كتبت: شروق السيد – نوريهان البهي
تشهد إيران إغلاقات واسعة طالت المدارس، والدوائر الحكومية والقطاعات الصناعية، وسط أزمة طاقة خانقة وتلوث هواء متزايد، فيما أطلق الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان حملة بعنوان “درجتين أقل” في محاولة لتجاوز الأزمة.
إغلاق كامل
أعلن معاون التنسيق للشؤون العمرانية بمحافظة طهران عن الإغلاق الكامل الثلاثاء 17 ديسمبر/كانون الأول 2024 في العاصمة الإيرانية، وقال: بالنظر إلى إعلان منظمة الأرصاد الجوية عن استمرار الملوثات، وبرودة الطقس، وقرار لجنة الطوارئ، سيتم تعطيل المدارس، والمراكز التعليمية، والدوائر الحكومية، والمؤسسات غير الحكومية.
وفي أصفهان، بالإضافة إلى تعطيل الدوائر يوم الثلاثاء17 ديسمبر/كانون الأول، ستستمر المدارس والجامعات في عملها عبر الإنترنت حتى نهاية الأسبوع، كما ستُغلق البنوك وشركات التأمين باستثناء الفروع المناوبة، وستتحول أنشطة الأجهزة التنفيذية إلى العمل عن بُعد، وسبب هذه الإغلاقات هو إدارة استهلاك الطاقة وتقليل تلوث الهواء.
أما في باقي محافظات البلاد، فتستمر الإغلاقات، حيث ستُعطل المدارس والجامعات والدوائر في محافظات خراسان رضوي، قم، البرز، قزوين، زنجان، مازندران، كردستان، كرمانشاه، أردبيل، فارس، خوزستان، جيلان، همدان وسمنان بسبب البرد أو أزمة الطاقة.
وفي جنوب البلاد، شهدت محافظات مثل هرمزغان وكرمان وبوشهر تعطيل المدارس والجامعات بسبب العواصف الترابية والرياح الشديدة.
ولم يقتصر الأمر على تعطيل سير الحياة في إيران بل طالت أزمة الطاقة القطاع الصناعي أيضاً.
حيث أصبحت أزمة اختلال توازن الطاقة وانقطاع التيار الكهربائي المتكرر في القطاعات الصناعية واحدة من أهم المشكلات التي تواجه الصناعة حالياً.
ورغم أن محمد رضا عارف، النائب الأول لرئيس الجمهورية، كان قد صرّح مؤخراً قائلاً: “لن نسمح بقطع الكهرباء والغاز عن القطاع الصناعي خلال ساعات العمل، إلا أن التعميم الجديد الصادر عن وزارة الطاقة قد وضع وعد عارف في هالة من عدم اليقين”.
وبحسب التعميم الجديد لوزارة الطاقة، فإن العديد من القطاعات الصناعية مُلزمة بخفض استهلاك الكهرباء بنسبة 90%، كما يجب على المباني الإدارية تقليل استهلاك الطاقة بنسبة 50% خلال ساعات العمل وخارجها.
هذا النهج الحكومي أثار غضب الصناعيين الإيرانية، فأصدروا يوم 13 ديسمبر/كانون الأول 2024، مناشدة بعدم قطع الكهرباء عن القطاعات الصناعية .
وأتى في بيان الصناعيين أنهم يعربون عن قلقهم إزاء الانقطاعات المتكررة للكهرباء وارتفاع تكاليف الطاقة، الأمر الذي أدى إلى تراجع الإنتاج، وتلف المعدات الصناعية، زيادة البطالة، وارتفاع الأسعار في الأسواق، وطالبوا الحكومة بتوفير كهرباء مستقرة، وتعويض الخسائر، وتخفيف الضرائب والتكاليف، وتطوير البنية التحتية للطاقة، بالإضافة إلى تخصيص أراضٍ لإنشاء محطات طاقة متجددة، وذلك لضمان استقرار الإنتاج ودعم الاقتصاد الوطني.
وأضاف الصناعيون في بيانهم أن استمرار هذا الوضع سيؤدي إلى انخفاض دخلهم من جهة، وبالتالي انخفاض الإيرادات الضريبية للحكومة من جهة أخرى.
وبحسب البيان، فإن الانقطاع المتكرر للكهرباء تسبب في تلف الدوائر الإلكترونية والمعدات الصناعية باهظة الثمن، والتي أصبح من شبه المستحيل استبدالها في ظل الظروف الحالية من العقوبات وارتفاع سعر الدولار، كما أسفرت عن انخفاض الإنتاج، تأخير تسليم البضائع، تراجع الصادرات، وزيادة تكاليف الإنتاج، ومن ناحية أخرى، أدت إلى زيادة أسعار المنتجات في السوق نتيجة اختلال التوازن بين العرض والطلب، ما تسبب في تضخم وهمي واستياء عام، وأدى في النهاية إلى الركود الاقتصادي، وهو ما يظهر جلياً من خلال زيادة أعداد الشيكات المرتجعة، حسب بيانات البنك المركزي.
وطالب الصناعيون الإيرانيون رئيسَ الجمهورية بإزالة أي عقبات وأعباء إضافية عن كاهل الصناعة، واتخاذ تدابير خاصة لتوفير الكهرباء المستقرة، والاستثمار الجاد والسريع في تطوير البنية التحتية للطاقة وشبكة الكهرباء، وإصدار أوامر صريحة لتخصيص الأراضي فوراً لبناء محطات الطاقة المتجددة من قبل المدن الصناعية .
“درجتين أقل”
وفي محاولة للتعامل مع أزمة الطاقة التي تعانيها إيران وصولاً للإغلاق الكامل للبلاد، دعا الرئيس الإيراني “مسعود بزشكيان” إلى ترشيد الاستهلاك وخفض درجتين من أجهزة التدفئة لمواجهة أزمة الطاقة.
حيث صرح بزشكيان، في جلسة مجلس الوزراء يوم الأربعاء 11 ديسمبر/كانون الأول 2024، بشأن ضرورة خفض استهلاك الكهرباء والغاز المنزلي، قائلاً: “إذا قمنا بخفض أجهزة التدفئة بمقدار درجتين فقط، يمكننا توفير ما يصل إلى 50 مليون متر مكعب من استهلاك الغاز. ويمكن لجميع الأجهزة الدعائية، بدءاً من الإذاعة والتلفزيون وصولاً إلى أئمة الجمعة، دعوة الناس لتحقيق هذا الهدف”، وذلك حسبما ذكرت وكالة الأنباء الإيرانية “ايسنا“.
كما وجَّه الرئيس رسالةً أخرى مخاطباً المواطنين قائلاً: “نطلب من كل أهالينا الأعزاء خفض تدفئة منازلهم بما لا يقل عن درجتين حتى نتمكن من الحصول على المزيد من احتياطي الوقود وتوفير الوقود لجميع المواطنين في هذا الطقس البارد”، وذلك حسب ما ورد في تقرير وكالة ايسنا بتاريخ 12 ديسمبر/كانون الأول 2024.
وعقب إطلاق بزشكيان دعوته، أصدرت عدد من المؤسسات والشخصيات الحكومية بيانات تطالب المواطنين الإيرانيين بالاستجابة لمطلب الرئيس.
إذ أعلنت شركة الغاز الوطنية الإيرانية في تقاريرها أن استهلاك الغاز في القطاع المنزلي وصل إلى 700 مليون متر مكعب يومياً، مما يشكل 70% من إجمالي استهلاك الغاز في إيران، هذا الاستهلاك الزائد يهدد استقرار إمدادات الغاز ويؤثر على قدرة المحطات الكهربائية والصناعات.
وبناء عليه، دعا المسؤولون المواطنين إلى خفض درجة حرارة منازلهم بمقدار درجتين في إطار حملة “خفض درجتين”، بهدف توفير من 50 إلى 60 مليون متر مكعب من الغاز، لتخفيف الضغط على شبكة الغاز، خصوصاً في مناطق شمال غرب وشمال شرق إيران التي قد تعاني من انخفاض الضغط. كما تستمر إجراءات تقليص الاستهلاك، بما في ذلك قطع الغاز عن المراكز التجارية والمباني غير السكنية، ومتابعة استهلاك الجهات الحكومية، وفقاً لما جاء في صحيفة همشهري 16 ديسمبر/كانون الأول 2024.
كما دعا محمد أتابك، وزير الصناعة والتجارة الإيراني، المواطنين إلى الانضمام إلى الحملة، مشيراً إلى أن خفض استهلاك الطاقة، وخاصة الغاز والكهرباء، يمكن أن يخفف من التحديات الكبيرة التي تواجه الصناعات في هذا الموسم، مما قد يؤدي إلى توقف الإنتاج، وبالتالي التأثير السلبي على الاقتصاد الوطني.
وأضاف: “بينما يمكن من خلال خفض استهلاك أنظمة التدفئة في المنازل والمرافق التجارية، تجنب المزيد من القيود على الصناعات وضمان توفير الطاقة لكافة القطاعات”، وفقاً لتقرير وكالة ايسنا 14 ديسمبر/كانون الأول 2024.
كما شاركت أيضاً فرزانه صادق مالواجرد، وزيرة الطرق والتنمية الحضرية، مؤكدة أن الشعب الإيراني أثبت مراراً دعمه للدولة في الأوقات الحرجة، وأعربت عن أملها في استمرار هذا الدعم من خلال تقليل استهلاك الوقود بمقدار درجتين في المنازل وأماكن العمل، ووصفت هذه الخطوة بأنها حيوية لإدارة موارد الطاقة والحفاظ على إمدادات الطاقة لجميع القطاعات، وفقاً لتقرير وكالة ايرنا 16 ديسمبر/كانون الأول 2024
كما دعت شينا أنصاري، مساعدة رئيس الجمهورية، المواطنين إلى خفض درجة حرارة المنازل والمكاتب بمقدار درجتين، مؤكدة أن تلك الخطوة توفر 50 مليون متر مكعب من الغاز يومياً وتمنع انبعاث 116 طناً من الملوثات، مما يساعد على مواجهة انخفاض درجات الحرارة والتلوث البيئي، وفقاً لما جاء في تقرير صحيفة عصر إيران 16 ديسمبر/كانون الأول 2024.
كما ساهمت فاطمة مهاجراني، المتحدثة باسم الحكومة الإيرانية، في الدعوة لحملة ترشيد الغاز، ودعت المواطنين إلى خفض درجة حرارة المنازل بمقدار درجتين لتوفير الطاقة.
وأكدت مهاجراني أن كل درجة مئوية من خفض درجة الحرارة تعادل توفير 25 مليون متر مكعب من الغاز، وهو ما يعادل إنتاج يوم كامل من أحد حقول الغاز الكبرى في إيران، وفقاً لتقرير وكالة ايسنا 13 ديسمبر/كانون الأول 2024.
كما دعا رئيس منظمة الطاقة الذرية الإيرانية، محمد إسلامي، المواطنين للانضمام إلى حملة “خفض درجتين”، التي أطلقها الرئيس الإيراني، مؤكداً أن الحفاظ على استقرار الوضع الحالي هو الحاجة الأكثر أهمية في البلاد، مشيراً إلى ضرورة التوازن بين الموارد والاستهلاك.
وتعهد رئيس المنظمة بالمشاركة في الحملة مع عائلته، كما دعا المواطنين للانضمام إلى المبادرة من أجل تجاوز هذه الظروف الباردة دون أن يتعرض أي شخص أو مؤسسة لمشاكل نتيجة نقص الموارد، وفقاً لما جاء في تقرير وكالة مهر 16 ديسمبر/كانون الأول 2024.
أزمة الطاقة
وتواجه إيران أزمة كبيرة في الطاقة في الوقت الحالي بسبب العقوبات المفروضة عليها، وبينما يبلغ المتوسط العالمي لتخزين الغاز نحو 11%، وترتفع هذه النسبة في دول مثل الولايات المتحدة وروسيا وأوروبا إلى 20%، إلا أنها لا تتجاوز 1.5% في إيران، وبسبب هذا الضعف في التخزين، تتضاعف مشكلات توفير الطاقة خلال مواسم الذروة، خاصة في فصل الشتاء.
وقد تسببت العقوبات الأمريكية على إيران في عدم قدرتها على الوصول إلى الموارد المالية والتكنولوجية مما أدى إلى تراجعها لسنوات في مجال تخزين وإنتاج الطاقة، إضافة إلى تهالك بعض المعدات والمنشآت المرتبطة باستخدام الغاز والكهرباء، وعدم القدرة على تحديث خطوط إنتاج محطات الطاقة.
وإضافة للعقوبات، تعاني إيران أزمات أخرى في إدارة قطاع الطاقة أدت بها لتلك الأزمة، حيث صرح آرش نجفي، رئيس لجنة الطاقة في غرفة التجارة الإيرانية في 30 نوفمبر/تشرين الثاني 2024 بأن أزمة الطاقة ناجمة عن الإهمال في تطوير البنية التحتية والاستثمار في قطاع الطاقة وتحسين الكفاءة خلال السنوات الماضية.
وأشار آرش نجفي إلى اختلال التوازن في قطاع الطاقة، قائلاً: “إن هذا الاختلال ليس ظاهرة أحادية البعد، بل هو مسألة معقدة أدت، بعد عدة سنوات، إلى أضرار في قطاعي الكهرباء والغاز، مما أثر سلباً على الصناعة”.
وأضاف: “هذه الأزمة في الطاقة جاءت نتيجة الإهمال الذي حدث خلال السنوات الماضية، حيث كانت ظروف الطاقة في البلاد مستقرة حتى عام 2015، وفي ذلك الوقت، كان مديرو شركات الغاز والكهرباء مُلزمين باتخاذ إجراءات جدية وفقاً للمادة 12 من قانون إزالة معوقات الإنتاج التنافسي”.
وتابع رئيس لجنة الطاقة في غرفة التجارة الإيرانية: “كان لدى المديرين مهلة 10 سنوات لتنفيذ هذا القانون، واستخدامه كإطار هيكلي لتطوير شبكة الغاز في البلاد”.
وكذلك أكد نجفي أن “سبب انقطاع الغاز يعود إلى الإهمال في تلبية احتياجات القطاع الصناعي، رغم أن البلاد لديها قدرات كبيرة في مجال الحقول الغازية، إلا أنه تم التهاون في هذا الأمر خلال السنوات الماضية”، حسب قوله .