كتبت: رضوى أحمد
مع عودة حركة المعارضة السورية المسلحة “تحرير الشام الشام” إلى الساحة السورية والسيطرة على عدة مناطق مهمة، ظهرت ردود فعل دولية متفرقة بين مؤيد للمعارضة السورية (تركيا) ومعارض لها (إيران)، وهو ما يؤثر على علاقة البلدين.
حيث يعتبر كل منها الآخر في تيار مضاد له، فتزعم إيران تحالف تركيا مع إسرائيل وأمريكا -الدولتين التي تعاديهما إيران- سواء بسبب انضمامها إلى حلف الناتو أو لدعمها الحركات المعارضة لبشار الأسد رئيس النظام السوري، بزعم أن ذلك يضعف المقاومة على الجبهات الخمس ضد إسرائيل.
تتجلى رؤية إيران للوجود التركي في سوريا في ما تنشره وسائل الإعلام الإيرانية، حيث تزعم وجود تحالف بين إسرائيل وتركيا لإزاحة بشار الأسد عن منصبه، وأن توسع مناطق سيطرة جبهة أحرار الشام يعتبر خطرا، حيث ستقوم إسرائيل بوضع قدمها في سوريا بتلك المناطق لتحقيق حلم الأرض الموعودة.
البداية من علي ولايتي
كانت بداية الهجوم على تركيا من حوار لمستشار خامنئي، وزير الخارجية الأسبق، علي أكبر ولايتي.
ففي حوار وكالة أنباء تسنيم مع علي أكبر ولايتي، مستشار المرشد للشؤون الدولية، والمنشور بتاريخ 3 ديسمبر/كانون الأول 2024، تحدث عن التطورات في المنطقة، وأشار إلى دور تركيا قائلا: “للأسف ظلت تركيا منذ فترة، أداة في أيدي أمريكا وإسرائيل”.
وأشار إلى ما وصفه بالدور الخاطئ لتركيا وتعاونها مع سياسات أمريكا وبريطانيا وفرنسا في ليبيا وقال: “من المؤسف أن الحكومة التركية لم تتراجع عن هذا الإرث من الجهد الخارجي لتفكيك ليبيا، وللأسف زعمت تركيا أن سوريا لا تحترم حقوق الأقليات وكررت نفس ما فعلته في ليبيا في سوريا”.
وأضاف: “كنا نأمل من السيد هاكان، وزير الخارجية التركي، أن يحل هذه المشاكل، لكننا لم نعتقد أن تركيا ستقع في الحفرة التي أحدثتها أمريكا وإسرائيل”. وشدد على أنه على أمريكا وإسرائيل ودول المنطقة أن تعلم أن إيران ستدعم الحكومة السورية حتى النهاية.
انتقاد إيراني لتركيا
كذلك نشرت وكالة الأنباء الإيرانية “ركنا” يوم الثلاثاء 3 ديسمبر/كانون الأول 2024، حوارها مع علي جنتي، سفير إيران السابق ووزير الثقافة والإرشاد في الحكومة الحادية عشرة، وفي حديثه عدّد الجماعات التي تعارض بشار، وأن حزب الله اللبناني كان على وشك إخراجهم من الحدود السورية، إلا أن تركيا دعمت تلك الجماعات؛ حتى لا يدخل آلاف السوريين إلى أراضيها، وضغطت على بشار الأسد لتستقر تلك الجماعات في محافظة إدلب المجاورة لتركيا (كما يزعم)، وأن روسيا دعمت تركيا في هذه المهمة.
وأضاف أنه خلال تلك السنوات قامت تركيا بتسليح الجماعات المعارضة، وكذلك اهتمت إسرائيل بحشدها وتزويدها بالمعدات، ومع التغيرات التي طرأت من هجوم حماس على إسرائيل في 7 أكتوبر/تشرين الأول ثم اغتيال حسن نصر الله وقادة حزب الله والضعف الذي لا يسمح له الآن بالتدخل والقتال مع جيش النظام السوري، اغتنمت تلك الجماعات الفرصة واستولت على حلب بهجوم مفاجئ بمساعدة تركيا وإسرائيل.
-التحركات التركية في سوريا كما تراها إيران:
وصف علي جنتي، سفير إيران السابق، ثورات الربيع العربي بأنها أعمال شغب، وقال: “بعد تسبب أعمال الشغب في بلدان مثل تونس وليبيا ومصر واليمن، وأصبحت حركة الإخوان المسلمين مهيمنة في مصر لفترة من الوقت؛ كان لأردوغان والتيار التابع لحزب العدالة والتنمية توجهات إخوانية، وكانوا طامعين في الإطاحة ببشار الأسد، لذلك دعموا حركة الإخوان المسلمين السورية، وقاموا بتعزيز الجماعات الإرهابية مثل داعش وغيرهم من معارضي الأسد”.
وزعم أن السبب الآخر وراء دعم تركيا لتلك الجماعات هو مطالبتها منذ فترة طويلة ببعض المدن السورية التي تعتبرها تركيا جزءا من أراضيها وأنها سلمتها إلى سوريا بسبب بريطانيا والدول العظمى، وذلك سبب تدخل تركيا في الشأن السوري، وأنه عكس الدول الأخرى التي أدت ثورات الربيع العربي فيها إلى سقوط حكامها، كان دعم إيران لبشار الأسد هو سبب عدم حدوث مثل ذلك في سوريا.
وأضاف علي جنتي أن احتمال حدوث انقلاب في سوريا احتمال ضئيل، لكن ما قد يحدث هو استمرار جماعات المعارضة التي اكتسبت قوة في التقدم والسيطرة على مناطق أخرى، وأنه بمجرد استقرار تلك الجماعات في حلب وتعزيز موطئ قدمها بدعم من تركيا، ستتقدم إسرائيل تدريجيا نحو مدينتي حمص وحماة وتحاول الاستيلاء على دمشق أيضا وإطاحة بشار الأسد من السلطة، وهو ما لا تريده إيران.
وأشار إلى ظروف حزب الله الذي يسعى لإعادة بناء نفسه، وأنه لن يستطيع العمل إلى جانب الجيش السوري كما كان في الماضي، وكذلك أوضاع إيران حيث تقوم إسرائيل بقصف مستودعات الذخيرة الإيرانية واغتيال قواتها وقادتها في سوريا، ومن ثم لم يبقَ أمام هجوم الجماعات التكفيرية سوى جيش النظام السوري وعدد من المستشارين العسكريين الإيرانيين.
وأكد أن إيران ستواصل دعمها السياسي لنظام بشار الأسد. تظهر رحلة لاريجاني والسيد عراقجي إلى سوريا أن إيران ستستمر في دعم بشار الأسد عسكريا بقدر ما تستطيع، لكن إيران الآن لا تتمتع بظروف الماضي.
روسيا تلعب دورا مزدوجا
علي جنتي، سفير إيران السابق، أشار كذلك إلى أن روسيا يبدو أنها تدعم بشار الأسد، لكن لديها تعاون وثيق أيضا مع إسرائيل، حيث كان تدخّل سلاح الجو الروسي للتصدي لتلك التحركات متأخرا، وقديما مع ذروة المظاهرات والاحتجاجات الشعبية السورية، كانت روسيا على استعداد لقبول الإطاحة ببشار الأسد، لكن الدعم الإيراني منعهم من تنفيذ ذلك، وأكد جنتي: “أعتقد أن هناك نوعا من التحالف بين تركيا وروسيا وإسرائيل لجماعات المعارضة للإطاحة ببشار الأسد”.
تحذير طهران لأنقرة:
كذلك فقد نشرت وكالة أنباء تسنيم تقريرا يوم الثلاثاء 3 ديسمبر/كانون الأول 2024، زعمت فيه تحالف تركيا وأمريكا وإسرائيل في دعم العمليات الجارية بسوريا، بينما ينظر كل منهم إلي الوضع حسب مصالحه، وأن رغبة تركيا في استعادة حلب هو أحد مصالحها التي ستتحقق بالصراع المسلح القائم، وأشار التقرير إلى 5 نقاط تواجه تركيا جراء تلك العمليات:
1-أن تركيا خفضت نفسها إلى مستوى دولة وكيلة ومنفذة لخطط أمريكا وإسرائيل، ونأت بنفسها عن كونها جهة مستقلة مؤثرة في المنطقة.
2-أن تلك العمليات في سوريا ستوجه ضربة لتيار مقاومة الاحتلال الإسرائيلي، في الجبهة السورية واللبنانية وفي نهاية المطاف المقاومة الفلسطينية، والذي يعتبر نقطة سوداء لتركيا تفقدها ثقة جيرانها، وأضافت الصحيفة أن الرئيس التركي أردوغان يحتاج ثقة جيرانه وهو الذي مر بفترات مثل التهديد بالانقلاب وغيره (وهو ما عارضته إيران)، وفي تلك اللحظات، سيكون محتاجا لثقة ومساعدة جيرانه.
3- مع خروج جبهات المعارضة -التي تصفها إيران بالإرهابيين- من إدلب وانتشارهم في شمال سوريا وزيادة قوتهم، وليس هناك ما يضمن بقاءهم في منطقتهم ستهدد أمن تركيا بالنظر إلى الحدود بين تركيا وسوريا التي يبلغ طولها 910 كم.
4-يعتمد جزء كبير من اقتصاد تركيا على السياحة، ومع وجود مسلحين يعتزمون إزعاج الدول المجاورة، فإن الدولة التي تعتمد على السياحة ستكون الأكثر تضررا.
5-مع إعطاء جزء من شمال سوريا للأكراد بتنسيق من دمشق لمواجهة الجماعات المعارضة، وكذلك المشاكل التي بين الأكراد والحكومة التركية لأسباب تاريخية؛ سيكون لديهم الدافع الكافي لمحاربة الجيش التركي.
جدير بالذكر أن أهمية سوريا بالنسبة لإيران تبرز باعتبارها قاعدة لإيران وقوى المقاومة للحرب ضد إسرائيل، وكذلك تعد الشريان الرئيسي لتسليح حزب الله اللبناني، وأن تلك العمليات الحالية من وجهة نظر ايران ما هي إلا إحدى محاولات فصل سوريا عن محور المقاومة، وأن المستفيد من هذا التغيير هو تل أبيب وواشنطن.