأثير هذه الجماعات الإخوانية في المنطقة؟ وهل تعتقد أن إيران يمكنها التعامل معها بشكل فعّال؟
لا يمكن إنكار أن “تحرير الشام” لها خلفية إخوانية. أما وصول جماعة إخوانية إلى السلطة في سوريا فهو موضوع آخر. هناك جماعة إخوانية في سوريا، وبغض النظر عن رغبتنا أو عدمها، لديهم خلفية إخوانية.
الإخوان المسلمون لديهم فروع متعددة؛ من الفروع المعتدلة والهادئة إلى الفروع المتشددة والمسلحة. عادةً ما يكون من الأسهل العمل مع الفروع المعتدلة والهادئة من الناحية الدينية والمذهبية. لكن الإخوان المتشددين غالباً ما يتخذون مواقف معادية لنا، مما يخلق صعوبة في إقامة علاقات جيدة معهم.
خلال العام والنصف الماضي، بعد عملية “طوفان الأقصى” والدعم الذي قدمناه لفلسطين والضربات التي تعرضنا لها، أصبح الوضع على نحو جعل العديد من السنّة، حتى أولئك الذين كانوا يتخذون مواقف معارضة لإيران، يدركون أن إيران مستعدة لدفع الثمن من أجل فلسطين.
والآن نرى أن جماعة إخوانية في سوريا تظهر وتواجه الحكومة التي تدعم محور المقاومة، مما يؤدي إلى سقوطها. وفي الوقت الحالي، إحدى الطرق الممكنة هي أن تقوم حماس، باعتبارها جماعة إخوانية، بإنشاء علاقة بيننا وبين الإخوان السوريين، مما يتيح فرصاً للتعاون.
في ضوء ما ذكرته حول الجماعات الإخوانية في سوريا، هل تعتقد أن “تحرير الشام” يمكنها البقاء في سوريا لفترة طويلة؟ وما هي العوائق التي تواجه العلاقة بين إيران والإخوان في سوريا؟
أعتقد أن “تحرير الشام” لن تستمر طويلاً في سوريا، وفي الوضع الحالي، علاقتنا مع الإخوان في سوريا تواجه تحديات.
وعلى الرغم من أن حماس، باعتبارها جماعة إخوانية لها اتصالات مع هؤلاء، يمكن أن تلعب دوراً إيجابياً، إلا أنه عندما يعلن “جولاني” أن المشكلة الرئيسية لهم هي إيران وحزب الله، فإن ذلك يخلق حالة من التناقض الجدي.
وقبل هذه الأحداث، حصلنا على ضمانات، من خلف الكواليس، من المدعومين من تركيا وأطراف أخرى بأن سفاراتنا ومراكزنا في سوريا لن تتعرض لهجوم. لكن إذا استمروا في التصعيد وبدأوا في التمرد، فقد تتفاقم خلافاتنا.
ومع ذلك، يمكن لحماس أن تلعب دوراً في تعديل هذه العلاقات، وربما تتمكن من تعديل الأوضاع بحيث تتحسن علاقتنا مع الإخوان السوريين. في المدى القصير وفي السنوات القادمة، إذا بقي الإخوان في السلطة، ربما يمكننا إقامة علاقة وسطية معهم، وننتقل من حالة التناقض إلى حالة من التوازن.
هل تعتقد أن الإخوان المسلمين، بمجرد وصولهم إلى السلطة، يصبحون خصماً لإيران؟ وما هي الأسباب التي تدفعهم لتبني هذا الموقف؟ كيف تؤثر العوامل الدينية في هذه المنافسة؟
حقيقةً لا يمكن القول بشكل مطلق إن علاقات إيران مع جميع الجماعات الإخوانية تواجه تحديات. إذا نظرنا للأمر بشكل عام، يجب أن نعلم أنه لا يمكننا إقامة علاقات جيدة مع الفروع المتشددة من الإخوان فقط.
وفي المقابل، لدينا علاقات جيدة نسبياً مع جماعات مثل حماس التي دفعناها، لكن بشكل عام، عندما يصل الإخوان إلى السلطة، يبدأون في الظهور كمنافس.
ولاحظت في رسالة قرأتها، كان هناك استنتاج مثير للاهتمام مفاده أن الجماعات الإسلامية السنية، بما في ذلك الإخوان، يمكن التعاون معها بشكل جيد طالما أنها لم تصل إلى السلطة.
ولكن بمجرد وصولهم إلى الحكم، يتحولون إلى خصم، في هذه المنافسة، وتلعب العوامل الدينية دوراً مؤثراً، فعلى سبيل المثال، ما حدث في مصر، عندما وصل مرسي إلى الحكم، في مؤتمر دول عدم الانحياز، ومن دون حاجة واضحة، ذكر الخلفاء، مما جعل الطابع الديني للمنافسة أكثر وضوحاً.
برأيك لماذا تظل العلاقات بين إيران ومصر ضعيفة رغم أن الحكومة في مصر علمانية؟ وكيف تؤثر المصالح الاقتصادية على هذه العلاقات؟
سأوضح لك، إن ضعف العلاقات بيننا وبين مصر له أسباب أخرى، ففي مصر لا توجد علاقات اقتصادية مشتركة، وعلاقاتنا مع مصر ضعيفة بسبب عدم وجود مصالح اقتصادية مشتركة.
ونلاحظ أنه على مدار الأربعين عاماً الماضية، كانت العلاقات الاقتصادية بين إيران ومصر شبه معدومة، والمصريون يرون إيران دولة مثيرة للمشاكل.
وبالنظر إلى مصر فهي دولة يحصل جيشها سنوياً على ما يقرب من مليار دولار مساعدات من أمريكا؛ فكيف يمكن أن يوجد أي نوع من التعاون الاقتصادي بين إيران ومصر يغير العلاقات؟
وحتى إذا ضغطت أمريكا لتمنع إقامة أو تعزيز العلاقات، فإن مصر ليس لديها ما تخسره، لأن المصالح الاقتصادية بين البلدين غير موجودة.
ويمكننا أن نقول في جملة واحدة إن المصريين استخدموا ورقة إيران في الألعاب السياسية على مدار الأربعين عاماً الماضية، وهذه العملية لا تزال مستمرة.
ومن ناحية أخرى، تقف الحكومة المصرية ضد الجماعات، مثل تحرير الشام التي تعارض سياسة إيران في دعم سوريا، لكن من ناحية أخرى، لا توجد مصلحة مشتركة يمكن أن تقرب بين البلدين.
واليوم، تُعرَف علاقات الدول بناء على المصالح الاقتصادية، إذا كانت هذه المصالح موجودة، فإن الجوانب الأخرى تتأثر بها، ولكن إذا لم تكن هناك مصالح اقتصادية، فإن الجوانب السياسية والثقافية لا تحظى بالكثير من الاهتمام.
كيف ترى دور جماعة الإخوان المسلمين في الوقت الحالي، وخاصة في دول مثل مصر وتونس وتركيا؟ وهل يمكن أن يقال إن أردوغان يتبع أفكار الإخوان المسلمين؟
بالمقارنة مع الأعوام الماضية، أعتقد أن الإخوان المسلمين لم يعودوا كما كانوا خلال بدايات الربيع العربي، حيث كانوا في مرحلة تصاعدية. الجماعة التي انطلقت من مصر وامتدت إلى دول أخرى فقدت الوحدة التي كانت تجمعها في السابق.
حتى داخل مصر، الجماعة منقسمة إلى ثلاث فئات رئيسية؛ هناك جناح يقيم في لندن، وهو يميل إلى الاعتدال في نهجه، وجناح آخر كان موجوداً في تركيا وتحالف مع أردوغان لفترة، لكن نفوذه تقلص بعد تحسن العلاقات بين تركيا ومصر، وأما الجناح الثالث فهو مجموعة متشددة لا تعترف بأي من المجموعتين الأخريين.
بالتالي، الإخوان المسلمون لم يعودوا يسيرون وفق نفس الفكر الذي كانوا يتبعونه سابقاً، ولم يعودوا في حالة نمو أو توسع، خلال الربيع العربي حققت الجماعة تقدماً ملحوظاً.
ففي تونس، صعدت حركة النهضة بقيادة راشد الغنوشي إلى السلطة، وفي مصر وصل محمد مرسي إلى الرئاسة، كما أن الجماعات الإخوانية في ليبيا تمكنت من تحقيق صعود ملحوظ، لكن في جميع الحالات، واجهت هذه الجماعات تحديات كبيرة ولم تتمكن من تلبية التوقعات..
عند النظر بتمعن، نرى أن الإخوان المسلمين في بعض الدول، مثل المغرب، قد تراجعوا تدريجياً عن مواقفهم الأصلية بسبب الضغوط، خاصة بعد طلب الملك تطبيع العلاقات مع إسرائيل؛ هؤلاء الذين اشتهروا بشعاراتهم الإسلامية المحددة، تصرفوا في هذا السياق بشكل عملي، بل وحتى ليبرالي، حيث وافقوا على تنفيذ توجيهات الملك والمضي قدماً في تطبيع العلاقات مع إسرائيل.
وفي تونس، واجه الإخوان المسلمون أزمات خطيرة فعلى الرغم من بلوغهم ذروة السلطة، فشلوا في إدارة الأوضاع بشكل فعال، وتراجعت مكانتها الآن.
أما فيما يخص تركيا، فعلى الرغم من أن أردوغان يحمل طابعاً قريباً من الإخوان، لكنه في الواقع أكثر ميلاً للعمل وفق مصالحه الشخصية والوطنية بدلاً من الالتزام أيديولوجية الإخوان، كما نرى أنه في حالات معينة يضع فكر الإخوان جانباً لتحقيق مصالح تركيا فقط.
وفي الوقت الراهن، وبسبب أن مصلحة تركيا تطلبت دعم مشروع “هيئة تحرير الشام”، فقد دعم هذا الفصيل؛ لأنه يمتلك قاعدة نسبية تخدم مصالح تركيا.
وبشكل عام، لا أرى أن الإخوان المسلمين في نهجهم الحالي قادرون على النمو أو التوسع، فالواقع والتحديات التي يواجهونها تعيق قدرتهم على تحقيق ذلك.