ترجمة: دنيا ياسر نور الدين
نشرت صحيفة “عصر إيران” الإيرانية المعتدلة، الخميس 17 أبريل/نيسان 2025، تقريرا استعرضت فيه تناول الأخبار السلبية داخل وسائل الإعلام المحلية بدلا من تركها للروايات الخارجية، مبينا كيف يؤثر ذلك على ثقة الجمهور ومرجعية الإعلام. كما يناقش الفروق بين الدول المتقدمة والنامية في التعامل الإعلامي مع الأخبار السلبية.
تحدي المرجعية الإعلامية
ذكرت الصحيفة: “إننا نعيش في عصر لم تعد فيه الأخبار السلبية قابلة للإخفاء كما في السابق، بل إنها تجد في نهاية المطاف طريقها إلى النشر. فإن لم تُنشر عبر وسائل الإعلام المحلية، فإنها تتجه نحو شبكات التواصل الاجتماعي أو وسائل الإعلام الأجنبية وتظهر من خلالها”.
وأوضحت أن نقل المرجعية الإعلامية من الخارج إلى الداخل يتطلب أن تتمكن وسائل الإعلام المحلية من نشر الأخبار ذات القيمة. وأكدت أن جزءا مهما من هذه الأخبار هو الأخبار السلبية.
وأشارت إلى أن وزير الثقافة الإيراني، صالحي، صرّح مؤخرا بأن المرجعية الإعلامية في إيران تنتقل تدريجيا من الداخل إلى الخارج. وأضاف الوزير: “من الأفضل أن تكون لدينا وسيلة إعلامية ناقدة داخلية بدلا من أن تتحدث ضدنا قناة مثل BBC. من الأفضل أن يكون لدينا ناقد داخلي بدلا من أن تتولى وسائل الإعلام الأجنبية، المجهولة أو التابعة، الحديث عنا والتأثير على الرأي العام. وإذا قبلنا بأن الإعلام هو أحد أدوات القوة، فإن تسليمه للخارج يعني تجريد أنفسنا من السلاح ونقل الأسلحة الاستراتيجية إلى ما وراء الحدود”.
وتابعت الصحيفة بالإشارة إلى عدة نقاط مهمة في كلام وزير الثقافة، إذ بيّنت أن انتقال المرجعية الإعلامية من الداخل إلى الخارج يحصل عندما تعجز وسائل الإعلام المحلية عن إنتاج محتوى قيّم يلبّي حاجة الجمهور، بينما تقوم الوسائل الأجنبية بنشر هذا النوع من الأخبار.
وأضافت أنه في هذه الحالة، سيتوجه الجمهور إلى الوسائل الأجنبية بدلا من المحلية، لأنها تلبي حاجاته المعرفية وتوفر له المعلومات المطلوبة. وأشارت إلى أن قسما كبيرا من هذه المعلومات يوصف إعلاميا أو من قبل المسؤولين بأنها “أخبار سلبية”.
وأكدت أنه لا توجد دولة في العالم تخلو من الأخبار أو الوقائع السلبية، وأنه لا مفر من ذلك. ويمكن السعي إلى تقليل هذه الأخبار إلى الحد الأدنى، لكنها لن تصل إلى الصفر أبدا. وإذا زُعم أن دولة ما تخلو من أخبار سلبية، فإن هذا بحد ذاته مؤشر على التعتيم، ويعد خبرا سلبيا بحد ذاته.
وأردفت الصحيفة أن العالم اليوم يختلف عن السابق، حيث لم تعد الأخبار السلبية قابلة للإخفاء، بل تجد طريقها إلى النشر في نهاية المطاف، سواء عبر الإعلام المحلي أو عبر وسائل التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام الأجنبية.
وشددت على أن السلبية في حد ذاتها تُعدّ إحدى القيم الخبرية الأساسية، وأن الأخبار السلبية تحظى بجاذبية وأهمية كبيرة لدى الجمهور. وأضافت: “سواء أعجبنا ذلك أم لا، فإن الأخبار السلبية تحمل قيمة إخبارية. فعلى سبيل المثال، إذا وصلت طائرة إلى وجهتها بسلام، فلا يُعد ذلك خبرا، لكن إذا سقطت أو تعرضت لحادث، فإنها تصبح خبرا ذا أهمية. كما أن كثيرا من القيم الخبرية يمكن تصنيفها ضمن إطار الأخبار السلبية، مثل ما هو غير اعتيادي أو ما ينطوي على تصادم أو حادثة”.
وذكرت الصحيفة أنه في التعامل مع الأخبار السلبية، هناك مساران محتملان المسار الأول: أن تُنشر هذه الأخبار عبر وسائل الإعلام المحلية.
والمسار الثاني: أن يُمنع نشرها داخليا، فتصبح من اختصاص وسائل الإعلام الأجنبية.
وأكدت الصحيفة، استنادا إلى الرؤية العلمية والمنهجية، أن الخيار الأول هو الأفضل والأكثر صوابا، إذ إن نشر الأخبار السلبية عبر الإعلام المحلي يُعد المسار الصحيح.
وأوضحت أن القاعدة المهنية تفترض أن الوسائل الإعلامية الأقرب إلى موقع الحدث تمتلك أدوات أكثر دقة ومهارة في تغطية الخبر بشكل احترافي. وإذا وقع حدث في اليابان، فمن الطبيعي أن تتمكن وسائل الإعلام اليابانية من تغطيته أفضل من نظيراتها الأجنبية. غير أن ما يحدث في إيران أحيانا، يناقض هذه القاعدة.
وأضافت الصحيفة أن وسائل الإعلام المحلية تمتلك قربا وسهولة وصول إلى مكان الحدث والأشخاص المعنيين، كما أن الصحفيين المحليين أكثر إلماما بالقضايا الداخلية وتفاصيلها، مما يمكنهم من الالتزام بالمعايير المهنية، خصوصا فيما يتعلق بصحة المعلومات ودقتها، أكثر من الإعلام الأجنبي.
كما تابعت أن احتمالية نشر أخبار مزيفة عبر الإعلام المحلي أقل من مثيلاتها في الإعلام الأجنبي، نظرا لقرب الصحفيين المحليين من الحدث وامتلاكهم معلومات مباشرة. أما في حال نُشرت هذه الأخبار عبر وسائل الإعلام الأجنبية، فإن احتمال الخطأ أو التزوير أو نقل معلومات غير دقيقة سيكون أعلى بكثير.
وأشارت إلى أن تصحيح الأخبار الخاطئة الصادرة عن وسائل الإعلام المحلية أسهل وأسرع من تصحيحها في وسائل الإعلام الأجنبية، نظرا إلى قرب المصدر وسهولة الوصول إليه.
ولفتت إلى أن بعض وسائل الإعلام الأجنبية ليست مؤسسات إعلامية مستقلة بل أدوات دعاية ذات أهداف سياسية معادية، فهي لا تتعامل مع الأخبار السلبية بطريقة مهنية، ولا تغطي وجهات النظر كافة، ولا تلتزم بالحياد والموضوعية. بل تسعى لدمج الآراء الشخصية مع الحقائق وتحويل الأحداث إلى محتوى دعائي سياسي سلبي.
وتابعت الصحيفة مؤكدةً أن بُعد هذه الوسائل عن الداخل الإيراني وصعوبة وصولها إلى المصادر يزيد من احتمالية وقوعها في الخطأ ونشر الإشاعات أو الأخبار الكاذبة.
وشددت على أن وسائل الإعلام والصحفيين المحليين لديهم دراية أعمق بالحساسيات والدوافع الاجتماعية والثقافية للمجتمع الإيراني، ما يجعلهم أكثر حرصا في تعاطيهم مع الأخبار السلبية عند النشر، كما أنهم يحملون دافعا أكبر لاحترام مصالح وحقوق الناس مقارنة بنظرائهم الأجانب.
وقامت بالإشارة إلى أنه في حال لم تتوافر إمكانية نشر الأخبار السلبية عبر وسائل الإعلام المحترفة المحلية، فإنها ستُتداول عبر شبكات التواصل الاجتماعي ومن خلال مواطنين أو ناشطين غير محترفين. وهذا يعني- بحسب الصحيفة- تقييد عمل الإعلاميين المهنيين المحليين ومنح الفرصة للإعلام الأجنبي، وهو ما يعادل تقديم امتياز مجاني لتلك الوسائل.
اتجاه الجمهور للإعلام الأجنبي يهدد مرجعية الإعلام المحلي.
قالت الصحيفة إنه إذا تم نشر الأخبار السلبية في وسائل الإعلام الأجنبية بدلا من وسائل الإعلام الداخلية، فإن الجمهور سيتجه بطبيعة الحال إلى متابعة تلك الوسائل الأجنبية وسيضع ثقته فيها. وأكدت أن هذا الواقع يؤدي إلى انتقال مرجعية الإعلام من الداخل إلى الخارج، وهو أحد الأسباب الرئيسة في تزايد ثقة الناس بالإعلام الخارجي على حساب الإعلام المحلي.
وأضافت أن وسائل الإعلام والصحفيين يُعدّون، في محطات زمنية معينة، المرجع الأساسي والجوهري للجمهور، لا سيما عند وقوع أحداث سلبية كبرى. فإذا لم تُظهر الوسيلة الإعلامية المحلية كفاءتها وحضورها القوي خلال هذه اللحظات الفارقة، فإنها تفقد مكانتها وأهميتها في الأوقات الأخرى.
وتابعت أن السماح بنشر الأخبار السلبية داخل وسائل الإعلام المحلية يساعد المسؤولين على التفاعل السريع والدقيق معها، ويمنحهم فرصة للرد والتوضيح عبر تلك الوسائل نفسها. وهذا بدوره يخلق توازنا بين الحدث ورد الفعل، مما يزيد من مصداقية المؤسسات الإعلامية المحلية.
وأردفت أن طريقة نشر الأخبار السلبية ومكانها يُعدّان أحد المعايير التي تميّز بين الدول المتقدمة وغير المتقدمة. ففي الدول المتقدمة، تُنشر الأخبار السلبية عبر وسائل إعلام محلية محترفة ومن خلال صحفيين مهنيين من داخل البلد، بينما في الدول غير المتقدمة نجد العكس؛ حيث تُنشر أخبارهم السلبية في وسائل إعلام أجنبية في بلدان أخرى.
وأشارت إلى أن متابعة مصادر الأخبار السلبية في دول مثل الولايات المتحدة ودول أوروبا الغربية وكوريا الجنوبية واليابان وأستراليا تُظهر بوضوحٍ أن هذه الدول تُفضّل نشر تلك الأخبار داخليا. واستشهدت بمثال حديث وهو فضيحة “سيغنال” التي كُشف عنها من خلال صحفي محلي ومجلة أمريكية محلية هي “ذا أتلانتك”.
في المقابل، أكدت الصحيفة أن من يرغب في متابعة الأخبار السلبية الخاصة بدول مثل الصين ودول الشرق الأوسط، فعليه الرجوع إلى وسائل إعلام أجنبية، لأن هذه الدول لا تتيح لوسائلها الداخلية نشر هذا النوع من الأخبار.
وأضافت أن الصورة العالمية لأي دولة لا تتأثر سلبا إذا ما نُشرت أخبارها السلبية في إعلامها المحلي، بل العكس هو الصحيح. إذ إن الدول التي تسمح بنشر السلبيات داخليا تُعدّ أكثر شفافية ومصداقية، بينما الدول التي تمنع ذلك تُتهم بعدم الشفافية.
وضربت مثالا بكوريا الشمالية التي لا تسمح بنشر أي خبر سلبي في وسائل إعلامها. فمن يتصفح وسائل الإعلام الكورية الشمالية لن يجد فيها أي إشارة إلى مشكلات أو أزمات داخلية. في المقابل، فإن وسائل الإعلام في كوريا الجنوبية والغرب تنشر باستمرارٍ الأخبار السلبية عن كوريا الشمالية، مما يخلق صورة عالمية مشوهة وسلبية عنها.
الاكتفاء الإعلامي الذاتي
في الجانب الآخر، أوضحت الصحيفة أن كوريا الجنوبية تنشر أخبارها السلبية عبر وسائل إعلامها المحلية. ولا تكاد توجد فضيحة أو أزمة إلا ويكون مصدرها الإعلام الكوري الجنوبي نفسه. حتى في أشد الظروف السياسية والأمنية مثل إعلان الأحكام العرفية والقيود المشددة على الإعلام، رفض الصحفيون الكوريون الخضوع، وأصروا على تغطية كافة الأحداث السلبية والاحتجاجات والنزاعات داخل البلاد.
وأكدت أن تلك التغطيات جعلت من الإعلام الكوري الجنوبي المصدر الأول وربما الوحيد لأخبار البلاد، سواء الإيجابية أو السلبية، ومنها أخبار التظاهرات ضد قرارات الحكم العسكري، والصدامات بين المحتجين والقوات العسكرية، واقتحام البرلمان، وأحداث القبض على الرئيسة السابقة ومحاكمتها وسجنها، حيث جرت تغطية كل هذه الأحداث من قِبل الإعلام المحلي.
واختتمت الصحيفة بأن كل هذا يؤكد أن صورة كوريا الجنوبية في العالم إيجابية، على الرغم من تغطية أخبارها السلبية داخليا، بينما صورة كوريا الشمالية تبقى سلبية رغم التعتيم الإعلامي.
وبالنظر إلى هذه الأوضاع، حققت الدول المتقدمة اكتفاءً ذاتيًا في قطاع الإعلام والمعلومات. ونتيجة لذلك، يصعب على جهات خارجية إنشاء وسائل إعلام ذات تأثير فعال داخل هذه الدول. فلا طائل من إطلاق مبادرات إعلامية مؤثرة تستهدف شعوب أمريكا وأوروبا الغربية، إذ أن وسائل الإعلام المحلية لديها تقوم بالفعل بتغطية المحتوى القيم المتعلق بشؤونها.
.